الدفاتر: 02 / 06 / 1943
دفاتر 1943
ماريا فالتورتا
I QUADERNI - THE NOTEBOOKS - LES CAHIERS
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
(02 / 06 / 1943)
يقول يسوع:
«في هذا الشهر المكرّس لقلبي والّذي هو في هذه السنة يجمع كلّ الروعات الّتي هي شهادات محبّتنا، نحن الثالوث الإلهيّ، ما الذي تفعلونه أنتم؟ إنّه شهر حبّ وقد جعلتموه شهر جهنّم طافح بالكراهية. وكذلك شهر مريم، أمّي، وكذلك شهر نيسان [أبريل] حيث متّ، والذي يعاود جلب فصحي إليكم منذ حوالي العشرين قرناً. بالنسبة لكم الأمر هو هكذا على الدوام.
الحبّ، الصلاح، لا تريدونهما إلاّ مِن الله وفي الله. ولكنّكم لا تريدون أن تحبّونا، أن تتحابوا، أن تكونوا صالحين. نعم، لا تريدون أن تحبّونا. إنّ صلواتكم عديمة النفع لأنّ الأنانية هي الّتي تدفعها إلى شفاهكم وليس الحبّ. تريدون أن تُحفَظوا مِن الشرّ، ولكنّكم لا تقولون: ‘وليكن ذلك لأعدائنا أيضاً‘. لا. فلهم تلتمسون المذابح والخراب. كلّ ما لا تتمنّونه لأنفسكم. فما مِن اندفاع فيكم لا يكون نابضه السرّيّ الحقد والأنانيّة. وبهذا فإنّ صلواتكم تشبه كرات لا تكاد ترتفع حتّى تنفجر وتعاود السقوط على الأرض.
حاولوا أن تُصَلّوا إلينا بحبّ، حُبّ للجميع، وأنا سوف أساعدكم. ’فإذا كنتم لا تفعلون الخير إلاّ للّذين يحبّونكم، فأيّ أجر لكم؟‘ كونوا شبيهين بنا نحن الّذين نُمطِر الماء ونُشرِق الشمس على الأبرار والظالمين، تاركين لنا وحدنا حقّ الإدانة عندما تحين الساعة.
الشريعة والكلمة متشابهتان على الدوام، متطابقتان دوماً1، أيا أيّها الأبناء الّذين لا تحبّوننا. عشرون قرناً هي لا شيء أمام الحقائق الأزليّة. أنا، الكلمة، لم آتِ كي أغيّر الشريعة. ولا حتّى أنا، الكلمة. أمّا أنتم، فقد غيّرتموها إذا أقحمتم في شريعتي وكلمتي كلامكم الأبله، شرائعكم العمياء والقاسية. لقد ظننتم أنّكم بذلك تغيّرون الشريعة والكلمة وتحرزون التقدّم.
نعم. لقد أحرزتم تقدّماً. إنّما كما واحد ما عاد يرى النور، أحرزتم تقدّماً ليس باتّجاه الهدف، الّذي هو الله، ولكن صوب النقطة المعاكسة. لقد هبطتم صوب الحيوانيّة. إنّكم تقتلون نَفْسكم. كيف؟ تُحسِنون الصراخ عبر الفضاءات: ’خلّصوا نفوسنا‘ ومِن ثمّ تقتلوها بأيديكم. إنّما عندما تُغرِق عاصفة مركباً، فأجسادكم فقط هي الّتي تموت، وملائكتي تكون متأهّبة لحمل النفوس، الّتي قضت وعلى شفاهها اسمي واسم مريم أُمّي، إلى السماء. بينما أنتم، في غرق بنوّتكم لله أبيكم، أنتم تقتلون نفوسكم. آه! يا لقلبي المسكين!
أكلّمكِ أنتِ، يا ماريّا، أنتِ التي تعرفين ماذا يعني أن تكوني غير محبوبة، مهانة، مجهولة، أن تتعرّضي للخيانة، والتي تألّمتِ مِن ذلك لدرجة إصابتكِ بالمرض. يمكنكِ إدراك عذابي بمقارنته بعذابكِ.
الحبّ غير المعروف عذاب. وحبّي غير المحدود غير معروف بشكل لا محدود. فليس فقط شخصان أو ثلاثة تخلّفوا عن الحبّ كما في حالتكِ. في حالتي الملايين خلال القرون العشرين لم يعرفوا أن يحبّوني، أهانوني، احتقروني. وقلبي، الّذي يحب بكمال القلب الإلهيّ، قد تضخّم بفعل معاناة الألم. إنّ طعنة الحربة لم تكن مؤلمة أبداً بالمقارنة مع الجراح الّتي جعلني الجنس البشريّ أكابدها في القلب خلال عشرين قرناً. أنا الله ولا أخضع للضعف البشري، لكنّني، في إنسانيّتي، أخضع للألم. وأنتم تسبّبون لي ألماً لا حدود له ومستمرّاً.
ينبغي لي اللجوء إلى قلب أُمّي للتغلب على ساعات معينة مِن العذابات الّتي تسبّبها قباحاتكم؛ ينبغي لي النظر إلى المجاهرين بالإيمان بي لتلطيف مرار ما أنتم عليه، أيّها البشر، تجاهي أنا الذي أحببتُكم حتّى الموت. لا نريد تيجاناً ثمينة على رؤوس التصاوير الّتي تمثّلني وتمثّل أُمّي وأُمّكم، بينما أنتم تغرسون فينا باستمرار أشواكاً كانت أشواك إكليلي مقارنةً بها بمثابة ورود.
نحن لا نريد منكم سوى إكليل واحد فقط: حبّكم. حبّ يكون حقيقيّاً، في كلّ الأوقات، في كلّ الأحداث. يكفي أن يكون هذا الحبّ في بعض القلوب، في كلّ أمّة، حتّى ينتصر الخير على الشرّ. رسل حقيقيّون اثنا عشر، متّكئين على صدر مريم، ألم يكونوا كافيين لحمل المحبّة إلى العالم؟ لكنّكم الآن أسوأ مِن الوثنيّين واليهود.»
يقول يسوع أيضاً:
«هذا لكِ أنتِ. خذي بعين الاعتبار قيمة الأمور، حتّى الصغيرة منها، إذا ما كانت تقدّم لي بحبّ.
أنا لم أحتضنكِ عندما أذعنتِ بفعل ألم عظيم واختبار هائل، لأنّكِ لم تكوني قادرة على فعل غير ذلك، أو عندما قدّمتِ لي ذاتكِ في لحظة اندفاع عظيم. لقد ضممتُكِ إلى قلبي مِن أجل أمر قد يبدو تافهاً في عيون البشر. فأنا أحكم على ذلك كما الله وليس كإنسان. إنّ تكريسكِ لي هذه المعاناة تلقائيّاً، دون أن أكلّمكِ ودون أن يُمارِس عليكِ أيّ عامل خارجيّ ضغوطاً، قد أثّر فيّ دافعاً إيّاي لمكافأتكِ في الحال. أنتِ تعلمين كيف.
تذكّري دوماً وكوني على الدوام مطيعة لمشيئتي الّتي عليكِ رؤيتها في كلّ الأمور، حتّى الأمور الأكثر صغراً، والتي عليكِ أن تدركي على الدوام أنّ دافعها هو الرغبة في خيركِ. عليكِ أن تكوني كعشبة مزهرة تنحني وتعاود الاستقامة لدى كلّ نسمة حبّ، ذلك أنّ مشيئتي هي حبّ. وعلى كلّ ما فيكِ الاستجابة لحبّي بالحبّ. حتّى النظرة الّتي تُلقينها على قريبكِ يجب أن تكون نظرة حبّ، على الدوام. هكذا، حتّى النظرة البسيطة تجعلكِ مستحقة لملاطفة منّي.
لا تحكمي على أيّ شيء أنّه بلا قيمة مقارنةً بالفائق الطبيعة. الحياة عُمِلت مِن أمور عاديّة، ولكنّها تصبح سامية عندما ترتدي ثوب الحبّ. أُمّي كانت عظيمة وأهلاً لإعجاب الملائكة سواء لحظة قولها "ليكن"، وكذلك عندما، بمغادرتها التأمّل بالأسرار الأسمى والتأمّل بالألم الّذي كان ليجرحها عبر ابنها، قد كرّست نفسها لأعمال المرأة المتواضعة، حيث كانت تغسل، بحبّ، أقمطتي، وتطبخ، بحبّ، وجبات عروسها، ترتّب البيت بحبّ، وكانت تنصت بحبّ إلى احتياجات القريب.
الحبّ دوماً جاهز، مطواع، وديع، فَرِح، كريم، وصبور. فالحبّ هو الّذي يفتح السماوات ويجعل ثالوثنا ينزل، ويحلّ في قلوبكم، ليس فقط بكلّ تألّقه، ولكن مع كلّ حنانه أيضاً.
أريد جعلكِ مطواعةً أكثر بعد، أكثر ليونة وأكثر متانة مِن شلّة [خصلة] حرير. إذا ما أردتُ أن أمازحكِ، إذا ما شئتُ أن أُظهِر أنّني الـمَلِك، المالك، فليس لكِ أن تنفعلي، تتشكّي، تستائي. وإذا بعد إبقائكِ في الفراش لسنوات أردتِ إخراجكِ منه، فما الذي قد يدعو للدهشة؟ سأكون حرّ في فعل ذلك وأنتِ عليكِ أن تكوني كريمة وتنطقي الـ "لتكن" الخاصّة بالشفاء كما كان لكِ أن تنطقي الـ "لتكن" الخاصّة بالعاهة.
لقد شفيتُ نَفْسكِ، لأمكنني شفاء جسدكِ الذي هو على الدوام أقلّ شللاً ممّا كانت عليه نَفْسكِ المسكينة قبلاً. وعليكِ أن تشكريني على ذلك، حتّى ولو كان الشفاء يعني تأخّر لقاءنا في الفردوس، حتّى ولو كان يعني خطر العيش في العالم، حتّى ولو كان يعني قيامكِ بإرجاع هبتكِ. لو كنتُ لأفعل ذلك، لكانت لي غاياتي، وأنتِ، لإرضائي، عليكِ أن تكوني فَرِحة على الدوام، مثلما أنتِ الآن.
ممّا يتكوّن العسل؟ مِن رحيق ألف زهرة. مِن أيّ شيء يتألّف الكمال؟ مِن ثمر ألف تضحية. إنّ نحلة تتغذّى على زهرة واحدة تُنتِج القليل مِن العسل الدَّبِق. أمّا النحلة الّتي تمزج رحيق زهور هي الأكثر حلاوة مع تلك المرّة بشكل خفيف، وزهور طعمها سائغ مع تلك الّتي نكهتها لاذعة، تُنتِج عسلاً وفيراً ونافعاً. هكذا هو الأمر بالنسبة للنَّفْس. يجب أن تتعوّدي في كلّ الأمور رؤية يسوعكِ، الّذي رتّبها مسبقاً مِن أجل خيركِ، وأن تستخدمي كلّ الأمور في سبيل تقدّمكِ.
انظري، لكيلا تخطئي عليكِ فعل هذا: أتنظرين إلى قريبكِ؟ فكّري بأنّكِ تنظرين إليّ. أتتحدّثين إلى قريبكِ؟ فكّري بأنّكِ تتحدّثين إليّ. أتؤدّين خدمة، تقومين بعمل ما لأجل قريبكِ؟ فكّري بأنّني أنا مَن طلبتُ منكِ ذلك. إذاك تتقدّمين. الويل إن توقّف المرء ليتمعّن بمن يتوجّه إليه بنظره، بكلامه أو عمله! فلا يتكلّم ولا ينظر إلا قليلاً، ويتصرّف بتلك المحبّة الّتي تجعلني أتقبّل عملكم. أنا، على الأرض، كنتُ أعمل كلّ شيء وأنا أفكّر بأبي وبفدائكم. وأنتِ افعلي كلّ شيء وأنتِ تفكّرين بي وبفداء الخطأة.
لا يكفي أن تذعني عندما أفرض عليكِ ذلك برفع ما أرى أنّه مِن الصائب أن أرفعه مِن أجل خيركِ. ينبغي أن تشربي وتتغذّي بغبطة مِن كلّ الكؤوس الّتي أقدّمها لكِ، أن تهرعي إليها، مُبارِكة الحبّ سواء أثناء منحكِ إيّاها كما أثناء نزعها منكِ، لا بل أن تطلبي منّي إعطاءها لكِ لتمنعيني مِن شربها حينما تكون مُرّة.
بذلك، تصبحين محبوبتي، عزيزة عليّ لدرجة أنّني سأحبّكِ حتّى الرغبة الحارّة بأن أحظى بكِ على الدوام في ملكوتي. الحبّ وحده هو الّذي يدفعني لإبقائكِ هنا بعد كي أجعلكِ أفضل. وحده الحبّ ينبغي له أن يدفعكِ لتصبحي أفضل لتطيري عاجلاً إلى جانبي.»
----------
1- إنجيل متّى (5 / 43 - 48) ، إنجيل لوقا (6 / 27 - 35).