ج5 - ف56
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الخامس/ القسم الثاني
56- (رسائل أنطاكية)
22 / 01 / 1946
يُغادر يسوع بيت عنيا مع اللَّذَين كانا معه، أي سمعان الغيور ومارغزيام. إنّما إليهم انضمّت أنستاسيا التي تسير إلى جانب مارغزيام محجّبة، بينما يسوع متخلّف عنهما قليلاً مع سمعان. تسير المجموعتان وكلّ يتحدّث على هواه، وبما يعتمر قلبه.
أنستاسيا تقول لمارغزيام، تِباعاً لحديث كانت قد بدأته: «أنا متلهّفة للقائها.» قد تكون المرأة تتحدّث عن إليز التي مِن بيت صور. «ثق تماماً أنّني لم أكن لأتأثّر هكذا حينما تزوَّجتُ، أو حينما أُعلِنْتُ برصاء. كيف سأُحَيِّيها؟»
فيقول مارغزيام، بابتسامة لطيفة ورزينة: «آه! باسمها الحقيقيّ! الأُمّ!»
«ولكنّني، لا أعرفها! أليس في ذلك الكثير مِن الدالّة؟ في النهاية، مَن أكون أنا بالنسبة إليها؟»
«ما كنتُه أنا العام الماضي. بل حتّى أنتِ، أفضل منّي كثيراً! أنا، كنتُ يتيماً فقيراً، مذعوراً، وفظّاً. ومع ذلك فقد كانت تدعوني دائماً بُنيّ، منذ اللحظة الأولى، وقد كانت لي على الدوام أُمّاً حقيقيّة. العام الماضي كنتُ أنا مَن أختَبَرَ رعشة الخوف في انتظار رؤيتها. لقد تلاشى كلّ ذلك الهلع الذي كان قد عَشَّشَ في دمي مُذ كنتُ قد رأيتُ بعينيّ الطفل، أوّلاً هول الطبيعة الذي دمَّرَ كلّ شيء في بيتي وفي عائلتي، ثمّ... ثمّ، بعينيّ الطفوليّتين رأيتُ، بل كان عليَّ أن أرى كيف أنّ الإنسان وحش أكثر دمويّة مِن ابن آوى ومصّاص الدماء... أرتجف دائماً... أبكي دائماً... أحسّ وكأنّ هنا عُقدة تشدّ بقسوة، عُقدة مؤلمة مِن الخوف، والألم، والحقد، وكلّ شيء... خلال بضعة أشهر عرفتُ كلّ الشرّ والألم والوحشيّة الممكن أن تكون في العالم... ولم يكن في مقدوري أن أعتقد أنّه كان ما يزال هناك شيء مِن الطِّيبة، والحبّ، والحماية...»
«ولكن كيف! متى أخذكَ المعلّم؟!... ومتى أصبحتَ مِن بين تلاميذه، الطيّبين للغاية!؟»
«اضطربتُ أيضاً وأيضاً، يا أختاه... وحقدتُ أكثر وأكثر. آه! لقد اقتضى وقتاً لأقتنع بعدم الخوف... ولزمني أكثر أيضاً لأتوصّل إلى التخلّص مِن الحقد تجاه الذين كانوا السبب في آلام نفسي بجعلها تعرف ما يمكن أن يكون الإنسان: شيطان يبدو في هيئة حيوان مفترس. لا يتألّم المرء دون تلقّي وَبَالاً لمدّة طويلة، خاصّة عندما يكون طفلاً... والأثر يدوم لأنّ قلبنا ما يزال رقيقاً ودافئاً مِن جرّاء قبلات الأُمّ، متعطّشاً للقُبلات أكثر مِن الخبز. وبَدَل القُبلات يجد نفسه يتلقّى الضربات...»
«يا للصبيّ المسكين!»
«نعم. مسكين. مسكين للغاية! لم يكن قد بقي لديَّ رجاء بالله ولا احترام للإنسان... كنتُ أخشى الإنسان. حتّى وأنا إلى جانب يسوع، حتّى وأنا بين ذراعيّ بطرس، كنتُ خائفاً... كنتُ أقول لنفسي: "هل هذا ممكن؟ آه! هذا لن يدوم. هُم أيضاً سوف يضيقون ذرعاً مِن كونهم طيّبين..." وكنتُ أَلهَث خلف مريم. فالأُمّ هي أُمّ على الدوام، أليس كذلك؟ وبالفعل، عندما رأيتُها، عندما أصبحتُ بين ذراعيها، لم أعد أشعر بالخوف. أدركتُ أنّ الماضي قد انتهى حقّاً، وأنّني قد عبرتُ مِن الجحيم إلى الفردوس... آخر ألم كان رؤية أنّهم كانوا يَدَعوني جانباً... كنتُ أتوجَّس دائماً خيفة مِن الشرّ. بكيتُ كثيراً. آه! حينذاك... بأيّ حُبّ حَضَنَتني! لا. منذ تلك اللحظة لم أعد أبكي أُمّي، لم أعد أرتعد... مريم هي العذوبة والسلام للبائِسِين...»
«وأنا كذلك في حاجة إلى العذوبة والسلام...» تتنهّد المرأة.
«وستحصلين عليها قريباً. هل تَرَين تلك الخُضرة هناك؟ هناك تتوارى، في بيت جَثْسَيْماني.»
«وهل ستكون إليز هناك كذلك؟ ماذا سأقول لهما؟ وماذا سوف تقولان لي؟»
«لستُ أدري ما إذا كانت إليز هناك. لقد كانت مريضة.»
«آه! ألن تموت؟! مَن تتَّخذني حينذاك كابنة لها؟»
«لا تخافي. هو قال: "ستكون لكِ أُمّ وبيت". وسيكون كذلك. فلنتقدّم بسرعة قليلاً. فأنا لا أعرف الإبطاء عندما أكون على مقربة مِن مريم.»
يَحثّان الخطى، ولم أعد أسمع حوارهما.
يراهما الغيور يكادان يجريان على الطريق المألوفة، ويبدي ملاحظته ليسوع: «تحسبهما أَخَوان. انظر كم هي صداقتهما وطيدة.»
«إنّ مارغزيام يعرف كيف يتآلف مع الجميع. إنّها فضيلة صعبة وضروريّة جدّاً لرسالته المستقبليّة. وأنا أهتمّ بإنماء هذا الوضع الفَرِح فيه لأنّه سوف يخدمه كثيراً.»
«هو، تُكيِّفه أنتَ حسب مزاجكَ، أليس كذلك، يا معلّم؟»
«نعم. فسنّه يسمح لي بذلك.»
«ومع ذلك، فحتّى العجوز يوحنّا فيلكس، استطعتَ أن تُشكّله...»
«نعم. لأنّه تَرَكَ نفسه يُقَوَّض ويُعاد بناؤه بالكامل مِن قِبَلي.»
«حقّاً. لقد لاحظتُ أنّ أعظم الخطأة، عندما يهتدون، يتجاوزوننا عدلاً واستقامة، نحن أصحاب الوزر النسبيّ. لِمَ يكون هذا؟»
«لأنّ الندامة فيهم بحسب حجم الخطيئة. عظيمة. لأجل ذلك تسحقهم تحت ثقل الألم والاتّضاع. "خطيئتي أمامي في كلّ حين"، يقول صاحب المزامير. ذلك يحفظ الروح في التواضع. إنّها ذكرى جيّدة، عندما تكون متّحدة بالرجاء والثقة بالرحمة. فالكمالات الوسط، والتي ما تزال دون الوسط، غالباً ما تتوقّف، ذلك أنّها تفتقر إلى الباعث إلى الندامة على ارتكاب الخطيئة العظيمة، وإلى وجوب التعويض مِن أجل التقدّم صوب الكمال الحقيقيّ. تتوقّف مثل مياه راكدة. تنظر إلى نفسها راضية على كونها صافية. ولكنّ المياه الأكثر صفاء، إن لم تتنقّ، عن طريق الحركة، مِن الغبار، مِن النفايات التي يحملها إليها الهواء، ينتهي بها الحال لأن تصبح مُوحِلة آسِنة.»
«والنقائص التي نَدَعها تُقيم وتدوم فينا، هل هي غبار وقذارات؟»
«نعم، يا سمعان. ما زلتم خاملين جدّاً بعد. حركتكم صوب الكمال تكاد تكون غير محسوسة. ألا تعلمون أنّ الوقت يجري بسرعة؟ ألا تفكّرون أنّه، في الفسحة الضيّقة مِن الوقت الباقية لكم، يتوجّب عليكم العمل بجدّ لتصبحوا كاملين؟ إذا لم تمتلكوا القدرة على الكمال، المكتسبة بإرادة ثابتة، في هذا الزمن الذي يتقدّم، فكيف ستتمكّنون مِن الصمود في وجه العاصفة التي سيثيرها الشيطان وأبناؤه ضدّ المعلّم وتعاليمه؟ سيأتي يوم تتساءلون فيه: "ولكن كيف أمكننا الاضطراب، نحن الذين كُنّا معه مدة ثلاث سنوات؟" آه! الإجابة فيكم، في طريقة تصرّفكم! فكلّما اجتهد أحدكم ليصبح كاملاً في هذا الزمن الباقي، كلّما أَصبَحَ قادراً على أن يظلّ وفيّاً.»
«ثلاث سنوات... ولكن إذن... آه! ربّي!... إذن ففي الربيع المقبل سوف نفقدكَ؟»
«لهذه الأشجار ثمارها التي ما تزال صغيرة، وأنا سوف أتذوّقها عندما تنضج، إنّما لن أعود أتذوّق، بعد ثمار هذه السنة، المحاصيل الجديدة... لا تحزن، يا سمعان. الحزن عقيم. اعرف أن تتقوّى في البرّ، وأن يكون ذلك هاجسك لتتمكّن مِن أن تكون أميناً في اللحظة الرهيبة.»
«نعم، سوف أفعل ذلك. بكلّ ما أملك مِن قوّة. هل يمكنني قول ذلك للآخرين ليتهيّأوا، هُم كذلك؟»
«يمكنكَ قوله. ولكن الذي يملك إرادة قوّية يصمد.»
«والآخرون؟ ينهارون؟»
«لا، ولكنّهم سوف يُختَبَرون بقسوة بموجب تصرّفاتهم. سيكونون كَمَن كان يظنّ نفسه قويّاً ويَجِد نفسه منسحقاً ومهزوماً. مُندَهِشين. مُحتَقَرين. وفي النهاية مُتَّضِعين! لأنّه، ثِق يا سمعان، إذا ما غاب التواضع لا يمكن التقدّم. الكبرياء هو الحجر الذي يستخدمه الشيطان كقاعدة. فلماذا الاحتفاظ به في القلب؟ هل هذا الكائن المريع مُعلّم محبَّب؟»
«لا، يا معلّم.»
«ومع ذلك تحتفظون في قلبكم بنقطة ارتكازه، منبر تعليماته. إنّكم مجبولون بالكبرياء. لديكم منه لكلّ شيء ولكلّ الدواعي. حتّى كونكم «أتباعي» هو بالنسبة إليكم مِن قبيل الكبرياء. ولكن، يا لغبائكم، ألم تُشفوا بمقارنة أنفسكم، ما أنتم عليه، مع ما هو عليه الذي اختاركم؟ فمجرّد دعوتي لكم لا يعني أنّكم ستكونون قدّيسين. بل إنّكم ستصبحون كذلك بعد دعوتي لكم. فالقداسة بناء يَرفَعه كلّ بذاته. ويمكن للحكمة أن تُعيِّن الأسلوب والمخطّط لذلك. أمّا العمل المادّيّ فهو يعنيكم أنتم.»
«صحيح. إذ ذاك، ألن نضيع مع ذلك؟ هل سنصبح، بعد الاختبار، أكثر قداسة لكوننا متواضعين؟...»
«نعم.» النَّعَم جافّة وصارمة.
«أهكذا تقولها، يا معلّم؟»
«هكذا؟»
«تريد لنا القداسة قبل الاختبار...»
«نعم، هذا ما أريده. وللجميع.»
«للجميع! ألن نكون متشابهين في الاختبار؟»
«لستم متشابهين، لا قبل ولا أثناء ولا بعد. ومع ذلك فقد ألقيتُ الكلمة ذاتها للجميع...»
«والحبّ ذاته، يا معلّم. خطيئتنا تجاهكَ عظيمة...»
يتنهّد يسوع…
الغيور، بعد صمت طويل، يهمّ بالكلام. إنّما يَصِل، مُسرِعين، الرُّسُل والتلاميذ الذين التقوا مارغزيام على أوّل منحدر جَثْسَيْماني. فيصمت سمعان بينما يُجيب يسوع على كلّ التحيّات، ويتوجّه إلى جانب بطرس صوب بستان الزيتون والبيت.
ويُعلِن بطرس أنّهم كانوا، منذ الفجر، متأهّبين، وأنّ إليز ما زالت تتألّم في بيت يُوَنّا، وأنّ الفرّيسيّين كانوا قد أتوا في الليلة السابقة، وأنّ... وأنّ... وأنّ... كَمّ مِن الأخبار المتشابكة أدّت في النهاية إلى السؤال: «ولعازر؟» فيجيب يسوع عليه بالتفصيل.
بطرس، الفضوليّ للغاية، لا يستطيع الامتناع عن السؤال: «و... لا شيء يا ربّ؟ ولا... أيّ خبر...»
«بلى. سوف تعرفها في الوقت المناسب. أين مارغزيام والمرأة؟ هل أصبحا في البيت؟»
«آه! لا! لم تجرؤ المرأة على الاقتراب. لقد جَلَسَت على حَجَر وتنتظركَ. مارغزيام... مارغزيام... لقد اختفى. قد يكون جرى إلى البيت.»
«فلنسرع.»
ولكن بالرغم مِن إسراعهم، لا يَبلغون البيت قبل أن تَخرُج مريم وسلفتها، سالومة، بورفيرا، زوجتا برتلماوس وفليبّس لتبجيله. يحيّيهنّ يسوع مِن بعيد إلى حيث تجلس أنستاسيا باتّضاع، يأخذها مِن يدها ليقودها إلى أُمّه والنساء.
«هي ذي: إنّها زهرة هذا الفصح، يا أُمّي. واحدة فقط هذا العام. ولكن فلتكن عذبة القبول لديكِ، لأنّني أنا مَن أتيتُ بها إليكِ.»
وتجثو المرأة.
تنحني مريم لِتُنهِضها وهي تقول: «البنات يبقين على الصدر، وليس على أقدام الأُمّهات. تعالي، يا ابنتي. فلنتعرّف على وجوه بعضنا كما قد تعارفت أرواحنا. ها هنّ الأخوات الحاضرات، أُخريات سوف يأتين. ولتكن عائلة ظريفة يملأ الحبُّ أعضاءَها والقداسة لمجد الله.»
وتتبادل النساء التلميذات قبلات ودّيّة، ويتفرّسن الواحدة بالأخرى. يدخلن المنـزل، ويصعدن إلى الشُّرفة المحاطة بمئات أشجار الزيتون باللون الأخضر الضارب إلى الزُّرقة. تتفرّق المجموعات: يسوع مع الرجال، والنساء على حدة، حول القادمة الجديدة. تعود سُوسَنّة التي كانت قد ذهبت إلى المدينة مع زوجها. وتصل يُوَنّا مع الأولاد. وتظهر أناليا بوجهها الملائكيّ. يائيروس، الذي كان قد اختلط بالتلاميذ بينما كان يهرع صوب يسوع، يعود مع ابنته التي تمضي إلى مجموعة النساء، إلى جانب مريم التي تلاطفها.
هو السلام والحبّ في استقبال الأشخاص. بعد ذلك تبدأ الشمس بالغروب. وقبل أن يَصرف الذين يعودون إلى منازلهم، أو اللواتي سيأوينهم، يجمعهم يسوع جميعاً مِن أجل الصلاة ويباركهم. ثمّ يَصرف الجميع. ويبقى مع الذين يُفضِّلون الازدحام في بيت جَثْسَيْماني أو تمضية الليل تحت شجر الزيتون على الابتعاد عن هناك. وهكذا تبقى مريم، مريم التي لحلفى، سالومة، أنستاسيا وبورفيرا مِن النساء؛ ومِن الرجال يسوع، بطرس، أندراوس، يعقوب ويوضاس ابنا حلفى، يعقوب ويوحنّا ابنا زَبْدي، سمعان الغيور، متّى ومارغزيام.
ينتهي العشاء بسرعة. وبعد ذلك يدعو يسوع أُمّه ومريم التي لحلفى لتأتيا معه والتلاميذ إلى بستان الزيتون الساكن. قد تذهب النساء الأخريات كذلك عن طيب خاطر، ولكن يسوع لم يدعُهنّ، بل هو يقول لسالومة وبورفيرا: «تحاورن بقداسة مع الأخت الجديدة ثمّ اخلدن إلى النوم دون انتظارنا. السلام معكنّ.» واستسلمت النساء الثلاث لمصيرهنّ. بطرس متجهّم قليلاً بينما الجميع يتحدّثون، في الوقت الذي يمضي الجميع معاً مباشرة إلى صخرة النـزاع المستقبليّة. يجلسون على المنحدر، مستديرين صوب أورشليم التي تهدأ على مهل بعد صخب النهار.
«أَضرِم النار في الأغصان، يا بطرس.» يأمره يسوع.
«لماذا؟»
«لأنني أودُّ أن أقرأ لكم ما كَتَبَه يوحنّا وسِنْتيخي. واعلم، أيّها الممتعض، أنّه، لأجل ذلك، لم أَدَع النساء الثلاث يأتين.»
«ولكن كانت زوجتي موجودة، هذا المساء!...»
«ولكنّ إقصاء سالومة فقط مِن التلميذات القديمات ليس بالأمر المناسب... فيما عدا ذلك، فإنّ الأمر يمنحكَ الفرصة لتفتح قلبكَ لزوجتكَ الحكيمة، بينما أنتَ تروي لها ما سوف تسمَعه الآن.»
بطرس، وقد امتلأ فخراً للإطراء الذي سَمِعَه عن بورفيرا، وبالسماح له بأن يُطلِعها على السرّ، يفقد فجأة مزاجه المتكدّر، ويشرع في إضرام جذوة فَرِحة، يرتفع منها لهيب مستقيم وثابت في الجوّ الساكن. يسحب يسوع الرسالتين مِن حزامه، يفردهما ويقرأهما وسط دائرة الأحد عشر وجهاً متنبّهاً.
«"إلى يسوع الناصريّ، الإكرام والبركة. إلى مريم التي مِن الناصرة، البركة والسلام. إلى الإخوة القدّيسين سلاماً وتحيّة. إلى الحبيب مارغزيام، سلاماً وتحبّباً.
هي الدموع والبسمات في قلبي، بينما أجلس لأكتب هذه الرسالة إليكم جميعاً. ذكريات حنونة، رجاء وسلام جرّاء الواجب الذي تمّ، كلّ ذلك يملأني. كلّ الماضي ذو القيمة بالنسبة إليَّ، أي الذي بدأ منذ اثني عشر شهراً، أمامي هو الآن، ونشيد عرفان لله، الذي أبدى الكثير مِن الرأفة تجاه الخاطئ، يفيض مِن قلبي. فلتكن مباركاً، وكذلك أُمّكَ التي مَنَحَتكَ للعالم، والأُمّ الأخرى التي أتذكّرها وكأنّها الرحمة متجسّدة، هذا إضافة إلى المبارَكِين بطرس ويوحنّا وسمعان ويعقوب ويوضاس ويعقوب الآخر وأندراوس ومتّى، أخيراً حبيبي مارغزيام، آخِذاً إيّاه على صدري لأباركه، مِن أجل كلّ ما منحتموني إيّاه منذ اللحظة التي عرفتُكم فيها إلى اللحظة التي فيها تركتُكم! آه! لم يكن ذلك بإرادتي! فليسامح الله الذين انتزعوني منكم! فليسامحهم الله، وليزد فيّ إمكانيّة فعل ذلك، مِن نفسي. في الوقت الحاضر، بعونه تعالى، أستطيع فعل ذلك معه. إنّما بمفردي، فلا، لا يمكنني فعله بعد، ذلك أنّ الجرح الذي تسبّبوه لي بانتزاعي مِن حياتي الحقيقيّة، أنتَ، أيّها القدّوس، ما يَزال بليغاً. ما يزال بليغاً رغم أنّ تعزياتكَ هي كالمطر المتواصل والـمُبَلسَم النازل عليَّ..."»
يتجاوز يسوع عدّة أسطر دون قراءة، ويُعاوِد: «"حياتي..."» إلّا أنّ بطرس، كي يسمح للمعلّم أن يرى بوضوح، يأخذ غصناً مشتعلاً ويرفعه عالياً، وهو ما يزال بجانب المعلّم، مادّاً عنقه ليرى ما كُتِب، ويقول: «لا، ليس هذا! لماذا لا تقرأ، يا معلّم؟ هناك شيء آخر في الوسط! أنا غبيّ، إنّما ليس إلى درجة أنّني لا أعرف القراءة مطلقاً. أنا، أقرأ: "وعودكَ قد تجاوَزَت الآمال..."»
«لكنّكَ رهيب! أسوأ مِن وَلَد!» يقول يسوع مبتسماً.
«بالطبع! أكاد أكون عجوزاً! لذلك أملك مِن الـمَكر أكثر ممّا لدى وَلَد.»
«عليكَ كذلك أن تمتلك مِن التعقّل أكثر.»
«هذا حسن مع الأعداء. هنا، نحن أصدقاء فيما بيننا. هنا يقول يوحنّا عنكَ أشياء حسنة. أودُّ لو أعرفها، لأعرف أنا كذلك كيف أتوجّه عندما ترسلني إلى مكان ما كإحدى البضائع. هيّا، اقرأ كلّ شيء! أيّتها الأُمّ، قولي له بأنّه ليس مِن العدل أن يبلّغنا الأخبار فارزاً إيّاها كالسمك الصغير. كلّ شيء! كلّ شيء! الطحالب، الوحل، السمك الصغير والسمك المختار. كلّ شيء! ساعدوني، أنتم أيضاً! أنتم تبدون كالأصنام. أنتم تغيظوني! ويضحكون!»
مِن الصعب عدم الضحك أمام هياج بطرس الذي يقفز هنا وهناك مثل صوص هائج، محرّكاً غصنه الوَهّاج دون اكتراث بالشرارات التي تنهمر فوقه.
يَتنازل يسوع كي يُهدّئه ويتابع القراءة.
«"وعودكَ قد تجاوزت الآمال التي كانت لديَّ في وعودكَ. آه! أيّها المعلّم القدّيس! عندما وَعَدتَني، في صبيحة الشتاء الحزينة تلك، أن تأتي لمؤاساة تلميذكَ الحزين، لم أُدرِك المدى الحقيقيّ لوعدكَ. الألم وحدود الإنسان أنهكت قدرات الروح، وقد كان مُغلَقاً على فهم مدى وعدكَ.
لتكن مباركاً، أيّها الزائر الروحيّ للياليَّ التي لم تَعُد كما كنتُ أتوقّعها ألماً وأسى، إنّما انتظاراً لكَ، أو سعادة اللقاء بكَ. الليل، هلع المرضى، والمنفيّين، والوحيدين، والمذنبين، بالنسبة إليَّ، أنا فيلكس، السعيد حقّاً بإتمام مشيئتكَ وخدمتكَ، قد أَصبَحَ 'انتظار العذارى الحكيمات لوصول العروس.' ونفسي المسكينة لديها المزيد أيضاً. لها الطّوبى بأن تكون العروس المنتظرة حبّها، الذي يَفِد إلى حجرة العرس ليمنحها فرح اللقاء الأوّل ونشوة الانصهار الـمُشَجِّعة.
آه! يا معلّمي وربّي، بينما أُقدِّم لكَ التبريكات مِن أجل العطيّة العظمى التي منحتنيها، أرجوك أن تتذكّر الوعدين الآخرين اللذين قطعتَهما لي. الوعد الأهمّ، للرجل الضعيف جدّاً الذي أكونه، بألّا تدعني على قيد الحياة ساعة آلامكَ. أنتَ تعرف ضعفي! فلا تدع الذي، مِن أجل حبّكَ، وقد تجرّد مِن الحقد، أن يضطرّ، بسبب الحقد على جلاّديكَ، لأن يلبس مِن جديد أثواب الحقد الملتهبة والشائكة. والوعد الآخر، بخصوص تلميذكَ المسكين، الذي ما يزال هشّاً ولم يكتمل: كُن إلى جانبي، كما قلتَ لي، ساعة موتي. الآن، وقد بُتُّ أَعلَم كيف أنّ لا مسافات بالنسبة إليكَ، ولا بحار ولا جبال ولا أنهار، وأنّ مقاصد الناس لا تمنعك مِن أن تمنح الذين يحبّونك تعزية وجودكَ المحسوس، فلم أعُد أشكّ مِن إمكانيّة الحصول عليكَ عند نَفَسي الأخير. تعال، أيّها الربّ يسوع! وتعال بسرعة لتجعلَني ألجُ في السلام.
والآن وقد حدّثتُكَ عن روحي، سوف أُطلِعكَ على أخبار عملي.
لديَّ تلاميذ كُثُر هنا، مِن كلّ الأعراق وكلّ البلدان. ولكي لا أجرح أحداً منهم، وزَّعتُهم على الأيّام، بالتناوب، الواحد للوثنيّين والآخر للمؤمنين، مع الاستفادة مِن غياب المعلّمين هنا. والذي أَكسَبُه أُعطيه للمساكين، وبذلك أجلبهم إلى الربّ. لقد استعدتُ اسمي القديم، ليس لأنّني أحبّه، إنّما مِن قبيل الحذر والحيطة. في حال أنتمي إلى العالم، فأنا فيلكس. أمّا الأوقات التي أنتمي فيها ليسوع فأنا فقط "يوحنّا": نعمة الله. لقد شرحتُ لفليبّس أنّ اسمي الحقيقيّ كان فيلكس، وأنّني لم أُدْعَ يوحنّا إلا لتمييزي وسط الإخوة. ولم يتسبّب الأمر بأيّة مفاجأة للسهولة التي بها نغيّر أسماءنا أو نتّخذ ألقاباً. آمُل القيام بعمل كثير هنا لتمهيد الطريق للإخوة القدّيسين. لو كانت لديّ قوّة أكثر، لكنتُ أودُّ الانطلاق إلى أريافها لأجعل اسمكَ معروفاً. إنّما قد أستطيع ذلك في مطلع الصيف أو في أيّام الخريف المنعشة. ويكفيني أن أستطيع كي أفعل ذلك. هواء أنتيجونيا النقيّ، تلك الحدائق الساكنة للغاية والجميلة للغاية، الزهور، الأولاد، الدجاج، مودّة البستانيّين، وخاصّة هذه العظيمة والحكيمة والبنويّة سِنْتيخي، كلّ ذلك يمنحني الكثير مِن الفرح. أقول إنّ صحّتي تتحسّن. هذا ليس رأي سِنْتيخي، رغم أنّ ما يخالجها مِن فِكر لا يَظهَر إلّا مِن خلال العناية المكثّفة والمستمرّة التي تحيطني بها، في غذائي وفي راحتي وفي جعلي أتحاشى التعرّض للبرد... ولكنّني أشعر بتحسّن. أفلا يمكن أن يكون أثراً لواجب تمّ بشكل بطوليّ أشعر به؟ هذا ما تقوله سِنْتيخي. وأودُّ معرفة ما إذا كانت على حقّ. ذلك أنّ الواجب وجداني بينما المرض جسديّ.
وأودُّ كذلك لو أَعلَم إذا كنتَ أنتَ مَن تأتي حقّاً، أَم إنّكَ لا تنكشف إلّا للمَلَكات الروحيّة، وإنّما بكمال مطلق يمنعني مِن معرفة أين تنتهي الحقيقة المادّيّة لحضوركَ.
أيّها المعلّم الحبيب والمبارك، يوحنّاكَ يجثو ليطلب بركتكَ.
للأُمّ، لمريم، وللإخوة القدّيسين السلام والبركة. لمارغزيام قبلة كي يتذكّر فيرسل لي الكلمات المقدّسة، خبز المنفيّين الذين يعملون في حقل الربّ".
تلك هي رسالة يوحنّا... فما هو قولكم؟
تتقاطع الانطباعات... ولكن المتعلّق منها بحضور يسوع يهيمن. فيرهقونه بالأسئلة... حول الطريقة التي مِن الممكن أن يحصل بها ذلك، إمكانيّة حدوثه، حول مشاركة مِن سِنْتيخي، إلخ…
يُشير يسوع بالصمت، ويفتح لفافة سِنْتيخي. ويقرأ: "مِن سِنْتيخي إلى الربّ يسوع، مع كلّ الحبّ الذي في إمكانها. إلى الأُمّ المباركة، إجلال وإكرام. إلى الإخوة بالربّ، عرفان وبركة. إلى مارغزيام قبلة أخته البعيدة.
لقد حَدَّثَكَ يوحنّا، أيّها المعلّم، عن حياتنا. لقد حَدَّثَكَ باختصار شديد عمّا يفعله هو، وعمّا أفعله أنا، كامرأة. فأنا لديَّ مدرستي الصغيرة المليئة بالبنيّات، وأَكسَب الكثير روحيّاً، لأنّني أكسبهنَّ لكَ، يا ربّي، بحديثي عن الله الحقيقيّ، في سياق العمل نفسه. فهنا، حيث تختلط جنسيّات كثيرة، شلّة مُعقّدة مِن الديانات... مُعقّدة لدرجة أنّها... لم تَعُد سوى ديانات لا تُمارَس، مِزَق مِن ديانات لم تَعُد تنفع في شيء. وفي وسط كلّ هذا، تأتي الديانة اليهوديّة، المتشدّدة والصارمة، التي، بثقلها، تقطع خيوط الآخرين المهترئة دون الحصول على شيء.
يوحنّا، الذي لديه طلّاب، يجب أن يتصرّف بحذر. أنا، مع الفتيات، أتصرّف بأكثر حرّية. فكوننا إناث يُعتبر دوماً نوعاً مِن الدونيّة، لدرجة أنّ عائلات مِن ديانات مختلفة لا تهتمّ إذا ما اختَلَطَت الفتيات في مدرسة واحدة. يكفي أن يتعلّمن فنّ التطريز الـمُجدي. وبُورِكَت الفكرة المحتقِرة التي لدى العالم عنّا، نحن النساء، لأنّها تتيح لي على الدوام توسيع دائرة تأثيري. التطريز يُباع بسهولة كالخبز، وتتّسع شهرته، ومِن البعيد تأتي اللواتي يبغين شراءه. وأنا لديَّ إمكانيّة الحديث عن الله لجميعهنّ... آه! وكما أنّ الخيوط ذاتها التي، على المطرّزات (الأَشغَال) أو على النسيج، تُصبِح زهوراً، حيوانات ونجوماً، فيمكن أن تخدم، إذا ما أردنا ذلك، لتوجيه النُّفوس صوب الحقّ. بمعرفة لغات عدّة، يمكنني الاستفادة مِن اليونانيّة مع اليونانيّين، مِن اللاتينيّة مع الرومان، ومِن العبرية مع العبرانيّين. وحتّى في هذا أسعى إلى الكمال أكثر فأكثر بفضل مساعدة يوحنّا.
وسيلة أخرى للاختراق هي مرهم مريم. صنعتُ منه كمّيّة مِن جديد بالخلاصات المتوفّرة هنا، ومزجتُ معها القليل مِن المرهم الأساسي لتقديسها. قروح وآلام، جروح وآلام صدر، تزول كلّها. صحيح أنّني كلّما وضعتُ الضماد بهذا المرهم، أُردِّد باستمرار ودون توقف الاسمين المقدّسين: يسوع-مريم. وحتّى في اللعب على الاسم اليوناني للمسيح، أَطلَقتُ على المرهم اسم: “oint Myrrhe” أليس كذلك؟ أليس فيه الخلاصة الناجعة لمرهم الله الذي وَلَدَكَ، أيا أيّها الزيت الثمين الذي يَجعَلنا ملوكاً؟ ينبغي عليَّ أن أبقى غالباً مستيقظة لأتمكّن مِن تحضيره مِن جديد، وأرجو القدّيسة أن تُحَضِّر لي منه أيضاً وتُرسِله لي في عيد المظالّ لمزجه بالآخر الـمُحَضَّر مِن قِبَل خادمة الربّ. ومع ذلك، إذا ما كنتُ مخطئة في فعلي هذا، قُل لي، يا ربّ، فلا أعود أُحَضِّر.
الحبيب يوحنّا يمدحني كثيراً، وأنا ماذا ينبغي لي أن أقول عنه إذن؟ إنّه يتحمّل آلاماً حادّة. ولكنّه يتمتّع بشجاعة رائعة. لو لم أكن أعرف سرّه، لكنتُ ذُهِلتُ. ولكن، منذ تلك الليلة التي لدى عودتنا فيها مِن عيادة (زيارة) مريض، وجدتُه منتشياً ومتجلّياً، وسمعتُ كلامه، فأيقنتُ، وأنا جاثية، أنّكَ كنتَ حاضِراً لخادمكَ، لم يعد بمقدوري أن أُدهَش. بل على العكس، قد يُدهَش بعض الإخوة لعلمهم أنّني لا آسف على عدم رؤيتي إيّاكَ، أنا أيضاً. لماذا عليَّ أن آسف لذلك؟ كلّ ما تَهِبني إيّاه حسن وكافٍ. كلّ واحد يحصل على ما يستحقّ وما هو ضروريّ له. فحسن إذن أن يراكَ يوحنّا وأن أحصل عليكَ أنا بالروح.
هل أنا سعيدة؟ كامرأة، أحنُّ إلى الزمن الذي كنتُ فيه معكَ ومع مريم. إنّما كنَفْس، فأنا سعيدة للغاية، ذلك أنّني أُفكِّر أنّني الآن فقط أنا أخدمكَ يا ربّي. أعتقد أنّ الزمن ليس بشيء. أعتقد أنّ الطاعة هي العملة التي ندفع بها ثمن الدخول إلى ملكوتكَ. أُفكِّر أنّ مساعدتكَ نعمة لم يكن بمقدور الأَمَة المسكينة أن تحلم بها حتّى في ساعة هذيان، وأنّكَ أنعمتَ عليَّ بأن أساعدكَ. أفكّر، أنا البعيدة عنكَ الآن، أنّني سأحصل عليكَ في النهاية للأبد. وأرنّم ترنيمة يوحنّا، كما تفعل القبّرة في الربيع وسط حقول هلاّد المذهّبة. فَتَياتي يرنّمنها لأنّهنّ يقلن إنّها جميلة، وأدعهنّ يرنّمن على إيقاع النول الذي يشبه كثيراً إيقاع المجاديف، في ذلك اليوم البعيد، ذلك أنّني أُفكِّر أنّ ذِكر اسمكِ، أيّتها الأُمّ، هو التأهّب لنيل النعمة.
يوحنّا يرجوني إضافة الخبر الذي أَرسَلَه إليكَ مواطن أنطاكي مميّز، اسمه نيقولاوس. هذه هي الغنيمة الأولى لقطيعكَ. ونحن نأمل كثيراً ألّا يُخيّب نيقولاوس الظنّ في الاعتبار الذي نكنّه له في قلوبنا.
بارك أَمَتَكَ، يا ربّ. باركيها أيّتها الأُمّ، باركوني جميعكم، أنتم القدّيسين، وأنتَ، أيّها الولد المبارك، الذي تنمو بالحكمة إلى جانب الربّ."
هذا ما كَتَبَته سِنْتيخي، ولقد أضافت ملاحظة بدون عِلم يوحنّا. تقول فيها: "يوحنّا لا يَكسب إلّا مِن أجل روحه. فيما عدا ذلك، فهو يتدهور رغم كلّ العناية. هو يعوّل على مطلع الصيف. أظنّه لن يستطيع فِعل ما يقول. أظنّ أنّ الشتاء سوف يَخنق ما بقي له مِن الحياة... إلّا أنّه في سلام. إنّه يتقدّس بالألم والعمل. احفظ له قوّته بحضوركَ، يا ربّي! أَطلُب منكَ أن تُخضِعني لكلّ أنواع الألم مقابل هذه العَطيّة لتلميذكَ. أُرسل هذه الرسائل إلى لعازر عن طريق تولماي، وأتوسّل إليكَ أن تقول له ولأختيه أنّنا نذكر طيبتهم تجاهنا، وأنّنا نصلّي باستمرار وبحرارة على نيّتهم."»
ويتبادل الجميع انطباعات جديدة.
ينحني أندراوس ليطلب شيئاً ما مِن مريم، ويَبقى مذهولاً لرؤيته الدموع على وجهها. ويَسأَلها: «أتبكين؟»
«لماذا تبكين؟ ولكن كيف ذلك؟ أيّتها الأُمّ؟» يقول البعض.
«أنا أعرف لماذا تبكي.» يقول مارغزيام.
«لماذا إذن؟»
«لأنّ يوحنّا ذَكَّر بموت الربّ.»
«آه! حقّاً؟ وكيف يَعرِف ذلك طالما لم يكن هنا عندما تنبّأتَ بها؟»
«لأنّه عَرفها منّي تعزية له.»
«هوم (همهمة)! تعزية!...»
«نعم لتعزيته. الوعد الذي لن ينتظره طويلاً ليحصل على الملكوت. هو يستحقّه، لأنّه تجاوَزَكم جميعاً بالإرادة والطاعة. لنعد إلى البيت. ولِنُعدّ الإجابات لتسليمها إلى تولماي، وأنتَ يا مارغزيام، ستضمّ كتاباتكَ.»
«آه! فهمتُ! فهمتُ! لأجلهما كان يكتب!...»
«نعم. هيّا بنا. غداً سنذهب إلى الهيكل...»