ج8 - ف18

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثامن

 

18- (وصول أقارب الأطفال الثلاثة مِن شكيم [نابلس])

 

18 / 01 / 1947

 

يسوع وحده على الجزيرة وسط السيل. عند الضفة، إلى ما وراء السيل، يلعب الأطفال الثلاثة ويتهامسون بهدوء كما كي لا يعكّروا صفو تأمّل يسوع. أحياناً يُطلق الأصغر سنّاً صيحات فرح لاكتشافه حصاة صغيرة جميلة اللون، أو زهرة نبتت حديثاً، الآخران يُسكتانه قائلَين: «أُصمت! يسوع يصلّي...» ويُستأنَف الهمس فيما الأيدي السمراء الصغيرة تبني بالرمل كُتلاً ومخروطات مِن المفترض أن تكون بيوتاً وجبالاً وفقاً لمخيّلتهم الطفوليّة.

 

الشمس تسطع في الأعلى، نافخةً أكثر فأكثر البراعم على الأشجار، وفاتحة الأزرار في المروج. الأوراق الخضراء الرماديّة لشجرة الحور تهتزّ، والطيور، هناك عند قمّتها، تتناوش بمحبّة وتَنافُس، مناوشات تنتهي تارّة بتغريد، وتارة بصيحة ألم.

 

يسوع يصلّي. إنّه جالس على العشب، وباقة أَسَل (نبات تُصنع منه السلال والأطباق) تفصله عن المَسلَك المؤدّي للضفّة، مستغرقاً في صلاته الذهنيّة. يرفع نظره مِن حين لآخر ليراقب الصغار الّذين يلعبون على العشب، ثمّ يخفضه مجدّداً للاستغراق في أفكاره.

 

صوت خطوات بين أشجار الضفّة، والوصول المفاجئ ليوحنّا إلى الجزيرة الصغيرة، يتسبّبان بهرب الطيور، الّتي تفرّ بعيداً عن قمّة شجرة الحور، مُنهيةً مناوشاتها بصيحات فَزِعة.

 

يوحنّا لا يرى يسوع في الحال، إذ يخفيه الأَسَل، فيصيح وقد ذُهِل: «أين أنتَ يا معلّم؟»

 

ينهض يسوع، فيما الأطفال الثلاثة يصيحون مِن الضفّة المقابلة: «هو هناك! وراء الأعشاب العالية.»

 

لكنّ يوحنّا كان قد رأى يسوع، ويمضي نحوه قائلاً: «يا معلّم، الأقارب قد أتوا. أقارب الأطفال. ومع كثيرين مِن أهل شكيم [نابلس]. لقد ذهبوا إلى عند ملاخي. وملاخي قادهم إلى المنزل. أنا أتيتُ لأبحث عنكَ.»

 

«وأين هو يهوذا؟»

 

«لا أعلم يا معلّم. لقد خرج فوراً بعد أن أتيتَ إلى هنا ولم يعد بعد. لا بدّ أنّه في المدينة. أتريدني أن أبحث عنه؟»

 

«لا، ذلك ليس ضروريّاً. ابقَ هنا مع الأطفال. أريد أوّلاً أن أتحدّث إلى الأقارب.»

 

«كما تشاء يا معلّم.»

 

يسوع يمضي، ويوحنّا ينضمّ إلى الأطفال، ويشرع بمساعدتهم في مشروعهم الكبير لإقامة جسر على نهر وهميّ مصنوع مِن أوراق قصب طويلة موضوعة على الأرض لتقوم مقام الماء…

 

يسوع يدخل إلى منزل مريم الّتي ليعقوب الّتي هي عند الباب تنتظره، وتقول له: «لقد صعدوا إلى الشرفة. لقد قدتُهم إلى هناك عارضةً عليهم أن يرتاحوا. إنّما ها هو يهوذا يهرع مِن البلدة. سوف أنتظره ومِن ثمّ سوف أُعِدّ ما يجدّد قوى المسافرين المتعبين جدّاً.»

 

كذلك يسوع ينتظر يهوذا في الممرّ المعتم قليلاً مقارنةً بالنور الخارجيّ. يهوذا لا يرى يسوع في الحال، ويقول للمرأة بعنجهيّة وهو يدخل: «أين هم أهل شكيم [نابلس]؟ هل رحلوا يا ترى؟ والمعلّم؟ ألا يناديه أحد؟ يوحنّا...» يرى يسوع ويغيّر لهجته قائلاً: «يا معلّم! لقد هرعتُ حين علمتُ، بمحض الصدفة… أكنتَ في المنزل؟»

 

«يوحنّا كان هنا، وبحث عنّي.»

 

«أنا… كنتُ لأبقى أنا أيضاً. إنّما قد دعاني البعض عند النبع كي أشرح لهم بعض الأمور...»

 

يسوع لا يردّ بشيء. لا يفتح فاه إلّا كي يحيّي الّذين ينتظرونه، الجالسين في قسم منهم على جدران الشرفة الواطئة، وقسم في الغرفة الّتي تُفضي إليها، والّذين إذ رأوه، ينهضون تكريماً له.

 

يسوع، بعد تحيّة جماعيّة، يحيّيهم بأسمائهم، وسط الاندهاش الفَرِح لهؤلاء الّذين يقولون: «ألا تزال تذكر أسماءنا؟» لا بدّ أنّهم مِن سكّان شكيم [نابلس].

 

ويسوع يجيب: «أسماءكم، وجوهكم، ونفوسكم. أرافقتم أقارب الأطفال؟ هل هم هؤلاء؟»

 

«إنّهم هم. لقد أتوا كي يأخذوهم، ونحن قد انضممنا إليهم كي نشكركَ على رأفتكَ تجاه هؤلاء الصغار الّذين هم لامرأة مِن السامرة. أنتَ وحدكَ تُحسِن فِعل هذه الأمور!... إنّكَ دوماً القدّوس الّذي لا يقوم إلّا بأعمال مقدّسة. نحن أيضاً نتذكّركَ دوماً. والآن، وقد عَلِمنا أنّكَ كنتَ هنا، فقد أتينا. كي نراكَ ونقول لكَ إننّا ممتنّون لكَ لاختياركَ لنا كملاذ لكَ، ولأنّكَ أحببتَنا بأبناء دمنا. إنّما الآن استمع للأقرباء.»

 

يسوع، يتبعه يهوذا، يتوجّه نحوهم ويحيّيهم مجدّداً، داعياً إيّاهم للكلام.

 

«نحن، لا أعلم إن كنتَ تعلم ذلك، نحن إخوة أُمّ الأطفال، وكنّا غاضبين جدّاً منها، لأنّها على نحو أحمق، وضدّ نصائحنا، قد أرادت هذا الزواج التّعيس. فأبونا كان ضعيفاً تجاه الفتاة الوحيدة مِن ذرّيته كثيرة العدد، لدرجة أنّنا كنّا غاضبين منه أيضاً، ولسنوات عديدة لم نُكلّم ولم نرَ بعضنا. ثمّ، ولعلمنا أنّ يد الله كانت تُثقِل على المرأة، وأنّ الشقاء قد خَيَّم على منزلها، حيث إنّ قِراناً دَنِساً يفتقر لحماية البركة الإلهيّة، فقد أعدنا والدنا العجوز إلى منزلنا، كي لا تزداد آلامه الّتي يسبّبه الشقاء الّذي كانت تكابده المرأة. ومِن ثمّ هي ماتت. ونحن علمنا بذلك. وأنتَ كنتَ قد مررتَ مؤخّراً وعنكَ تمّ الحديث وسطنا… ونحن، متغلّبين على سخطنا، قد عرضنا على الرجل، بواسطة هذا وهذا (اثنين مِن شكيم [نابلس])، أن نستردّ الأطفال. فقد كانوا، بنصفهم، مِن دمنا. وقال بأنّه يفضّلهم جميعهم أمواتاً ميتة شنيعةً على أن يعيشوا مِن خبزنا. فلا حصلنا على الأطفال ولا حتّى على جثمان أختنا، كي يُدفَن بحسب طقوسنا! وعندها أقسمنا على كراهيّته وذرّيته. والكراهيّة ضربته كما لعنة، لدرجة أنّه بعدما كان حرّاً قد صار خادماً، ومِن خادمٍ… إلى جيفة، ميّت مثل ابن آوى في وكر نَتِن. إنّنا ما كنّا لنعلم بذلك أبداً، فمنذ وقت طويل كلّ شيء كان قد مات بيننا. وقد خفنا خوفاً عظيماً، وهذا فقط كان عندما، منذ حوالي ثماني ليالي مضت، رأينا أولئك اللصوص يظهرون في فناء منزلنا. ومِن ثمّ، وقد علمنا سبب ظهورهم، فإنّ السخط، أكثر مِن الألم، قد عضّنا مثل سمّ، وسارعنا بصرف أولئك اللصوص، مقدّمين لهم مكافأة جيّدة لكسب صداقتهم، وقد دُهِشنا لسماعهم يقولون بأنّهم قد نالوا أجرهم بالفعل وأنّهم لا يريدون شيئاً آخر.»

 

يهوذا يكسر فجأة الصمت المتنبّه للجميع بقهقهة ساخرة، ويصيح: «اهتداؤهم! كامل! حقّاً!»

 

يسوع ينظر إليه بصرامة، والآخرون ينظرون إليه باندهاش، والّذي يتكلّم يتابع: «وماذا كان يمكنني أن أتوقّع منهم أكثر مِن ذلك؟ ألم يكن كثيراً بالفعل مجيئهم مصطحبين الراعي الصغير، وتحدّيهم للمخاطر دون أخذ مكافأة؟ إنّ حياةً شقيّة تستلزم طريقة لجعلها شقيّةً. حتماً لم تكن غنيمةً ثمينة تلك الّتي غنموها مِن ذاك الأحمق، الميت كأنّه متشرّد! لم تكن هامّة! لقد كانت بالكاد كافية لهم هم الّذين كان عليهم أن يتوقّفوا عن السرقة لعشرة أيّام على الأقلّ.  واستقامتهم قد أدهشتنا كثيراً، كثيراً لدرجة أنّنا سألناهم عن الصوت الّذي كان قد كلّمهم غارساً فيهم هذه الرأفة. وهكذا عَلِمنا أنّ رابّياً كان قد كلّمهم… رابّياً! ما كان ليكون إلّا أنتَ. بالفعل ما مِن رابّي آخر مِن إسرائيل كان يمكنه فِعل ما فعلتَه أنتَ. وما إن غادروا حتّى استفسرنا أكثر مِن الراعي الصغير الخائف، وعرفنا الأمور على نحو أدقّ. ففي البداية علمنا فقط أنّ زوج شقيقتنا قد مات، وأنّ الأطفال كانوا في أفرايم بصحبة بارّ، ومِن ثمّ أنّ هذا البار، الّذي كان رابّياً، قد كلّمهم، وفكّرنا حالاً بأنّه كان أنتَ. وبدخولنا فجراً إلى شكيم [نابلس]، تشاورنا مع هؤلاء، لأنّنا لم نكن قد قرّرنا بعد إن كنّا سنستضيف الأطفال. لكنّ هؤلاء قالوا لنا: "ماذا؟ أتودّون أن تكون محبّة الرابّي للأطفال بلا معنىً؟ لأنّه حتماً هو، لا تشكّوا بالأمر. فلنذهب كلّنا إليه، لأنّ رأفته عظيمة تجاه أبناء السامرة". وجئنا حالما سوّينا أمورنا. أين هم الأطفال؟»

 

«عند السيل. يهوذا، اذهب وقل لهم أن يأتوا.»

 

يهوذا يمضي.

 

«يا معلّم، إنّه لقاء قاسٍ بالنسبة لنا، فهم يُذكّروننا بكلّ آلامنا، وما زلنا نتساءل إذا كنّا سنستضيفهم. إنّهم أبناء أعنف عدوّ قد حظينا به في العالم...»

 

«إنّهم أبناء الله. إنّهم أبرياء. الموت يلغي الماضي، والتكفير يحرز المغفرة، حتّى مِن الله. أتودّون أن تكونوا أكثر صرامةً مِن الله؟ وأكثر قسوة مِن اللصوص؟ وأكثر عِنداً منهم؟ إنّ اللصوص كانوا يريدون قتل الراعي الصغير والاحتفاظ بالأطفال. هو [الراعي] احتراساً، وهم [الأطفال] بدافع رأفة بشريّة تجاه أطفال بلا حول ولا قوّة. إنّ الرابّي تكلّم، وهم لم يَقتلوا، وحتّى أنّهم قَبِلوا بأن يأتوكم بالراعي الصغير. فهل عليَّ أن أعرف الهزيمة مع قلوب صالحة، وقد تغلّبتُ على الجريمة؟...»

 

«الأمر هو… أنّنا أربعة إخوة، وفي منزلنا سبعة وثلاثون طفلاً...»

 

«وحيث يجد سبعة وثلاثون مِن عصافير الدوري طعامهم، لأنّ أبا السماوات يجعلها تجد الحبوب، أفلا يجدها أربعون؟ أفلا يمكن لقُدرة الآب أن تؤمّن الطعام لثلاثة آخرين، أو بالأحرى لأربعة مِن أبنائه؟ أهي محدودة هذه العناية الإلهيّة؟ هل سيخشى اللامتناهي مِن أن يزيد إخصاب بذاركم، شجركم ونعاجكم، كي يكون هناك دوماً ما يكفي مِن الخبز والزيت والخمر والصوف واللحم لأبنائكم وللأطفال الأربعة الآخرين الباقين وحدهم؟»

 

«إنّهم ثلاثة يا معلّم!»

 

«إنّهم أربعة. فالراعي الصغير هو أيضاً يتيم. هل بإمكانكم، لو كان الله ظاهراً لكم هنا، أن تجزموا بأنّ خبزكم محدود لدرجة أنّكم لا تستطيعون إطعام يتيم؟ إنّ الرأفة باليتيم تأمر بها الأسفار الخمسة...»

 

«لن يمكننا ذلك يا ربّ. هذا صحيح. لن نكون أدنى مِن اللصوص. سوف نقدّم الخبز، الـمَلبَس والـمَسكَن للراعي الصغير كذلك. وبدافع المحبّة تجاهكَ.»

 

«بدافع المحبّة. بدافع المحبّة الكاملة: تجاه الله، تجاه مسيحه، تجاه شقيقتكم، تجاه قريبكم. هذا هو التكريم والمغفرة اللذان ينبغي منحهما لدمكم! وليس قبراً بارداً لترابه. المغفرة هي السلام. سلام لروح الإنسان الذي خطئ. إنّما لن تكون سوى مغفرة كاذبة، في الظاهر فقط، بلا سلام لروح الميتة، أختكم وأُمّ الأطفال، إذا ما انضمّ للتكفير لله العادل، لتعذيبها، عِلمها أنّ أطفالها، الأبرياء، يدفعون ثمن خطيئتها. رحمة الله لا متناهية. إنّما أضيفوا إليها رحمتكم كي تمنحوا السلام للميتة.»

 

«آه! سوف نفعل ذلك! سنفعل ذلك! أنّ قلبنا ما كان ليخضع لأحد، إنّما لكَ نعم، أيا أيّها الرابّي، الّذي مررت يوماً بيننا، زارعاً بذرة لم تمت ولن تموت.»

 

«آمين! ها هم الأطفال...» يسوع يشير إليهم عند حافّة السيل، متوجّهين إلى المنزل، ويناديهم.

 

يتركون أيدي الرّسولَين ويهرعون صائحين: «يسوع! يسوع!» يدخلون، يصعدون الدرج، يصلون إلى الشرفة ويلبثون خَجِلين أمام غرباء كُثُر ينظرون إليهم.

 

«تعال يا روبين، وأنتَ يا إليشع، وأنتَ يا إسحاق. هؤلاء هم أشقّاء أُمّكم، وقد أتوا كي ليأخذوكم ويضمّوكم إلى أطفالهم. أترون كم هو الربّ صالح؟ إن الأمر تماماً مثل حمامة مريم الّتي ليعقوب، تلك التي رأيناها أوّل أمس تُطعِم صغيراً ليس صغيرها، بل صغير أخيها الميّت. إنّه يقبلكم ويعطيكم لهؤلاء ليعتنوا بكم، ولن تعودوا بعد أيتاماً. هيّا! حيّوا أقاربكم.»

 

«فليكن الربّ معكم أيّها السادة.» يقول أكبرهم سنّاً بخجل، وهو ينظر إلى الأرض. والآخران الأصغر سنّاً يقلّدانه.

 

«هذا يشبه كثيراً الأُمّ، وهذا أيضاً، إنّما ذاك (الأكبر سنّاً) يشبه الأب تماماً.» يلاحظ أحد الأقارب.

 

«يا صديقي، لا أظنّ بأنّكَ غير منصف لتُقيم فارقاً في المحبّة بسبب تشابه في الوجه.» يقول يسوع.

 

«آه! لا. هذا لا. كنتُ أتمعّن… وأفكّر… لا أودّ أن يكون له قلب الأب أيضاً.»

 

«إنّه لا يزال طفلاً طريّ العود. وكلماته البسيطة تُظهِر محبّة لأُمّه أكثر اتّقاداً مِن أيّة محبّة أخرى.»

 

«ولكنّه كان يعتني بهم بأفضل ممّا كنّا نظنّ. إنّ ملابسهم ونعالهم حسنة المظهر. ربّما كان قد جمع ثروة...»

 

«أنا وأخواي لدينا ملابس جديدة لأنّ يسوع ألبَسَنا، لم يكن لدينا لا نعال ولا أردية، كنّا تماماً مثل الراعي.» يقول الأوسط الّذي هو أقلّ خجلاً مِن الأكبر سنّاً.

 

«سوف نعوّضكَ عن كلّ شيء يا معلّم.» يجيب أحد الأقارب ويضيف: «كان يواكيم الّذي مِن شكيم [نابلس] يحمل تقدمات مِن المدينة، لكنّنا سنضيف إليها مالاً بعد...»

 

«لا. لا أريد مالاً. أريد وعداً. وعد محبّة تجاه الّذين انتزعتُهم مِن اللصوص. التقدمات… يا ملاخي، خذها للفقراء الّذين تعرفهم واجعل حصّة لمريم الّتي ليعقوب، لأنّ في منزلها بؤس كثير.»

 

«كما تشاء. إن كانوا صالحين، فنحن سوف نحبّهم.»

 

«سوف نكون كذلك يا ربّ. لعلمنا بأنّه يتوجّب علينا أن نكون كذلك كي نُعاود ملاقاة أُمّنا وصعود النهر وصولاً إلى حضن إبراهيم، وألّا ننزع حبل قاربنا مِن يديّ الله كي لا يجرفنا التيار إلى الشيطان.» يقول روبين دفعة واحدة.

 

«إنّما ما الّذي يقوله الطفل؟»

 

«مَثَل قد سمعه منّي. لقد رويتُه كي أعزّي قلوبهم وأمنح أرواحهم توجيهاً. الأطفال حفظوه ويطبّقونه على كلّ أفعالهم. تآلفوا معهم فيما أتحدّث إلى أهل شكيم [نابلس]...»

 

«يا معلّم، كلمة أخرى بعد: إنّ ما أدهشنا لدى اللصوص هو أنّهم قد رجونا أن نقول للرابّي، الّذي كان الأطفال معه، أن يغفر لهم إذا ما استغرقوا وقتاً طويلاً في المجيء، آخِذاً بعين الاعتبار أنّ ليست كلّ الطرق مفتوحة بالنسبة لهم، وأنّ وجود طفل معهم كان يحول دون السير لمسافات طويلة عبر الأخاديد البرّية.»

 

«أتسمع يا يهوذا؟» يقول يسوع للإسخريوطيّ، الّذي لا يردّ.

 

ومِن ثمّ ينفرد يسوع بأهل شكيم [نابلس]، الّذين ينتزعون منه الوعد بزيارة وإن قصيرة، قبل حرّ الصيف. ويروون ليسوع، في غضون ذلك، أموراً تخصّ المدينة، وكيف أنّ الذين شُفوا بأرواحهم أو بأجسادهم يذكرونه.

 

في تلك الأثناء يهوذا ويوحنّا يجهدان للتأليف بين الأطفال وأقاربهم.