ج4 - ف110

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الرابع / القسم الأول

 

110- (الأُمّ تُعلِّم مريم المجدليّة)

 

08 / 08 / 1945

 

«أين ستكون محطّتنا يا سيّد؟» يَسأَل يعقوب بن زَبْدي، بينما هم يَسيرون في فَجّ بين رابيتين مزروعتين بِمُجمَلهما، ويكسوهما الاخضرار مِن الأسفل حتّى القمّة.

 

«في بيت لحم الجليل، في أثناء القَيظ، سنتوقّف على الجبل المشرف على ميرالا (Merala). وهكذا يَسعَد أخوكَ برؤية البحر مرّة ثانية.» يبتسم يسوع ويُضيف: «كان بإمكاننا، نحن الرجال، قطع مسافة أطول، إنّما معنا النساء التلميذات اللواتي لا يشتكين قَطّ، لكن علينا ألّا نُتعِبهنَّ أكثر.»

 

«لا يَشتَكين قَطّ، صحيح. بينما نحن نشتكي بِيُسر أكثر.» يُقرّ برتلماوس.

 

«مع أنّهنّ أقلّ منا تَعوُّداً على مِثل هذه الحياة...» يقول بطرس.

 

«قد يكون هذا هو سبب قيامهنّ بذلك عن طِيب خاطر.» يقول توما.

 

«لا يا توما، بل بسبب الحبّ، يفعلن ذلك عن طِيب خاطر. ثِق تماماً أنّ أُمّي وكذلك رَبَّات البيوت الأُخريات، مِثل مريم التي لحلفى وسالومة وسُوسَنّة، لا يتركن بيوتهنّ بدافع اللَّهو، ليأتين عَبْر طُرُق العالم ووسط الناس. ومرثا ويُوَنّا، عندما تأتيان هُما الأُخرَيان، اللَّتان لم تتعوَّدا على التعب، فإنّهما لا تفعلان ذلك عن طِيب خاطر، لو لَم يَكُن الحبّ هو الذي يَدفَعهُما. أَمّا بخصوص مريم المجدليّة، فوحده الحبّ الجبّار يمكنه مَنحَها القوّة لِتَحمُّل ذلك العذاب.» يقول يسوع.

 

«لماذا فَرَضتَ عليها ذلك إذن، إن كنتَ تَعلَم أنّه عذاب؟» يَسأَل الاسخريوطيّ. «فهذا ليس بالأمر الحَسَن بالنسبة لها ولا بالنسبة لنا.»

 

«لَم يكن لأيّ شيء أن يتمكّن مِن إقناع العالم سوى الاختبار الذي يُظهِر تبدُّلها بشكل لا يَدَع مجالاً للشكّ. ومريم تريد إقناع العالم بذلك. فانقطاعها عن الماضي كان تامّاً. إنّه تامّ.»

 

«سوف نَرَى. الكلام عنه مبكّر الآن. عندما يتعوّد المرء على نمط مِن الحياة، فَمِن الصعب الانعتاق منه تماماً. الصَّداقات والحنين يُعيدانِنا إليه.» يقول الاسخريوطيّ.

 

«إذن، فأنتَ تحنُّ إلى حياتكَ السابقة؟» يَسأَل متّى.

 

«أنا... لا. ولكنّه أسلوب كلاميّ. إنّني أنا: رجل يحبّ المعلّم و... الخلاصة، أَمتَلِك في ذاتي عناصر تساعدني على البقاء وفيّاً لمشروعي، وفيّاً لما عَزَمتُ عليه. أَمّا هي، فإنّها امرأة، وأيَّة امرأة! ثُمّ، حتّى ولو لم يَنقَصها الحَزم، فوجودها معنا غير مُستَحسَن كثيراً. إن كان علينا لِقاء الحاخامين والكَهَنَة أو الفرّيسيّين ذَوي السلطان، فَثِقوا تماماً أنّ تعليقهم لن يكون مُستحبَّاً. أَحمَرُّ مُسبقاً لدى التفكير بذلك.»

 

«لا تُناقِض ذاتكَ يا يهوذا. إذا قَطعَتَ الجسور مع الماضي بحقّ، كما تودُّ القول، فلماذا تتألّم كثيراً لكون نَفْس مسكينة تتبعنا لِتُتِمَّ تبدُّلها في الخير؟»

 

«ولكن، مِن قَبيل الحبّ، يا معلّم. فأنا كذلك أفعل كلّ شيء بدافع الحبّ تجاهكَ.»

 

«إذن، فأتقِن هذا الحبّ. فالحبّ، كي يكون حبّاً حقّاً، يجب ألّا يكون محصوراً. فعندما لا يَعرف المرء أن يحبّ إلّا شيئاً واحداً. ولا يَعرف أن يحبّ أيّ شيء آخر، حتّى ولو كان محبوباً مِن ذاك الشيء موضوع حبّه، فإنّه يَظهَر أنّه ليس بالحبّ الحقيقيّ. فالحبّ الكامل يحبّ، بالدَّرَجات التي تَفرض ذاتها، كلّ الجنس البشريّ، بل حتّى الحيوانات والنباتات، النجوم والمياه، لأنّه يَرى كلّ شيء في الله. احتَرِس، فإنّ الحبّ المخصَّص هو في الأغلب نوع مِن الأنانيّة. اعرف إذاً أن تتوصّل إلى حبّ الآخرين كذلك للحبّ.»

 

«نعم، يا معلّم.»

 

في تلك الأثناء، تتقدّم مريم، موضوع النقاش، مع النساء الأخريات، إلى جانب مريم الأُمّ الكُلّيّة القداسة.

 

وَصَلوا، اجتازُوا وتَجَاوَزوا تَجمُّع جافيا (Jafia) دون أن يُبدي أحد مِن السكّان الرغبة في اتِّباع المعلّم، أو استبقائه. يُتابِعون السير، الرُّسُل قَلِقون مِن اللامبالاة في هذا الشأن، ويُحاوِل يسوع تهدئتهم.

 

يمتدّ الوادي غرباً، وتُرَى، عند طَرَفه، بلدة أخرى تمتدّ عند أسفل جبل آخر.

 

تلك البلدة كذلك، التي أَسمَعهُم يُطلِقون عليها اسم ميرابا، لا مبالية. أطفال فقط يَدنُون مِن الرُّسُل، بينما هُم يَأخُذون الماء مِن نبع صاف بجانب أحد البيوت. يُلاطِفهم يسوع سائلاً إيّاهم عن أسمائهم، ويَسأَل الأولاد عن اسمه ومَن يكون، وأين يَمضي وماذا يَعمَل. يدنو كذلك مُتسوِّل شِبه أعمى، عجوز، حاني الظَّهر، ويمدّ يده طالباً صَدَقَة، ويَحصَل عليها بالفعل.

 

يُعاوِدون المسير صاعدين رابية تسدّ الوادي الذي تصبّ فيه مياه جداولها الصغيرة، التي تحوَّلَت الآن إلى خيط ماء، أو حجارة أحرَقَتها الشمس، ولكنّ الطريق جيّدة، في البداية هي مفتوحة وسط غابة زيتون، ثُمّ أشجار أُخرى تتشابك أغصانها مُشكِّلة رِواقاً مُخضوضراً فوق الطريق. يَبلُغون القمّة الـمُكلَّلة بغابة يُسمَع حفيف أوراقها، غابة دردار، إذا لم أكن مخطئة. ويَجلسون هناك للاستراحة وتناول الطعام. ومع الاستراحة والطعام يتمتّعون بمنظَر خَلاّب، فالبانوراما رائعة مع سلسلة جبال الكرمل إلى اليسار، عند النَّظَر إلى الغرب. إنّها سلسلة كثيرة الاخضرار، حيث يكتَشِف المرء كلّ تدرّجات اللون الأخضر الأكثر جمالاً. وتنتهي هناك عند البحر الذي يتلألأ ممتدّاً بلا حدود، متدثّراً لحافاً تحرّكه أمواج خفيفة، صوب الشمال. تستحمّ به الشواطئ التي مِن طَرَف الرأس المتشكِّل مِن سلسلة جبال سانِدَة للكرمل، تَصعَد باتّجاه بتولمايس [عَكّا] والمدن الأخرى، لِتَضيع أخيراً في الضَّباب، جِهة فينيقية-سورية. بالمقابل، لا يُرى البحر إلى الجنوب مِن رأس الكرمل، ذلك أنّ السلسلة الأعلى مِن الروابي، في ذلك الاتّجاه، تَحجبه.

 

تَمضي الساعات في الظلّ الهادِر للغابة جيّدة التهوية. يَنام البعض، يتحدّث آخرون بصوت خافِت، وآخرون يَنظُرون. يبتعد يوحنّا عن رفاقه صاعداً إلى أعلى نقطة ممكنة، لِيَرى بشكل أفضل. يَنعَزِل يسوع في مكان مغطّى لِيُصلّي ويتأمّل. والنساء، بدورهنّ، ينسحبن خلف ستار مُتماوِج مِن شجيرة لِزهر العسل مُزهِرة. هناك يترطّبن في نبع صغير تحول إلى خيط ماء، وهو يُشكِّل على الأرض مُستنقعاً لا يَرقى إلى جَدول. ثمّ تنام الأكبر سنّاً منهنّ تَعِبات، بينما تتحدّث مريم الكُلّيّة القداسة مع مرثا وسُوسَنّة عن بيوتهنّ البعيدة، وتقول مريم إنّها تودّ لو تَحصل على هذا الدَّغل الـمُزهِر لتزيِّن به مغارتها الصغيرة.

 

مريم المجدليّة، التي حَلَّت شعرها، أَصبَحَت غير قادرة على تَحمُّل ثِقله، تَجمَعه مِن جديد وتقول: «أمضي إلى يوحنّا، الآن وقد انضمّ إليه سمعان، لِأَنظُر إلى البحر معهما.»

 

«أمضي أنا كذلك معكِ.» تجيب مريم الكُلّيّة القداسة.

 

وتبقى مرثا وسُوسَنّة إلى جانب رفيقاتهما النائمات.

 

لِلَّحاق بالرَّسولَين لا بدّ من المرور بجانب الدَّغل الذي انعَزَلَ فيه يسوع لِيُصلّي.

 

«ابني يَجِد راحته في الصلاة.» تقول مريم بهدوء.

 

تُجيبها مريم المجدليّة: «أظنُّ أنّه لا بدّ له مِن الخلوة للحفاظ على سيادته الرائعة التي يَضعها العالم على مِحَكّ صَعب. هل تَعلَمين يا أُمّاه؟ لقد عملتُ بحسب قولكِ لي، أَختَلي كلّ ليلة زمناً، يطول أو يَقصر، لِأُعيد إلى ذاتي الهدوء الذي اضطَرَبَ بسبب أمور كثيرة. وبعد ذلك أَشعُر بنفسي أقوى كثيراً.»

 

«الآن أقوى، أمّا فيما بعد فستشعرين بالسعادة. ثِقي بذلك أيضاً يا مريم: في الفرح كما في الألم، في السلام كما في المعركة، يحتاج روحنا لأن يَغوص بأكمله في محيط التأمّل لِيُعيد بناء ما حَطَّمَه العالم وتقلُّبات الحياة، ولِخَلق قُوى جديدة للارتقاء والسموّ باستمرار. في إسرائيل نَستَخدِم، ونُفرِط في استعمال، الصَّلاة الشفويّة. لا أريد القول إنّها بِلا جدوى وغير مقبولة لدى الله. ولكنّني، مع ذلك، أقول إنّ ما هو أكثر فائدة للروح هو الارتقاء الوجدانيّ نحو الله، التأمُّل الذي، من خلاله، بتأمُّلنا في كماله الإلهيّ وشقائنا، أو شقاء نفوس مسكينة كثيرة، ليس لانتقادها، بل إنّما للحنوّ عليها وتَفهُّمها، ولِشُكر الربّ الذي حمانا فَمَنَعَنا مِن ارتكاب الخطيئة، أو غَفَر لنا كي لا يُبقينا على الأرض، نتوصّل إلى الصلاة الحقيقيّة، أي إلى الحبّ. لأنّ الصَّلاة، كي تكون حقيقة ما، ينبغي أن تكون حبّاً؛ وإلّا أَصبَحَت تحريك شِفاه تَغيب عنها النَّفْس.»

 

«ولكن هل مسموح التحدّث إلى الله، عندما تكون الشِّفاه قد نَجَّسَتها كلّمات كثيرة؟ فأنا، في ساعات خلوتي التي أقضيها كما عَلَّمتِني، أنتِ، يا رسولي العَذب، أقسو على قلبي الذي يودُّ أن يقول لله: "أحبّكَ"...»

 

«لا. لماذا؟»

 

«لأنّني، وأنا أُقدِّم قلبي، يبدو لي أنّني أُقدِّم قرباناً مُدَنَّساً...»

 

«لا تفعلي ذلك يا ابنتي، لا تفعليه. فقلبكِ، قبل كلّ شيء، قد أُعيد تكريسه بغُفران الابن، والآب لا يَرى سِوى هذا الغُفران. ولكن حتّى ولو لم يكن يسوع قد غَفَرَ لكِ بَعد، وإذا كنتِ أنتِ، في خلوة مجهولة، التي قد تكون مادّيّة أكثر منها وجدانيّة، كنتِ تَصرخين إلى الله: "أحبّكَ أيّها الآب، اغفِر لي شقاءاتي، لأنّها تُنغِّص عليَّ، بسبب الألم الذي تُسبِّبه لكَ". ثِقي تماماً، يا مريم، أنّ الله الآب يَغفر لكِ مِن ذاته، ويُصبِح هتافكِ عزيزاً على قلبه. دَعي ذاتكِ، دَعي ذاتكِ للحبّ. لا تَقسي عليه، بل دعيه يُصبِح عنيفاً، حتّى مِثل حريق متأجِّج؛ فالحريق يَلتَهِم كلّ ما هو مادّيّ، ولكنّه لا يُخرِّب ذرّة واحدة مِن الهواء، لأنّ الهواء لا جسد له. بل بالعكس، هو يُطهِّره مِن الفَضَلات الصغيرة التي تَحمِلها الرياح، ويجعله أخفّ وزناً. هكذا هو الحبّ بالنسبة إلى الروح. يَستَنفِذ سريعاً مادّة الإنسان، إذا سَمَحَ الله بذلك، ولكنّه لا يُدمِّر ولا يُخرِّب الروح. على العكس مِن ذلك، هو يزيد حيويّته، ويَجعَله نقيّاً ورشيقاً، للصعود إلى الله. هل تَرَين يوحنّا هناك؟ إنّه بحقّ صبيّ، ولكنّه، مع ذلك، هو نَسر. إنّه أقوى كلّ الرُّسُل، فلقد أَدرَكَ سِرّ القوّة، سِرّ التكوين الروحيّ: التأمُّل الـمُحِبّ.»

 

«ولكن، هو نقيّ. أمّا أنا... هو صبيّ، أمّا أنا...»

 

«انظري إذاً إلى الغيور، فهو ليس صبيّاً. لقد عاشَ، كافَحَ، وقد حَقَدَ وأَبغَضَ، وهو يُقرّ بذلك بكلّ صراحة. ولكنّه تعلَّمَ أن يتأمّل. وهو كذلك، ثقي بي، سَامٍ جدّاً. أترين؟ الواحد يبحث عن الآخر، لأنّهما يتشابَهان. لقد بَلَغَا عُمر الروح التامّ ذاته، وبذات الوسيلة: الصَّلاة الوجدانيّة. فيها أَصبَحَ الصبيّ كَهلاً بروحه، والذي كان قد بَلَغَ الشيخوخة والهَرَم، عاد إلى كُهولة قويّة. وهل تَعرِفين ثالثاً، دون أن يكون رَسولاً، سيكون، بل هو الآن متقدِّم كثيراً بسبب ميله الطبيعي إلى التأمُّل الذي، مُذ أَصبَحَ صديق يسوع، أَصبَحَ التأمُّل حاجة لديه روحيّة؟ إنّه أخوكِ.»

 

«لعازري؟... آه! أُمّاه! قولي لي، أنتِ يا مَن تَعرِفين أموراً كثيرة، لأنّ الله يَكشِفها لكِ، كيف سيُعامِلني لعازر في لقائنا الأوّل؟ في السابق، كان يَصمُت مُحتَقِراً إيّاي، ولكنّه كان يفعل ذلك لأنّني أنا لم أكن أحتَمِل الملاحظات. لقد كنتُ قاسية جدّاً مع أخي وأختي... الآن أُدرِك. الآن وقد عَلِمَ أنّ باستطاعته الكلام، ما تُراه سيقول لي؟ أخشى أن يَصدُر عنه اتّهام صريح. آه! بالتأكيد سوف يُذكِّرني بكلّ الآلام التي سَبَّبتُها. أودُّ لو أطير إلى لعازر، ولكنّني خائفة منه. في السابق كنتُ أذهب، ولكن لا شيء كان يحرّكني أو يؤثّر فيّ، لا ذكريات أُمّي المائتة، ولا دموعها التي ما زالت على الأغراض التي كانت تَستَعمِلها، الدموع التي ذَرَفَتها بسببي، بسبب خطيئتي. لقد كان قلبي وَقِحاً مُتهَكِّماً ومُغلَقاً في وجه كلّ صوت لم يكن صوت "الشرّ". أمّا الآن، فَلَم تَعُد فيَّ قوّة الشرّ السيّئة، وأنا أرتَعِد... ماذا سيفعل بي لعازر؟»

 

«سوف يَفتَح لكِ ذراعيه ويناديكِ: "أختي الحبيبة". بقلبه أكثر منه بشفتيه. لقد نما في الله إلى درجة لَم يَعُد معها يمكنه التصرّف إلّا بهذه الطريقة. لا تخافي. لَن يقول لكِ كَلِمَة واحدة عن الماضي. وهو، وكأنّني أراه، هو هناك في بيت عنيا، وأيّام الانتظار تمرّ عليه طويلة جدّاً. إنّه ينتظركِ ليضمّكِ إلى قلبه، لِيُشبِع حبّه الأخويّ. وليس عليكِ سوى أن تحبّيه كما يحبّكِ هو، لتتذوَّقي لذّة كونكما خُلِقتُما مِن الأحشاء ذاتها.»

 

«أُحِبُّه حتّى ولو كال لي الاتّهامات. فأنا أستحِقُّها.»

 

«ولكنّه سوف يحبّكِ، بدون أيّة إضافات.»

 

تَلحَقان بيوحنّا وسمعان اللذين يتحدّثان عن الرحلات الـمُقبِلة، واللذين يَقِفان احتراماً لأُمّ السيّد لدى وصولها.

 

«نحن كذلك جئنا نُمجِّد الربّ لجمال ما صَنَعَت يداه.»

 

«أُمّاه! هل رأيتِ البحر؟»

 

«آه! لقد رأيتُهُ. وقد كان آنذاك، رغم العاصفة، أقلّ اضطراباً مِن قلبي، وأقلّ ملوحة مِن دموعي، عندما كنتُ هارِبة، مِن جهة غزة، صوب البحر الأحمر، وطفلي على ذراعيَّ، خائفة مِن هيرودس الذي كان يُلاحِقني. ورأيتُهُ أثناء العودة. ربيع العودة إلى الوطن. وكان يسوع يُصفِّق بيديه الصغيرتين سعيداً برؤية أشياء جديدة... ويوسف وأنا كنّا سعيدين لأنّ صَلاح الربّ قد خَفَّفَ عَنّا قَسوة الـمَنفَى في مطاريا بألف طريقة.»

 

واستمرَّ نقاشهم، بينما لَم أَعُد أستطيع أن أرى وأسمَع.