ج6 - ف131

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السادس/ القسم الثاني

 

131- (يجب شكر الذي يسدي إلينا معروفاً بعرفان)

 

20 / 05 / 1946

 

العذراء مُتعَبة جداً عندما تعود إلى بيتها الصغير. لكنّها سعيدة جداً. وتبحث حالاً عن يسوعها، الذي لا يزال يعمل، في الضوء الأخير للنهار الذي يتلاشى، إنّه يعمل على باب الفرن الحجري، الذي يصلحه. سمعان يفتح لها الباب، وبعد أن يحيّيها، ينسحب بحكمة إلى غرفة المشغل. لا أرى توما. ربّما خرج.

 

يسوع يضع أدواته ما أن يرى أُمّه، ويذهب نحوها وهو ينظّف يديه الملطّختين بالزيت بمئزره (كان يقوم بتزييت المفصّلات والمزالج كي يجعلها تعمل بسلاسة). ابتسامتهما المتبادلة تبدو وكأنّها تُنير البستان حيث تحلّ العتمة.

 

«السلام لكِ يا أُمّي.»

 

«السلام لكَ يا بنيّ.»

 

«كم أنتِ متعبة! إنّكِ لم ترتاحي...»

 

«نعم، مِن الفجر وحتّى الغروب في منزل يوسف... إنّما لو لم يكن الجوّ حارّاً، لأمكنني المغادرة فوراً كي آتي وأقول لكَ بأنّ أوريا هي لكَ.»

 

«نعم؟!» المفاجأة الـمُبهِجة تجعل وجه يسوع يبدو أكثر شباباً. إنّه يبدو وجه شابّ في حوالي العشرين مِن العمر، وحيث أنّ البهجة قد حرّرته مِن الجدّيّة التي يتميّز بها وجهه وحركاته في العادة، فإنّه يبدو أكثر شبهاً بأُمّه، التي هي مثل فتاة رصينة في حركاتها ومظهرها.

 

«نعم يا يسوع. وقد حقّقتُ ذلك دون أيّ جهد. السيّدة وافقت في الحال. لقد كانت متأثّرة وقد اعترفت بأنّها هي وصديقاتها فاسدات كثيراً كي يهيّئن مخلوقة لله. يا له مِن تواضع، صدق، مجاهرة صريحة! ليس مِن السهل إيجاد أناس يعترفون بعيوبهم دون أن يكونوا مجبرين على ذلك.»

 

«لا. إنّه ليس بالأمر السهل. الكثيرون في إسرائيل غير قادرين على فِعل ذلك. إنّهم نفوس طيّبة مدفونة تحت قشرة مِن القذارة. إنّما عندما تسقط القذارة...»

 

«وهل سيحدث ذلك يا بنيّ؟»

 

«أنا متأكّد مِن ذلك. إنّهنّ ينزعن غريزياً إلى الصلاح. سينتهي بهنّ المطاف إلى أن يلتزمن به. ما الذي قالَته؟»

 

«آه! فقط بضع كلمات... لقد فهمنا بعضنا البعض فوراً. إنّما مِن الأفضل أن نحظى بأوريا هنا في الحال. أريد أن أخبرها بذلك، إنّما فقط فيما إذا كنتَ ترغب بذلك يا بنيّ.»

 

«نعم يا أُمّي. سوف نرسل سمعان» وبصوت عالٍ ينادي سمعان التي يأتي فوراً. «سمعان، اذهب إلى منزل سمعان بن حلفى وقل له بأنّ أُمّي قد عادت، ثمّ عُد إلى هنا مع الفتاة وتوما، الذي لا بدّ أنّه هناك ينهي عملاً بسيطاً كانت سالومة قد طلبت منه القيام به.»

 

سمعان ينحني ويمضي في الحال.

 

«أخبريني يا أُمّي... عن رحلتكِ... عن حديثكِ... يا أُمّي المسكينة، كم أنتِ متعبة بسببي!»

 

«آه! لا يا يسوع! ليس هناك تعب عندما تكون سعيداً...» ومريم تخبره عن رحلتها، وعن خوف مريم التي لحلفى، استراحتهما في منزل الربّان، المقابلة مع فاليريا، وتُنهي قائلة: «قد فضّلتُ أن أراها في ذاك الوقت، طالما أنّ السماء قد سمحت بذلك. لقد كانت أكثر حرّيّة، أنا كنتُ أكثر حرّيّة، ومريم التي لحلفى كانت أكثر راحة، لأنّها كانت مروَّعة مِن فكرة كون امرأتين وحدهما تماماً في طبريّا، وفقط محبّتها لكَ وتفكيرها بخدمتكَ جعلاها تتغلّب على خوفها...» وتبتسم مريم متذكّرة قلق سلفتها…

 

ويسوع يبتسم قائلاً: «المسكينة! إنّها امرأة إسرائيليّة حقّة، المرأة العتيقة، المتحفّظة، المكرَّسة كلّيّاً لعائلتها، المرأة القويّة وفقاً لسفر الأمثال. إنّما في العهد الجديد لن تكون المرأة قويّة فقط في المنزل... كثيرات سوف يتفوّقن على يهوديت وياعيل، وقد وُهِبن الشجاعة ذاتها التي لأُمّ المكابيّين... ومريمنا ستكون كذلك. إنّما في الوقت الحاضر... هي على حالها هذه... هل رأيتِ يُوَنّا؟»

 

مريم ما عادت تبتسم. ربّما هي خائفة مِن سؤال ما حول يهوذا. وتجيب على عَجَل: «لم أكن أريد أنّ أُسبّب مزيداً مِن القلق لمريم. لقد بقينا في المنزل حتّى منتصف الفترة ما بين الساعة التاسعة والمساء (بعد الظهر)، كي نرتاح، ثمّ غادرنا... فقد فكّرتُ بأنّنا سوف نراها قريباً عند البحيرة...»

 

«لقد فعلتِ الصّواب. لقد أعطيتني برهاناً عن مشاعر السيّدات الرومانيّات نحوي. فلو تدخَّلَت يُوَنّا، لكنّا اعتقدنا بأنّه كان إذعاناً لصديقتهنّ. سوف ننتظر الآن حتّى السبت، وإذا لم تأتِ ميرتا فسوف نذهب إليها مع أوريا.»

 

«يا بنيّ، إنّني أودُّ البقاء هنا...»

 

«أرى بأنّكِ متعبة جدّاً.»

 

«لا، ليس لهذا السبب... أعتقد بأنّ يهوذا قد يأتي إلى هنا... فمِن الصواب أنّه على أحد ما أن يبقى دائماً في كفرناحوم كي ينتظره ويستقبله بشكل ودود، ومن الـمُنصِف بأنّه على أحد ما أن يكون هنا كي يستقبله بمحبّة.»

 

«شكراً لكِ يا أُمّي. إنّكِ الوحيدة التي تُدرِكين ما يمكن أن يخلّصه بعد...»

 

يتنهّدان كليهما فيما يفكّران بالتلميذ الذي يسبّبب الألم…

 

سمعان وتوما يعودان مع أوريا التي تهرع نحو مريم. يسوع يتركها مع أُمّه ويدخل إلى المنزل مع رسوليه.

 

«لقد صلّيتِ كثيراً يا ابنتي، والله الصالح قد سمعكِ...» تبتدئ مريم.

 

لكنّ الفتاة تقاطعها بصيحة فرح: «إنّني باقية معكِ!» وتلقي بذراعيها حول عنق العذراء مُقبِّلة إيّاها.

 

مريم تُقبِّلها بالمقابل وتقول وهي محتضنة أوريا ومبقية إيّاها بين ذراعيها: «حينما يُسدي شخص ما معروفاً عظيماً، فمن الضروريّ أن نردّ له الجميل، أليس كذلك؟»

 

«آه! نعم! وسوف أردّه لكِ مع الكثير مِن الحبّ.»

 

«نعم يا عزيزتي. إنّما يَفوقني الله. إنّه هو الذي أسدى لكِ هذا المعروف العظيم، هذه النّعمة التي لا تُقاس، باستقباله لكِ بين أفراد شعبه، وبجعلكِ تلميذة للمعلّم المخلّص. وأنا لم أكن سوى أداة النعّمة، أمّا هو، العليّ، فهو مَن مَنَحَ النّعمة. فماذا إذن ستعطين العليّ كي تقولي له إنّكِ تشكرينه؟»

 

«حسناً... لا أعرف... قولي لي أنتِ يا أُمّي...»

 

«المحبّة، هذا أكيد. إنّما المحبّة، كي تكون حقّة، يجب أن تكون متّحدة بالتضحية، لأنّ قيمة الشيء تكون أعلى فيما إذا كان مكلفاً، أليس كذلك؟»

 

«نعم يا أُمّي.»

 

«إذن، أودُّ أن أقول هذا، بمثل صيحة الفرح التي أطلقتِها عندما قلتِ: "إنّني باقية معكِ!"، يجب أن تصيحي: "نعم، أيا ربّ" عندما أخبركِ، أنا، خادمته المتواضعة، بمشيئة الربّ بشأنكِ.»

 

«أخبريني يا أُمّي» تقول أوريا التي تصبح ملامحها جدّيّة.

 

«إنّ مشيئة الربّ قد عهدت بكِ إلى أُمّين طيّبتين، نُعْمي وميرتا...»

 

دمعتان كبيرتان تلمعان في عينيّ الفتاة الصافيتين، وتنحدران على خدّيها الورديّين.

 

«إنّهما إمرأتان طيّبتان. إنّهما عزيزتان على يسوع وعليَّ. يسوع خَلَّص ابن إحداهما، وأنا أرضعتُ ابن الأخرى. وقد رأيتِ أنّهما طيّبتان...»

 

«نعم... إنّما أنا كنتُ آمل بأن أبقى معكِ...»

 

«يا ابنتي، لا يمكننا أن نحصل على كل شيء! أنتِ ترين كيف أنّني لستُ دوماً مع يسوع. لقد منحتُهُ لكم كلّكم، وأنا بعيدة، بعيدة جدّاً عنه، عندما يجول في كلّ فلسطين مبشّراً، شافياً ومخلّصاً الفتيات...»

 

«هذا صحيح...»

 

«لو كنتُ أردتُه فقط لنفسي، لما كنتِ خلصتِ... لو كنتُ أردتُه فقط لنفسي، لما خلصت نفوسكم. تأمّلي كم هي عظيمة تضحيتي. إنّني أمنحكم ابناً كي يُضحّى به مِن أجل نفوسكم. وعلى كلّ حال، فأنتِ وأنا سوف نكون دائماً متّحدتين، لأنّ التلميذات هنّ وسيبقين دوماً متّحدات حول المسيح، مُكوّنات عائلة كبيرة متّحدة بمحبّتنا لأجله.»

 

«هذا صحيح. ومِن ثمّ... سوف آتي إلى هنا مجدّداً، أليس كذلك؟ وسوف نلتقي ثانيةً؟»

 

«بالتأكيد. طالما يشاء الله ذلك...»

 

«وسوف تُصلّين لأجلي دوماً...»

 

«وسوف أصلّي مِن أجلك دوماً.»

 

«وعندما نكون معاً، هل ستقومين بتعليمي بعد؟»

 

«نعم يا عزيزتي...»

 

«آه! كنتُ أريد أن أصبح مثلكِ. هل سأتمكّن مِن ذلك يوماً؟ أن أَعلَم، كي أكون صالحة...»

 

«نُعْمي هي أُمّ رئيس معبد، وهو تلميذ للربّ. ميرتا هي أُمّ لابن استحقّ نعمة المعجزة، وهو تلميذ صالح. والمرأتان صالحتان وحكيمتان، إلى جانب كونهما تفيضان بالمحبّة.»

 

«أتؤكّدين لي ذلك؟»

 

«نعم يا ابنتي.»

 

«إذن... باركيني ولتكن مشيئة الربّ... كما تقول صلاة يسوع. لقد تلوتُها مرّات كثيرة... مِن العدل بأنّه عليَّ الآن أن أفعل ما قلتُه كي أستحقّ نعمة عدم الرجوع مجدّداً إلى عند الرومان...»

 

«إنّكِ فتاة صالحة. والله سوف يساعدكِ دوماً. تعالي، لنذهب ونخبر يسوع بأنّ أصغر التلميذات تُحسن فِعل مشيئة الله...» ومريم تدخل إلى المنزل مع الفتاة وهي ممسكة بيدها.