ج2 - ف46
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثاني / القسم الأول
46- (الاسخريوطيّ يبيع جواهر أغليّا لديوميد)
19 / 01 / 1945
إنّها ساحة السوق في أريحا. إنّما الوقت ليس صباحاً. إنّه المساء، غَسَق طويل لصيف حارّ. لم يبق مِن سوق الصباح سوى النفايات: بقايا خضار، كوم مِن غائِط، قَشّ مُتساقِط مِن سلال أو مِن بردعة حمار، قِطَع مِن أَسمَال (خِرَق)... فوق كلّ هذا، إنّه نصر الذباب وكلّ ما تفعله الشمس مِن التَّخمّرات ومِن الفوح اللّاذع وكريه الرائحة. الساحة الكبيرة خاوية. عدد المارّة قليل جدّاً، فتى مشاكس هنا يرمي الحجارة على العصافير القابعة على أشجار الساحة. وامرأة هناك تتوجّه صوب النبع. وهذا كلّ شيء.
يُقبِل يسوع عبر إحدى الطرقات ويَنظُر حوله، ولكنّه لا يرى أحداً. وبكلّ هدوء يتّكئ على جذع شجرة وينتَظِر. يجد وسيلة للتحدّث إلى الصبيّة عن المحبّة النابعة مِن الله والهابطة مِن الخالِق على كلّ الخليقة. «لا تكونوا قُساة. لماذا تريدون إزعاج العصافير؟ لديها أعشاشها هناك في العالي. لديها صغارها. إنَّها لا تؤذي أحداً. إنّها تَهِبنا تغريدها وتؤمّن النظافة وذلك بالتهام بقايا الناس والحشرات التي تؤذي الحصاد والثمار. لماذا جَرحها إذاً وقَتلها وحرمان صغارها مِن آبائها وأُمّهاتها أو حرمان تلك مِن صغارها؟ هل كنتم ستُسَرّون لو رأيتم شرّيراً يدخل بيتكم، يخرّبه، أو يقتل أهلكم، أو يخطفكم بعيداً عنهم؟ لا لن تكونوا كذلك. فإذاً، لماذا تفعلون أنتم بهذه المخلوقات البريئة ما لا تريدون أن يفعله أحد بكم؟ كيف يمكنكم عدم إيذاء الناس يوماً إذا ما كنتم، وأنتم ما تزالون أطفالاً، تُقَسّون قلوبكم تجاه مخلوقات صغيرة لطيفة، لا حول لها ولا قوّة، مثل العصافير؟ ألا تَعلَمون أن الشريعة تقول: ’أحبِب قريبكَ كنفسكَ‘؟ ومَن لا يحبّ قريبه لا يمكنه كذلك أن يحبّ الله. ومَن لا يحبّ الله فكيف يمكنه الذهاب إلى بيته ليصلّي له؟ قد يقول الله لهم، ويقول ذلك مِن أعالي سمائه: ’اذهب، فأنا لا أعرفكَ، أأنتَ ابن؟ لا، فإنّكَ لا تحبّ إخوتكَ ولا تحترم فيهم الآب الذي خَلَقَهم. فلستَ إذاً أخاً ولا ابناً، بل أنتَ هجين، ابن لله سيّئ، أخ مزيّف لإخوتكَ‘. انظُروا كيف يحبّ الله، وهو الأزليّ: في الأَشهُر الأكثر برودة توجد أهراء (حظائِر) ومخازن تأوي إليها الطيور. وأثناء فصل الحرّ، يَهِبها ظلّ الأوراق ليقيها مِن الشمس. في الشتاء، يكون البذار في الحقول، بالكاد مغطى في الأرض، ويَسهُل إيجاد الحبوب لتتغذّى بها. وفي الصيف عصارات الفواكه تُلطّف العطش، وبإمكانها إنشاء أعشاش صلبة ودافئة باستعمال بعض القش وبقايا صوف القطعان على العلّيق. إنّه الربّ. أنتم، يا صغار الناس، يا مَن خُلِقتُم مثل العصافير، لماذا تريدون أن تكونوا مختلفين بظنّكم أنّه مسموح لكم بأن تكونوا قُساة على كلّ هذه الحيوانات الصغيرة؟ كونوا رحماء تجاه الكل بعدم حرمان أيّ كان مما يخصّه، لا الناس الذين إخوتكم، ولا الحيوانات خدّامكم ولا أصدقاءكم ولا الله...»
ويهتف سمعان: «يا معلّم، لقد وَصَلَ يهوذا!»
«ولسوف يكون الله رحيماً معكم بأن يهبكم كلّ ما تحتاجونه، كما يفعل مع هذه المخلوقات البريئة. اذهبوا واحملوا معكم سلام الله.»
يَفرط يسوع عَقد الصبية الذين كان بعض مِن الكِبار قد انضمّ إليهم، ويتّجه صوب يهوذا ويوحنّا اللَّذَين يَصِلان مُسرِعَيَن مِن طريق أخرى. يهوذا مُغتَبِط، أمّا يوحنا فيبتسم ليسوع... إنّما لا يبدو أنّه سعيد بما فيه الكفاية.
«هلمّ، هلمّ يا معلّم. أظنّني أحسنتُ التصرّف. إنّما تعال معي، فلا يمكننا التحدّث في الطريق.»
«إلى أين يا يهوذا؟»
«إلى النَّزْل. لقد حَجَزتُ أربع حُجرات... آه! إنّها متواضعة، لا تخش شيئاً. تماماً لنتمكّن مِن الاستراحة على سرير بعد كلّ هذا الحرمان وهذه الحرارة، لنتمكّن مِن تناول الطعام كالبشر وليس كالطيور على الغصن، وكذلك لنتمكّن مِن الكلام براحة. لقد بِعتُها بسعر جيد. أليس كذلك يا يوحنّا؟»
يُوافِق يوحنّا بدون كثير حماس. إنّما يهوذا فقد كان مسروراً للغاية لعمليّته، لدرجة أنّه لَم يَلحَظ قلّة الرضى لدى يسوع على مأوى مريح، ولا مَظهَر يوحنّا قليل الحماس. ويتابع: «كَوني بِعتُها بأكثر مما قَدَّرتُ، فقد قُلتُ لنفسي: "يحقّ لنا اقتطاع مبلغ صغير، مائة دانق، مِن أجل أسِرَّتنا وغذائنا. لأنّنا إذا كنا، نحن الذين نأكل باستمرار، مُنهَكين، فيجب أن يكون يسوع على حافّة الانهيار". ومِن واجبي أن أسهر على ألّا يقع معلّمي مِن المرض! إنّه واجب الحبّ، ذلك أنّكَ تحبّني وأنا أحبّكَ... كما أنّني احتَطتُ لكم وللقطعان» هذه يقولها للرُّعاة. «لقد فكّرتُ بكلّ شيء.»
لم ينبس يسوع ببنت شفة، بل تَبِعَهُ مع الآخرين.
يَصِلون إلى ساحة ثانوية. يقول يهوذا: «انظر إلى هذا البيت الذي بدون نوافذ على الطريق، وهذا الباب الصغير جدّاً الذي يبدو وكأنّه صَدع. إنّه بيت ديوميد طَرَّاق الذهب. تحسبه مَسكَناً فقيراً، أليس كذلك؟ ولكنّه يملك مِن الذهب ما يكفي لشراء أريحا و...آه! آه!» يبتسم يهوذا بِخُبث...«ضِمن هذا الذهب يمكننا أن نجد الكثير مِن القلادات والأواني و... كذلك أشياء أخرى لكلّ الأشخاص الأكثر نفوذاً في إسرائيل. ديوميد... آه! الكلّ يتظاهر بعدم معرفته، بينما الجميع يعرفونه: مِن الهيروديّين إلى... إلى الجميع. على هذا الجدار الخالي مِن الزينات، الفقير، يمكن كتابة "سِرّ وغموض". لو كانت هذه الجدران تتكلّم! لما بقي ما يثير الأَنَفَة سوى مِن الطريقة التي تعاملتُ بها أنا، يوحنّا!... أنتَ... أنتَ... كنتَ ستموت مخنوقاً مِن الدهشة والحَرَج. إنّما بالأحرى اسمع يا معلّم. لا تَعُد تُرسِلني مع يوحنّا لقضاء حاجات معيّنة. فلقد كاد يُفشِل كلّ شيء. لا يعرف أن يلتقطها على الطاير (لـَمّاحَ)، لا يعرف أن يُنكِر، ومع مُخادِع مثل ديوميد لا بدّ أن يكون المرء سريع البديهة يقظاً.»
يُهَمهِم يوحنّا: «لقد كنتَ تقول أشياء! غير متوقَّعة إطلاقاً ولدرجة... ولدرجة... نعم، يا معلّم، لا تَعُد تُرسِلني. أنا لا أعرف سوى أن أُحِبّ، أنا...»
يُجيب يسوع الـمُنشَغِل: «مِن الصعب أن نحتاج مستقبلاً لهكذا بيع.»
«ها هو ذا النَّزْل. هَلُمَّ يا معلّم. سوف أتكلّم أنا بما أنّني... قد رَتَّبتُ كلّ شيء.»
يَدخُلون ويتكلّم يهوذا مع صاحب النَّزْل الذي يقود النِّعاج إلى إسطبل ثم يعود ليقود بنفسه نزلاءه إلى حُجرة صغيرة حيث تُوجَد حصيرتان تُستَخدَمان كسريرين، ومقاعد وطاولة، كانت جميعها قد هُيِّئَت. ثمّ يَنسَحِب.
«لنتحدّث حالاً، يا معلّم، بينما الرُّعاة مُنشَغِلون بقطعانهم.»
«أسمعكَ.»
«يمكن ليوحنّا أن يقول إذا ما كنتُ صادقاً.»
«أنا لا أشكُّ بهذا. وبين الناس الشرفاء لا داعي للأَيْمان وللشهادات. تكلّم.»
«وَصَلنا إلى أريحا في الساعة السادسة (حوالي الثانية عشرة ظهراً). كنّا نتصبّب عرقاً مثل الدَّواب. لم أُرِد أن أدع ديوميد يأخذ انطباعاً بأنّ المسألة اضطراريّة. أتيتُ هنا قبلاً، أخذتُ حمَّاماً. لَبِستُ ثوباً نظيفاً، ووددتُ أن يفعل هو كذلك. آه! لم يكن يريد أن يعرف شيئاً عن هذا التَّعَطُّر وترتيب الشَّعر... ولكنّني كنتُ قد رَتَّبتُ أمري، طوال الطريق!... وعندما أقبَلَ المساء، قُلتُ: "لنذهب". حينذاك كنّا قد استرحنا وانتَعَشنا، مثل موسَرَيَن في رحلة ترفيهيّة. عندما أوشكنا على الوصول عند ديوميد، قُلتُ ليوحنا: "أنتَ ساعدني. لا تُكَذِّبني وكُن يَقِظاً لتَفهَم". إنّما كان مِن الأفضل لو أبقيتُه خارجاً. لم يساعدني قطّ. وحتّى إنّه... لحسن الحظ أنّني كنتُ متيقّظاً للاثنين وواجهتُ كلّ الأمور.
كان موظف الضرائب خارجاً مِن البيت، فقلتُ لنفسي: "حسناً، إذا ما خَرَجَ هو فسوف نجد المال، وما أريده للتسوُّق لإتمام الصفقة". ذلك أنّ موظف الضرائب مرابٍ ولصّ مثل كلّ الذين على شاكِلَته، ولديه دائماً قلادات مُنتَزَعَة بالوعيد والربى مِن مساكين فُرِضَت عليهم ضرائب بطريقة غير مشروعة لتُصرَف بتبذير على السُّكر والعربَدَة والنساء. إنّه صديق حميم لديوميد الذي يبيع ويشتري ذهباً وجَسَداً... دَخَلنا بعد أن عَرَّفتُ على نفسي. أقول: دَخَلنا. لأنّ فرقاً التوجّه إلى المدخل حيث يتظاهر هو بشغل الذهب بنزاهة، وبين النزول إلى القبو حيث يُمارِس أعماله الحقيقيّة. يجب أن يكون المرء معروفاً مِن قِبَله وبشكل جيّد جدّاً حتّى تُتاح له هذه الدعوة، الدعوة الأخيرة. عندما رآني قال لي: "أنتَ أيضاً تريد أن تبيع ذهباً؟ الوقت مناسب قليلاً. لديَّ القليل مِن المال". إنّها نغمته المعتادة. فأجبتُه: "لم آتِ لأبيع إنّما لأشتري. هل لديكَ مجوهرات لامرأة؟ إنّما جميلة، فاخرة، ثمينة وثقيلة ومِن الذهب الخالص؟" ذُهِلَ ديوميد وسألني: "أتريد امرأة؟" فأجبتُه: "لا تهتمّ لذلك. فهذا ليس لي، إنّما لصديقي هذا المتزوج، ويريد شراء المجوهرات الذهبيّة لمحبوبته."
وهنا بدأ يوحنّا يقوم بحركاته الصبيانيّة. وديوميد الذي كان يَنظُر إليه رآه يصطبغ بالأحمر الأرجوانيّ، وقال بلهجة العجوز المقزِّز: "إيه! ما إن سَمِعَ الصبيّ ذِكر زوجته حتّى أصابته الحمّى. هل هي جميلة جدّاً، زوجتكَ؟" فرَكَلتُ يوحنّا لإيقاظه وإفهامه ألّا يتظاهر بالغباء. ولكنّه أجاب بـ "نعم" مخنوقة، جَعَلَت ديوميد يرتاب بالأمر. عندئذ تكلَّمتُ أنا: "إن تكن جميلة أم لا، فيجب ألّا تهتمَّ لذلك، أيّها العجوز. فلن تكون مِن عداد النساء اللواتي ستذهب لأجلهنّ إلى جهنّم. إنّها شابّة شريفة، وقريباً زوجة شريفة. ولا حاجة إلى ذهبك. فأنا مَن سيهتمّ بزواجه القريب، وأنا مُكلَّف بمساعدة الشاب... أنا يهوديّ وابن مدينة".- "وهو جليليّ، أليس كذلك؟" دائماً هذا الشَّعر الذي يخونكَ! -هل هو ثريّ؟"- "نعم، جدّاً".
عندئذ نَزلنا إلى أسفل، وفَتَحَ ديوميد خزائنه وخزنه. إنّما قُل الحقيقة يا يوحنّا، ألم يكن يبدو وكأنّه في السماوات أمام كلّ هذه الأحجار الكريمة وهذا الذهب؟ قلادات وأطواق وأساور وأقراط ومشابِك مِن الذهب والأحجار الكريمة، دبابيس شعر وبكلات وخواتم... آه! يا للروائع! وبِمَظهَر الـمُتعالي اخترتُ قلادة شبيهة بقلادة أغليّا، ثم دبابيس وخواتم وأساور... وجميعها شبيهة بالتي كانت معي في الصندوق وبِعَدَد مساوٍ لها. كان ديوميد مُندَهِشاً، وكان يسأل: "أيضاً؟ إنّما مَن هو؟ ومَن هي زوجته؟ أأميرة هي؟" وعندما حَصَلتُ على طلبي كاملاً قُلتُ له: "الثَّمن"؟
آه! يا لها مِن نَغمَة نَوح على قسوة الزمن، على المصاريف، والمخاطر واللصوص! آه! يا للنغمة الأخرى التي يؤكّد لي بها نزاهته! أخيراً هي ذي الإجابة: "بالحقيقة، بما أنّكَ أنتَ، سوف أَصدُقكَ القول. بدون مبالغة. إنّما لا أستطيع تخفيض دراخما واحدة مِن ثَمَنها. أَطلُب اثنتي عشرة وزنة فضّة". فقلتُ: "لصّ"! وأضفتُ: "لنرحل يا يوحنّا. سوف نجد في أورشليم مَن هو أقلّ لصوصيّة منه". وتظاهرتُ بالخروج. ولكنّه جَرَى خلفي. "صديقي العظيم، صديقي العزيز، تعال، تَفَهَّم خادمكَ المسكين. بأقلّ مِن هذا لا يمكن. بالحقيقة لا أستطيع. انظُر. إنّني أبذل جهدي حقّاً، وسوف أخسر. وسأفعل ذلك لأنّكَ كنتَ دائماً صديقاً وأَفَدتَني بصفقات. إحدى عشرة وزنة، هاكَ. وهذا هو ما سأدفعه أنا نفسي لو اضطررتُ لشراء هذا الذهب ممّن يموت مِن الجوع. لا تنقص دانقاً واحداً. وبذلك يُصَفَّى دَم أورِدَتي العجوز".
ألم يكن يقول ذلك؟ وكان هذا مَدعاة للضحك وللغثيان. وعندما رأيتُه توقَّفَ تماماً عند هذا السِّعر، ضربتُ ضربتي. "أيّها العجوز الـمُقَزِّز، اعْلَم أنّني لا أريد الشراء، إنّما البيع. هاك ما أريد بيعه. انظر: إنّها جميلة مثل مجوهراتكَ. ذهب إيطالي وتصاميم جديدة، لن تعدم المشترين. إنّها لكَ بإحدى عشرة وزنة. أنتَ مَن حَدَّد السِّعر. أنتَ مَن قَدَّر الثَّمن وأنتَ مَن سيدفع". آه! عندئذ!... صَرَخَ: "إنّها خيانة! لقد خُنتَ التَّقدير الذي كنتُ أكنُّه لكَ! أنتَ تُفلِسني! لا أستطيع دفع هذا الثمن!" -"أنتَ مَن قَدَّرَ هذا الثمن، فادفع".- "لا أستطيع!" -"حذار، سوف آخذه إلى آخَرِين".- "لا يا صديقي". ومَدَّ يديه إلى كومة مجوهرات أغليّا. "إذاً فادفع: كان يجب أن أُطالِب باثنتي عشرة وزنة، إنّما أنا مُلتَزِم بتقديركَ النهائيّ". -"لا أستطيع".- "يا مُرابي احترس. لديَّ شاهد وأستطيع أن أشي بكَ كسارق..." وأَلصَقتُ به نعوتاً أخرى لن أُكَرِّرها أمام هذا الوَلَد…
في النهاية، بما أنّني كنتُ مضطرّاً للبيع، وبسرعة، وَعَدتُه بشيء صغير، فيما بيننا... لن ألتزم بهذا الوعد. ما قيمته وقد قُطِع للصّ سارق؟ ولقد أنهيتُ البازار بعشر وزنات ونصف الوزنة. وانصَرَفنا وسط الظلامات وعروض صداقات و... نساء. أمّا يوحنّا فكاد يبكي. ولكن ماذا يهمّكَ لو ظَنَّ الناس بكَ السّوء؟ يكفي ألا تكون كذلك. ألا تَعلَم أن العالم هو كذلك، وأنّه يَنظُر إليكَ كَطَرح جَهيض؟ شاب لا يعرف طعم امرأة؟ مَن تريد أن يؤمن بكَ؟ أو إذا آمنوا بكَ... آه! بالنسبة لي، لا أريدهم أن يظنّوا بي ما يمكنهم أن يظنّوه بكَ، أولئك الذين يتصوّرون أنّ ليس لديكَ ميولاً لتلك الناحية.
هاكَ يا معلّم. عُدّها أنتَ بنفسكَ. كان لديَّ مبلغ من القطع النقدية الصغيرة، ولكنّني مررتُ بموظف الضرائب وقلتُ لـه: "خُذ هذه القطع التَّافهة وأعطِني الوزنات التي أخذتَها مِن إسحاق". ذلك أنّني كنتُ قد تلقيتُ المعلومة الأخيرة، بينما كنتُ أقضي الصفقة. في هذه الأثناء، وفي نهاية المطاف، قلتُ لإسحاق - ديوميد: "تَذَكَّر أن يهوذا الهيكل لم يعد لـه وجود. فأنا الآن تلميذ لِقدّيس. فاعتَبِر نفسكَ وكأنّكَ لم تعرفني قط، هذا إذا ما كنتَ تريد أن تنجو بجلدكَ". وكنتُ على وشك أن أعضّه مِن عُنقه لأنّه أجابني بشكل سيّئ.»
يسأله سمعان بلا مبالاة: «ماذا قال لكَ؟»
«قال لي: "أنتَ تلميذ قدّيس؟ لن أُصدّق هذا مطلقاً، إلّا إذا رأيتُ قدّيسكَ هذا هنا، خلال وقت قريب، يَطلُب منّي امرأة". قال لي: "ديوميد وغد عتيق، شقاء للعالم، إنّما أنتَ، فنسخته الشابّة. أنا ما زال بإمكاني التَّغيُّر، إذ لم يطرأ عليَّ سوى بعض التقدّم في السنّ. أمّا أنتَ فلن تتغيّر، لقد خُلِقتَ هكذا". إنّه يستخفّ بمقدرتكَ، هذا العجوز المقزّز، هل تُدرِك؟»
«كونه يونانيّاً، فهو يقول الكثير مِن الحقائق.»
«ماذا تعني يا سمعان؟ أإليّ توجِّه كلامكَ؟»
«لا. بل للجميع. إنّه عالِم بالذهب والقلوب على السواء، بالواحد كما بالآخر. إنّه لصّ، مقزِّز، بأكثر ما في الـمُهرِّب مِن نذالة. إنّما توجد لديه فلسفة اليونانيّين الكبار. إنّه يعرف الإنسان، الحيوان بالرذائل السبع الرئيسيّة، الوَرَم الـمُدَمِّر لكلّ خير، لكلّ نزاهة، لكلّ حبّ، ولأشياء أخرى كثيرة في ذاته وفي الآخرين.»
«ولكنّه لا يعرف الله.»
«وأنتَ كنتَ تريد أن تُعلِّمه عن الله؟»
«أنا، نعم. لماذا؟ الخَطَأَة هُم الذين يحتاجون إلى معرفة الله.»
«حقّاً. حينئذ... يجب على المعلّم أن يعرفه كي يُعلّمه.»
«هدوءاً أيّها الأصدقاء. لقد وَصَل الرُّعاة. فلا نجعلنّ نفوسهم تضطرب بسبب شجارنا. هل عَدَدتَ المال؟ هذا يكفي. أَكمِل مهمّتكَ كما التزمتَ بها. وأُكرّر لكَ، إذا أمكن، في المستقبل، لا تكذب، حتّى ولو كان ذلك بُغية تسهيل عَمِل صالح...»
يَدخُل الرُّعاة.
«أيّها الرفاق، هاكُم عشر وزنات ونصف، نَقصوا فقط مائة دانق اقتَطَعَها يهوذا لمصاريف الإيواء. خذوا.»
يسأل يهوذا: «أتعطيهم كلّ شيء؟»
«كلّ شيء، لا أريد الاحتفاظ بأيّة قطعة مِن هذا المال. لدينا عطيّة الله، وعطية أولئك الذين يبحثون عن الله بكلّ نزاهة... ولن ينقصنا أبداً ما هو ضروريّ. كُن على يقين. خذوا المال ولتكونوا مسرورين، كما أنا مسرور مِن أجل المعمدان. غداً، سوف تذهبون إليه في السجن. إثنان منكم: يوحنّا ومتّياس. وسيذهب سمعان مع يوسف لملاقاة إيلي ليَحمِلا له كلّ شيء ويستَعلِما عمّا سيأتي. إيلي يعرف. ثمّ يعود يوسف مع لاوي. موعدنا بعد عشرة أيّام قُرب باب السمك في أورشليم، في الساعة الأولى (حوالي الساعة السادسة صباحاً). أمّا الآن فلنأكل ونسترح. غداً باكراً سوف أرحل مع أتباعي. ليس لديَّ شيء آخر أقوله لكم الآن. سوف تَسمَعون أخباري فيما بعد.»
ويتلاشى المشهد في اللحظة التي يَكسر يسوع فيها الخبز.