ج2 - ف4
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثاني / القسم الأول
4- (لم يكن يوحنا في حاجة إلى أيّة إشارة)
03 / 02 / 1944
يقول يسوع:
«لم يكن يوحنّا في حاجة إلى إشارة مِن أجل ذاته. فَرُوحه السابق تقديسها مُذ كان في أحشاء والدته كانت تمتلك رؤية الذكاء فائق الطبيعة التي كانت ستكون نصيب كلّ الناس لولا خطيئة آدم.
لو بَقِيَ الإنسان في حالة النعمة، في البراءة والوفاء لخالقه، لكان رأى الله عبر المظاهر الخارجيّة. قيل في سفر التكوين إنّ الرب الإله كان يتكلّم مع الإنسان البريء بشكل ودّيّ، ولم يكن يَغشَى على ذاك الإنسان لدى سماع هذا الصوت، ولم يكن يخطئ في تمييزه. هكذا كان مصير الإنسان: رؤية الله وإدراكه مثل الابن حيال أبيه. ثمّ أتت الخطيئة، ولم يعد الإنسان على إثرها يجرؤ على النّظر إلى الله، ولم يعد يستطيع معرفة واكتشاف وإدراك الإله الذي باتت معرفته به تتناقص يوماً بعد يوم.
إنّما يوحنّا، نَسيبي يوحنّا، فقد تَطَهَّرَ مِن الخطيئة عندما انحَنَت الممتلئة نعمة بِحُبّ لِتُقَبِّل التي كانت يوماً عاقراً وأصبَحَت وَلودة، أليصابات. وقد قَفَزَ الجنين فَرَحاً في أحشائها عند سماعه قشور الخطيئة تسقط مِن على نفسه كما تسقط القشرة مِن على الجرح لدى شفائه. الروح القدس الذي جَعَلَ مِن مريم أُمّ الـمُخَلِّص، قد بدأ صنع المجد عَبر مريم، الكأس الحيّ للمجد المتجسِّد، لهذا الطفل الذي سيُولَد وهو مُعدّ ليرتبط بي، ليس فقط بالدم بقدر ما يرتبط بالرسالة التي تجعل مِنّا مثل الشَّفَتَين في تشكيل الكلمة. فيوحنّا كان الشَّفَتَين وأنا الكلمة. هو السابق في الكِرازة وفي مصيره كشهيد، وأنا الذي أُعطي كمالي الإلهيّ للكرازة التي افتَتَحَها يوحنّا، واستشهاده في سبيل الدفاع عن شريعة الله.
لم يكن يوحنّا في حاجة إلى إشارة، إنّما بسبب غلاظة أرواح الآخرين كان لا بدّ مِن إشارة. فَعَلامَ ارتَكَزَ يوحنّا في تأكيده إن لم يكن على دليل لا يُدحَض، كانت عيون الناس البطيئة في الرؤية وآذانهم الكَسولة قد أدرَكَته.
وأنا كذلك لم أكن في حاجة إلى العِماد. إنّما حكمة الربّ قد ارتَأَت أن تكون هذه اللحظة وهذه الطريقة هما المفروضتان للّقاء، وذلك بإخراج يوحنّا مِن كهفه في الصحراء وإخراجي مِن بيتي، وقد جَمَعَتنا في هذه اللحظة لتنفتح السماء فوقي ويَنزل منها روحه ذاته، حَمامة إلهيّة على الذي سيكون عليه أن يُعَمِّد الناس بهذه الحَمَامة، ويأتي مِن السماء الإعلان الجهوريّ الملائكيّ لفكرة أبي هذه: "هوذا ابني الحبيب الذي به سُرِرتُ". هذا لكي لا يَبقى للناس عذر أو شكّ في معرفة ما إذا كان ينبغي لهم أن يتبعوني أَم لا.
تجلّيات المسيح كانت كثيرة. أوّلها بعد الولادة حيث كان للمجوس؛ والثاني في الهيكل؛ والثالث على ضفاف الأردن. ثمّ أتت التجلّيات الأخرى التي لا تُحصى والتي سوف أُعَرِّفكِ عليها، لأنّ معجزاتي كانت تجلّيات لطبيعتي الإلهيّة، حتّى الأخيرة منها، قيامتي، وصعودي إلى السماء. لقد امتلأ وطني بتجلّياتي، مثل البذور المرميّة في الجهات الأصليّة الأربع، وقد وَصَلَت إلى كلّ طبقة وكلّ مَوضِع في الحياة: للرُّعاة ولذَوي النفوذ، للعلماء والكَفَرَة والخَطَأة، للكَهَنَة والمتسِلِّطين، للأطفال والجنود، ولليهود والوثنيّين.
والآن أيضاً هي تتكرّر، ولكن بما أنّ العالم يَرفضها، أو بالأحرى لا يتقبّل المعجزات الحاليّة وينسى القديمة. إذاً فأنا لا أصرف النَّظَر. أنا أُكرّر ذاتي لأخلّصكم ولأقودكم إلى الإيمان بي.
أتعرفين يا ماريا ماذا تفعلين؟ بالأحرى ماذا أفعل عندما أجعلكِ تَرَين الإنجيل؟ إنّها محاولة قويّة لجلب الناس إليَّ. لقد رَغِبتِها أنتِ بصلواتكِ الحارّة. لن أكتفي بعد بالكلمة، فهي تُتعِب وتُبعدهم. وهذه خطيئة، ولكنّها هكذا. فأعمد إلى الرؤيا، إلى رؤيا إنجيلي وأشرحه لأجعله أكثر وضوحاً وأكثر جاذبيّة.
لكِ أعطي عزاء الرؤيا. وأعطي الجميع الوسيلة ليرغبوا بي ويعرفوني. وإذا لم تفد أيضاً وكانوا كالأطفال الشَّرِسِين يَرمون العطيّة دون إدراك قيمتها، فتبقى الهبة لكِ ويَذهَب سُخطي إليهم. وسوف يكون بإمكاني مرّة أخرى توجيه الملامة القديمة: "عزفنا على الناي فلم ترقصوا ولطمنا بالنواح فلم تبكوا".
إنّما لا يهمّ. فلندع رافضي الهداية يُكدِّسون على رؤوسهم الفحم المتأجّج، ولنلتفت إلى النّعاج التي تبحث عن معرفة الرّاعي، والرّاعي هو أنا، أمّا أنتِ فعصا الرّاعي التي تقودهم إليَّ.»
كما تَرَون، فلقد أسرعتُ في وضع هذه التفاصيل التي لضآلتها قد أفلَتَت منّي وأنتم رغبتم بالحصول عليها.
ثمّ اليوم وبينما كنتُ أقرأ الكرّاس، لاحظتُ جُملة مِن يسوع يمكن اعتبارها قاعدة. هذا الصباح كنتم تقولون إنّكم لا تستطيعون فهم الوصف المكتوب بأسلوبي الشخصي، وأنا التي أَنفُر مِن الشهرة، كنتُ سعيدة لذلك. ولكن ألا يبدو لكم أنّ ذلك يتعارض مع قول المعلّم في آخر إملاء مِن الكرّاس؟ «كلّما كنتِ أكثر حرصاً ودقّة (في وصف ما أرى) كلّما كان عدد الذين يأتون إليَّ أكبر.» هذا يعني أنّه ينبغي أن يكون الوَصف معروفاً. وإلا فكيف يكون أن يذهب عدد مِن النفوس إلى يسوع بفضله؟ أعرض لكم هذه النقطة ثمّ افعلوا أنتم ما يبدو لكم الأفضل. وحتّى بشريّاً، أنا مع رأيكم. إنّما لسنا هنا بصدد ما هو بشريّ، وحتّى أَنسَنة "البوق" يجب أن تختفي. حتّى في إملاء اليوم قال يسوع: «... بجعلي إيّاكِ تَرَين الإنجيل أقوم بمحاولة قويّة لأجلب الناس إليَّ. لم أعد أكتفي بالكلمة... إنّي ألجأ إلى الرؤيا وأشرحها لأجعلها أكثر وضوحاً وأكثر جاذبيّة.» فإذاً؟
حينئذ، وبما أنّني لا شيء ومسكينة، وأنّني بذاتي أنكفئ مباشرة على ذاتي، أقول إنّ ملاحظتكم قد أثارَت فيَّ اضطراباً، وقد استمتَعَ الحاسد بذلك، فلقد كنتُ مضطَرِبة لدرجة أنّني فكرتُ في عدم كتابة ما أرى، إنّما فقط الإملاءات. فيهمس في أعماقي:«ألا ترين ذلك؟ رؤاكِ العظيمة لا تنفع لشيء البتّة! اللهمّ إلّا لتُظهِركِ كالمجنونة كما هو حالك في الحقيقة. ماذا تَرَين؟ أطياف ذهنكِ الـمُضطَرِب. حتماً يجب وجود شيء آخر تماماً لاستحقاق رؤية السماء!» ويجعلني طوال النهار تحت مرمى تجربته اللاذع. أؤكّد لكم بأنّني لم أشعر قطّ بمعاناة ألمي البدنيّ الكبير كما بمعاناتي مِن ذلك. إنّه يريد أن يجرّني إلى اليأس. جُمعتي هي اليوم. يوم جُمعة للتجارب الروحيّة، فأفكّر بيسوع في الصحراء، أفكّر بيسوع في جَثْسَيْماني.
إلّا أنّني لا أُقِرُّ بهزيمتي لكي لا أجعل هذا الشيطان الـمُخادِع يضحك منّي؛ وفي صراعي ضدّه وضدّ ما في داخلي مِن غير الروحيّ، أَكتُب لكم فرحي اليوم مُؤكِّدة لكم في ذات الوقت أنّ في حسابي أن أكون جدّاً مسرورة لو رَفَعَ عني يسوع عطيّة الرؤيا هذه التي هي فرحي الأعظم، شريطة أن يحتفظ بحبّه لي ورأفته بي.