ج10 - ف20

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء العاشر

 

20- (تعاليم حول الأسرار المقدّسة ونبوءات عن الكنيسة)

 

22 / 04 / 1947

 

إنّهم على جبل آخر، مغطّى بغابات أكثر كثافة، ليس بعيداً عن الناصرة، حيث طريق يحاذي قاعدة الجبل يؤدّي إليه.

 

يسوع يُجلِسهم بشكل دائريّ. الرُّسُل أقرب إليه، خلفهم التلاميذ (أولئك الّذين لم يذهبوا إلى هنا وهناك مِن الاثنين والسبعين)، بالإضافة إلى زكريا ويوسف. مارغزيام عند قدميه في موقع متميّز.

 

يسوع يتكلّم ما أن جلسوا وصمتوا، كلّهم منتبهين إلى كلماته.

 

‏يقول: «أعطوني كلّ انتباهكم، لأنّني سوف أقول لكم أموراً في غاية الأهمّيّة. لن تفهموها بعد كلّها، ولن تفهموها كلّها جيّداً، إنّما الّذي سيأتي بعدي سيجعلكم تُدرِكونها. لذا، أَنصِتوا إليّ.

 

لا أحد أكثر منكم مقتنع بأنّه مِن دون معونة الله يخطئ الإنسان بسهولة، بسبب بُنيته الضعيفة للغاية الّتي أوهنتها الخطيئة. وأنا أكون مُـخَلِّصاً متهوّراً، إذا، بعد أن منحتُكم الكثير لأفتديكم، لم أمنحكم أيضاً الوسائل لأبقيكم ضمن ثمار تضحيتي. أنتم تعلمون أنّ كلّ السهولة في ارتكاب الإثم تتأتّى مِن الخطيئة، الّتي بحرمانها البشر مِن النعمة، فإنّها تُجرّدهم مِن قوّتهم: مِن الاتّحاد بالنعمة.

 

لقد قلتُم: "لكنّكَ أعدتَ لنا النعمة". لا. النعمة أُعيدت للأبرار لحين موتي. ولإعطائها إلى الّذين سيأتون لا بدّ مِن وسيلة. وسيلة لن تكون شكلاً طقسيّاً فقط، بل سوف تَطبَع بحقّ على مَن يتلقّاها سمة ابن الله، كما كان آدم وحواء، اللذان كانت نَفْسهما الّتي أُحييَت بالنعمة تمتلك هبات سامية، منحها الله لمخلوقه المحبوب.

 

أنتم تعرفون ما كان يملكه الإنسان وما فقده. الآن، بفعل تضحيتي، أبواب النعمة قد فُتِحت مِن جديد، ويمكنها أن تنزل على كلّ الّذين يطلبونها حبّاً بي. ولذلك ستكون للبشر سمة أبناء الله باستحقاقات بِكر البشر، الّذي يكلّمكم، فاديكم، حَبْركم الأبديّ، أخيكم في الآب، معلّمكم. وبيسوع المسيح وبفضل يسوع المسيح فإنّ البشر الحاليّين والمستقبليّين سيتمكّنون مِن امتلاك السماء والتمتّع بالله، خاتمة الإنسان.

 

حتّى الآن، إنّ أكثر الأبرار برّاً، وعلى الرغم مِن أنّهم مختونون كأبناء الشعب المختار، لم يكن باستطاعتهم بلوغ هذه الخاتمة. إنّ الله كان يأخذ فضائلهم بالاعتبار، وإنّ أمكنتهم معدّة في السماء، ولكنّ السماء كانت مقفلة دونهم، والتمتّع بالله كان محجوباً عنهم، لأنّ على أرواحهم، الرياض المباركة، الـمُزهِرة بكلّ الفضائل، كانت أيضاً الشجرة الملعونة للخطيئة الأصليّة، وما مِن فِعل، مهما كان مقدّساً، كان يمكنه تدميرها، وكان مِن غير الممكن دخول السماء بجذور وإيراق شجرة على هذا القدر مِن التأثير السيّئ.

 

في اليوم السابق للسبت، تنهّد الآباء والأنبياء وكلّ أبرار إِسرائيل، سكنوا في فرح اكتمال الفداء، والنفوس، الأكثر بياضاً مِن ثلج الجبل بفعل فضائلها، تخلّصت أيضاً مِن اللطخة الوحيدة الّتي كانت تفصلها عن السماء. لكنّ العالم يستمرّ. أجيال وأجيال تظهر وستظهر. شعوب وشعوب سوف تأتي إلى المسيح. أيمكن للمسيح أن يموت في سبيل كلّ جيلٍ جديد لتخليصه، أو لأجل كلّ شعب يأتي إليه؟ لا. المسيح مات مرّة واحدة ولن يموت بعد أبداً، للأبد. أيتوجّب إذن على تلك الأجيال، تلك الشعوب، أن تغدو حكيمة بفضل كلمتي إنّما ألّا تمتلك السماء وألّا تمتلك التمتّع بالله، لأنّها مجروحة بالخطيئة الأصليّة؟ لا. لن يكون ذلك عدلاً، لا بالنسبة لها، حيث محبّتها لي ستكون عندها بلا جدوى، ولا لي، لأنّني سأكون قد متُّ لعدد ضئيل للغاية.

 

فإذاً؟ ما السبيل للتوفيق بين الأمور المختلفة؟ أيّة معجزة جديدة سيجريها المسيح، الّذي أجرى الكثير منها، قبل أن يغادر العالم إلى السماء، بعدما أحبّ البشر إلى درجة ابتغاء الموت مِن أجلهم؟ لقد اجترح معجزة، بترك جسده ودمه لكم غذاءً مُحصِّناً ومُقدِّساً، وأيضاً كذكرى على محبّته، معطياً إيّاكم الأمر بأن تفعلوا ما فعلتُ لتتذكّروني، وكوسيلة تقديس للتلاميذ، وتلاميذ التلاميذ حتّى نهاية العصور.

 

إنّما ذلك المساء، فيما كنتم قد تطهّرتم خارجيّاً، أتذكرون ماذا فعلتُ؟ لقد ائتزرتُ بمنشفة وغسلتُ أقدامكم، ولواحد منكم، كان قد أنف مِن هذا الفِعل المذلّ للغاية، قلتُ: "إن لم أغسلكَ، فلن تكون لكَ حصّة معي." أنتم لم تفهموا ما الّذي كنتُ أقصده، عن أيّة حصّة كنتُ أتكلّم، أيّ رمز قدّمتُ. هو ذا، أقوله لكم. ف‏إضافة إلى أنّني علّمتُكم التواضع وضرورة أن تكونوا طاهرين في سبيل أن تدخلوا ملكوتي وتكونوا جزءاً منه، وإضافةً إلى أنّني جعلتُكم تنتبهون برفق إلى أنّ الله، مِن إنسان بار، وبالتالي طاهر في روحه وفِكره، يتطلّب فقط غسلاً أخيراً للجزء الّذي هو بالضرورة الجزء الأكثر عرضة للتلوّث بسهولة حتّى لدى الأبرار، بسبب مجرّد غبار فوق الأعضاء النظيفة وفوق الأجساد قد تأتّى مِن حتمية العيش بين البشر، فقد علّمتُكم شيئاً آخر. غسلتُ لكم أقدامكم، الجزء الأدنى مِن الجسد، الّذي يسير على الوحل والتراب، وأحياناً على القذارة، كي أشير إلى الجسد، الجزء الماديّ مِن الإنسان الّذي دوماً لديه بعض النقائص -باستثناء مَن هو بدون الخطيئة الأصليّة إن بفعل صنيعة مِن الله [مريم] أو بالطبيعة الإلهيّة [يسوع]- النقائص الّتي هي في بعض الأحيان ضئيلة جدّاً بحيث إنَّ الله وحده يراها، إنّما الّتي، في الحقيقة، يجب السهر عليها، لئلاّ تزداد قوّة بتحوّلها إلى عادات طبيعيّة، وتستوجب المحاربة لاستئصالها.

 

لذلك غسلتُ أقدامكم. متى؟ قبل كسر الخبز والخمر وتحويلهما إلى جسدي ودمي. لأنّي حَمَل الله، ولا يمكنني أن أنزل إلى حيث للشيطان بصمته. لذلك، غسلتُكم أوّلاً. ثمّ منحتُكم ذاتي. أنتم أيضاً سوف تغسلون بالمعمودية أولئك الّذين سيأتون إليّ، لكيلا يَستَقبلوا مِن غير استحقاق جسدي ويستحيل بالنسبة إليهم حكماً رهيباً بالموت.

 

إنّكم مذعورون. تتبادلون النظر. بنظراتكم تتساءلون: "ويهوذا إذن؟" سأقول لكم: "يهوذا أكل موته". إنّ فِعل المحبّة الأسمى لم يمّس قلبه. آخر محاولة مِن معلّمه اصطدمت بحجر قلبه، وعلى ذاك الحجر، وبدلاً مِن علامة التاو (T)، كان منقوشاً رمز الشيطان الرهيب، علامة الوحش.

 

لذلك غسلتُكم قبل السماح لكم بالوليمة الإفخارستيّة، قبل سماع اعترافكم بخطاياكم، قبل أن أبثّ فيكم الروح القدس، وبالتالي طابع مسيحيّين حقيقيّين مثبّتين بالنعمة مجدّداً، وطابع كَهَنَتي.

 

‏لِيُفعَل هكذا إذن مع الآخرين الّذين عليكم إعدادهم للحياة المسيحيّة.

 

عَمِّدوا بالماء باسم الله الواحد والثالوثيّ، وباسمي وبسبب استحقاقاتي اللامتناهية، بحيث تُمحى الخطيئة الأصليّة مِن القلوب، تُغفَر الخطايا، تُــبَثّ النعمة والفضائل المقدّسة، ويتمكّن الروح القدس مِن أن ينزل ليسكن في الهياكل الـمُكرَّسة الّتي ستكون أجساد البشر الّذين يحيون في نعمة الربّ. هل كان الماء ضروريّاً لمحو الخطيئة؟ الماء لا يمسّ الروح، لا. لكن كذلك العلامة غير المادّيّة لا تمسّ بصر الإنسان، المادّيّ جدّاً في كلّ أفعاله. كان بإمكاني حقّاً بثّ الحياة حتّى مِن دون الوسيلة المرئيّة.

 

إنّما مَن كان ليصدّق ذلك؟ كم هم البشر الّذين يُحسِنون الإيمان بثبات إن لم يروا؟ خذوا إذاً مِن الشريعة الموسويّة القديمة الماء التّطهيريّ، الّذي كان يُستَخدَم لتطهير النجسين وقبولهم ثانية في المخيّمات، بعدما تدنّسوا بإحدى الجثث. في الحقيقة كلّ إنسان يولد يكون مُدنَّساً، لأنّه على اتصال بنَفْس ميتة حيال النعمة. إذاً فلتُطهَّر مِن الاتصال الدَّنِس بالماء التّطهيريّ حتّى تعود مستحقّة دخول الهيكل الأبديّ. وليكن الماء عزيزاً عليكم... فبعد قيامي بالتكفير والافتداء عبر ثلاثة وثلاثين عاماً مِن حياة شاقّة، تكلّلت بالآلام، بعدما بذلتُ دمي كلّه مِن أجلِ خطايا البشر، ها مِن جسد الشهيد النازف والمستَنفَذ تُسحَب المياه الخلاصيّة لغسل الخطيئة الأصليّة. فبالتضحية الكاملة خلّصتُكم مِن تلك الوصمة. وإذا ما كنتُ قد اجترحتُ معجزة إلهيّة جعلتني أنزل عن الصليب وأنا على عتبة الحياة، فالحقّ أقول لكم إنّه بدمي المراق كنتُ غسلتُ الخطايا، إنّما ليس الخطيئة [الأصليّة]. بالنسبة لها كانت التضحية الكاملة ضروريّة. الحقّ أنّ المياه الخلاصيّة الّتي تكلّم عنها حزقيّال قد خرجت مِن جنبي. غَطِّسوا النفوس فيها لتخرج منها بغير دَنَس كي تستقبل الروح القدس الّذي، كذكرى لتلك النفخة الّتي نفخها الخالق في آدم ليمنحه الروح وبالتالي صورته وشبهه، سيعود لينفخ في قلوب البشر المفتدين ويسكنها.

 

عَمِّدوا بمعموديّتي، إنّما باسم الله الثالوث، لأنّه في الحقيقة لو أنّ الآب لم يكن قد شاء، والروح القدس لم يعمل، لما تجسّد الكلمة وحظيتم بالفداء. ممّا يستتبع أن يكون مِن العدل والواجب أن ينال كلّ إنسان الحياة باسم الّذين اتّحدوا معاً بإرادة منحها، داعين اسم الآب، الابن والروح القدس في فِعل المعمودية، الّذي سيتّخذ منّي الاسم المسيحيّ لتمييزه عن الأخرى، الماضية والآتية، الّتي ستكون طقوساً، إنّما لن تكون علامات لا تمحى على الجزء الّذي لا يموت.

 

وخذوا الخبز والخمر كما فعلتُ أنا، وباسمي باركوهما، اقسموهما ووزّعوهما، وليتغذَّ المسيحيّون بي. وأيضاً مِن الخبز والخمر قدّموا قرباناً لآب السماوات، وبعد ذلك استنفذوها في ذكرى التضحية الّتي قدّمتُها واستنفذتُها على الصليب لأجل خلاصكم. أنا، ‏الكاهن والضحيّة، مِن تلقائي وهبتُ نفسي واستنفذتُها، ما مِن أحد، في حال لم أشأ القيام بها مِن ذاتي، قادر على ذلك. أنتم، كَهَنَتي، افعلوا ذلك لذكري، وبحيث تصعد كنوز تضحيتي اللامتناهية متوسّلة إلى الله، وتنزل مستجابة على كلّ الّذين يطلبونها بإيمان واثق.

 

لقد قلتُ، ‏إيمان راسخ. العلم ليس مفروضاً للإفادة مِن الغذاء الإفخارستيّ والتضحية الإفخارستيّة، بل الإيمان. الإيمان بأنّ في هذا الخبز وهذا الخمر، اللذين أحد ما مخوّل مِن قِبَلي ومِن قِبَل أولئك الّذين سيأتون بعدي -أنتم، أنتَ، يا بطرس، الحَبر الجديد للكنيسة الجديدة، أنتَ يا يعقوب بن حلفى، أنتَ يا يوحنّا، أنتَ يا أندراوس، أنتَ يا سمعان، أنتَ يا فيلبّس، أنتَ يا برتلماوس، أنتَ يا توما، أنتَ يا يوضاس تدّاوس، أنتَ يا متّى، أنتَ يا يعقوب بن زَبْدي– سيكرّسهما باسمي، الإيمان بأنّ فيها جسدي الحقّ، دمي الحقّ، ومَن يتغذّى منهما سوف يستقبلني بالجسد، والدم، بالنَّفْس والألوهيّة، ومَن يقدّمني يقدّم بحقّ يسوع المسيح، كما هو قدّم نفسه عن خطايا العالم. إنّ طفل أو شخص جاهل يمكنهما أن يستقبلاني، كما عالم وراشد. وطفل وجاهل سينالان الإنعامات نفسها مِن التضحية المبذولة، كما سينالها أيّ واحد مِن بينكم. يكفي أن يكون فيهم الإيمان بالربّ ونعمته.

 

لكنّكم على وشك أن تستقبلوا معموديّة جديدة، معموديّة الروح القدس. لقد وعدتُكم بها وهي سوف تُعطى لكم. الروح القدس بذاته سينزل عليكم. سأقول لكم متى. وأنتم سوف تمتلئون منه، في ملء العطايا الكهنوتيّة. سوف تتمكّنون بالتالي، كما فعلتُ أنا معكم، مِن بثّ الروح الّذي ستمتلئون منه، لتُثبِّتوا المسيحيّين في النعمة وتبثّوا مواهب البارقليط فيهم. سرّ مَلَكيّ، أقلّ بقليل مِن الكهنوت، لتكن له مهابة التكريسات الموسويّة بوضع الأيدي والدَّهن بالزيت المعطّر، الّذي كان يستخدم لتكريس الكَهَنَة. لا. لا تنظروا إلى بعضكم بهذا الهلع! إنّني لا أقول كلمات تدنيسيّة! لست أُعلّمكم عملاً تدنيسيّاً! إنّ رتبة المسيحيّ هي بحيث، أكرّر ذلك، أنّها أدنى قليلاً مِن الكهنوت.

 

أين يعيش الكَهَنَة؟ في الهيكل. والمسيحيّ سيكون هيكلاً حيّاً. ماذا يفعل الكَهَنَة؟ يخدمون الله بالصلوات، التضحيات والعناية بالمؤمنين. هذا ما يتوجّب عليهم فِعله... والمسيحيّ سوف يَخدم الله بالصلاة والتضحية والمحبّة الأخويّة. وسوف تستمعون إلى الاعتراف بالخطايا، كما أنا استمعتُ إلى خطاياكم وخطايا عدد غفير، وغفرتُ حين رأيتُ ندامة صادقة.

 

أتضطربون؟ لماذا؟ أتخشون عدم إجادة التمييز؟ لقد سبق أن تكلّمتُ في مرّات أخرى عن الخطيئة والحكم عليها. ولكن تذكّروا، أثناء الحكم، أن تتأمّلوا بالشروط السبعة الّتي مِن خلالها يمكن لفعل أن يكون خطيئة أم لا، ومدى الجسامة المختلفة. أُذكّر بها: متى وكم مرّة أخطأ؛ مَن أخطأ؛ مع مَن؛ بماذا؛ ما هي مادّة الخطيئة؛ ما هو سببها؛ لماذا أخطأ.

 

‏إنّما لا تخافوا. الروح القدس سوف يساعدكم. وما أرجوكم إيّاه مِن كلّ قلبي هو أن تمارسوا العيش بقداسة. ستزيد فيكم الأنوار الفائقة الطبيعة إلى حدّ أنّكم ستصبحون قادرين على قراءة قلوب الناس مِن دون أن تخطئوا، وستتمكّنون، بمحبّة أو سُلطان، أن تخبروا الخطأة، الّذين يخشون الإفصاح عن خطيئتهم أو يرفضون الاعتراف بها، عن حال قلوبهم، مساعدين بذلك الخجلين، ومُخضِعين المتعنّتين. تذكّروا أنّ الأرض تفقد الّذي كان يغفر، وأنّ عليكم أن تكونوا على ما كنتُ أنا عليه: عادلاً، صبوراً، رحيماً، إنّما غير ضعيف. لقد قلتُ لكم: ما ستحلّونه على الأرض سيكون محلولاً في السماء، وما ستربطونه هنا سيكون مربوطاً في السماء. احكموا بالتالي بتبصّر وحساب على كلّ إنسان، مِن دون أن تفسدوا بالتعاطف، أو النفور، بالهدايا أو التهديدات، كونوا حياديّين في كلّ شيء ومع الجميع كما هو الله، متذكّرين ضعف الإنسان ومكائد أعدائه.

 

أذكّركم بأن الله أيضاً يسمح أحياناً بسقوط مختاريه، ليس لأنّه يروق له أن يراهم يسقطون، بل لأنّه مِن السقطة يمكن أن يتأتىّ خير أعظم في المستقبل. مدّوا إذاً اليد لمن يسقط، لأنّكم لا تعلمون فيما إذا كانت تلك السقطة هي التأزّم الحاسم لسوء سوف يزول إلى الأبد، تاركاً في الدم تطهيراً يجلب الخلاص. وفي حالتنا: يجلب قداسة. وفي المقابل كونوا صارمين مع أولئك الّذين لن يحترموا دمي، وبنفسهم الّتي قد تطهّرت للتوّ بالاغتسال الإلهيّ، سوف يرتمون في الوحل مرّة ومئة مرّة. لا تلعنوهم، بل كونوا صارمين، حثّوهم، أنذروهم سبعين مرّة سبع مرّات، ولا تلجأوا إلى العقاب الأقصى بفصلهم عن الشعب المختار إلاّ حين تشبّثهم بخطأ ما، يسبّب عثاراً للإخوة، يضطرّكم إلى التصرّف لئلاّ تجعلوا مِن أنفسكم شركاء لهم في أفعالهم. تذكّروا ما قلتُه: "إذا خطئ أخوكَ، أَصلِحه بينكَ وبينه فقط. إذا لم يُنصِت إليكَ، قَوّمه في حضور شاهدين أو ثلاثة. إذا لم يكن ذلك كافياً فأَعلِم الكنيسة بالأمر. وإذا لم يُنصِت إلى الكنيسة أيضاً، اعتبره وثنيّاً أو عشّاراً".

 

في الديانة الموسويّة الزواج عقد. في الديانة المسيحيّة الجديدة ليكن فِعلاً مقدّساً وغير منفصم، تنزل عليه نعمة الربّ لتجعل مِن الزوجين اثنين مِن خدّامه يعملان في سبيل انتشار الجنس البشريّ. اسعوا منذ اللحظات الأولى إلى نُصح القرين المنضمّ إلى الديانة الجديدة بهداية قرينه الّذي لا يزال خارج عِداد المؤمنين، ليدخل ويصبح جزءاً منه، لتفادي تلك الانفصالات المؤلمة للأفكار، وبالتالي للسلام، الّتي لاحظناها حتّى فيما بيننا. إنّما حين يتعلّق الأمر بزوجين مؤمنين بالربّ، فلا يكن انفصال لأيّ سبب كان لما جمعه الله. وفي حال أنّ أحد الزوجين، كونه مسيحيّاً، يجد نفسه مقترناً بشخص وثنيّ، فأنا أنصح ذلك الزوج بأن يحمل صليبه بصبر ووداعة وكذلك بقوّة، إلى درجة أن يُحسِن الموت في سبيل الدفاع عن إيمانه، إنّما مِن دون التخلّي عن الزوج الأخر الّذي اقترن به برضى كامل. هذه نصيحتي لحياة أكثر كمالاً في الزواج، إلى أن يصبح ممكناً، مع انتشار المسيحيّة، قيام زيجات بين مؤمنين. حينذّاك ليكن الرباط مقدّساً وغير منفصم، والحبّ مقدّساً.

 

سيكون أمراً سيّئاً إذا كان يتوجّب أن يحدث في الإيمان الجديد ما حدث في القديم بسبب قساوة القلوب: الإذن بالطلاق والفسخ لتحاشي الفضائح الّتي يسبّبها فسق الإنسان. الحقّ أقول لكم إنّ على كلّ شخص أن يحمل صليبه في كلّ حال، حتّى في العلاقة الزوجيّة. وأيضاً أقول لكم الحقّ إنّ ما مِن ضغط يجب أن يُثني سلطتكم حين تقولون: "هذا ليس مسموحاً"، للّذي يريد الانتقال إلى زواجٍ جديد قبل أن يكون أحد الزوجين قد مات. ومِن الأفضل، أنا مَن أقول لكم ذلك، أن ينفصل جزء متفسّخ وحده على أن يتبعه آخرون، لئلاّ نستجلب أموراً مناقضة لقداسة الزواج، بإبقائه في جسد الكنيسة، معثرين الضعفاء، وجاعلينهم يعتقدون بأشياء غير ملائمة عن الكمال الكهنوتيّ وعن سطوة السلطة والمال. إنّ الزواج فعل جلل ومقدّس. ولأبيّن لكم ذلك فقد شاركتُ في عرس واجترحتُ فيه معجزتي الأولى. إنّما الويل إذا تحوّل إلى فسق وشهوة. إنّ الزواج، الّذي هو عقد طبيعي بين الرجل والمرأة، ليرتقِ منذ الآن إلى عقد روحي، تُقسِم بموجبه نَفْسا شخصين متحابّين على خدمة الربّ في حبّهما المتبادل، المقدّم له طاعةً لوصيّته بالإنجاب لإعطاء أبناء للربّ.

 

وأيضاً... يا يعقوب، أتذكر المحادثة على جبل الكرمل؟ منذ ذلك الحين تكلّمتُ معكَ عن الأمر، لكنّ الآخرين لا يعلمون... لقد رأيتم مريم أخت لعازر تطيّب أطرافي في عشاء السبت في بيت عنيا. لقد قلتُ لكم آنذاك: "إنّها أعدّتني للدفن". في الحقيقة فعلت ذلك. ليس لأجل الدفن، لأنّها كانت تعتقد بأنّ ذلك الألم لا يزال بعيداً، بل لتطهير أطرافي وتطييبها مِن كلّ نجاسات الطريق، لأرتقي العرش معطّراً بالزيت البلسميّ. إنّ حياة الإنسان طريق. دخول الإنسان إلى الحياة الأخرى ينبغي أن يكون دخولاً إلى الملكوت. وكلّ مَلِك يُمسَح ويعطّر قبل ‏أن يرتقي عرشه ويُظهِر نفسه لشعبه. المسيحيّ أيضاً ابن مَلِك يسلك طريقه المتّجهة صوب الملكوت حيث يدعوه الآب. موت المسيحيّ ليس سوى الدخول في الملكوت لارتقاء العرش الّذي أعدّه له الآب. الموت ليس مرعباً للّذي لا يخاف مِن الله، عالماً أنّه في نعمته. إنّما ليكن ثوب [جسد] الّذي عليه أن يرتقي العرش مُطَهَّراً مِن كلّ لطخة، بحيث يحافظ على نفسه جميلاً مِن أجل القيامة، وليكن روحه مُطَهَّراً ليتألّق على العرش الّذي أعدّه له الآب حتّى يظهر بالكرامة الّتي تليق بابن مَلِك بهذه العظمة.

 

لتكن [المسحة] سبيلاً لزيادة النعمة، شاطبة الخطايا الّتي تاب عنها الإنسان توبة خالصة، مُحدِثة توثُّباً مضطرماً نحو الخير، مانحَة القوّة مِن أجل المعركة الأخيرة، هذا ما ينبغي أن تكون عليه المسحة الممنوحة للمسيحيّين الّذين يموتون أو بالأحرى، للمسيحيّين الّذين يولدون‏، لأنَّني أقول لكم الحقّ إنّ الّذي يموت في الربّ يولد للحياة الأبديّة.

 

كرّروا حركة مريم على أطراف المختارين، ولا يعتبرنّه أحد غير لائق به. أنا قد قبلتُ ذلك الزيت البلسميّ مِن امرأة. على كلّ مسيحيّ أن يعتبر نفسه مكرّماً بذلك كما بنعمة سامية مِن الكنيسة الّتي هو ابنها، وأن يقبلها مِن كاهن ليغسل الأدناس الأخيرة. وليكن كلّ كاهن مبتهجاً بتكرار فِعل محبّة مريم حيال المسيح المتألّم، على جسد أخ يموت. الحقّ أقول لكم إنّ ما لم تفعلوه لي آنذاك، تاركين امرأة تتقدّمكم، وتفكّرون فيه الآن بكثير مِن الألم، تستطيعون أن تفعلوه مستقبلاً ولمرّات كثيرة بانحنائكم بمحبّة فوق أحد ما ينازع، لإعداده للّقاء مع الله. إنّني في المستعطين والمنازعين، في المسافرين، في اليتامى، في الأرامل، في السجناء، في مَن هم جياع، عطاش ويشعرون بالبرد، فيمن هم محزونون أو متعبون. إنّني في كلّ أعضاء جسدي السريّ، الّذي هو اتّحاد كلّ المؤمنين بي. أحبّوني فيهم وستُعوِّضون عن افتقاركم للمحبّة لمرّات كثيرة، مانحين إيّاي فرحاً عظيماً ومانحين أنفسكم مجداً عظيماً.

 

أخيراً، ‏اعتبروا أنّ العالم، العُمر، الأمراض، الزمن، الاضطهادات، كلّها تتآمر ضدّكم. لذلك لا تكونوا بخلاء بما حصلتم عليه وغافلين. لهذا السبب، انقلوا الكهنوت باسمي إلى الأفضل مِن التلاميذ، لكي لا تبقى الأرض مِن دون كَهَنَة. ولتُمنح هذه السمة المقدّسة بعد امتحان مُتعمِّق، ليس شفهيّاً، بل لأفعال ذاك الّذي يطلب أن يكون كاهناً، أو الّذي تحكمون بأنّه صالح لأن يكون كذلك. فكّروا فيما يكون الكاهن، بالخير الّذي يمكنه القيام به. بالشرّ الّذي يمكن أن يفعله. لقد كان لكم مثال لما يمكن لكهنوت فاقد لصفته المقدّسة أن يفعل. الحقّ أقول لكم إنّ هذه الأمّة سوف تتشتّت بسبب آثام الهيكل. إنّما الحقّ أقول لكم أيضاً إنّ الأرض سوف تُدَمَّر بالمثل حين سيدخل رجس الخراب في الكهنوت الجديد، إذ يقود البشر إلى الردّة باعتناق مذاهب الجحيم. حينذاك سيظهر ابن الشيطان، والشعوب ستنوح بهول رهيب، ويلبث عدد قليل مُخلِصاً للربّ، وحينذاك أيضاً، وسط تشنّجات مهولة، ستحلّ النهاية بعد انتصار الله ومختاريه القليلي العدد، وغضب الله على كلّ الملعونين. الويل، الويل ثلاث مرّات إن لم يبق هناك بعد قدّيسون لأولئك القلّة، الأجنحة الأخيرة لهيكل المسيح! الويل، الويل ثلاث مرّات إن لم يبق كَهَنَة حقيقيّون لتشديد عزيمة المسيحيّين الأخيرين، كما كان هناك منهم للأوّلين. في الحقيقة إنّ الاضطهاد الأخير سيكون رهيباً، حيث لن يكون اضطهاد بشر، بل سيكون اضطهاد ابن الشيطان ومناصريه. كَهَنَة؟ كَهَنَة الساعة الأخيرة يجب أن يكونوا أكثر مِن كَهَنَة، مِن فرط ما سيكون شرساً اضطهاد جحافل ضدّ المسيح. ومشابهين للرجل المرتدي كتّاناً وهو بقداسة تؤهّله لأن يبقى إلى جوار الربّ، في رؤيا حزقيّال، سيتوجّب عليهم، مِن دون كلل، أن يختموا بكمالهم تاواً [T] على أرواح المؤمنين القليلي العدد، لئلاّ تمحو نيران جهنّم تلك العلامة. كَهَنَة؟ ملائكة. ملائكة يحرّكون المبخرة المعبّأة ببخور فضائلهم ليطهّروا الهواء مِن نتانة الشيطان. ملائكة؟ أكثر مِن ‏ملائكة: مسحاء آخرين، أنا آخرين، ليتمكّن مؤمنو الزمن الأخير مِن المثابرة حتّى النهاية.

 

ذلك ما ينبغي أن يكونوا عليه. لكنّ للخير والشرّ المستقبلين جذوراً في الحاضر. الانهيارات الثلجيّة تبدأ بنديفة ثلج. إنّ كاهناً غير أهل، نَجِساً، هرطوقياً، غير مؤمن، شكّاكاً، فاتراً أو بارداً، منطفئاً، تافهاً، فاجراً، يؤذي عشر مرّات أكثر مِن مؤمن مذنب بالخطايا نفسها، ويجذب معه كثيرين آخرين إلى الخطيئة. الفتور في الكَهَنوت، تَقَبُّل عقائد نَجِسة، الأنانيّة، الجشع، الشهوة في الكهنوت، أنتم تدركون أين يصبّ ذلك: في قتل الله. ذلك أنّه، في الأزمنة القادمة، لن يعود مِن الممكن قتل ابن الله، إنّما الإيمان بالله، فِكر الله، فنعم. هكذا سيتمّ قتل الله، قتلاً غير قابل للإصلاح أكثر بعد، لأنّه دون قيامة. آه! يمكن إتمام ذلك، نعم. إنّني أرى... يمكن إتمام ذلك بسبب الكثيرين للغاية مِن يهوذا الإسخريوطي الأزمنة الآتية. فظاعة!

 

كنيستي الخارجة عن محاورها عبر خدّامها أنفسهم! وأنا الّذي أدعمها بمعونة الضحايا. وهم، الكَهَنَة، الّذين سيملكون فقط ثوب الكاهن لا نَفْسه، الّذين سيساعدون في غليان المياه الّتي تحرّكها الحيّة الجهنّميّة ضدّ مركبكَ، أيا بطرس. قم! انهض! ‏أُنقُل هذا الأمر إلى خلفائكَ: "اليد على مقبض الدفّة، السوط على الغرقى الّذين أرادوا الغرق، ويحاولون إغراق مركب الله." اضرب إنّما أنقذ وتقدّم. كن صارماً، لأنّه مِن العدل معاقبة قاطعي الطريق. دافع عن كنز الإيمان. احمل النور عالياً مثل منارة فوق الأمواج المضطربة، بحيث يرى الّذين يتبعون مركبكَ ولا يهلكون. راعٍ وبَـحّار للأزمنة الرهيبة، اجمع، أَرشِد، ارفع بشارتي، لأنّ فيها الخلاص وليس في عِلم آخر. سوف تأتي أزمنة، حيث كما حدث لنا نحن بني إسرائيل، وبشكل أكثر عمقاً، سيعتقد الكَهَنوت أنّه طبقة مختارة. لأنّه يَعلم ما لا لزوم له ولم يعد يَعلم ما هو ضروريّ، أو يعرفه بالشكل الميت الذي يعرف به الكَهَنَة الشريعة الآن: في ثوبه، الـمُثقَل بالأهداب على نحو مُفرِط، إنّما ليس في روحه. سوف تأتي أزمنة حيث تحلّ كلّ الكتب محلّ الكتاب، وهذا سوف يستخدم فقط مثلما أحدهم يُقدم قسراً على استخدام غرض ويتعامل معه ميكانيكيّاً، مثل فلاّح يحرث، يبذر، يحصد، دون أن يتأمّل في روعة العناية الإلهيّة الّتي هي تكاثر البذور الّذي يتجدّد كلّ عام: بذرة تُلقى في الأرض المحروثة، تصبح ساقاً، سنبلة، ثم طحيناً ومِن ثمّ خبزاً بفضل محبّة الله الأبويّة. مَن، وهو يضع لقمة خبز في فمه، يَرفع روحه نحو مَن خلق البذرة الأولى، وعلى مرّ العصور يجعلها تولد مِن جديد وينمّيها، مانحاً إيّاها المقدار المثاليّ مِن المطر والحرارة، لتتفتّح وتنمو وتنضج مِن دون أن تتعفّن أو أن تحترق؟

 

هكذا سوف يأتي زمن يتمّ فيه تعليم الإنجيل بشكل جيّد علميّاً، وبشكل سيّئ روحيّاً. وما يكون العِلم إذا غابت الحكمة؟ قَشّ هو. قَشّ يَنفُخ ولا يغذّي. والحقّ أقول لكم إنّ زمناً سوف يأتي حيث كُثُر مِن بين الكَهَنَة سيكونون أشبه بأكوام قشّ منتفخة، أكداس قشّ متكبّرة، الّذين سيتبخترون بكبرياء أنّهم منتفخين للغاية، كما لو أنّهم هم الذين منحوا أنفسهم كلّ تلك السنابل الّتي تتوِّج القشّ، أو كأنّ السنابل لا تزال موجودة في طرف القشّ، وسوف يظنّون بأنّهم كلّ شيء، لأنّهم، وبدلاً مِن حفنة مِن الحبوب، الغذاء الحقيقيّ الّذي هو روح الإنجيل، سوف يكون لهم كلّ ذلك القشّ: كومة! كومة! إنّما هل يمكن للقشّ أن يكون كافياً؟ إنّه لا يكفي حتّى لحشو بطون الدواب، وإذا لَم يقوّها مالكها بالشوفان والأعشاب الطريَّة، فإن الحيوانات المقتاتة بالقش وحده سوف تنهار وتنتهي بالموت.

 

وكذلك أقول لكم إنّ زمناً سيأتي حيث الكَهَنَة، ناسين أنّني بسنابل قليلة علّمتُ الأرواح الحقّ، وناسين أيضاً ما كلّف ربّهم خبز الروح الحقّ هذا، المأخوذ بمجمله وفقط مِن الحكمة الإلهيّة، الّذي أفصح عنه الكلمة الإلهيّة، الجليل في صيغته العقائديّة، المتكرّر بلا كلل بحيث لا تضيع الحقائق الّتي قيلت، المتواضع في شكله، مِن دون بهارج العلوم البشريّة، مِن دون شروح تكميليّة تاريخيّة أو جغرافيّة، لن يهتمّوا بنفسه، بل بثوب ليغطّيه، كي يُظهِروا للحشود كم يعرفون مِن أمور، وروح الإنجيل سوف يضيع فيهم، تحت تكدُّس العلوم البشريّة. وإن كانوا لا يمتلكونه، فكيف سيستطيعون نقله؟ ما الّذي ستمنحه للمؤمنين أكداس القشّ المنفوخة تلك؟ قشّاً. أيّ غذاء ستحصل عليه أرواح المؤمنين مِنه. ما يكفي لحياة ذابلة. أيّة ثمار سوف تنضج مِن هكذا تعليم وهذه المعرفة الناقصة للإنجيل؟ فتور القلوب، الاستبدال بعقائد هرطوقيّة، بعقائد وأفكار أكثر مِن هرطوقيّة، للعقيدة الوحيدة الحقيقية، تحضير الأرض للوحش مِن أجل مملكته الجليديّة سريعة الزوال، للظلمات والأهوال. الحقّ أقول لكم إنّه كما أنّ الآب والخالق يكثّر النجوم لئلاّ تُقفِر السماء بسبب تلك الّتي تَفنى ما أن تنتهي حياتها، كذلك عليّ أنا أيضاً أن أبشّر مئات وآلاف المرّات تلاميذاً سوف أنشرهم بين البشر وعبر العصور. والحقّ أقول لكم أيضاً بأنّ مصير أولئك التلاميذ سيكون شبيهاً بمصيري: المعبد والمتكبّرون سوف يضطهدونهم كما اضطهدوني. إنّما كلانا، أنا وهم لنا مكافأتنا، الّتي هي العمل بمشيئة الله وخدمته وصولاً للموت على ‏الصليب، لكي يسطع مجده ولا تتلاشى معرفته.

 

أمّا أنتَ، أيّها الحَبر، وأنتم، أيّها الرّعاة، اسهروا على أنفسكم وعلى خلفائكم لئلاّ يضيع روح الإنجيل، واسألوا الروح القدس بلا كلل أن تتجدّد فيكم عنصرة مستمرّة -أنتم لا تعلمون ما الّذي أعنيه، إنّما ستفهمونه قريباً- بحيث سيمكنكم فهم كلّ الألسنة كي تميّزوا وتختاروا أصواتي مِن أصوات قرد الله: الشيطان. ولا تسمحوا بأن تسقط أصواتي المستقبليّة في الفراغ. فكلّ صوت منها هو فِعل رحمة منّي ليأتيكم بالعون، وستكون أكثر عدداً بقدر ما سأرى لمسوّغات إلهيّة أنّ المسيحيّة بحاجة إليها كي تجتاز زوابع الأزمنة.

 

راعٍ وربّان، يا بطرس! راعٍ وربّان. لن يكفيكَ يوماً أن تكون راعياً إن لم تكن ربّاناً، وأن تكون ربّاناً إن لم تكن راعياً. عليكَ أن تكونهما معاً لتُبقي الحملان ‏مجتمعة، لأنّ مجسّات جهنّمية ومخالب شرسة ستسعى لاختطافها، أو ستغويها بألحان كاذبة لوعود مستحيلة، ولتمضي قُدماً بالقارب الّذي تتقاذفه كلّ رياح الشمال والجنوب والشرق والغرب، تصفعه وتضربه قوى الأعماق، تستهدفه سهام نَبَّالي الوحش، تحرقه أنفاس التنّين ويكنس أطرافه بذيله، بحيث أنّ المتهوّرين يحترقون ويهلكون بسقوطهم في الأمواج الهادرة.

 

راعٍ وربّان في أزمنة رهيبة... وبوصلتكَ هي الإنجيل. فيه الحياة والخلاص. وكلّ شيء قيل فيه. فيه كلّ بنود القانون المقدّس، فيه كلّ الأجوبة لحالات النفوس المتعدّدة. واحرص على ألاّ يبتعد عنه الكَهَنَة والمؤمنون. احرص على ألّا تعتريه الشكوك. ألاّ يصيبه تحريف أو تغيير أو تشويه. الإنجيل هو أنا بذاتي. مِن ولادتي حتّى موتي. الله في الإنجيل. لأنّ أعمال الآب، الابن، الروح القدس تتجلّى فيه. الإنجيل حبّ. لقد قلتُ: "كلمتي هي حياة". لقد قلتُ: "الله محبّة". فلتعرف إذن الشعوب كلمتي ولتكن فيهم المحبّة، أي الله. كي تحصل على ملكوت الله. لأنّ مَن لم يكن في الله ليس فيه الحياة. لأنّ أولئك الّذين لا يستقبلون كلمة الآب لن يستطيعوا أن يكونوا واحداً مع الآب، معي ومع الروح القدس في السماء، ولن يكونوا قادرين على الانتماء إلى الحظيرة الوحيدة المقدّسة كما أنا أريد. لن يكونوا أغصاناً متّحدة بالكرمة، لأنّ الّذي يرفض، كُليّاً أو جزئيّاً، كلمتي، هو عضو ما عاد نسغ الحياة يجري فيه. كلمتي عصارة تغذّي، تُنَمّي وتؤتي ثماراً.

 

سوف تصنعون كلّ ذلك لذكري أنا الّذي عَلَّمتُكم إيّاه. ما يزال لديّ ما أقوله لكم حول ما حدّثتُكم عنه للتوّ. لكنّني قد ألقيتُ البِذار فقط. الروح القدس سيجعلها تنبت لكم. أردتُ أن أعطيكم البِذار بنفسي، لأنّني أعرف قلوبكم وأعرف كيف يجعلكم الخوف تتردّدون في وصايا روحيّة، غير ماديّة. الخوف مِن غلطة يشلّ كلّ إرادة لكم. لذلك فقد كلّمتُكم أنا أولاً عن كلّ الأمور. بعد ذلك سوف يذكّركم البارقليط بكلماتي ويبسطها لكم بالتفصيل. ولن تخافوا، لأنّكم سوف تتذكّرون أنّني أنا قد بذرتُ فيكم البِذار الأولى. دعوا أنفسكم تُقاد بالروح القدس. إذا كانت يدي لطيفة في قيادتكم، فإن نوره كلّه لطف. هو محبّة الله. هكذا أنا أرحل مسروراً، لأنّني أعلم بأنّه سيأخذ مكاني ويقودكم إلى معرفة الله. أنتم لا تعرفونه بعد، على الرغم مِن أنّني قد كلّمتُكم عنه كثيراً. لكنّها ليست غلطتكم. لقد فعلتُم كلّ ما بوسعكم لتفهموني، ولذلك فأنتم مُبرَّرون إذا ما فهمتم القليل خلال ثلاثة أعوام. إنّ الافتقار للنعمة كان يضعف أرواحكم. حتّى الآن أنتم تفهمون القليل، بالرغم مِن أنّ نعمة الله نزلت عليكم مِن صليبي. أنتم بحاجة إلى النار. ذات يوم تكلّمتُ مع أحدكم حول ذلك. بينما كنّا نسلك دروب الأردن. لقد حانت الساعة. أنا أعود إلى أبي، لكنّني لن أترككم وحيدين ذلك أنّني أترك لكم الإفخارستيا، أي مخلّصكم الّذي جعل نفسه غذاءً للبشر. وأترك لكم الصديق: البارقليط. هو سيقودكم. أنقل أرواحكم مِن نوري إلى نوره، وهو سوف يُكمل تنشئتكم.»

 

«أتفارقنا هنا؟ الآن؟ على هذا الجبل؟» كلّهم محزونون.

 

«لا. ليس بعد. لكنّ الوقت ينقضي على عَجَل، وتلك اللحظة ستأتي قريباً.»

 

«آه! لا تدعني على الأرض مِن دونكَ يا ربّ. لقد أحببتُكَ مِن ولادتكَ حتّى موتكَ، ومِن موتكَ إلى قيامتكَ، وعلى الدوام. إنّما سيكون أمراً محزناً للغاية معرفة أنّكَ لن تكون بيننا بعد الآن! لقد استجبتَ لصلاة والد أليشع. لقد استجبت للكثيرين. استمع لي يا ربّ!» يتوسّل إسحاق جاثياً على ركبتيه ويداه مبسوطتان.

 

«الحياة الّتي ما زال يمكنكَ أن تحظى بها بعد ستكون في سبيل التبشير بي، ربّما مجد الشهادة. لقد أحسنتَ أن تكون شهيداً حبّاً بي حين كنتُ طفلاً، وأتخاف الآن مِن أن تكون شهيداً مِن أجلي أنا الممجّد؟»

 

«مجدي يكون بأن أتبعكَ يا ربّ. إنّني فقير وغبي. كلّ ما كنتُ أستطيعُ تقديمه، قدّمتُه بطيب خاطر. الآن هذا ما أودُّه: أن أتبعكَ. إنّما ليكن كما تشاء أنتَ، الآن وعلى الدوام.»

 

يسوع يضع يده على رأس إسحاق ويُبقيها هكذا في ملاطفة طويلة، فيما يلتفت إلى الجميع قائلاً: «أليس لديكم أسئلة توجّهونها إليّ؟ إنّها التعاليم الأخيرة. تحدّثوا إلى معلّمكم... أترون كيف أنّ الصِّغار يتحلّون بالثقة بي؟»

 

بالفعل، اليوم أيضاً، مارغزيام يسند رأسه إلى جسد يسوع، ضاماً نفسه كلّياً إليه، وإسحاق لم يُظهِر أيّ تردّد في التعبير عن رغبته.

 

«حقّاً... نعم... لدينا بعض الأسئلة...» يقول بطرس.

 

«اسألوا إذاً.»

 

«هو ذا... مساء أمس، بعدما فارقتَنا، كنّا نتحدّث في ما بيننا حول ما كنتَ قد قلتَه لنا. الآن كلمات أخرى تجيش فينا بسبب ما قلتَه. بالأمس، وكذلك واليوم، إذا ما تمعّنا جيّداً، قد تكلّمتَ وكأنّ هرطقات وانقسامات سوف تظهر، وقريباً. إن ذلك يحملنا على التفكير بأنّه يجب علينا أن نكون حذرين جدّاً حيال أولئك الّذين يريدون المجيء بيننا، حيث بالتأكيد في أولئك ستكون بذور الهرطقة والانقسام.»

 

«أتظنّ ذلك؟ أليس إسرائيل منقسماً منذ الآن في مجيئه إليّ؟ أنتَ تقصد قول هذا: إنّ إسرائيل الّذي أحبّني لن يكون أبداً هرطوقيّاً ومنقسماً. أليس ذلك صحيحاً؟ إنّما أكان إسرائيل ربّما، منذ عصور، متّحداً، حتّى في التشكيل القديم؟ وهل كان متّحداً في اتّباعي؟ الحقّ أقول لكم إنّ فيه جذر الهرطقة.»

 

«لكن...»

 

«لكنّ وثنيّاً وهرطوقيّاً هو منذ عصور تحت المظهر الخارجيّ للإيمان. تعرفون أوثانه، وهرطقاته أيضاً. الوثنيّون سيكونون أفضل منه. لهذا السبب لم أستبعدهم. وأقول لكم أن تفعلوا مثلما أنا فعلتُ. ذلك سيكون واحداً مِن أكثر الأمور صعوبة بالنسبة لكم. أعلم ذلك. إنّما تذكّروا الأنبياء. لقد تنبّأوا عن قابليّة الوثنيّين للدعوة وقساوة اليهود. لماذا ترغبون في إقفال أبواب الملكوت بوجه الّذين يحبّونني ويأتون إلى النور الّذي كانت نفوسهم تبحث عنه؟ أتعتقدون بأنّهم خطأة أكثر منكم لأنّهم لم يعرفوا الله حتّى الآن، لأنّهم تبعوا ديانتهم وسوف يظلّون يتبعونها طالما لم تجذبهم ديانتنا؟ لا ينبغي لكم ذلك. أنا أقول لكم إنّهم غالباً ما يكونون أفضل منكم، لأنّهم، وبينما يخضعون لديانة غير مُقدَّسة، يُحسِنون أن يكونوا بارّين. إنّ البارّين موجودون في أيّة أُمّة وديانة. إنّ الله يرى أعمال البشر، لا كلامهم. وإذا رأى أنّ وثنيّاً، لبرّ في قلبه، يقوم بالطبيعة بما توصي به شريعة سيناء، فلماذا اعتباره كمزدرى؟ أليس أجدر بالتقدير إنسان لا يعرف وصيّة الله، وهو لا يفعل هذا الأمر أو ذاك لأنّه أمر شرّير، ويفرض على نفسه الأمر بألاّ يفعل ما يقول له عقله بأنّه غير صالح ويتبعه بأمانة، مقارنة بالاستحقاق النسبيّ جدّاً لذاك الّذي، إذ يعرف الله، خاتمة الإنسان والشريعة الّتي تسمح له ببلوغه، يسمح لنفسه بتبريرات وذرائع واهية بشكل متواصل ليكيّف الوصيّة الكاملة مع إرادته الفاسدة؟ ماذا يبدو لكم؟ أنّ الله يثمّن المخارج الّتي وضعها إسرائيل للطاعة كي لا يتوجّب عليه أن يضحّي كثيراً بشهواته؟ ماذا يبدو لكم؟ أنّ وثنيّاً حين يغادر العالم، بارّاً في عينيّ الله لاتّباعه الشريعة الصحيحة الّتي فرضها ضميره عليه، سيعتبره الله شيطاناً؟ أقول لكم: إنّ الله سوف يحاكم أعمال البشر، والمسيح، ديّان كلّ الناس، سوف يكافئ أولئك الّذين كانت رغبة نفوسهم هي الصدى لقانونهم الداخليّ للوصول إلى نهاية الإنسان الأخيرة، الّتي هي اتّحاده مجدّداً بخالقه، الإله المجهول بالنسبة للوثنيّين، إنّما، بالله ‏الّذي يشعرون بأنّه حقّيقيّ وقدّوس، فيما وراء الديكور المبهرج للأولمب الزائف. احرصوا جيداً بالأحرى لئلاّ تكونوا أنتم عثرة للوثنيّين. فقد تمّ بالفعل الاستهزاء باسم الله مرّات كثيرة مِن قِبَل الأمميين بسبب أفعال أبناء شعب الله. لا تظنّوا بأنّكم أمناء خزائن هباتي واستحقاقاتي الحصريّون. لقد مُتُّ لأجل اليهود والوثنيّين. ملكوتي سيكون لجميع الأمم. لا تستغلّوا الصبر الّذي تعامل به الله معكم حتّى الآن لتقولوا لأنفسكم: "كلّ شيء مسموح به لنا". لا. أنا مَن يقول لكم ذلك. لم يعد هناك هذا الشعب أو ذاك. هناك شعبي. وفي هذا الشعب القيمة نفسها للأواني الّتي استُنفِذَت في خدمة الهيكل، وتلك الّتي ستوضع الآن على موائد الله. لا بل إنّ هناك أواني كثيرة قد استُنفِذَت في خدمة الهيكل، إنّما ليس في خدمة الله، ستوضع جانباً، وستوضع مكانها على المذبح تلك الّتي لا تعرف بعد البخور، الزيت، الخمر أو الطيب، لكنّها متشوقة لأن تمتلئ منها وأن تُستَخدَم لمجد الربّ. لا تطلبوا الكثير مِن الوثنيّين. يكفي أن يتحلّوا بالإيمان ويطيعوا كلمتي. إنّ ختاناً جديداً يحلّ محلّ القديم. مِن الآن فصاعداً، الإنسان يكون مختوناً في قلبه، في روحه أفضل بعد منه في قلبه، لأنّ دم المختونين، الّذي يرمز إلى التطهّر مِن الشهوة الّتي أقصت آدم عن البنوّة الإلهيّة، قد حلّ محلّه دمي فائق الطهارة. إنّ دمي فَعّال لدى المختونين وغير المختونين بالجسد، شريطة أن ينالوا معموديّتي وينبذوا الشيطان، العالم والجسد، حبّاً بي. لا تزدروا غير المختونين. إنّ الله لم يزدرِ إبراهيم. وبسبب برّه، اختاره قائداً لشعبه حتّى قبل أن يعضّ الختان جسده. فإن كان الله قد دنا مِن إبراهيم غير المختون لينقل إليه أوامره، فيمكنكم أن تدنوا مِن غير المختونين لتثقّفوهم بشريعة الربّ. تأمّلوا كم مِن الخطايا وأيّ خطايا ارتكبها أولئك المختونين. فلا تكونوا إذاً قساة حيال الوثنيّين.»

 

«ولكن هل علينا أن نُعلّمهم ما علّمتَنا؟ فهم لن يفهموا شيئاً لأنّهم لا يعرفون ‏الشريعة.»

 

«أنتم تقولون ذلك. لكن أربّما فهم إسرائيل، هو الّذي كان يعرف الشريعة والأنبياء؟»

 

«هذا صحيح.»

 

«ومع ذلك انتبهوا. سوف تقولون ما يلهمكم به الروح، شفوياً، دون خوف، دون الرغبة بالتصرّف مِن تلقائكم. ومِن ثمّ عندما سيظهر أنبياء كَذَبة بين المؤمنين، الّذين سيُعلِنون عن أفكارهم كما لو أنّها أفكار موحى بها، وسيكونون هم الهراطقة، حينذّاك عليكم أن تُقاتِلوا مذاهبهم الهرطوقيّة بوسائل أكثر حزماً مِن الكلمة. إنّما لا تقلقوا. الروح القدس سوف يرشدكم. أنا لا أقول أبداً شيئاً لا يتمّ.»

 

«وماذا نفعل بالهراطقة؟»

 

«حاربوا الهرطقة نفسها بكلّ قواكم، إنّما اسعوا بكلّ الوسائل أن تهدوا الهراطقة إلى الربّ. لا تُتعِبوا أنفسكم في البحث عن النعاج الّتي ضلّت لتعيدوها إلى الحظيرة. صلّوا، تألّموا، حُثّوا على الصلاة، على التألّم، امضوا متوسّلين كما صَدَقة تضحيات وآلام مِن الطاهرين، الصالحين، الأسخياء، لكي بذلك تتمّ هداية الإخوة. آلام المسيح تستمرّ لدى المسيحيّين. إنّني لم أقصكم عن هذه الصنيعة العظيمة الّتي هي فداء العالم. أنتم كلّكم أعضاء جسد واحد. ساعدوا بعضكم بعضاً، وليعمل الأقوياء والأصحّاء مِن أجل أولئك الأضعف، وليمدّ أولئك المتّحدون أيديهم إلى الإخوة البعيدين ويدعوهم.»

 

«إنّما أسيكونون كذلك، بعدما كانوا إخوة في منزل واحد؟»

 

«سيكونون.»

 

«ولماذا؟»

 

«لأسباب كثيرة. سوف يظلّون يحملون اسمي. لا بل سوف يفتخرون بهذا الاسم. سوف يعملون على جعله معروفاً. سوف يُساهِمون في جعلي معروفاً حتّى أقاصي الأرض. دعوهم يفعلون ذلك، لأنّ، أُذكّركم بذلك، مَن ليس ضدّي فهو لي. إنّما، يا للأبناء المساكين! سيكون عملهم دائماً جزئيّاً، ستكون استحقاقاتهم دائماً غير كاملة. لن يستطيعوا أن يكونوا فيَّ إذا ما كانوا منفصلين عن الكرمة. أعمالهم سوف تكون دوماً غير مكتملة. أنتم، أقول أنتم، بالإشارة إلى خلفائكم المستقبليّين، كونوا حيث يكونون. لا تقولوا كما فرّيسيّين: "لن أذهب لئلاّ أُصاب بالعدوى". أو مثل الكسالى: "لن أذهب، بما أنّ هناك مَن يبشّر ‏بالربّ". أو بجبانة: "لن أذهب لأتحاشى أن يطردوني". امضوا. أقول لكم: امضوا. إلى كلّ الأمم، حتّى تخوم العالم. كي تكون معروفة عقيدتي كلّها وكنيستي الوحيدة، وتكون للنفوس إمكانيّة الدخول فيها لتكون جزءاً منها.»

 

«هل سنسرد أو نكتب أعمالكَ كلّها؟»

 

«لقد قلتُ ذلك لكم. الروح القدس سوف يرشدكم لما هو حسن قوله أو الصمت تبعاً للظروف. ترون ذلك! ما أتممتُه سيكون محلّ إيمان أو إنكار، وأحياناً سوف يُستَعمَل كسلاح ضدّي، إذ تُقدّمه أيادٍ تكرهني. لقد دعيتُ بعلزبول، حين، كمعلّم وعلى مرأى مِن الجميع، كنتُ أجترح المعجزات. وماذا سيقولون الآن، حين سيعلمون أنّني تصرّفتُ هكذا بشكل فائق للطبيعة للغاية؟ سوف يُجدّفون عليَّ أكثر بعد. وأنتم سوف تُضطَهَدون منذ البدء. إذاً التزموا الصمت حتّى تحين ساعة الكلام.»

 

«إنّما إذا ما حلّت تلك الساعة حين نكون نحن، الشهود، قد متنا؟»

 

«في كنيستي سيكون هناك دائماً كَهَنَة، معلّمون، أنبياء، طاردوا أرواح شرّيرة، معترفون، أناس يجترحون المعجزات، مُلهَمون، سيكون في كنيستي بقدر ما يلزمها كي ينهل منها الناس ما هو ضروريّ. إنّ السماء: الكنيسة الظافرة، لن تترك الكنيسة الـمُعلِّمة وحدها، وهذه الأخيرة سوف تعين الكنيسة الـمُجاهِدة. ليس هناك أجساد ثلاثة، ليس هناك سوى جسد واحد. ليس هناك انفصال في ما بينها، بل اتّحاد في المحبّة والغاية: المحبّة والتمتّع بها في السماء، مملكتها. ولهذا السبب كذلك سيتوجّب على الكنيسة الـمُجاهِدة أن تعضد مؤيّدة بمحبّة ذاك الجزء منها الـمُعدّ بالفعل للكنيسة الظافرة، إنّما الّذي لا يزال مَقصّياً عنها، بسبب التكفير الـمَرْضيّ للنواقص المغفورة إنّما الّتي لا تزال غير مُكفَّر عنها تماماً أمام العدالة الإلهيّة الكاملة. كلّ شيء في الجسد السرّيّ يجب أن يتمّ بالمحبّة وعبر المحبّة، لأنّ المحبّة هي الدم الّذي يجري فيه. تعالوا إلى معونة إخوتكم الّذين يتطهّرون. وكما قلتُ أنّ أعمال الرحمة الجسديّة تُكسِبكم مكافأة في السماء، قلتُ إنّ الأعمال الروحيّة تُكسِبكم إيّاها على النحو ذاته. والحقّ أقول لكم إنّ الصلاة للأموات، كي يدخلوا في السلام، هو عمل رحمة عظيم سيبارككم عليه الله، والمستفيدون سوف يكونون ممتنّين لكم. وعندما، عند قيامة الجسد، سوف يجتمع البشر أمام المسيح ديّانهم، فَمِن بين الّذين سأباركهم سيكون أيضاً أولئك الّذين تحلّوا بالمحبّة تجاه إخوتهم الّذين كانوا يتطهّرون، رافعين الطلبات ومُصلّين لأجل سلامهم. وأنا أقول لكم ذلك. ما مِن عمل صالح سيبقى بلا ثمر، وسيكون للكثيرين بهاء رائعاً في السماء، مِن دون أن يكونوا قد بَشَّروا، رعوا، قاموا بأسفار رسوليّة، احتَضَنوا حالات خاصّة، بل فقط لأنّهم صلّوا وتألّموا في سبيل منح السلام للنفوس الّتي كانت تتطهّر، لجذب الهالكين إلى الاهتداء. هم أيضاً، الكَهَنة المجهولون مِن العالم، الرُّسُل غير المعروفين، الضحايا الّذين يراهم الله وحده، سوف ينالون أجر عُمّال الربّ، لأنّهم جعلوا مِن حياتهم تضحية محبّة دائمة لإخوتهم ولمجد الله. الحق أقول لكم إنّه يمكن بلوغ الحياة الأبديّة عبر دروب عديدة، وإحداها هي هذه، وهي عزيزة جداً على قلبي. ألديكم أيّ شيء آخر تسألوه؟ تكلّموا.»

 

«يا ربّ، بالأمس، وليس فقط بالأمس، كنّا نفكّر بأنّكَ قلتَ: "ستجلسون على اثنيّ عشر عرشاً لتدينوا أسباط إسرائيل الاثنيّ عشر". إنّما نحن الآن أحد عشر...»

 

«اختاروا الثاني عشر. ذلك يقع على عاتقكَ يا بطرس.»

 

«على عاتقي؟ أنا لا يا ربّ! أَشِر إليه أنتَ.»

 

«لقد اخترتُ الاثنيّ عشر خاصّتي مرة وأعددتُهم. ثمّ اخترت قائدهم. ثمّ منحتُهم النعمة وبثثتُ فيهم الروح القدس. الآن يعود إليهم الانطلاق، لأنّهم لم يعودوا أطفالاً رضّعاً عاجزين عن القيام بذلك.»

 

«إنّما على الأقلّ ألمح لنا إلى أين علينا أن نوجّه أنظارنا...»

 

«هو ذا. هذا هو الجزء المختار مِن القطيع.» يقول يسوع، مشيراً بحركة دائريّة إلى أولئك الحاضرين مِن الاثنين والسبعين.

 

«ليس نحن يا ربّ، ليس نحن. فمكان الخائن يخيفنا.» يقولون متوسّلين.

 

«لنأخذ لعازر. أتريد يا ربّ؟»

 

يسوع يصمت.

 

«يوسف الذي مِن الرّامة؟... نيقوديموس؟...»

 

يسوع يصمت.

 

«إنّما نعم! لنأخذ لعازر.»

 

«أللصديق الكامل تريدون إعطاء هذا المكان الّذي لا تريدونه؟» يقول يسوع.

 

«يا ربّ، أودّ قول كلمة لكَ.» يقول الغيور.

 

«تكلّم.»

 

«إنّ لعازر حبّاً بكَ، أنا واثق مِن ذلك، سوف يتقبّل أيضاً هذا المكان وسيشغله على نحو كامل إلى حدّ أنّه سيُنسِي لمن كان ذلك المكان. إنّما لا يبدو لي أمراً ملائماً القيام بذلك لأسباب أخرى. إنّ فضائل لعازر الروحيّة موجودة في كثيرين مِن بين المتواضعين في قطيعكَ. وأعتقد بأنَّه مِن الأفضل إعطاء أولئك الأفضليّة، لئلاّ يقول المؤمنون إنّنا سعينا فقط إلى السُّلطة والغنى، كما يفعل الفرّيسيّون، بدلاً مِن الفضيلة وحدها.»

 

«لقد أحسنتَ القول يا سمعان. ولقد أحسنتَ القول بحيث تكلّمتَ بعدل مِن دون أن تمنعكَ صداقتكَ للعازر مِن الكلام.»

 

«لنجعل إذن مارغزيام رسولكَ الثاني عشر. إنّه ولد.»

 

«أنا، في سبيل محو ذاك الفراغ الرهيب، أقبل بذلك، لكنّني لستُ أهلاً. كيف سيمكنني، أنا الولد، أن أكلّم راشدين؟ يا ربّ، عليكَ أن تقول إن كنتُ على حقّ.»

 

«إنّكَ على حقّ. إنّما لا تستعجلوا. سوف تأتي الساعة وستكونون مدهوشين آنذاك بأن يكون لكم كلّكم رأي واحد. في انتظار ذلك صلّوا. أنا ماضٍ. اذهبوا للصلاة. في هذا الحين أصرفكم. رتّبوا أموركم بحيث تكونون كلّكم في بيت عنيا اليوم الرابع مِن زيف [أيار-مايو].»

 

ينهض، فيما الجميع يركعون، يسجدون ووجوههم في العشب. يباركهم، والنور، خادمه الّذي يُعلِن عنه ويتقدّمه حين يأتي كما يتلقّاه عندما يغادر، يلفّه ويخفيه، متشرّباً إيّاه مرّة أخرى.