ج8 - ف13
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثامن
13- (اليوم الأوّل في أفرايم)
08 / 01 / 1947
«السلام لكَ يا معلّم.» يقول بطرس ويعقوب بن زَبْدي اللذان يعودان إلى المنزل مُحمَّلين بأباريق مليئة بالماء.
«السلام لكما. مِن أين تأتيان؟»
«مِن السّيل. لقد جلبنا الماء، وسنجلب المزيد، للتنظيفات، بما أنّنا في فترة راحة… فليس عدلاً أن تتعب العجوز لأجلنا. إنّها هناك تُشعِل ناراً لتسخين الماء. إنّ أخي قد ذهب إلى الحرج ليجلب حطباً. بما إنّها لم تمطر منذ مدّة فسيشتعل مثل خلنج.» يشرح يعقوب بن زَبْدي.
«أجل. إنّما الأمر أنّه ورغم أنّ النهار لم يكد يطلع، فقد رأونا عند السّيل وفي الحرج. والتصوّر بأنّني قد ذهبتُ إلى السيل كي لا أذهب إلى النبع...» يقول بطرس.
«ولماذا، يا سمعان بن يونى؟»
«لأنّه عند النبع هناك دوماً أناس وكان بإمكانهم أن يتعرّفوا إلينا ويهرعوا إلى هنا...»
فيما هم يتحدّثون، يدخل ابنا حلفى ويهوذا الاسخريوطيّ وتوما إلى الممرّ الطويل الّذي يقسم المنزل. وهكذا هم كذلك يسمعون كلام بطرس الأخير وإجابة يسوع: «إنّ ما لم يكن ليحدث في الساعات الأولى مِن هذا اليوم، فهو حتماً سوف يحدث لاحقاً، غداً على أبعد تقدير، بما أنّنا باقون هنا...»
«هنا؟ لكن… كنتُ أظنُّ بأنّه كان مجرّد توقّف...» يقول عدد منهم.
«ليس مجرّد توقّف للاستراحة. إنّها الإقامة. لن نغادر مِن هنا إلّا للعودة إلى أورشليم مِن أجل الفصح.»
«آه! لقد ظننتُ أنّكَ، بتحدّثكَ عن بلد الذئاب والعقبان، كنتَ تقصد هذه المنطقة حيث كنتَ تريد المرور، كما كنتَ قد فعلتَ ذلك في مرّات أخرى، للذهاب إلى أماكن أخرى مِن دون سلوك الطرق الّتي يسلكها اليهود والفرّيسيّون...» يقول فيلبّس الّذي وصل للتوّ، ويقول آخرون: «أنا أيضاً ظننتُ ذلك.»
«لقد أسأتم الفهم. فليس هذا هو بلد الذئاب والعقبان، ولو أنّ جحور الذئاب الحقيقيّة هي على جباله. إنّما أنا لا أتكلّم عن الحيوانات...»
«آه! هذا قد فهمناه!» يصيح يهوذا الاسخريوطيّ ساخراً إلى حدّ ما: «بالنسبة لكَ أنتَ المدعو الحَمَل مِن الواضح أنّ الذئاب هم البشر، لسنا أغبياء تماماً.»
«لا. لستم أغبياء إن لم يكن فيما لا تريدون فهمه. أي ما يتعلّق بطبيعتي ورسالتي، والألم الّذي تسبّبونه لي بعدم العمل بجدّ لإعداد أنفسكم للمستقبل. إنّني أتحدّث لخيركم، وأُعَلّمكم بأفعالي وأقوالي. لكنّكم ترفضون كلّ ما يزعزع إنسانيّتكم بإعلان الآلام واستدعاء جهد منكم ضد أناكم. أَنصِتوا، قبل أن يوجد غرباء هنا. الآن سوف أقسمكم إلى مجموعتين مِن خمسة، وسوف تمضون بقيادة قائد لكلّ مجموعة إلى الأرياف المجاورة، كما في الأزمنة الأولى الّتي كنتُ أرسلكم فيها. تذكّروا كلّ ما قلتُه لكم آنذاك وضعوه موضع التطبيق. الاستثناء الوحيد هو أنّكم الآن تَعبرون معلنين اقتراب يوم الربّ حتّى للسامريّين، كي يكونوا مستعدّين عندما يحلّ، وتكون هدايتهم إلى الله الأحد أسهل بالنسبة لكم. كونوا مفعمين محبّة وفطنة، مجرّدين مِن الأحكام المسبقة. أنتم ترون، وسوف ترون أكثر، أنّ ما هو محرّم علينا في أمكنة أخرى هو مسموح هنا. لذلك كونوا طيّبين مع أولئك الّذين يدفعون، وهم أبرياء، ثمن خطايا آبائهم. سوف يكون بطرس قائداً ليوضاس بن حلفى، توما، فيلبّس ومتّى. يعقوب بن حلفى سوف يكون قائداً لأندراوس، برتلماوس، سمعان الغيور ويعقوب بن زَبْدي. يهوذا الاسخريوطيّ ويوحنّا يبقيان معي. الأمر سيكون هكذا مِن الغد. اليوم سوف نرتاح، مُنجِزين ما يعدّنا للأيّام المقبلة. السبت سوف نمضيه معاً. تصرّفوا بالتالي بحيث تكونون هنا قبل السبت، كي تعاودوا المغادرة بعد ذلك، حين يكون قد انقضى. سوف يكون يوم المحبّة فيما بيننا، بعد محبّة القريب في القطيع الخارج مِن الحظيرة الأبويّة. ليمضِ كلّ واحد إلى مهامّه.»
يبقى وحده ويمضي إلى غرفة في آخر الممرّ.
خطوات وأصوات تُسمَع في المنزل، رغم أنّ الجميع في الغرف ولا يُرى أحد ما عدا المرأة العجوز، الّتي تعبر الممرّ مرّات عدّة للذهاب إلى مشاغلها، والخبز هو حتماً أحدها، لأنّ هناك طحين على شعرها، واليدان مغطّاتان بالعجين.
يسوع يخرج بعد برهة ويصعد إلى شرفة المنزل. يسير هناك متأمّلاً وناظراً مِن وقت لآخر إلى ما يحيط به.
ينضمّ إليه بطرس ويهوذا الاسخريوطيّ، وهما، في الحقيقة، ليسا بغاية السرور، بالنسبة لبطرس ربّما لأنّ الانفصال عن يسوع أمر مؤسف، وبالنسبة للاسخريوطيّ ربّما لأنّه أمر مؤسف عدم استطاعته القيام بذلك، ولعدم تمكّنه مِن أن يكون محطّ الأنظار في المدن. حتماً هما بغاية الجدّيّة حين يصعدان الشرفة.
«تعاليا إلى هنا. أُنظرا كم المشهد جميل مِن هنا.» ويشير إلى الأفق المتنوّع في مظاهره. إلى الشمال الغربيّ جبال شاهقة، مُحرّجة، تمتدّ كعمود فقريّ مِن الشمال إلى الجنوب. أحدها، إلى ما وراء أفرايم، هو حقّاً عملاق أخضر يتجاوز الجبال الأخرى. إلى الشمال الشرقيّ وإلى الجنوب الشرقيّ تَموُّج تِلال أكثر لطافة. القرية هي في منخَفَض أخضر بخلفيّات بعيدة، وهو منبسط بين السلسلتين الأعلى والأخفض، اللتين تنحدران مِن وسط المنطقة نحو سهل الأردن. مِن خلال منفذ بين الجبال الأخفض، يمكن رؤية ذاك السهل الأخضر الّذي يقع الأردن الأزرق وراءه. لا بدّ أنّ هذا المكان هو رائع الجمال في قلب الربيع، أخضر وخصب تماماً. الكروم والبساتين تقطع الآن بلونها الداكن خُضرة حقول القمح، الّتي تُخرِج سوقها الطرية مِن الأثلام، والمراعي الّتي تغذّيها التربة الخصبة.
وإذا كان يوحنّا قد دعا الأراضي الواقعة إلى ما وراء أفرايم بالصحراء، فتلك إشارة إلى أنّ صحراء اليهوديّة كانت لطيفة جدّاً، أقلّه في هذه المنطقة، أو بالأحرى كانت صحراء فقط لأنّها خالية مِن القرى، كلّها أحراج ومراعٍ وسط سيول صغيرة بهيجة. إنّها مختلفة تماماً عن الأراضي القريبة مِن البحر الميت، الّتي يمكن أن تُدعى بحقّ "صحراء"، لأنّها قاحلة، خالية مِن النباتات، إذا ما تمّ استثناء تكتّلات النباتات الواطئة، الشائكة، الملتوية، المكسوّة ملحاً، وبعض النباتات الصحراويّة الّتي تَنبت بين الصخور والرمال المشبعة بالملح. إنّما هذه الصحراء اللطيفة، الموجودة في ما وراء أفرايم على مساحات واسعة، والمزيّنة بالكروم وأشجار الزيتون والبساتين، والّتي تبتسم فيها أشجار اللوز الآن للشمس، المتناثرة هنا وهناك بباقاتها البيضاء الوردية، على المنحدرات الّتي سوف تكسوها قريباً أكاليل زهور الكروم، الّتي تتفتّح منها أوراق جديدة.
«يبدو لي أنّني أكاد أكون في مدينتي.» يقول يهوذا.
«إنّها تشبه يافا كذلك، مع فارق أنّ السيل هناك هو في الأسفل، والمدينة في الأعلى. أمّا هنا، على العكس، فيبدو أنّ البلدة هي في حوض واسع والنهر في الوسط. إنّها بلدة غنية كرومها! لا بدّ أنّه أمر جميل جدّاً، وحسن جدّاً، لأصحابها، أن يمتلكوا هكذا أراضٍ.» يلاحظ بطرس.
«"لتكن أرضها مباركة من الربّ، بثمار السماء والندى، وبالينابيع الّتي تتفجّر مِن الهوّة، بالثمار التي تنمّيها الشمس والقمر، بثمار قمم جبالها العتيقة، بثمار تلالها الأبديّة، ونتاج قمحها الوفير"، قد قيل هذا. وعلى هذا القول مِن أسفار موسى الخمسة هم يبنون عنادهم المتكبّر بالاعتقاد بأنّهم أرفع منزلة. الأمر هو هكذا. حتّى كلمة الله وهبات الله، إذا ما وقعت في قلوب قد استولى عليها الكبرياء، تغدو سبب هلاك. لا بذاتها، إنّما بسبب الكبرياء الذي يُفسِد عصارتها الصالحة.» يقول يسوع.
«أجل. وهم، مِن يوسف البارّ، لم يحفظوا سوى حنق الثور وعنق وحيد القرن. [يهوذا، ردّاً على يسوع، يتابع الآية 17 من الفصل 33 من تثنية الاشتراع بحرّيّة، مُظهِراً ليسوع معرفته الجيّدة لهذا النص فيما يخصّ عشيرة يوسف وعشيرة أفرايم.] لا أحبّ البقاء هنا. لماذا لا تدعني أذهب مع الآخرين؟» يقول الاسخريوطيّ.
«ألا تحبّ البقاء معي؟» يَسأَل يسوع، الذي توقّف عن مراقبة المشهد والتفت لينظر إلى يهوذا.
«معكَ، نعم. إنّما ليس مع أهل أفرايم.»
«يا له مِن سبب وجيه! ونحن، إذن، الّذين سنمضي عبر السامرة، أو عبر المدن العشر -لأنّنا لا نستطيع أن نمضي إلّا عبر هذه المناطق في الوقت المحدّد بين سبت وسبت- أربّما نمضي بين قدّيسين؟» يقول بطرس وهو يلوم يهوذا، الّذي لا يجيب.
«بماذا يهمّكَ مَن هو قريبكَ إن كنتَ تُحسِن محبّة كلّ شيء مِن خلالي؟ أحِبَّني في القريب، وكلّ موضع سوف يكون سواء بالنسبة لكَ.» يقول يسوع بهدوء.
يهوذا لا يجيب يسوع أيضاً.
«والتفكير بأنّني يجب أن أذهب… أبقى هنا عن طيب خاطر، أنا! بالأخص… بالنسبة لما أُحسِن القيام به! اختر على الأقل فيلبّس أو أخاكَ رئيساً يا معلّم. أنا… طالما يتعلّق الأمر بقول: "لنفعل هذا، لنقصد هذا المكان، ما زلتُ أُحسِن ذلك. إنّما إن توجّب عليَّ أن أتكلّم!... فسوف أُفسِد كلّ شيء.»
«الطاعة ستجعلكَ تُحسِن فِعل كلّ شيء. وما ستفعله سوف يعجبني.»
«فإذن… إن كان ذلك يعجبكَ فهو يعجبني أنا كذلك. يكفيني أن أرضيكَ. إنّما هوذا! قد قلتُ ذلك! ها هي نصف المدينة تأتي… أُنظر! رئيس المعبد… الوجهاء... نساؤهم… الأطفال والشعب!...»
«لننزل لملاقاتهم.» يأمر يسوع، ويسرع بنزول الدرج، مُطلقاً نداءً للرُّسُل الآخرين كي يخرجوا معه مِن المنزل.
سكّان أفرايم يتقدّمون مع أعمق علامات الاحترام، وبعد التحيات الـمُتَّبعة، أحدهم، ربّما رئيس المعبد، يتكلّم باسم الجميع: مبارك العليّ لأجل هذا اليوم، ومبارك نبيّه الّذي أتى إلينا لأنّه يحبّ كلّ البشر باسم الله العليّ. لتكن مباركاً أيّها المعلّم والربّ، يا مَن تذكّرتَ قلوبنا وأقوالنا، وأتيتَ لترتاح بيننا. إنّنا نفتح لكَ قلوبنا ومنازلنا، سائلين كلمتكَ مِن أجل خلاصنا. مبارك هذا اليوم. لأنّ به كلّ مَن يُحسِن استقباله بروح مستقيم سوف يرى الصحراء تُثمر.»
«أحسنتَ القول يا ملاخي. فمن يُحسِن استقبال الآتي باسم الله بروح مستقيم سوف يرى صحراءه تُثمر، والأشجار الصلبة إنّما البرّيّة الّتي فيه ستغدو داجنة. أنا سأبقى بينكم، وأنتم ستأتون إليَّ. أصدقاء صالحين. وهؤلاء [الرُّسُل] سوف يحملون كلمتي لِمَن يُحسِنون تقبّلها.»
«ألن تُعَلّمنا أنتَ يا معلّم؟» يَسأَل ملاخي خائباً بعض الشيء.
«لقد جئتُ إلى هنا كي أختلي وأصلّي. كي أعدّ نفسي للأمور العظيمة الآتية. هل يزعجكم أنّني اخترتُ منطقتكم لاستراحتي؟»
«آه! لا. إنّ رؤيتكَ تصلّي وحدها ستجعلنا حكماء. شكراً لاختياركَ لنا لأجل هذا. نحن لن نعكّر صلواتكَ، ولن نسمح بأن يعكّرها أعداؤكَ. لأنّنا نعلم بالفعل ما حدث وما يحدث في اليهوديّة. سوف نُحسِن المراقبة. وسوف نسعد بواحدة مِن كلماتكَ عندما يكون سهلاً عليكَ إعطاؤها. تقبّل، في غضون ذلك، هِبات الضيافة.»
«أنا يسوع ولا أصدّ أحداً. لذلك أقبل ما تقدّمونه لي كي أبيّن لكم أنّني لا أصدّكم. إنّما إن أردتم أن تحبّوني، فمن الآن فصاعداً أعطوا ما ستعطونني إيّاه لفقراء القرية أو عابري السبيل. فأنا لا أحتاج إلّا للسلام والمحبّة.»
«إنّنا نعلم ذلك. نعلم كلّ شيء. ونبغي منحكَ ما تحتاج إليه، إلى حدّ جَعْلِكَ تصيح: "الأرض الّتي كان يجب أن تكون لي مِصْر، أي الألم، قد كانت لي، كما كانت ليوسف بن يعقوب، أرض سلام ومجد".»
«إذا ما أحببتموني، قابلين كلمتي، فهكذا سأتحدّث.»
«يُسلّم السكّان هباتهم للرُّسُل وينسحبون، ما عدا ملاخي واثنين آخرَين، يتحدّثون بصوت خافت مع يسوع. والأطفال يبقون كذلك، مأخوذين بالسحر المعتاد الّذي يمارسه يسوع على الأطفال، يبقون، غير سامعين أصوات أُمّهاتهم اللواتي ينادينهم، ولا يذهبون طالما لم يداعبهم يسوع ويباركهم. حينئذ، يطيرون مبتعدين، مزقزقين مثل طيور سنونو، يتبعهم الرجال الثلاثة.