ج5 - ف24
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الخامس/ القسم الأول
24- (يسوع في الناصرة مع أبناء عمّه وبطرس وتوما)
20 / 11 / 1945
يسوع مع أتباعه مِن جديد على الطريق الذي يصل مرج بن عامر بالناصرة. المفروض أنّهم أمضوا ليلتهم في مكان ما، ذلك أنّه الصباح مِن جديد. يسيرون بصمت بعض الوقت، في البدء يسوع وحده، ثمّ يسوع ومعه بطرس وسمعان الذي ناداهما إليه، وبعد ذلك جميعهم معاً، إلى أن يَصِلوا إلى مَفرق يتقاطع فيه طريق الناصرة مع طريق تؤدّي إلى الشمال الشرقيّ. والآن أصبحت الجبال قريبة مِن الجهتين.
يشير يسوع للّذين يتحدّثون بالصمت ويقول: «الآن سنفترق. أنا أمضي إلى الناصرة مع إخوتي وبطرس وتوما. أنتم، بقيادة سمعان الغيور، اذهبوا عبر طريق طابور والقوافل، إلى (Deberet)، إلى طبريّا ومجدلة وكفرناحوم، ومِن هناك إلى بحيرة ميرون، وامكثوا لدى يعقوب لتروا إذا ما كان قد اهتدى، حامِلِين بركتي ليوضاس وحنّة. ستقيمون حيث يستضيفونكم بإصرار أكثر، ليلة واحدة فقط في كلّ مكان، ذلك أنّنا سوف نلتقي مساء السبت على طريق صَفَد. سأمضي السبت في كورازين، إلى بيت الأرملة. مُرّوا وأخبِروها. وبهذا الشكل نمنح السلام لنَفْس يهوذا الذي سيقتنع أنّ يوحنّا ليس كذلك في هذه الديار المضيفة...»
«يا معلّم! ولكنّني أعتقد!...»
«ولكنّه يجدر بكَ أن تتأكّد، حتّى يمكنكَ عدم الاحمرار أمام قيافا وحنّان، كما لا أحمرّ أنا أمامكَ ولا أمام أيّ كان عندما أؤكّد أنّ يوحنّا ليس معنا. أمّا توما فآخذه معي إلى الناصرة. وهكذا يمكنه أن يكون مطمئنّاً حتّى مِن جهة هذا المكان بمعاينته بعينيه...»
«ولكنّني يا معلّم! بماذا تريد أن يهمنّي هذا؟ على النقيض، إنّني آسف لعدم وجود هذا الرجل. كائناً مِن يكون، إنّما منذ اللحظة التي تعرّفنا بها عليه، كان على الدوام أفضل مِن فرّيسيّين مشهورين كثيرين. يكفيني أن أعرف أنّه لم ينكركَ ولم يسبّب لكَ ألماً، ثمّ... إن يكن على الأرض أو يكن في أحضان إبراهيم، فهذا الأمر لا يهمّني. ثِق بذلك. حتّى ولو كان في بيتي... لم أكن لأحمل له أيّة كراهية. آمل ألّا تُفكّر أنّ توماكَ يحمل في قلبه أكثر مِن فضول طبيعيّ، وأنّ ليس لديه أيّ عَداء، ولا أيّة رغبة في التحقيق، ولا أيّ ميل في التجسّس الإراديّ أو اللاإراديّ أو المدفوع لصالح أيّ كان، ليس لديَّ أيّة نيّة في الأذى...»
«أنتَ تُهينني! أنتَ تُلمّح! تَكذِب! لقد رأيتَ أنّ تصرّفي لم يَحِد عن القداسة في هذه الآونة. فلماذا إذن تقول هذا؟ ماذا يمكنكَ قوله عنّي؟ قُل!» يهوذا غاضب، شَرِس.
«اصمت! فتوما يجيبني أنا. لي فقط أنا مَن تحدَّث إليه. أنا أَثِق بكلام توما، ولكنّها مشيئتي، ولتكن هكذا، وليس لأحد منكم الحقّ أن يلومني على أسلوبي في التصرّف.»
«أنا لا أوجّه لكَ اللّوم... لكنّما التلميحات جرحتني و...»
«أنتم اثنا عشر. فلماذا لم يُجرح أحد سِواكَ وما قُلتُه كان للجميع؟» يَسأَل توما.
«لأنّني أنا مَن بحثتُ عن يوحنّا.»
يقول يسوع: «رفاق لكَ آخرون فعلوا ذلك، وتلاميذ آخرون سيفعلون، ولذلك لا أحد يرى نفسه وقد أُهين بكلام توما. فما هذا بخطيئة سِوى أنّه سؤال نزيه مِن تلميذ زميل. وليس ألماً الاستماع إلى كلام كالذي قيل، عندما يكون كلّ ما فينا حبّاً ونزاهة، عندما لا نشعر بتأنيب الضمير في القلب الذي أَصبَحَ فائق الحساسية لأنّه قد جُرِح بسنّ التأنيب. فلماذا تريد الملامة هكذا بحضور رفاقكَ؟ هل تريد أن يُشَكَّ في ارتكابكَ خطيئة؟ الغضب والكبرياء رفيقا سوء يا يهوذا. يقودان إلى الهذيان، والذي يهذي يرى أشياء لا وجود لها، ويقول ما ينبغي ألّا يقال... كما أنّ الجشع والشهوة يَجُرّان إلى أفعال خاطئة لإشباعهما... فتَحرَّر مِن خُدّام السوء تلك... وعلاوة على ذلك فلتَعلَم أنّ خلال أيّام غيابكَ الكثيرة والكثيرة جدّاً، ساد التفاهم التامّ بيننا، دائماً، وكذلك الطاعة والاحترام، دائماً. لقد تحاببنا، هل تُدرِك؟... وداعاً يا أصدقائي الأعزّاء. امضوا وأحبّوّا. هل تفهمون؟ أحبّوا بعضكم، ولتكن لديكم رحمة بعضكم تجاه بعض، قَلِّلوا مِن الكلام وتصرّفوا جيّداً. وليكن السلام معكم.»
يُبارِكهم، وبينما يذهبون هُم إلى اليمين، يتابع يسوع طريقه مع أبناء عمه وبطرس وتوما. يسلك الطريق بصمت مطبق.
ثمّ ينفجر بطرس مدوّياً بمفرده: «ولكن!» على سبيل النتيجة لما لستُ أدري لأيّ نوع مِن التأمّل الطويل. يَنظُر إليه الآخرون…
ويَقطَع يسوع مباشرة الطريق على أسئلة أخرى بقوله: «هل أنتما الاثنان سعيدان لمجيئكما معي إلى الناصرة؟» ويَضَع ذراعيه حول أكتاف بطرس وتوما.
«أوتسأل؟» يقول بطرس، بعاطفة متدفّقة كالمعتاد.
توما، وهو أكثر هدوءاً، إنّما بوجهه المكتنـز المتألّق فَرَحاً، يُضيف: «ألا تَعلَم أنّه، بالنسبة إليَّ، أن أكون قريباً مِن أُمّك لهي عذوبة لا أجد كلاماً أُعبِّر به لكَ عنها؟ مريم هي حُبّي. أنا لستُ بتولاً، ولم أكن أجد ما يمنع مِن أن تكون لي عائلة. التقيتُ بعض الشابّات، غير عارف أيّهن أختار كزوجة. إنّما الآن! أمّا الآن! فحبّي هي مريم. الحبّ غير الـمُدرَك بالأحاسيس. بل إنّما الأحاسيس تموت بمجرّد التفكير بها! حبّ الروح المؤدّي إلى الغبطة. آه! كلّ ما رأيتُهُ لدى النساء، حتّى الأحبّ إليّ مثل أُمّي وأختي التوأم، كلّ الحسنات التي أعرفها لديهنّ، أُقارِنها بما يُعرف عن أُمّك، وأقول لنفسي: "فيها يوجد كلّ برّ، كلّ نعمة وكلّ جمال. إنّ روحها المحبّبة حديقة زهور فردوسيّة... مظهرها قصيدة..." آه! كم نخشى، نحن الإسرائيليّين، التفكير بالملائكة، وننظر إلى شيروبيم قدس الأقداس باحترام مَهيب!... يا لنا مِن أغبياء! عندما لا تكون لدينا مَهابة احترام تعادل عشرة أضعاف تلك حينما ننظر إليها! هي التي تتجاوز كلّ الجمالات الملائكيّة في عينيّ الله، أنا أكيد مِن ذلك...»
يَنظُر يسوع إلى الهائِم بأُمّه، الذي يبدو وكأنّه يتروحن، لشدّة ما تُبدِّل مشاعره تجاه مريم تعابير وجهه الوديعة. «حسناً سوف نمكث بضعة ساعات معها. سوف نقيم هناك حتّى بعد غد. بعد ذلك نمضي إلى طبريّا لرؤية الوَلَدين، ونستقلّ الـمَركَب إلى كفرناحوم.»
«وإلى بيت صيدا؟» يَسأَل بطرس.
«أثناء العودة، يا سمعان. في طريق العودة سنذهب لأخذ مارغزيام في رحلة حجّ الفصح.»
...إنّه مساء اليوم عينه. في الناصرة، في البيت الصغير الهادئ، حيث ينام بطرس وتوما. والحِوار العذب بين الأُمّ والابن.
«كلّ شيء سار على ما يرام، يا أُمّي. إنّهما الآن في أمان. صلواتكِ كانت عَوناً للمسافرين، والآن، كالندى على الزهور المحروقة، آلامهما في طريقها إلى الشفاء.»
«أودُّ لو أشفي آلامكَ، يا بنيّ! كم يفترض أنّكَ تألّمتَ! انظر، هنا عند الصدغين جلدكَ قد تقعّر، وهنا عند الخدّين؛ تجعيدة تخطّ جبهتكَ كجرح سيف. مَن جرَحكَ هكذا، يا قلبي؟»
«ألم وجوب جعل الآخرين يتألّمون، يا أُمّي.»
«أهذا فقط، يا يسوعي؟ ألم يُسبّب لكَ التلاميذ أيّ عناء؟»
«لا، يا أُمّي. لقد كانوا في صلاح القدّيسين.»
«الذين كانوا معكَ... أنا أتحدّث عن الجميع...»
«ترين أنّني أتيتُ بتوما لمكافأته، وقد كنتُ مزمعاً على المجيء بمن لم يكونوا هنا المرّة السابقة. إنّما كان عليَّ أن أرسلهم إلى مكان آخر...»
«ويهوذا الاسخريوطيّ؟»
«يهوذا معهم.»
تُعانِق مريم ابنها وتُلقي برأسها على كتفه باكية.
«لماذا تبكين يا أُمّي؟» يَسأَل يسوع وهو يمسح شعرها.
تصمت مريم وتبكي. ولدى تكرار السؤال للمرّة الثالثة تُتمتِم: «بسبب هَلَعي... أودُّ دائماً لو يترككَ... أُخطئ في هذه الرغبة، أليس كذلك؟ ولكنّ الخوف الذي ينتابني منه بسببكَ قويّ، قويّ جدّاً...»
«فقط عندما يغيّبه الموت تتبدّل الأمور. ولكن لماذا عليه أن يموت؟»
«لستُ سيّئة إلى درجة أن أتمنّاه... فهو كذلك لديه أُمّ! وله نَفْس... نَفْس ما زال يمكنها أن تخلص. إنّما... آه! يا ولدي! ألا يمكن أن يكون الموت خيراً له؟»
يتنهّد يسوع ويُتمتِم: «كثيرون هُم الذين يكون الموت بمثابة الخير لهم...» ثمّ بصوت مرتفع: «ألم تعلمي شيئاً عن يُوَنّا العجوز؟ حقولها؟...»
«بعد سقوط البَرَد ذهبتُ برفقة مريم التي لحلفى وسالومة التي لسمعان. أمّا بالنسبة لبقولها، فبما أنّها بُذِرَت متأخّرة، فلم تكن بعد قد نبتت ولم يصبها أذى. منذ ثلاثة أيّام عادت مريم لترى. وهي تقول إنّها تبدو كالسجّادة. الحقول الأجمل في المنطقة. راحيل في صحّة جيّدة والعجوز سعيدة. مريم التي لحلفى مسرورة لكون سمعان بجملته لكَ. غداً تراه بالتأكيد. إنّه يأتي يوميّاً. اليوم وَصَلتَ أنتَ بعد ذهابه مباشرة. هل تَعلَم؟ لم ينتبه أحد لشيء. كان أحدهم ليتحدّث لو كان قد انتبه أنّهم كانوا هنا. ولكن، إن لم تكن حقاً غير متعب، حَدِّثني عن رحلتهم...»
ويروي يسوع لأُمّه المصغية كلّ شيء، ما عدا ألمه في مغارة يفتائيل.