ج6 - ف120
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السادس/ القسم الثاني
120- (في المضيّ عبر مرج ابن عامر)
06 / 05 / 1946
لا بدّ وأنّ المطر كان قد استمر بالهطول طوال اليوم الفائت وطوال الليل، لأنّ الأرض رطبة جدّاً، والطرقات موحلة. إنّما للتعويض عن ذلك، فإنّ الجوّ صافٍ وخال مِن الغبار على مختلف الارتفاعات. السماء تبتسم هناك في الأعلى، وتبدو نقيّة وصافية بعد العاصفة، كما لو أنّه الربيع، والأرض هي أيضاً تبتسم، نديّة، نقيّة، صافية، مُستَذكِرة فجراً ربيعيّاً رائقاً ومُنعِشاً. وقطرات المطر الأخيرة، القابعة بين تشابُك الأوراق، أو العالقة بتشعّبات أغصان الكُروم، تلمع كالألماس بفعل الشمس، فيما الثّمار التي غَسَلَها المطر الغزير، تَعرض تدرّجات ألوان قشورها، الذي هو مزيج من الألوان الذي تتّخذ يوماً بعد يوم صبغة ألوان النّضج الكامل. حبّات الزيتون وعناقيد العنب، القاسية وغير الناضجة، تتداخل مع الأوراق الخضراء، وبكلّ حبّة زيتون صغيرة، تتعلّق قطرة نحيلة وتتدلّى مِن نهايتها، أمّا عناقيد العنب المتراصّة، فهي كما شبكة مِن القطرات النحيلة التي تتدلّى مِن السويقات.
«إنَّ السير مُبهِج اليوم!» يقول بطرس وهو يضرب بسرور الأرض الخالية مِن الغبار، والتي هي ليست حارة ولا زَلِقة بذات الوقت.
«يبدو كما لو أنّكَ تتنشّق النقاء. إنَّما انظر إلى تدرّجات لون السماء تلك!» يُجيبه يوضاس تدّاوس.
«وتلك التفاحات؟ على ذاك الغصن هناك، جميعها على الغصن ذاته. لا أدري كيف أمكنه تحمّل وزنها، وكيف نَبَتَت منه كلّ تلك الكميّة مِن الثمار مع كلّ تلك الأوراق؟ كم مِن الألوان! فاللون الأخضر لتلك المحجوبة يبدأ بالاصفرار، أمّا الأخرى فتتحوّل للأحمر، والاثنتان المكشوفتان هما حمراوان تماماً من جهتهما المعرّضة للشمس الساطعة. إنّهما تبدوان كما لو أنّهما مكسوّتان بشمع الأختام!» يقول الغيور.
يسيرون بسعادة، متأمّلين بروائع الخليقة، إلى اللحظة التي يبدأ فيها تدّاوس بإنشاد مزمور يتغنّى بمجد الله الخلّاق، ويقتدي به توما على الفور، ثمّ الأخرين.
يبتسم يسوع لدى سماعه إيّاهم يُنشدون بفرح، وينضمّ إلى الجوقة بصوته الجميل. ولكنّه لا يستطيع أن ينهي لأنّ الإسخريوطيّ، وفيما يواصل الآخرون الإنشاد، يقترب مِن يسوع ويقول: «يا معلّم، على اعتبار أنّهم مُنشَغِلون وشاردون بالنشيد، قل لي: كيف كانت الرحلة إلى قيصريّة، وما الذي قمتَ بفعله هناك؟ فأنتَ لم تخبرني بعد... فهذه هي المرّة الأولى التي نكون فيها وحدنا، ونستطيع التحدّث عن ذلك. ففي البداية كان هناك رفاقنا، بالإضافة للتلاميذ، والفلاّحين الذين استضافونا، وبعدها رفاقنا، ومعهم التلاميذ الذين قد تقدّمونا الآن... لذلك فأنا لم أكن قادراً على سؤالكَ...»
«إنّكَ مهتمّ جدّاً على ما يبدو... إنّما أنا لم أفعل في قيصريّة إلّا ما سوف أفعله في أراضي جيوقانا. فقد تحدثتُ عن الشريعة وعن ملكوت السماوات.»
«لِمَن؟»
«للسكان. بالقرب مِن الأسواق.»
«آه! أليس إلى الرومان؟! ألم ترهم؟»
«كيف يمكن أن تكون في قيصريّة، مقرّ الحاكم، ولا ترى الرومان؟»
«أَعلَم. إنّما ما أردتُ قوله... حسناً... ألم تتحدّث إليهم شخصيّاً؟»
«أُكرّر: يبدو أنّكَ مهتمّ جدّاً!»
«لا يا معلّم. إنّه مجرّد فضول.»
«حسناً. لقد تحدّثتُ إلى السيّدات الرومانيّات.»
«إلى كلوديا أيضاً؟ ماذا قالت لكَ؟»
«لا شيء، لأنّ كلوديا لم تأتِ. بل وجعلتني أفهم أنَّها ترغب بألّا يَعلَم أحد بأنَّها على تواصل معنا.»
يسوع يُشدّد على تلك الجملة ويحدّق بيهوذا، الذي على الرغم مِن وقاحته وقلّة احترامه، يتبدّل لونه، حيث يحمرّ وجهه بعض الشيء ومِن ثمّ يشحب. لكنّه سرعان ما يتمالك نفسه ويقول: «لا تريد؟ أَلَم تَعُد تحترمكَ؟ لقد فَقَدَت صوابها.»
«لا، هي لم تفقد صوابها، فلديها عقل متوازن. وهي قادرة على معرفة وفصل واجباتها كسيّدة رومانيّة، عن واجباتها تجاه نفسها. وإذا ما أرادت أن تحظى بالضوء والهواء لذاتها، لنفسها، بالمجيء إلى النور والنقاء، فلأنّها مخلوقة تبحث بشكل غريزيّ عن الحقّ، بحيث لن تستكين لِزِيف الوثنيّة، وهي في الوقت ذاته لا تريد أن تتسبّب بالضرر لوطنها، ولا حتّى بشكل نظريّ، لأنّها بذلك قد تجعل الناس يظنّون بأنّها تُناصِر مُنافِساً محتملاً لروما...»
«آه! إنّما... أنتَ مَلِك على الأرواح!...»
«ولكن أنتم الرُّسُل أنفسكم، الذين تعلمون ذلك، لا تستطيعون إقناع أنفسكم بتلك الحقيقة، أتستطيع إنكار ذلك؟»
يهوذا يحمرّ ثمّ يشحب مجدّداً، إنّه لا يستطيع أن يكذب، فيقول: «لا! لكنّها رغبتنا الجامحة بأن...»
«وتبعاً لذلك، فإنَّ مَن لا يعرفني، أي روما، قد ترتاب وتُعامِلني كمنافس. كلوديا تفعل الصواب تجاه الله ووطنها على السواء، تجاه الله: بتبجيلي، إن لم يكن كإله، فكما مَلِك ومعلّم روحيّ، وتجاه وطنها: بكونها وفيّة له. وأنا أُقدّر الأرواح الوفيّة والمستقيمة وغير المتصلّبة. وأتمنّى أن يستحقّ رُسُلي الثناء الذي مَنَحتُه للمرأة الوثنيّة.»
يهوذا لا يعرف ماذا يقول. إنّه على وشك أن يفترق عن المعلّم. لكنّ الفضول ينخسه مجدّداً. إنّما هناك ما هو أكثر مِن الفضول، إنّها الرغبة في معرفة مدى ما يَعلَمه المعلّم... ويَسأَل: «هل سألن عنّي؟»
«لا عنكَ ولا عن أيّ رسول آخر.»
«عن ماذا تحدّثتم، إذن.؟»
«عن الحياة الطّاهرة. عن شاعرهم فيرجيل. وبمقدوركَ إدراك بأنّ الموضوع لم يكن ذا أهميّة بالنسبة لبطرس، أو يوحنّا، أو أيّ واحد مِن الآخرين.»
«إنّما أيّة فائدة كانت مِن ذلك؟ لقد كان حديثاً بلا جدوى...»
«لا. لقد ساعَدَني في جعلهنّ يدركن بأنّ للإنسان الطاهر فِكْراً مُستنيراً وقلباً نزيهاً. وذلك مهمّ جدّاً بالنسبة للوثنيّات... وليس فقط بالنسبة لهنّ.»
«معكَ حقّ... لن أَشغلكَ أكثر مِن ذلك يا معلّم» ويُهرول بعيداً لينضمّ لأولئك الذين انتهوا مِن الإنشاد، والذين ينتظرون الاثنين اللذين أصبحا خلفهم…
يسوع ينضمّ إليهم ببطء أكثر ويقول: «لنسلك تلك الدرب بين الأشجار. سوف نختصر الطريق، وسوف نكون محميّين مِن الشمس التي بدأت تشتدّ حرارتها. وأيضاً سوف نكون قادرين على التوقّف في ظلّ الأشجار الكثيفة وأن نأكل بسلام.»
ويفعلون ذلك متوجّهين نحو الشمال الغربيّ، باتّجاه أراضي جيوقانا، لأنَّني أستطيع سماعهم يتحدّثون عن فلاّحي ذاك الفرّيسيّ…
----------
يقول يسوع:
«سوف تضعين بعدها رؤيا 16 / 06 / 1944 : يسوع والعشّ الساقط والفريّسيّ.»