ج8 - ف32
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثامن
32- (الوصول إلى شكيم [نابلس])
01 / 03 / 1947
ها هي شكيم [نابلس] جميلة ومُزدانة. إنّها مكتظّة بأناس مِن السامرة يقصدون الهيكل السامريّ. إنّها مكتظّة بحجّاج مِن كلّ المناطق يمضون إلى هيكل أورشليم. إنّ الشمس تغمرها بأكملها، هي المنبسطة على المنحدرات الشرقيّة لجبل جِرِزِّيمَ، الّذي يشرف عليها مِن الجانب الغربيّ، الأخضر بكلّيته بقدر ما هي بيضاء. وإلى شمالها الشرقيّ جبل عِيبَالَ، الأكثر جموحاً بعد في مظهره، والّذي يبدو كما لو أنّه يحميها مِن رياح الشمال. المكان خصب، غنيّ بالمياه الّتي تنحدر مِن الجبال، صوب نهر الأردن، في مَجريين ضاحِكَين تغذّيهما مئة ساقية. روعة الخصوبة تفيض خارج أسوار الحدائق وسياجات البساتين. كلّ منزل مزدان بالخُضرة، بالزهور، بالأغصان، حيث تنضج الثمار الصغيرة، والعين، إذ تجول المحيط المرئيّ بوضوح بسبب شكل الأرض، فهي لا ترى سوى خُضرة أشجار الزيتون، الكروم، البساتين، ولون الحقول الأخضر الّتي تُفارق يوميّاً اللون الأخضر الفاتح العشبيّ للحبوب غير الناضجة كي تتّخذ لون القَش الأصفر الباهت، للسنابل الناضجة، حيث الشمس والريح، اللتان تلفحانها وتحنيانها، تجعلانها تقريباً بلون الذهب الأبيض. حقّاً إنّ الحبوب «تشقرّ.» كما يقول يسوع، الآن هي حقّاً شقراء، بعد أن كانت «مُبيضّة.» عند منبتها، ثمّ باخضرار جوهرة ثمينة فيما كانت تنمو وتُشكّل السنابل. الآن الشمس تُعِدّها للموت بعدما كانت قد أَعدَّتها للحياة. ولا ندري إن يتوجّب أن نباركها أكثر الآن وهي تقودها إلى التضحية، أو وقتما كانت تُدفّئ الأثلام، بأُبوّة، لتُنبِت الحبوب، وتخطّ على ساقها الشاحبة الّتي كانت قد نبتت لتوّها، لوناً أخضر جميلاً، ملؤه الحيويّة والوعود.
إنّ يسوع، الّذي تحدّث عن ذلك وهو يدخل المدينة، مشيراً إلى موضع لقاء السامريّة ومُلَمّحاً إلى ذاك الحديث البعيد، يقول لرسله، كلّهم ما عدا يوحنّا الّذي أخذ مكانه معزّياً قرب مريم، الحزينة جدّاً: «ألا يتحقّق الآن ما قلتُه آنذاك؟ لقد دخلنا إلى هنا مجهولين ووحيدين. بَذَرنا. والآن انظروا! إنّ محصولاً وافراً قد نتج عن ذاك البذار، وسوف ينمو بعد وسوف تحصدونه، وآخرون سوف يحصدون أكثر منكم...»
«وأنتَ، يا ربّ؟» يَسأَل فيلبّس.
«أنا حصدتُ حيث زرع سابِقي، ومِن ثمّ أنا زرعتُ كي تحصدوا وتبذروا البِذار الّذي أعطيتُكم. إنّما كما أنّ يوحنّا لم يحصد ما بَذَره، فهكذا أنا لن أحصد هذا المحصول. إنّنا...»
«ماذا يا ربّ؟» يَسأَل مضطرباً يوضاس بن حلفى.
«الضحايا يا أخي. لا بدّ مِن العَرَق لجعل الحقول خصبة. إنّما لا بدّ مِن التضحية لجعل القلوب خصبة. إنّنا ننهض، نعمل، نموت. وواحد بعدنا، يعقبنا، ينهض، يعمل، يموت… وهناك مَن يحصد ما رويناه بموتنا.»
«آه! لا! لا تقل هذا يا ربّي!» يصيح يعقوب بن زَبْدي.
«وأنتَ، تلميذ يوحنّا قبل أن تكون تلميذي، تقول هذا؟ ألا تذكر كلام معلّمكَ الأول؟ "يَنْبَغِي أَنَّ ذَاكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ". هو كان يُدرِك جمال الموت وبرّه لمنح البرّ للآخرين. أنا لن أكون أدنى منه.»
«إنّما أنتَ يا معلّم، هو أنتَ: الله! هو كان إنساناً.»
«أنا المخلّص. كوني الله يجب أن أكون أكثر كمالاً مِن الإنسان. فإذا ما يوحنّا، الإنسان، قد أَحسَن أن يَنقص ليجعل الشمس الحقّة تُشرِق، فأنا ينبغي عليَّ ألّا أحجب نور شمسي بسحابة جُبن. ينبغي أن أترك لكم ذكرى صافية عنّي. كي تُواصِلوا أنتم. كي يكبر العالم في الفكرة المسيحانيّة. المسيح سيرحل، سيعود مِن حيث أتى، ومن هناك سوف يحبّكم، بمتابعتكم في عملكم، مُعِدّاً لكم المكان الّذي سيكون مكافأتكم. إنّما المسيحيّة ستبقى. المسيحيّة ستكبر برحيلي… وبرحيل كلّ أولئك الّذين، دونما تعلّق بالعالم وبالحياة الأرضيّة، سوف يُحسِنون مثل يوحنّا ويسوع، أن يرحلوا… أن يموتوا كي يمنحوا الحياة.
«أترى إذن أنّه مِن الصواب أن تُقتَل؟...» يَسأَل الاسخريوطيّ كما لو كان قلقاً.
«لا أرى أنّه مِن الصواب أن أُقتَل. أجد أنّه مِن الصواب أن أموت لأجل ما سوف تجلبه تضحيتي. فجريمة القتل تظلّ دوماً جريمة قتل لمن يرتكبها، حتّى وإن كانت لها قيمة وشكل مختلف لمن يُقتَل.»
«ما الذي تقصده؟»
«أقصد أنّ مَن يقتل وهو مأمور أو مرغم على ذلك، مثل جنديّ في المعركة، أو جلّاد يجب أن يطيع القاضي، أو مَن يدافع عن نفسه ضدّ سارق، فليس للجريمة ثِقل على نفسه مطلقاً، أو هو مُثقَل بجريمة نسبيّة بقتل مثيل له، أمّا الّذي يقتل بريئاً دونما أمر أو إكراه، أو يشارك في قتله، فإنّه يمثل أمام الله بوجه قايين المريع.»
«إنّما ألا يمكننا التحدّث عن أمر آخر؟ المعلّم يتألّم مِن ذلك، إنّ لكَ عينيّ شخص يُعذَّب، يبدو لنا الأمر كما لو كان حالة نزاع، لو تسمع الأُمّ لبكت. إنّها أساساً تبكي مِن وراء وِشاحها! ثمّة أمور كثيرة للتحدّث عنها!... آه! هو ذا! الوجهاء يأتون. ذلك سيجعلكم تصمتون. السلام لكم! السلام لكم!» بطرس، الّذي كان إلى الأمام قليلاً واستدار كي يتكلّم، ينحني محيّياً مجموعة متراصّة مِن أهل شكيم [نابلس] المتأنّقين، الآتين صوب يسوع.
«السلام لكَ يا معلّم. إنّ المنازل الّتي استضافتكَ في المرّة الماضية مستعدّة لاستقبالكَ، وأخرى كثيرة معها، للنسوة التلميذات ولمن هم برفقتكَ. سوف يأتي مَن أنعمتَ عليهم مؤخّراً وفي المرّة الماضية. فقط واحدة سوف تنقص، لأنّها ابتعدت عن المكان لتعيش حياة تكفير. هذا ما قالته، وأنا أصدّق ذلك، فحينما تتجرّد امرأة عن كلّ ما كانت تحبّه وترفض الخطيئة وتمنح خيراتها للفقراء، فتلك إشارة على أنّها تريد حقّاً أن تتبع حياة جديدة. إنّما ليس بوسعي إخباركَ بمكانها. فلم يرها أحد منذ أن تركت شكيم [نابلس]. قد بدا لأحدنا أنّه رآها كما خادمة في بلدة قرب فيالي. وإنّ واحداً آخر يُقسِم بأنّه تعرّف إليها وهي مرتدية لباساً بائساً في بئر سبع. إنّما قولهما ليس جازماً. قد نوديت باسمها، ولم تجب، وقد سُمِعَت المرأة تُنادى باسم يُوَنّا في موضع، وباسم هاجر في الموضع الآخر.»
«مِن غير الضروريّ معرفة ما يزيد على أنّها قد افتُديَت. وكلّ معرفة أخرى هي غير ذات فائدة، وكلّ بحث هو فضول تَطفّلي. دعوا مُواطنتكم في سلامها السرّي، راضين فقط بأنّهها لم تعد تسبّب عاراً. ملائكة الربّ تعلم أين هي لمنحها المعونة الوحيدة الّتي تحتاج إليها، الوحيدة الّتي لا يمكن أن تسبّب الأذى لنفسها… أَحسِنوا إلى النسوة المتعبات باصطحابهنّ إلى المنازل. سوف أحدّثكم في الغد. اليوم سأستمع إليكم كلّكم وأستقبل المرضى.»
«ألن تمكث طويلاً معنا؟ ألن تمضي السبت هنا؟»
«لا. السبت سوف أمضيه في مكان آخر، في الصلاة.»
«كنا نأمل بأن نحظى بكَ معنا لوقت طويل...»
«بالكاد لديَّ الوقت للعودة إلى اليهوديّة مِن أجل الأعياد. سأترك لكم الرُّسُل والنسوة، إذا ما أرادوا البقاء، حتّى عشيّة السبت. لا تتبادلوا النظر هكذا. إنّكم تعلمون بأنّه عليَّ أن أُكرّم الربّ إلهنا أكثر مِن أيّ آخر، لأنّ كَوني مَن أنا لا يعفيني مِن أن أكون وفيّاً لشريعة العليّ.»
يتوجّهون نحو المنازل، حيث يدخل إلى كلّ واحد منها تلميذتان ورسول: مريم الّتي لحلفى وسُوسَنّة مع يعقوب بن حلفى، مرثا ومريم مع الغيور، إليز ونيقي مع برتلماوس، سالومة ويُوَنّا مع يعقوب بن زَبْدي. ثمّ، على شكل مجموعة، يمضي: توما، فيلبّس، يهوذا الاسخريوطيّ ومتّى إلى منزل، وبطرس، أندراوس إلى آخر، ويسوع، يدخل مع مريم، أُمّه، ومع يوضاس بن حلفى ويوحنّا، إلى منزل ذاك الرجل الّذي تكلّم دوماً باسم أهالي بلدته. الّذين يتبعون يسوع، وأهل أفرايم، شيلوه ولِبونة، إضافة إلى آخرين، الحجّاج الذين كانوا في طريقهم إلى أورشليم، وقد تبعوا يسوع، قاطعين سفرهم، يتفرّقون بحثاً عن مأوىً.