ج6 - ف149
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السادس/ القسم الثاني
149- (عِظَة في أَفِيقَ)
15 / 07 / 1946
يسوع يتحدّث إلى أهل أَفِيقَ عند عتبة مدخل مخزن سارة. إنّه يتحدّث إلى جَمْع متنوّع، فضوليّ هو أكثر منه مهتمّ، والذي عدد اليهود فيه أقلّ بكثير مِن غيرهم، إنّ معظم المتواجدين هم تجّار ومسافرون عابِرون، البعض متوجّهون صوب البحيرة، البعض على وشك النزول إلى مخاضة أريحا، والبعض قادمون مِن بلدات شرقيّة وهم في طريقهم إلى بلدات بحريّة.
في الوقت الحالي، هي ليست عِظَة حقيقيّة، إنّما إجابات مِن يسوع لهذا وذاك، حِوار يستمع إليه الجميع، وإن بمشاعر مختلفة، تُظهِرها تعابير وجوههم وتعليقاتهم، والتي تجعلني قادرة على معرفة مَن هُم وإلى أين يتّجهون. الحِوار يتغيّر أحياناً بالنّبرة والـمُحاوِرين، لأنّ الحِوار، وبتحييد يسوع، يُصبِح مجادلات بين الأشخاص الحاضرين لأسباب تتعلّق بالأعراق واختلاف وجهات النَّظَر.
وهكذا فإنّ رجلاً عجوزاً مِن يافا يتجادل مع تاجر مِن صيدا، حيث يُدافِع هذا الأخير عن المعلّم ضدّ شكوك اليهود، الذين لا يريدون التسليم بأنّ يسوع هو مُنتَظَر الأُمم. وهناك سَيل استشهادات مِن الكتاب المقدّس، تطبّق بشكل خاطئ وكيفما كان، ويتمّ دحضها بتصريح بسيط مِن قِبَل شخص سوري–فينيقيّ، والذي يقول: «لا يهمّني ما قيل، وأنا أقول إنّه هو، لأنّني رأيتُ معجزاته وسمعتُ كلامه.» الجِّدال يتوسّع، حيث إنّ آخرين يُشاركِون فيه، والذين هم ضدّ المسيح يَصرخون: «إنّ بعلزبول يساعده. فهو ليس قدّوس الله. إنّه (قدّوس الله) مَلِك. إنّه ليس رابّياً زائفاً ولا متسوّلاً»، فيما أولئك الذين هم مع رأي رَجُل يافا يقولون: «إنّ الحكماء هم فقراء لأنّهم شرفاء. الفلاسفة لا يلبسون الذهب ولا يتطلّبون مِثل معلّميكم وكهنتكم الكَذَبَة.» يمكن إدراك أنّهم يتكلّمون هكذا لأنّهم ليسوا يهوداً، بل هُم وثنيّون مِن بلاد متعدّدة، والذين تواجدوا في فلسطين بالصدفة، أو إنّهم متجنِّسون هنا، محتفظين بالروح الوثنيّة.
«مُدنِّسون!»
«أنتم المدنِّسون، أنتم يا مَن حتّى لا تُدرِكون ألوهيّة فِكره» يُجيب البعض.
«إنّكم لا تستحقّون أن تحظوا به. إنّما، بحقّ زيوس! لقد احتَقَرنا سقراط وقد عانينا مِن نتائج ذلك. وأقول لكم: انتبهوا لأنفسكم. احذروا لئلّا تضربكم الآلهة، كما فَعَلَت بنا مرّات عديدة» يصيح أحدهم، إنّه بالتأكيد يونانيّ.
«آه! وثنيّون يُدافِعون عن مَلِك إسرائيل!»
«وسامرّيون! ونفتخر لكوننا كذلك، لأنّنا سوف نُحسِن الاعتناء بالرابّي أكثر منكم، إذا ما جاء إلى السامرة. أمّا أنتم... فقد بنيتم الهيكل. إنّه جميل، لكنّه قبر ممتلئ فساداً، حتّى لو كنتم قد غطّيتموه بالذهب والرخام الثمين» يصيح مِن آخر الجمع شخص طويل يلبس كتّاناً، بأهداب وتوشيات، وأحزمة حول الخصر، وأشرطة، وأساور…
«آه! سامريّ!» ويبدون كما لو أنّهم يقولون: «الشيطان» يصيح عالياً اليهود المتعصّبون مرتعبين، فيما يبتعدون كما لو أنّ الرجل كان أبرصاً. ويصيحون ليسوع فيما يهربون: «اطرده! إنّه نَجِس...»
لكنّ يسوع لا يطرد أحداً. إنّه يحاول فرض النظام والصمت بمساعدة الرُّسُل، إنّما لا ينجحون في ذلك كثيراً. ولذلك، وكي يضع حدّاً للمشاجرات، فهو يبدأ عِظَته.
«عندما ثار شعب الله في الصحراء بسبب شحّ المياه، بعد موت مريم في قادش، وصاحوا ضدّ موسى، مُخلّصهم وقائدهم مِن أرض الخطيئة إلى أرض الميعاد، كما لو أنّه كان مُهلِكهم المجنون، وسخطوا على هارون باعتباره كاهناً عديم النّفع، فقد دخل موسى مع أخيه إلى قدس الأقداس، وتكلّما مع الربّ طالِبَين معجزة لإيقاف تذمّر الشعب. والربّ، ولو أنّه غير ملزم بالاستجابة لكلّ طلب، وخصوصاً إذا كان طلباً عنيفاً، وصادِراً عن أرواح قد فَقَدَت الثقة المقدّسة بالعناية الإلهيّة الأبويّة، فقد كَلَّم موسى وهارون. وكان بوسعه أن يكلّم موسى فقط، لأنّ هارون، ولو أنّه الكاهن الأعظم، إلّا أنّه كان قد خسر صلاح الله يوماً لعبادته الأصنام. لكن الله أراد أن يختبره بعد، ويمنحه طريقة للنموّ بالنعمة في عينيه. فأمَرَ بأخذ عصا هارون، التي وُضِعت في قدس الأقداس بعدما أنبتت بتلات متفتّحة، وأعطت لوزاً، والذهاب بها لمخاطبة الصخرة، والصخرة سوف تَنضَح ماءاً للبشر والحيوانات. وموسى ومعه هارون فَعَلا ما أمرهما به الربّ، إنّما كلاهما لم يؤمنا كلّياً بالربّ. والذي كان إيمانه أقلّ هو كاهن إسرائيل الأعظم: هارون. والصخرة التي ضُرِبَت بالعصا، انفلقت وتدفّق منها ماء كثير ليروي عطش البشر والحيوانات. ودُعِيَ ذلك الماء بماء مَرِيبَةَ، لأنّ الإسرائيليّين تجادلوا هناك مع الربّ، وانتَقَدوا أعماله وأوامره، ولم يكونوا كلّهم أوفياء بالقدر ذاته، بل على العكس، فقد كان الكاهن الأعلى هو مَن أثار الشكّ حول حقيقة كلمات الله الإلهيّة. وانتُزع هارون مِن بين الأحياء دون التمكّن مِن بلوغ أرض الميعاد.
والآن أيضاً يثور الشعب ضدّ الربّ قائلاً: "لقد جلبتَنَا إلى هنا كي نموت، شعباً وأفراداً، تحت حكم الـمُضطَهِدين." وقد صاحوا بي: "أَقِم نفسكَ مَلِكاً علينا وخَلّصنا." إنّما عن أيّ خلاص تتحدّثون؟ مِن أيّة عقوبات؟ أتلك المادّيّة؟ ولكن في الأمور المادّيّة ليس هناك خلاص ولا عقاب! إنّ عقاباً أشدّ بكثير، وخلاصاً أعظم بكثير هما في متناول إرادتكم الحرّة، ويمكنكم أن تختاروا. والله يستجيب لكم.
أقول هذا للإسرائيليّين الحاضرين هنا، لأولئك الذين يجب أن يكونوا قادرين على قراءة رموز الكتاب المقدّس وفهمها. إنّما بما أنّني أرثي لحال شعبي الذي أنا هو مَلِكهم الروحيّ، فأنا أريدكم أن تفهموا على الأقلّ رمزاً واحداً، لمساعدتكم على إدراك مَن أكون.
قال العليّ لموسى وهارون: "خذا العصا وتكلّما إلى الصخرة، وماء كثير سوف يتدفّق ليروي عطش الشعب كي لا يتذمّر بعد." والعليّ، كي يضع حدّاً لتذمّر شعبه، قال مجدّداً للكاهن الأزلي: "خُذ الغصن الذي بَرعَمَ مِن جذع يسّى، وإنّ زهرة سَتَخرُج منه، لم يمسّها الوحل البشريّ، سوف تُصبِح ثمرة لوزة حلوة مملوءة بالعُصارة، وبها، اللوزة التي مِن أصل يسّى، ببرعمها الرائع الذي سوف تحلّ عليه روح الربّ بمواهبه السبع، اضرب صخرة إسرائيل كي يتدفّق ماء غزير لخلاصه."
كاهن الله هو المحبّة بذاتها. والمحبّة أنشَأَت جسداً مُنبِتة برعماً مِن جذع يسّى، لم تدنّسه الحمأة، وكان الجسد هو جسد الكلمة المتجسّد، المسيح المنتَظَر الذي أُرسِل ليكلّم الصخرة كي تنفلق. كي تنفلق الطبقة القاسية لكبريائها وجَشَعها، كي تتلقّى المياه التي أَرسَلَها الله، المياه التي تتدفّق مِن مسيحه، زيت محبّته الحلو، كي تغدو ليّنة، صالحة ومقدّسة، كي تستقبل في قلبها عطيّة العليّ لشعبه.
لكنّ إسرائيل لا يريد الماء الحيّ في أحشائه. وهي تبقى مغلقة وقاسية، خصوصاً في كباره، الذين يضربهم ويتحدّث إليهم الغصن الذي أزهر وأثمر، بفضل السلطان الإلهيّ وحده، إنّما بلا جدوى. والحقّ أقول لكم بأنّ الكثيرين ممّن ينتمون إلى هذا الشعب لن يدخلوا الملكوت، في حين أنّ كثيرين ممّن لا ينتمون إليه سوف يدخلونه، لأنّهم عرفوا أن يؤمنوا بما رَفَضَ كَهَنَة إسرائيل الإيمان به. لهذا السبب أنا في وسطكم كعلامة ريبة، وسوف يُحكَم عليكم حسب الطريقة التي فهمتموني بها.
وأقول للآخرين الذين لا ينتمون لإسرائيل: إنّ مقام الله، الذي فَقَدَه أبناء شعبه، مفتوح لأولئك الذين يبحثون عن النور. تعالوا. اتبعوني. وإذا ما وُضِعتُ كعلامة ريبة، فقد وُضِعتُ أيضاً كعلامة لكلّ الأمم، والذي يحبّني سوف يخلص.»
«أنتَ تحبّ الغرباء أكثر منّا، وفيما لو أنّكَ كنتَ قد بَشَّرتنا، لكنّا أحببناكَ في نهاية المطاف! لكنّكَ في كلّ مكان ما عدا اليهودية» يقول يهوديّ تأثَّرَ بكلمات يسوع.
«سوف أنزل إلى اليهوديّة أيضاً، وسأبقى هناك لفترة طويلة. إنّما ذلك لن يغيّر التَّحجُّر الذي في قلوب الكثيرين. لن يتغيّروا حتّى عندما يسيل الدم على الصخرة. إنّكَ رئيس معبد، أليس كذلك؟»
«نعم، كيف تعلم ذلك؟»
«إنّني أعلم ذلك. حسناً، يمكنكَ إذن فهم ما أقول.»
«يجب ألّا يَسقُط الدم على الصخر. إنّها خطيئة.»
«سوف تُريقون الدم على الصخرة بفرح، لكي يبقى هناك. والصخرة التي سوف يراق عليها دم الحَمَل الحقّ، سوف تبدو لكم كغنيمة انتصار. ثمّ سيأتي اليوم الذي ستفهمون فيه... سوف تفهمون العقاب الحقّ، وأيّ خلاص حقّ كان قد قُدّم لكم. هيّا بنا...»
يتقدّم رجل شاقّاً لنفسه طريقاً: «أنا سوريّ-فينيقيّ، كُثُر منّا يؤمنون بكَ، على الرغم مِن أنّهم لم يحظوا بكَ... ولدينا الكثير مِن المرضى... ألن تأتي إلينا؟»
«لا، لن آتي إليكم. لا متّسع مِن الوقت لديَّ. إنّما الآن، بعد السبت، سوف أتوجّه إلى قرب حدودكم. وكلّ مَن يحتاج نعمة فلينتظر في الجوار.»
«سوف أُخبر مواطنيّ. ليكن الله معكَ يا معلّم.»
«السلام لكَ يا رجل.»
يسوع يصرف الأرملة، أو بالأحرى، إنّه يريد صرفها، ولكنّها تركع وتُعلمه بقرارها: «لقد قرّرتُ أن أُبقي صموئيل هنا -إنّه أفضل كخادم منه كمؤمن- وأن آتي إلى كفرناحوم كي أكون قريبة منكَ.»
«سوف أغادر كفرناحوم قريباً، وإلى الأبد.»
«ومع ذلك لديكَ تلاميذ صالحين هناك.»
«هذا صحيح.»
«إنّه قراري... هكذا سوف أُثبِت لكَ بأنّني أعرف أن أتخلّى عن الغِنى وأن أحبّ ببرّ. وسوف أستخدم المال الذي يتكدّس هنا لصالح فقرائكَ، وسوف أعتبر الصبيّ أوّل أولئك الفقراء، إذا ما كانت الأُمّ تريد الاحتفاظ به، رغم أنّها لا تحبّه. وللوقت الحالي، هاكَ» وتُقدّم كيس مال ثقيل ليسوع.
«ليبارككِ الله ببركاته وببركات أولئك الذين تساعدينهم. لقد أَحرَزتِ تقدّماً كبيراً في غضون ساعات قليلة.»
المرأة تحمرّ. إنّها تنظر حولها، ثمّ تُصرّح: «لستُ أنا مَن أَحزَرَ الكثير مِن التقدّم. إنّ رسولكَ قد عَلَّمَني. إنّه ذاك الذي هناك، ذاك الذي يختبئ خلف الشابّ الأسمر.»
«سمعان بطرس، رئيس الرُّسُل. وما الذي قاله لكِ إذن؟»
«آه! لقد تحدَّثَ إليَّ ببساطة وبالكثير مِن الإجادة! لقد تَواضَعَ، وهو الرَّسول، مُعتَرِفاً بأنّه هو أيضاً كان مثلي، مُجحِفاً في رغباته. آه! لم أستطع تصديق ذلك! لكنّه قال بأنّه قد جاهَدَ كي يصبح صالحاً مِن أجل أن يستحقّ ما كان يرغب به، وبأنّه يُجاهد أكثر فأكثر كي يغدو كذلك، حيث أنّه لم يرد أن يستحيل الخير الذي حَصَلَ عليه إلى شرّ. أتعلم، الأمور التي تُقال فيما بيننا، نحن البسطاء، قابلة للفهم أكثر... هل أهينكَ يا ربّ؟»
«لا. إنّكِ تعطين لله مجداً بصدقكِ، وبثنائكِ على رسولي. افعلي ما نَصَحَكِ به، وليكن الله معكِ على الدوام يا مَن تميلين للبرّ.»
يباركها. إنّه أوّل مَن ينطلق، متّجها صوب الشمال الغربي، تحت البساتين الخضراء التي تهزّ أشجارها ريح كانت قد هبّت فجأة.