ج3 - ف82

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثالث / القسم الثاني

 

82- (يسوع في مجدل جاد. يُحَوِّل صنما وثنيّاً إلى رماد)

 

16 / 07 / 1945

 

لَم تَعُد أشقلون ومحاصيلها السّباخيّة سِوى ذكرى. في صبيحة رائعة ومُنعِشة، يتوجّه يسوع مع أتباعه، وظَهرهم إلى البحر، إلى مرتفعات مَكسوَّة بالخُضرة، قليلة الارتفاع، ولكنّها جميلة، تَنتَصِب وسط السهول الخصيبة. أمّا رُسُله، وقد ارتاحوا وشَبِعوا، فإنّهم فَرِحون ويتحدّثون عن حنانيا، وعن أُجَرائه، وعن أشقلون، وعن المشاجرة التي كانت قد حَصَلَت لدى عودتهم إلى المدينة لِيَحملوا المال إلى دينا.

 

يقول توما: «كان قَدَري أن أتلقّى كابوس الفلسطينيّين. فالبُغض والحبّ، إن شئنا، يَتجلَّيان بالطريقة ذاتها، وأنا الذي لَم أُعانِ مِن بُغضهم، كنتُ على وشك أن أُجرَح بحبّهم. كانوا قد أَوشَكوا على زَجّنا في السجن لِيَجعلونا نقول أين كان المعلّم، أولئك الناس الذين كانت المعجزة قد أثارَت حماسهم. يا لَه مِن صَخَب! أليس كذلك يا يوحنّا؟ لقد كانت المدينة تغلي كالقِدر. فالغاضِبون لَم يكونوا يُريدون سماع حِجّة، وكانوا يَبغون البحث عن اليهود لِيُوسِعوهم ضرباً. والذين استفادوا مِن المعجزة، أو أصدقاؤهم، كانوا يريدون إقناع الآخرين أنّ إلهاً قد مَرَّ. جَلَبَة حقيقيّة! فلديهم الآن ما يتحاورون به لعدّة أشهر. ولكنّ المشكلة أنّهم يَتَحاوَرون بالعصيّ أكثر مِمّا يَفعَلون باللّسان. حسناً... فَليَفعلوا ما بدا لهم فيما بينهم.»

 

«ومع ذلك... فَهُم ليسوا أشراراً...» يبدي يوحنّا ملاحظته.

 

«لا، ولكنّ أشياء كثيرة قد أَعمَتهُم.» يُجيب الغيور.

 

لم يتكلّم يسوع رغم اجتيازهم مسافة لا بأس بها. ثمّ يقول: «سأمضي أنا إلى تلك البلدة الصغيرة التي على الرابية. أمّا أنتم فتابعوا حتّى عازوت. تَحَلّوا بالظُّرف واللُّطف والصَّبر. حتّى ولو سَخِروا منكم، تَحَمَّلوا ذلك بِرَويّة، كما فَعَلَ متّى أمس، وسوف يمدّكم الله بالعون. اخرُجوا عند الغَسَق، واذهَبوا إلى جانب البِركة الواقعة في ضاحية عازوت. سوف نلتقي هناك.»

 

«ولكن يا سيّدي، لن أدعكَ تذهب وحدكَ! إنّهم عنيفون هناك!... وهذا تهوُّر.» يقول الاسخريوطيّ.

 

«لا تَخشَ عليَّ. اذهب، اذهب يا يهوذا وكُن حَذِراً أنتَ. وداعاً. السلام معكم.»

 

يَمضي الاثنا عشر، ولكنّهم ليسوا متحمّسين كثيراً. يَنظُر إليهم يسوع وهُم يبتعدون. ثمّ يَسلك درب الرابية الرطب والظليل. الرابية مغطّاة بغابات مِن أشجار الزيتون، والجوز والتين والكروم المعتنى بها، والتي تُبشِّر الآن بمحصول وفير. ففي الأماكن المنبَسِطة، هناك حقول للحبوب، وعلى المنحدرات تَرعى عنـزات بيضاء العشب الأخضر.

 

يَصِل يسوع إلى طلائع بيوت البلدة. إنّه على وشك الولوج، حين يُصادِف مَوكِباً غريباً. نساء تولولن، وأصوات رجال تتناوب معهنّ الغناء الحزين، والكلّ مُستَسلِم إلى نوع مِن الرقص حَول كَبش يتقدّم، مَعصوب العينين، وقد أُوسِع ضرباً، وسالت الدماء مِن ركبتيه، مِن جراء كَبواته ووقوعه على حجارة الدرب. مجموعة أخرى يَندبون ويَهتفون كذلك، يتحرّكون حول تمثال منحوت، ضخم جداً في الحقيقة، ويَحملون في الهواء أوان فيها جَمرات مُتَّقِدة، يُغَذُّون حَرقها برمي الملح والرَّاتنج عليها، على الأقلّ هذا ما يبدو لي، بل تَفوح مِن الأولى رائحة التربنتين، بينما تُفرقِع الأخرى كما يَفعَل الملح. وتُحيط مجموعة أخرى بتمثال، يَنحَنون أمامه هاتِفِين: «بِقدرتكَ!» (رجال) «أنتَ وحدكَ القادر!» (نساء) «توسَّل إلى الآلهة!» (رجال) «ارفع السحر!» (نساء) «سَيطِر على الرحم!» «خَلِّص المرأة!» ثمّ الجمع معاً بصوت جهنّمي: «الموت للساحرة!» ثمّ مِن جديد، مع بعض التغيير: ««بقدرتكَ!» «أنتَ وحدكَ القادر!» «مُر الآلهة!» «أن تَظهَر!» «مُر التَّيس!» «أن يُشير إلى الساحرة!» ويَصيحون مُتهالِكين: «التي تَبغُض بيت فارح.»

 

يُوقِف يسوع رجلاً مِن المجموعة الأخيرة ويَسأَله بلطف: «ما الذي يجري؟ فأنا غريب...»

 

وبِما أنّ الموكب قد تَوَقَّفَ للحظة لِيَضرب التَّيس، ويَرمي الراتنج على الجَّمر، ويلتقط أنفاسه، يَشرَح الرجل: «زوجة فارح، كبير مجدل جاد، تحتضر وهي تَلِد. واحدة تَكرَهها عَمَلَت لها عَمَلاً. وقد عُقِدَت أحشاؤها، ولَم يَعُد بمقدور الطفل أن يُولَد. ونحن نبحث عن الساحرة لِنَقتلها. فهكذا فقط نُنقِذ زوجة فارح، وإذا لم نَجِد الساحرة، فسوف نُضحّي بالتَّيس، لنحصل على أكثر ما يمكن مِن الرحمة مِن آلهة الرَّحم.» ويُفهَم بأن تلك اللعبة القبيحة هي آلهة…

 

«توقَّفوا.» يقول يسوع للرجل ولاثنين آخرين اقتَرَبا. «إنّني قادر على إنقاذ المرأة وإنقاذ الصبيّ. قولوا ذلك للكاهن.»

 

«هل أنتَ طبيب؟»

 

«أكثر مِن ذلك.»

 

يَختَرِق الثلاثة الجمع، ويَمضون إلى الكاهن الوثنيّ، يتحدّثون إليه. تَعمّ الضوضاء. والموكب الذي كان قد عاوَدَ المسير يتوقّف. والكاهن الـمَهيب ببهارجه المتعدّدة الألوان، يُشير إلى يسوع ويَأمُر: «أيّها الشاب، تعال إلى هنا!» وعندما يُصبِح على مقربة منه: «هل صحيح ما تقوله؟ كُن حَذِراً، لأنّه إذا لم يَحصل ما تقول، فَسَنُفكّر أن روح الساحرة قد تَجَسَّدَ فيكَ وسَنَقتُلكَ بدلاً عنها.»

 

«صحيح. خُذوني إلى المرأة في الحال، وريثمّا يتمّ ذلك، أعطُوني التَّيس، يجب أن أحصَل عليه. انزَعوا العصابة عن عينيه، وأَتوني به هنا.»

 

يَفعَلون ذلك. والحيوان المسكين، الـمَذهول والـمُترنِّح، وقد سالت دماؤه، جاؤوا به إلى يسوع الذي يُداعِب وَبَره الأسود الكثيف.

 

«الآن يجب أن تُطيعوني في كلّ شيء. هل تَفعَلون؟»

 

«نعم!» يَصيح الجمهور.

 

«هيّا، كُفّوا عن الصياح. كُفّوا عن إحراق الراتنج. آمُركم بذلك.»

 

يَنطَلِقون عائدين إلى البلدة، عَبْر طريق هي الأفضل، ويَصِلون إلى بيت وسط بستان. وعَبْر الأبواب المفتوحة، يُسمَع بكاء وعويل، إضافة إلى أَنَّات حزينة مُبرِّحة صادرة عن امرأة لا تستطيع وضع طفلها.

 

يَهرَعون إلى تنبيه فارح الذي يتقدَّم، شاحباً كَلَون الأرض، أشعث الشعر، تُرافِقه نساء يبكين مع تماثيل تافهة، يَحرقن لها البخور والأوراق في مَواقِد نحاسيّة. «أَنقِذ زوجتي!» «أَنقِذ ابني!» «أَنقِذها، أَنقِذها!» يَهتف الرجل وامرأة عجوز والجمع، كلّ بدوره.

 

«سأنقذها، وأنقذ ابنكَ معها، فهو صَبيّ، وَجهه نَضِر، وعيناه عَذبَتان بلون الزيتون وقد أَينَعَ، ورأسه مكسوّ بِشَعر أسود كتلك الجزّة.»

 

«كيف تعرف هذا؟ ماذا ترى؟ أحتّى في الأحشاء؟»

 

«أرى وَأَلِج في كلّ شيء. أعرف وأستطيع كلّ شيء. فأنا الله.»

 

لو أنَّه ألقى بصاعقة، لكان تأثيرها أقلّ. فالجميع ارتَموا أرضاً كالأموات.

 

«انهَضوا واسمَعوا. أنا هو الله القدير، ولا أَحتَمِل وجود آلهة أخرى بوجودي. أَضرِموا ناراً وارموا هذا التمثال فيها.»

 

يَنتَفِض الجمع. ويبدأون بالشَكّ بالإله الـمُكتَنِف بالأسرار، الذي يَأمُر بإحراق الآلهة. أمّا الأكثر تأجّجاً، فَهُم الكَهَنَة.

 

ولكن فارح وأُمّ زوجته، اللَّذَين يهمّهما أمر حياة المرأة، يَتصَدَّيان للجموع العدائيّة. ففارح هو كبير البلدة، والجموع تَكظم غَيظها. ومع ذلك يَسأَل الرجل يسوع: «كيف يمكنني أن أُؤمِن أنّكَ إله؟ أعطني دليلاً، وأنا آمر بأن يتمّ ما تريد.»

 

«انظُر. هل ترى جِراح هذا التيس؟ إنّها مفتوحة، أليس كذلك؟ وتسيل منها الدماء، أليس كذلك؟ والحيوان شِبه ميت، أليس كذلك؟ حسناً، ما أريده أنا هو ألّا يكون هذا. هاكَ، انظُر.»

 

يَنحَني الرجل ويَنظُر... يَهتف: «لَم تَعُد فيه جِراح!» ويَرتَمي أرضاً مُتضرِّعاً: «زوجتي، زوجتي!»

 

إلّا أن كاهن الموكب يقول: «احتَرِس يا فارح. فنحن لا نَعلَم مَن يكون هذا! فَلتَخَف مِن انتقام الآلهة.»

 

وأَصبَحَ الرجل بين حَجَريّ رَحى: الآلهة وزوجته... ويَسأَل: «مَن تكون؟»

 

«أنا هو الكائن في السماء وعلى الأرض. يَخضَع لي كلّ سلطان، وكلّ فِكر أنا عالِم به. يَعبدني سُكّان السماء، ويَخشَاني سُكّان الجحيم. والذين يؤمنون بي، سَيَرَون كلّ أنواع المعجزات.»

 

«أُؤمِن! أُؤمِن... اسمكَ!»

 

«يسوع المسيح، الربّ المتجسِّد. وهذا الصَّنَم إلى النار! لا أَحتَمِل تَواجُد آلهة بِوجودي، ولتُطفأ الـمَباخِر! فَمَا مَن يمتلك القدرة والإرادة سِوى ناري. أطيعوا، وإلّا حَوَّلتُ صَنَمكم الباطل إلى رماد، ومَضَيتُ دون تحقيق السلام.»

 

رَهيب هو يسوع بثوبه الكتّاني الذي يتدلّى، مِن كَتفيه إلى الخلف، معطف أزرق. ذراعه مرفوع في وضعيّة الآمر. وَجهه ساطِع. خافوا منه ولَم يَعُد أحد يتكلّم... وفي قلب الصمت، تَصرخ المرأة التي يتزايد إنهاكها، ويَنفَطِر القلب لها. ولكنّهم يتردَّدون في الانصياع. أمَّا وجه يسوع، فَيُصبِح النَّظر إليه، أكثر فأكثر، غير مُحتَمَل. إنّه بحق نار تَحرق المادّة والنُّفوس. وكانت الـمَباخِر أوّل ما تَحقَّقَت فيها مشيئته. وقد اضطُرَّ الذين يَحملونها إلى رميها، لأنهم لَم يَعودوا يتحمّلون الحرارة. ومع ذلك، فإنّ الفَحم كان يبدو مُطفَأ... ثُمّ يُضطَر الذين كانوا يَحملون الصَّنَم إلى إنزال المحفّة المحمولة على أكتافهم أرضاً، إذ يَتفَحَّم الخشب، كما لو أنّ لَهيباً سرّيّاً كان يلامسها. وما كادَت تَصِل الأرض حتّى أُضرِمَت النار في محفّة الصَّنَم.

 

هَرَبَ الناس مَذعورين…

 

يَلتَفِت يسوع إلى فارح: «إذن، هل يمكنكَ بحقّ أن تُؤمِن بسلطاني؟»

 

«أُؤمِن، أُؤمِن! أنتَ الله. أنتَ الله يسوع.»

 

«لا. أنا كَلِمَة الآب، يهوه إسرائيل، الآتي بِجَسده ودَمِه، ونَفْسه وأُلوهَته، لِيَفتَدي العالم ويَمنَحه الإيمان بالله الحقيقيّ، الواحد والثالوث، الكائن في أعالي السماوات. أتيتُ أَمنَح العون والرحمة للناس، كي يَتركوا الخطأ ويُقبِلوا إلى الحقيقة التي هي الله الواحد، إله موسى والأنبياء. أما زال بإمكانكَ أن تؤمن؟»

 

«أُؤمِن، أُؤمِن!»

 

«أتيتُ لأقول للعالم إنّهم، إذا آمَنوا بالله الحقّ، يَنالون الحياة الأبديّة في السماوات، إلى جواره تعالى، وهو الذي خَلَقَ كلّ الناس والحيوانات والكواكب. هل ما زال بمقدوركَ أن تؤمن؟»

 

«أُؤمِن، أُؤمِن!»

 

لا يَدخُل يسوع المنـزل، بل يَمدّ ذراعه فقط صوب الغرفة التي تَقبَع فيها المرأة. اليَدان ممدودتان كما في قيامة لعازر، ويَهتف: «اخرُج إلى النور، لِتَعرف النور الإلهيّ، وبِأمر النور الذي هو الله!» إنّه أَمر كالرَّعد، وبعد لحظة سُمِع صداه يترجَّع صَرخة انتصار، أَعقَبَه أنين وفَرَح، ثُمّ صرخة طفل وَليد ضعيفة، ولكنّها نقيّة واضحة تماماً، وتَشتَدّ لحظة بعد أخرى.

 

«ابنكَ يبكي، وهو يُحيّي الأرض. اذهب لملاقاته، وقل له، الآن وفيما بعد: إنّ الوطن ليس الأرض، بل إنّما هو السماء. اجعله يَكبر، واكبَر أنتَ معه، مِن أجل السماء. الحقّ يكلّمكَ. هذه الأشياء (ويُشير إلى الـمَباخِر النحاسيّة، الـمُلتوية كالأوراق الجافّة التي لَم يَعُد بالإمكان استخدامها لأيّ شيء، والـمُلقاة على الأرض، والرَّماد الذي يشير إلى مكان المحفّة والصَّنَم.) هذه الأشياء هي الكِذبة التي لا تَجلب مساعدة ولا سلاماً. وداعاً.»

 

ويُوشِك على الرحيل، إلّا أن امرأة تَهرَع مَع وَليد قويّ البُنية، مُقمَّط، وهي تهتف: «إنّه صبيّ يا فارح، جميل وقويّ، عيناه سوداوان داكنتان مثل زيتونة يانعة، وشعره أكثر سواداً ونعومة مِن جزة جَدي مُكَرَّس. وامرأتكَ تستريح سعيدة. لَم تَعُد تتألّم، كما لو لم يكن شيء قد جَرى، أمر غير متوقَّع، بينما كانت تحتضر... وبعد تلك الكلمات...»

 

يبتسم يسوع، وبما أنّ الرجل يُقدِّم له وَليده، فإنّه يلمس رأسه برؤوس أصابعه. وما سِوى الكَهَنَة رَحَلوا ساخِطين لرؤيتهم ارتداد فارح، ويتقدَّم الناس بفضول لرؤية الوَليد، تَوَّاقين إلى رؤية يسوع.

 

يريد فارح أن يُقدِّم له أشياء ودراهم مقابل المعجزة، ولكنّ يسوع يقول بلطف وثبات: «لا شيء. إنّ الثمّن الذي يُدفع مقابل المعجزة هو الوفاء لله الذي حَقَّقَها. أَحتَفِظ فقط بهذا التيس كتذكار لي مِن مدينتكَ.» ويمضي مع التيس الذي يخب إلى جانبه كما لو كان يسوع صاحبه. لقد عادت له الحياة وهو سعيد، يَثغو فَرَحاً لكونه مع مَن لا يضربه... ويَنحَدِران هكذا مِن الرابية لِيَسلكا الطريق العامّة المؤدّية إلى عازوت…

 

وفي المساء، قُرب البِركة الظليلة، عندما يَرَى يسوع تلاميذه قادمين، يُصاب وإيّاهم بدهشة متبادلة: أمّا هُم فَلِرؤيتهم يسوع ومعه التيس، وأَمّا هو فلرؤيته الوجوه الخائِبة لأناس لَم يُنجِزوا أيّ عَمَل.

 

«كارثة يا معلّم! لَم يَضربونا، ولكنّهم طَرَدونا خارج المدينة. ولقد تهنا في القرية، ودَفَعنا ثمن الغذاء باهظاً. ومع ذلك فقد كُنّا لطيفين...» يقولون بأسى.

 

«لا يهمّ، ففي الخليل كذلك، طَرَدونا العام الماضي، وفي هذه الـمَرَّة كَرَّمونا. فينبغي لكم ألّا تُحبَطوا.»

 

«وأنتَ يا معلّم؟ ما هذا الحيوان؟» يَسأَلونه.

 

«لقد ذَهَبتُ إلى مجدل جاد، وهناك أَضرَمتُ النار في صَنَم ومَباخِره، وجَعَلتُ وليداً يُولَد. كرزتُ باسم الله الحقّ، مُجتَرِحاً المعجزات، وقد قَبِلتُ لنفسي هذا التيس، وهو مُعَدٌّ لشعائر وثنيّة، بحجّة التكريم. الحيوان المسكين، لقد كان مُثخَنَاً بالجِّراح.»

 

«ولكن وضعه الآن جيّد! إنّه ممتاز كحيوان.»

 

«لقد كان حيواناً مُكَرَّساً مُعَدّاً للصنم... هو الآن سليم، نعم. وهذه أوّل معجزة أُقنِعهم بها أنّي أنا هو، الـمُقتَدِر، ولستُ قطعة الخشب التي لهم.»

 

«وماذا تريد أن تَصنَع به؟»

 

«آخذه إلى مارغزيام. بالأمس دمية واليوم تيس، وسأجعَله يَفرَح.»

 

«ولكن هل تريد اقتياده إلى بِتّير؟»

 

«بكلّ تأكيد. لستُ أرى ما يحول دون القيام بذلك. وإذا كنتُ الرَّاعي، فيمكنني الحصول على تَيس. ثُمّ إنّنا سوف نُعطيه للنساء، ويَمضين إلى الجليل. سوف نَجِد عنـزة، وسَتُصبِح يا سمعان راعي عنـزات. هي النَّعجات أفضل... إنّما في العالم هناك كِباش أكثر مِن الحِملان... إنّه رمز يا بطرس. تَذَكَّر هذا... وبتضحيتكَ، سوف تَجعَل مِن الكِباش حِملاناً. تعالوا. فلنذهب إلى تلك القرية وسط الـمَباقِل. سوف نَجِد لنا مأوى، إمّا في أحد المنازل وإمّا على الحزمات المربوطة في الحقول. وغداً نمضي إلى جبنيا (Jabnia)

 

دُهِشَ الرُّسُل وحَزِنوا، وأُحبِطوا. دُهِشوا للمعجزات، وحَزِنوا لعدم وجودهم ساعة حدوثها، وأُحبِطوا لِعَجزهم، بينما يسوع يستطيع فعل كلّ شيء. أمّا يسوع، فعلى العكس، إنّه سعيد للغاية!... ويَنجَح في إقناعهم: «لا شيء عديم النَّفع، حتّى الإخفاق، فهو مفيد في تهيئتنا للتَّواضُع، بينما الكلمة تفيد في جعل اسم يترجَّع صداه، وهو اسمي، وتَرك ذكرى في القلوب.» وهو مُقنِع جدّاً، ويَشعّ منه الفرح لدرجة أنّهم يستعيدون صفاءهم.