ج6 - ف98

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السادس/ القسم الأول

 

98- (السبت في بيت يوسف الذي مِن الرّامة. يوحنّا السنهدرينيّ)

 

02 / 04 / 1946

 

يوسف الذي مِن الرّامة يأخذ قسطاً مِن الراحة في غرفة شبه مظلمة، ذلك أنّ الستائر كلّها مُسدَلَة للحماية مِن الشمس. صمت مطبق يهيمن على البيت كلّه. ينام يوسف على مقعد منخفض مغطّى بحصيرة... يَدخُل أحد الخُدّام متوجّهاً إلى معلّمه الذي يلمسه ليوقظه. يفتح يوسف عينيه وهو لا يزال نعساً وينظر إلى خادمه نظرة استفسار.

 

«يا معلّم، جاء صديقكَ يوحنّا...»

 

«صديقي يوحنّا؟ كيف هو هنا والسبت لم ينتهِ بعد؟» يستيقظ يوسف على وقع مفاجأة زيارة أحد أعضاء السنهدرين في يوم سبت، ويأمر: «أَدخِله في الحال.»

 

يَخرُج الخادم، وبينما هو ينتظر، يروح يوسف ويجيء مشغول البال، في الغرفة شبه المظلمة والباردة…

 

«ليكن الله معكَ، يا يوسف!» يقول يوحنّا السنهدرينيّ، الذي رأيناه في الوليمة الأولى التي أقيمت مِن أجل يسوع في الرّامة، وكذلك في بيت لعازر في الفصح الأخير، المتميّز على الدوام، إن لم يكن كتلميذ، على الأقلّ كإنسان لا يحمل حقداً تجاه يسوع.

 

«ومعكَ، يا يوحنّا! ولكن...لمعرفتي بكَ بارّاً، أُدهَش لرؤيتكَ قبل الغسق...»

 

«حقّاً. لقد نقضتُ شريعة السبت. ولقد خطئتُ، وكنتُ أعلم أنّي أُخطئ. فخطيئتي إذاً عظيمة... والأضحية التي سأقدّمها لأحظى بالغفران ستكون كبيرة. ولكنّ الدّافع إلى هذه الخطيئة أعظم... يهوه العادل سيرحم خادمه الخاطئ، بسبب الدافع الكبير الذي دفعني إلى الخطأ...»

 

«لم تكن لتتكلّم هكذا سابقاً. بالنسبة لكَ كان تعالى فقط الصارم، والمتصلّب. وكنتَ كاملاً لأنّكَ كنتَ تخشاه كإله لا يرحم...»

 

«آه! كاملاً!... يا يوسف، لم أعترف لكَ مطلقاً بأخطائي السرّيّة... ولكن، حقّاً، كنتُ أعتبر أنّ الله لا يرحم، كالكثيرين في إسرائيل. لقد تعلّمنا أن نؤمن به هكذا: إله الانتقام...»

 

«ولقد استمرّيتَ في هذا الاعتقاد حتّى بعد أن جاء الرابّي ليُعرِّف شعبه على وجه الله الحقيقيّ، على قلبه الحقيقيّ... وجه وقلب أب...»

 

«صحيح. صحيح. ولكن... تذكر أنّني مُذ رأيتُه لأوّل مرّة في الوليمة التي أقيمت في بيتكَ، أضحى لديَّ احترام، إن لم يكن حبّاً للرابّي.»

 

«صحيح... ولكن للخير الذي أريده لكَ، أودُّ لو تتوصّل إلى محبّته. فقليل هو الاحترام...»

 

«أنتَ تحبّه، أليس كذلك يا يوسف؟»

 

«نعم. وأقولها لكَ رغم علمي بأنّ أمراء الكَهَنَة يكرهون الذين يحبّون الرابّي. ولكنّكَ لستَ قادراً على أن تكون واشياً...»

 

«لا. لستُ أهلاً لذلك... أودُّ أن أكون مثلكَ. ولكن هل لي أن أتوصّل إلى ذلك؟»

 

«سأصلّي لكي تتوصّل. وهذا يكون خلاصكَ الأبديّ، يا صديقي...»

 

صمت مليء بالتأمّل…

 

ثمّ يَسأَل يوسف: «قلتَ لي إنّ باعثاً كبيراً دَفَعَكَ إلى نقض السبت. فما هو؟ هل يمكنني سؤالكَ عنه دون كثير فضول؟ أظنّكَ أتيتَ لتَلَقّي العون مِن صديقكَ... ولمساعدتكَ لا بدّ لي أن أعرف...»

 

يُمرّر يوحنّا يده على الجبهة العريضة، المجرّدة قليلاً لرجل ناضج، يفرك جبينه، يداعب شعره الذي بدأ يشيب بشكل آليّ، ولحيته الكثيفة والمربّعة... ثمّ يرفع رأسه ويُمعِن النَّظَر في يوسف قائلاً: «نعم، باعث كبير  وباعث مؤلم. و... وأمل كبير...»

 

«أيّها؟»

 

«يا يوسف، أتصدّق أن بيتي جحيماً، وقريباً لن يعود بيتاً، بل... بل خراباً، ضائعاً، مهدّماً ومنتهياً؟»

 

«ماذا؟ ما الذي تقوله؟ أتهذي؟»

 

«لا، لستُ أهذي. زوجتي تريد الرحيل... هل يدهشكَ هذا؟»

 

«...نعم... لأنّني... عرفتُها صالحة على الدوام و... لأنّ عائلتكَ كانت تبدو لي مثاليّة... أنتَ، كلّكَ طِيبة... وهي، كلّها فضيلة...»

 

يَجلس يوحنّا واضعاً رأسه بين يديه…

 

يتابع يوسف: «الآن... هذا... هذا القرار... أنا... هاك... لا يمكنني الوثوق أنّها قَصَّرَت... أو أنّكَ قَصّرتَ... وثقتي بها أكبر... هي التي لا تعرف سوى بيتها وأولادها... لا!... لا يمكن أن يكون الخطأ منها!...»

 

«هل أنتَ على ثقة مِن ذلك؟ أكيد حقّاً؟»

 

«آه! يا صديقي المسكين! ليس لي عين الله، ولكن على قدر استطاعتي بالحكم، أُقدِّر الأمر هكذا...»

 

«ألا تفكّر أنّ حنّة.. غير وفيّة...؟»

 

«حنّة؟ ولكن، يا صديقي! هل جَعَلَتكَ شمس الصيف تفقد عقلكَ؟ غير وفيّة مع مَن؟ هي لا تخرج مطلقاً مِن البيت، هي تُفضّل الريف على المدينة. تعمل كالأولى بين الخادمات، هي متواضعة، محتشمة، مُجدّة، عطوفة تجاهكَ وتجاه الأولاد. المرأة اللّعوب لا تحبّ كلّ هذا. ثق تماماً. آه! يا يوحنّا، ولكن علامَ تبني شكوككَ؟ منذ متى؟»

 

«على الدوام.»

 

«على الدوام؟ ولكن إذن، هذا مرض!...»

 

«نعم. و... يا يوسف، أنا لديَّ أخطاء كثيرة. ولكنّي لا أريد أن أبوح بها لكَ وحدكَ. أمس الأوّل، مَرَّ إلى بيتي بعض التلاميذ والفقراء. كانوا يقولون إنّ الرابّي كان أتياً إلى بيتكَ. وأمس... أمس كان يوماً عاصفاً بشدّة بالنسبة إلى بيتي... حتّى إنّ حنّة أَخَذَت القرار الذي ذَكَرتُ... أثناء الليل، وأيّ ليل، فكَّرتُ كثيراً... ووصلتُ إلى نتيجة أنّه هو وحده، الرابّي الكامل...»

 

«الإلهيّ، يا يوحنّا، الإلهيّ!»

 

«...كما تريد... إنّه هو وحده بإمكانه شفائي وإصلاح... إعادة بناء بيتي، وإعادة حنّة إليَّ... وأولادي... كلّ شيء...» الرجل يبكي، ووسط دموعه، يُكمِل: «لأنّه هو وحده يرى ويقول الحقيقة... وسأثق به... يا يوسف، صديقي، دعني أمكث هنا أنتظره...»

 

«المعلّم هنا. وسيمضي بعد الغسق. سوف آتي به إليكَ.» ويَخرج يوسف…

 

بضعة دقائق انتظار، ثمّ مِن جديد يُزاح السّتار ليمرّ يسوع... ينهض يوحنّا، ثمّ ينحني في تحيّة احترام.

 

«السلام لكَ، يا يوحنّا. ما الذي جعلكَ تطلبني؟»

 

«لكي تساعدني على الرؤية... ولكي تنقذني. أنا تعيس جدّاً. لقد خطئتُ تجاه الله وتجاه جسدي التوأم. ومِن خطيئة إلى خطيئة وصلتُ إلى نقض شريعة السبت. اغفر لي، يا معلّم.»

 

«شريعة السبت! الشريعة العظيمة والمقدّسة! وبعيدة عنّي فِكرة الحكم عليها بقلّة الأهمّيّة وانتهاء صلاحيّتها. ولكن لماذا تضعها قبل الوصيّة الأولى؟ وماذا؟ أتطلب الغفران لنقض السبت ولا تطلبه للتقصير في الحبّ وتعذيب بريئة، وجعل نَفْس زوجتكَ تصل حدّ اليأس وعتبة الخطيئة؟ ولكن كان عليكَ أن تغتمّ لهذا أكثر مِن أيّ شيء آخر! لافترائكَ عليها...»

 

«ربّي، لم أتحدّث في هذا سوى مع يوسف، منذ لحظة، ولم أقله لأحد، ثق بذلك. كنتُ أحتفظ بألمي بالخفاء لدرجة أنّ يوسف، صديقي الطيّب، لم يلحظ شيئاً، وقد ذُهِل مِن ذلك. الآن، حَدَّثَكَ هو عنه، ولكن لكي تأتي لمساعدتي. ولن يتكلّم يوسف مع أيّ إنسان آخر.»

 

«لم يتكلّم معي، قال لي فقط إنّكَ كنتَ تطلبني.»

 

«آه! إذن كيف لكَ أن تعلم؟»

 

«كيف لي أن أعلم؟ كما يعلم الله خفايا القلوب. هل تريد أن أقول لكَ وَضع قلبكَ؟»…

 

يوسف على وشك الانسحاب بتحفّظ، ولكنّ يوحنّا نفسه يوقفه قائلاً: «آه! ابقَ! أنتَ لي الصديق! ويمكنكَ مساعدتي لدى الرابّي، أنتَ عرّاب عرسي!...» ويعود يوسف.

 

«هل تريد أن أقول لكَ ذلك؟ هل تريد أن أساعدكَ على أن تعرف ذاتكَ؟ آه! لا تخف! لا يد قاسية لي. أجيد اكتشاف الجراح، ولكنّي لا أجعلها تنـزف لأعالجها. أعرف أن أدرك وأن أكون حليماً. وأعلم كيف أداوي وأشفي، وتكفي إرادة الشفاء. وأنتَ لديكَ هذه الإرادة، لذلك طَلَبتَني. اجلس هنا إلى جانبي، بيننا يوسف وأنا. لقد كان عرّاب عرسكَ الأرضيّ، وأريد أن أكون أنا عرّاب عرسكَ الروحيّ... آه! إذا أردتَ ذلك!... هكذا! والآن اسمع جيّداً، وأَجِب على كلّ شيء بصراحة. أنتَ، ماذا تظنّ بفعل الله في خلق الرجل والمرأة لكي يكونا واحداً؟ هل هو فِعل حسن أم فِعل قبيح؟»

 

«حَسَن، يا ربّ، ككلّ الأشياء التي صَنَعَها الله.»

 

«بالصواب أجبتَ. الآن، قل لي: إذا كان الفِعل حسناً فما كان ينبغي أن تكون نتائجه؟»

 

«حَسَنة مثله، يا ربّ. وقد كانت حسنة رغم دخول الشيطان على الخطّ لتعكيرها، ذلك أنّ آدم قد تلقّى تشجيعاً مِن حوّاء على الدوام، وكذلك حوّاء مِن آدم، حتّى إنّ هذا التشجيع كان ملموساً أكثر عندما أصبحا وحيدَين، منفيّيَن على الأرض، وأصبح الواحد منهما سنداً للآخر. وحسنة هي النتائج المادّيّة، أي الأولاد الذين بهم تكاثر الإنسان، ومن خلالهم سطعت قدرة الله وصلاحه.»

 

«لماذا؟ أيّة قدرة وأيّ صلاح؟»

 

«ولكن... تلك التي تتحقّق لصالح البشر. إذا ما نظرنا إلى الوراء... نعم... هناك عقوبات عادلة ولكن هناك، وهي أكثر، صلاحات... والميثاق المبرم مع إبراهيم صلاح لا متناه هو، ثمّ تكرّر مع يعقوب، وثمّ، وثمّ... هو يتكرّر حتّى اليوم، ويتكرّر بأفواه لا تعرف الكذب: الأنبياء... حتّى يوحنّا...»

 

«وبفم الرابّي، يا يوحنّا.» يُقاطِعه يوسف.

 

«هذا ليس فم نبيّ... وليس فم معلّم... إنّه... أكثر مِن ذلك.»

 

بالكاد ترتسم ابتسامة على فم يسوع أمام... إقرار إيمان ما يزال مُضمَراً لعضو السنهدرين الذي لا يتوصّل إلى القول: «إنّه فم إلهيّ» ولكنّه يفكّر بذلك.

 

«إذن فقد أَحسَنَ الله صُنعاً بزواج المرأة والرجل. هذا ما قيل. ولكن كيف يريد أن يكون الرجل والمرأة؟» يَسأَل يسوع.

 

«جسداً واحداً.»

 

«حسناً. إذن هل يمكن للجسد أن يبغض ذاته؟»

 

«لا.»

 

«هل يمكن أن ينفصل عضو عن آخر؟»

 

«لا. فقط غنغرينة أو برص أو مصيبة يمكنها فصل أحد الأعضاء عن باقي الجسد.»

 

«حسناً جدّاً. بالنتيجة أأمر واحد فقط مؤلم أو سيّئ يمكنه فصل ما كان، بمشيئة الله، وحدة ليس إلاّ؟»

 

«هو هكذا، يا معلّم.»

 

«وإذن، لماذا أنتَ، المقتنع بهذه الأمور، لا تحبّ جسدكَ، ولماذا تكرهه لدرجة خلق غنغرينة بين العضو والعضو الآخر، بسببها العضو المقهور، العضو الأضعف ينفصل ويترككَ وحيداً؟»

 

يَخفض يوحنّا رأسه بصمت وهو يعضّ أهداب ثوبه.

 

«سوف أقول لكَ لماذا. ذلك أنّ الشيطان، الـمُشوِّش على الدوام، قد دَخَلَ بينكَ وبين زوجتكَ. أو بالأحرى: لقد دخل فيكَ مع حُبّ مختلّ لزوجتكَ، الحبّ، عندما يكون مختلاًّ، يُصبح كرهاً، يا يوحنّا. لقد عمل الشيطان على مشاعركَ الذكوريّة ليصل إلى جعلكَ تُخطئ. مِن هنا بَدَأَت خطيئتكَ. باختلال أنتج أكثر فأكثر اختلالات جديدة وجسيمة. لم تَرَ في زوجتكَ فقط الرفيقة الصالحة وأُمّ أبنائكَ، إنّما كذلك وسيلة متعة، وهذا ما جَعَلَ عينيكَ كعينيّ الثور الذي يرى كلّ شيء مضطرباً. رأيتَ كما كنتَ ترى. هكذا نظرتَ إلى زوجتكَ. وسيلة متعة لكَ، وقد حَكَمتَ أنّها كذلك بالنسبة إلى الآخرين، ومِن هنا كانت غيرتكَ المحمومة، خوفكَ بغير مبرّر، استبدادكَ الآثم الذي جعل منها امرأة مذعورة، سجينة، معذّبة ومفترى عليها. وماذا يهمّ إن لم تضربها بالعصا، وإن لم تتّهمها علناً؟ ولكنّ ظنّكَ عصا! وشكّكَ افتراء! تفتري عليها عندما تفكّر بأنّها قادرة على خيانتكَ. ماذا يهمّ إن كنتَ تعاملها كما تفرض عليكَ طبقتها الاجتماعيّة؟ ولكنّها بالنسبة إليكَ أسوأ مِن عبد في داخل بيتكَ، بسبب فجوركَ الحيوانيّ الذي يجتاحها أكثر مِن أيّ شيء، الذي احتَمَلَته دائماً بصمت وطواعية، متأمّلة تهدئتكَ، إقناعكَ، جعلكَ طيّباً، ممّا لم ينفع إلاّ في إثارتكَ أكثر فأكثر، لدرجة جَعْل بيتكَ جحيماً تُزمجِر فيه شياطين الفجور والغيرة. الغيرة! ولكن ما الذي تريده أن يكون أكثر افتراء على المرأة مِن الغيرة؟ وأيّ شيء يشير بأكثر وضوحاً على حالة القلب الحقيقيّة مِن الغيرة؟ ثِق تماماً بأنّه حيث تعشّش، بغباء، باللامعقول، مجرّدة مِن الأُسس، شائنة ومتعنّتة، لا، لا حبّ للقريب ولا لله له وجود، بل للأنانيّة. عليكَ أن تقلق مِن هذا، وليس مِن نهاية السبت الـمُنتَهَكَة! ولكي يُغفَر لكَ، عليكَ أن تعالج الخراب الذي تسبَّبتَ به…

 

«ومع ذلك فحنّة تريد الذهاب... تعال وأَقنِعها، أنتَ... فأنتَ فقط، لدى سماعها وهي تتكلّم، يمكنكَ الحكم إذا ما كانت حقيقة بريئة و...»

 

«يوحنّا!! أتريد الشفاء ولا تريد الوثوق بما أقوله لكَ؟»

 

«محقّ أنتَ، يا ربّ، غَيّر قلبي. صحيح: ليس لديَّ باعث لقلق ذي أساس. ولكنّني أحبّها كثيراً... بشهوانيّة، صحيح... أصبتَ برؤيتكَ... وهذا كلّه يُسبّب لي الريبة...»

 

«ادخل في النور، اخرج مِن حمّى الأحاسيس المتأجّجة البشعة. هذا سيكلّفكَ في البداية... ولكنّ كلفتكَ تكون أكبر بخسارة زوجة صالحة وبلوغكَ جهنّم لتأدية حساب خطيئة غياب الحبّ والافتراء والزنى، وخطيئتها، ذلك أنّني أذكّركَ أنّ مَن يدفع امرأة إلى الطلاق يضع نفسه ويضعها على طريق الزنى. إذا عرفتَ الصمود لشهر قمريّ واحد، على الأقلّ، في وجه شيطانكَ، أعدكَ، أنا، أنّ كابوسكَ سينتهي. هل تعدني بذلك؟»

 

«آه! يا ربّ! يا ربّ! أودُّ... ولكنّ هذا نار... أَطفِئها لي، أنتَ، أنتَ القادر!...» وينـزلق السنهدرينيّ يوحنّا على ركبتيه أمام يسوع ويبكي ورأسه بين يديه على الأرض.

 

«سوف أخمدها لكَ، أن أحصرها. سوف أُفرمِل هذا الشيطان وأضع له الحدود. ولكنّكَ أخطأت كثيراً، يا يوحنّا، وعليكَ أن تعمل بنفسكَ للارتقاء. الذين هديتُهم أتوا إليَّ بإرادة كاملة لأن يتجدّدوا ويتحرّروا... وكانوا قد عملوا، بقدرتهم الخاصّة، على بداية فدائهم. هكذا كان متّى، وهكذا كانت مريم أخت لعازر وآخرون أيضاً. أنتَ قد أتيتَ إلى هنا لتعرف فقط إذا ما كانت مُذنِبة، ولكي أساعدكَ على عدم إضاعة المنبع الذي كانت متعتكَ ترتوي منه. سوف أحاصر قدرة شيطانكَ، ليس خلال شهر قمري، بل خلال ثلاثة أشهر. في خلال هذا الزمن، تأمّل وارتفع. ضع نصب عينيكَ أن تسلك حياة زوج جديدة، حياة رجل يتمتّع بالنَّفْس، وليس حياة بهيمة عشتَها حتّى الآن. وتقوَّ بالصلاة والتأمّل، وبالسلام الذي أمنحكَ إيّاه لثلاثة أشهر، اعرف أن تصارع وتغزو الحياة الأبديّة وتعود لتستحوذ على حبّ وسلام زوجتكَ وبيتكَ. اذهب!»

 

«ولكن ما الذي سأقوله لحنّة؟ قد أجدها الآن جاهزة للرحيل... أيّ كلام بعد سنوات كثيرة مِن... الإساءات، لإقناعها بأنّني أحبّها وأنّني لا أريد فقدانها؟ تعال، أنتَ...»

 

«لا أستطيع. ولكنّ الأمر سهل للغاية... كُن متواضعاً. خذها جانباً وبُح لها بألمكَ. قُل لها إنّكَ أتيتَ إليَّ لأنّكَ تريد أن يَغفر لكَ الله. وقُل لها أن تسامحكَ، لأنّ غفران الله يُمنَح لكَ فقط إذا ما هي طَلَبَته لكَ وسامَحَتكَ أوّلاً... آه! بئساً لكَ! أيّ خير وأيّ سلام فقدتَ بالحمّى التي أُصِبتَ بها! أيّ شرّ تخلقه عدم انضباطيّة الأحاسيس، وفوضى العواطف! هيّا، انهض، وامضِ بسكون. ولكن ألا تُدرك أنّها، لكونها صالحة ووفيّة، ممزَّقة أكثر منكَ لمجرّد فكرة ترككَ، وأنّها في انتظار كلمة منكَ لتقول لكَ: "لقد سامَحتُكَ على كلّ شيء"؟ هيّا امضِ. لقد اكتمل الغسق. إنّك بالتالي لا ترتكب خطيئة بالعودة إلى البيت... ولأنّكَ ارتكبتَ خطيئة للمجيء إلى مخلّصكَ، فمخلّصكَ يَغفر لكَ. اذهب بسلام ولا تعد تخطئ.»

 

«آه! يا معلّم! يا معلّم... لستُ أستحقّ هذا الكلام!... يا معلّم... أودُّ أن أحبّكَ!...»

 

«نعم، نعم. امضِ. لا تتأخّر. وتذكّر هذه الآونة حتّى الساعة التي سأكون فيها البريء المفترى عليه.»

 

«ما الذي تريد قوله؟»

 

«لا شيء. امضِ. وداعاً.» وينسحب يسوع تاركاً عضويّ السنهدرين متأثّرَين ومتّقدَين بالحكم عليه قدّيساً وحكيماً بحقّ كما يمكن لله وحده أن يكون.