ج2 - ف35
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثاني / القسم الأول
35- (يسوع والإسخريوطيّ يلتقيان سمعان الغيور ويوحنّا)
06 / 01 / 1945
أرى يسوع ويهوذا الاسخريوطيّ يَروحَان ويَجيئَان أمام أحد أبواب سور الهيكل.
يسأله يهوذا: «هل أنتَ متأكّد أنّه سيأتي؟»
«أنا متـأكّد، فلـقد رَحَـلَ مـع الفجـر مـِن بيت عـنيـا، وسـيلتـقي في جَثْسَيْماني بتلميذي الأوّل...»
يسود صمت ثمّ يتوقّف يسوع ويتفرّس بيهوذا. يقف في مواجهته، يدرسه. ثمّ يضع يده على كتفه ويسأله: «لماذا لا تُفضي لي بما يجول في فكركَ يا يهوذا؟»
«ما يجول في فكري؟ إنّني لا أفكّر بشيء محدّد في هذه الأثناء، يا معلّم. إنني في العادة أطرح عليكَ الكثير مِن الأسئلة. ولا يمكنكَ، بكلّ تأكيد، أن تتذمّر الآن مِن صمتي.»
«إنّكَ تَطرَح عليَّ أسئلة كثيرة وتعطيني معلومات كثيرة عن المدينة وسكّانها، ولكنّكَ لا تفتح لي نفسكَ. ولكن ما الأهميّة التي تريد أن تحملها لي المعلومات حول ثروة أو تركيبة هذه أو تلك مِن العائلات؟ فأنا لستُ عاطلاً عن العمل جئتُ إلى هنا لتمضية الوقت. أنتَ تعرف لماذا أنا جئتُ ويمكنكَ أن تُدرِك جيّداً أنّ همّي الأوّل هو أن أكون معلّم تلاميذي. ولهذا أُطالِبهم بالنزاهة والثقة. هل كان أبوكَ يحبّكَ يا يهوذا؟»
«لقد كان يحبّني كثيراً. وقد كنتُ موضع فخره واعتزازه. عندما كنتُ أعود مِن المدرسة، وفيما بعد حينما كنتُ أعود مِن أورشليم إلى إسخريوط، كان يريدني أن أُحدّثه عن كلّ شيء. فقد كان يهتمّ بكلّ ما أفعله، بسرور إذا كان جيّداً، وكان يعزّيني ويخفّف عنّي إذا كان أقلّ جودة. وأحياناً -كما هو معروف جيّداً، الكلّ يخطئ- فإذا ما كنتُ أُخطِئ أحياناً وأتعرّض للمَلامة، كان يجعلني أرى الخير المبنيّ على الـمَلامة الموجّهة إليَّ أو كلّ الخطأ الكامن في أسلوبي في التصرّف. ولكنّه كان يفعل ذلك بكلّ لطف... وكأنّه كان أخاً أكبر. وفي النهاية كان يقول دائماً: "أقول لكَ هذا لأنّني أريد أن يكون ابني يهوذا بارّاً مستقيماً. أريد أن أكون مُبارَكاً مِن خلال ابني..." أبي...»
ويسوع الذي لم يَكُفَّ عن النَّظَر بانتباه إلى التلميذ الـمُتَأثِّر بصدق بذكرى والده يقول: «يا يهوذا، كُن متأكّداً تماماً مما سأقوله لكَ. ما مِن عمل سيجعل أباكَ أكثر سعادة مِن كونكَ تلميذاً وفيّاً لي. فَرُوح أبيكَ سيغتَبِط ويتهلّل هناك حيث يَنتَظِر النور -لأنّه إذا كان قد أنشَأَكَ هكذا فينبغي أن يكون بارّاً.- لدى رؤيته إيّاكَ تلميذاً لي. إنّما لكي تكون كذلك عليكَ أن تقول لنفسكَ: "لقد عُدتُ ووجدتُ الأب الذي فقدتُ، الأب الذي كان لي بمثابة الأخ البِكر. لقد وجدتُه في يسوعي، وسوف أُفضي إليه بكلّ شيء كما للأب المحبوب الذي ما زلتُ أبكيه، ليوجّهني ويباركني أو يوجّه لي انتقادات وديّة". ولتكن مشيئة الأزليّ وإرادتكَ أنتَ بشكل خاصّ تَجعل يسوع يقول لكَ فقط: "كُن صالحاً، أبارككَ".»
«آه! نعم! يا يسوع، نعم. إذا كنتَ تحبّني إلى هذا الحدّ، فسأعرف أن أُصبِح صالحاً، كما تريد أنتَ وكما كان يريد والدي. ولن تعود تلك الشوكة في قلب والدتي عندما تَعرِف أنّكَ أصبَحتَ أنتَ مُوَجِّهي! فلقد كانت تقول دائماً: "لم يعد لديكَ مَن يُوَجِّهكَ، يا بني، وما زِلتَ في حاجة إليه".»
«سوف أحبّكَ كما لا يمكن ذلك لأيّ إنسان آخر، سوف أحبّكَ كثيراً جدّاً، أحبّكَ حبّاً جمّاً. فلا تُخيِّب أملي.»
«لا يا معلّم، لقد كنتُ ممتلئاً مِن التناقضات: حَسَد وغيرة وجنون العَظَمَة وحُبّ اللَّذة، وكلّها كانت تتصادم في داخلي مع الإيحاءات الصالحة. وفي مجرّد لحظة، أترى؟ سَبَّبَتَ لي معاناة. أو بالأحرى لستَ أنتَ الذي سَبَّبتَها، بل إنّما طبيعتي السيّئة... كنتُ أظنّني تلميذكَ الأوّل... وأنتَ قلتَ لي إنّ لديكَ آخر قبلي.»
«ولقد رأيتَـه بنفسـكَ. ألا تـذكر أنّني كنتُ في الفصـح في الهيـكل مع عدد مِن الجليليّين؟»
«كنتُ أعتقد أنّهم أصدقاء... وكنتُ أعتقد أنّني الأوّل المختار لمثل هذا المصير، وبالنتيجة فأنا الـمُفَضَّل.»
«أنا لا أُقيم فروقاً في قلبي بين الآخيرِين والأوَّلين. إذا ما قَصَّرَ الأوّل بينما كان الأخير قدّيساً، حينئذ يجب أن يكون التّمايز في عينيّ الله. إنّما أنا فأحبّهم بشكل متماثل: القدّيس بِحُبّ مُغتَبِط، والخاطئ بِحُبّ متألّمِ. ولكن ها هو يوحنّا قادم مع سمعان. يوحنّا تلميذي الأوّل. سمعان هو الذي كنتُ أحدّثكَ عنه منذ يومين. سمعان ويوحنّا، قد رأيتَهُما سابقاً. وأحَدُهما كان مريضاً...»
«آه! الأبرص، أتذكّر؛ وقد أصبَحَ تلميذكَ!»
«منذ اليوم التالي.»
«وأنا لماذا انتظرتُ طويلاً؟»
«يهوذا؟!»
«حقيقة، آسف.»
يَلمَح يوحنّا المعلّم ويَدلّ سمعان عليه. يَحُثّان الخُطى. تحيّة يوحنّا قُبلة يتبادلها مع المعلّم. أمّا سمعان فعلى العكس، يرتمي عند قدمي يسوع ويُقَبِّلهما وهو يهتف: "المجد لِمُخَلِّصي! بارِك خادمكَ لتكون أفعاله مقدّسة في عينيّ الله وأنا أباركه لأنّه مَنَحَني إيّاكَ!»
يضع يسوع يده على رأسه: «نَعم أبارككَ، لأشكركَ على عملكَ. انهض يا سمعان. هذا يوحنّا وهذا سمعان: وهذا تلميذي الأخير. هو كذلك يريد اتِّباع الحقّ، فهو بالنتيجة أخ لكم جميعاً.»
يتبادلون التحيّة: اليهوديّان بِتَحَفُّظ مُتبادَل ويوحنّا بعواطف صريحة.
يسأل يسوع: «هل أنتَ تَعِب يا سمعان؟»
«لا يا معلّم. فمع الصحّة أصبَحَت لديّ هِمّة لم أعهدها مِن قبل.»
«وأَعلَم أنّكَ تَستَغلّها بشكل رائع. لقد تَحدَّثتُ مع أناس كثيرين وجميعهم حَدَّثوني عنكَ كإنسان أَعلَمَهُم عن المسيح.»
يبتسم سمعان فرحاً: «أمس أيضاً تَحَدَّثتُ عنكَ إلى أحدهم وهو إسرائيليّ فاضِل. أرجو أن تتعرَّف إليه يوماً. أرغَب في أن أكون مَن يأخذكَ إليه.»
«وهذا ليس مستحيلاً.»
يُقاطِع يهوذا: «لقد وَعَدّتَني يا معلّم بأن تذهب معي إلى اليهوديّة.»
«وسوف آتي إليها. وسيستمرّ سمعان في إعلام الناس عن مجيئي. الوقت قصير يا أصدقاء، والشعب كثير عدده. الآن أنا سأذهب مع سمعان، وستأتيان هذا المساء لملاقاتي على طريق جبل الزيتون. وسنوزّع المال على الفقراء. امضِيا.»
يبقى يسـوع مع سـمعان وحيدَين ويسـأله: «هـل ذاك الإنسـان في بيت عنيـا إسرائيليّ بحقّ؟»
«إنّه إسرائيليّ لا غشّ فيه. لديه مِن الأفكار كلّ ما هو سائد في حين لديه كذلك انتظار حقيقيّ للمسيح. وحينما قُلتُ له: "إنّه بيننا"، أجابني على الفور: "يا للسعادة أن نحيا في هذا الزمن!"»
«سنذهب إليه يوماً حامِلِين البركة لبيته. أرأيتَ التلميذ الجديد؟»
«رأيتُه. إنّه شاب ويبدو ذكيّاً.»
«نعم، إنّه كذلك. وأنتَ اليهوديّ ستكون الأكثر حلماً بالنسبة لأفكاره.»
«هل هذه رغبة أَم أمر؟»
«إنّها وصيّة لطيفة. فأنتَ الذي تألّمتَ تستطيع أن تكون أكثر حلماً (تساهُلاً). ذلك أنّ الألم يكون بمثابة المعلّم في أمور كثيرة!»
«إذا أَمَرتَني بذلك فسأكون بالنسبة إليه الحلم كلّه.»
«نعم هو ذاك. قد يُصدَم بطرس، وليس هو وحده، لرؤيتهم بأيّة عناية أَهتَمُّ بهذا التلميذ. إنّما سيُدركِون يوماً... فكلّما كان أحدهم أقلّ أهليّة كلّما كان في حاجة إلى اهتمامات أكثر. الآخرون... آه! يتأهّل الآخرون تلقائيّاً بمجرّد الاحتكاك. لا أريد أن أفعل كلّ شيء بنفسي. أَطلُب إرادة الإنسان ومساعدة الآخرين لتأهيل شخص. أدعوكم لمساعدتي... وأنا سوف أكون شاكراً لكم لهذه المساعدة.»
«هل تعتقد يا معلّم بأنكَ ستصاب منه بخيبات أمل؟»
«لا، ولكنّه شاب، وقد ترعرَعَ في أورشليم...»
«آه! بالقرب منكَ، سـوف يُصلِح نفسه مِن كلّ رذائل هذه المدينة... أنا متأكّد مِن ذلك. فأنا الذي أصبَحتُ عجوزاً وقد يَبِستُ في الضغينة، قد تَجَدَّدتُ كلّياً منذ اللحظة التي رأيتُكَ فيها...»
يُهَمهِم يسوع: «ليكن ذلك!» ثمّ رافعاً صوته: «تعال معي إلى الهيكل، سوف أكرز في الناس.»
وتنتهي الرؤيا.