ج4 - ف124
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الرابع / القسم الأول
124- (يسوع لفلاّحي جيوقانا: "الحُبّ طاعة")
23 / 08 / 1945
يكاد يكون الفجر. يسوع يَقِف وسط بستان دوراس المخرَّب. صفوف مِن الأشجار الميتة أو التي تتماوَت وقد انتـُزِع الكثير منها. وحوله فلّاحو دوراس وجيوقانا والرُّسُل، البعض واقف والبعض الآخر جالس على جذوع الأشجار الساقطة.
يبدأ يسوع بالكلام: «يوم جديد وانطلاقة جديدة. لستُ وحدي الذي يَنطَلِق، بل أنتم كذلك تنطلقون، إن لم يكن معنويّاً فمادّيّاً، بانتقالكم إلى إمرّة معلّم آخر. ستنضمّون إذن إلى فلّاحين آخرين صالحين ووَرِعين، وستُشكِّلون عائلة واحدة تستطيعون فيها التحدّث عن الله وكلمته دون استخدام الحِيَل لذلك. فسـانِدوا بعضكم بعضاً في الإيمان. ساعِدوا بعضكم البعض. كونوا متسـامحين تجاه أخطاء الآخرين. كونوا قدوة صالحة، البعض للبعض الآخر.
هذا هو الحبّ. ورغم اختلاف الأساليب، فقد سَمِعتُم أمس مساء مِن الرُّسُل أنّ الخلاص في الحبّ. سمعان بطرس، بكلمته البسيطة والطيّبة، جَعَلَكم تُلاحِظـون كيف يُبدّل الحبّ الطبيعة الثقيلة بأخرى فائقة الطبيعة. كيف أنّ المرء بدون الحبّ يمكنه أن يُصبِح فاسداً ومُفسِداً كحيوان ميّت لم يَنضج على النار، أو على الأقلّ يكون بغير ذي فائدة كالحطب الذي يُصيبه العَفَن في الماء دون أن يكون صالحاً لإضرام نار، كيف يمكن للحبّ أن يَجعَل مِن هذا الشخص إنساناً يحيا في أجواء الله، وبالنتيجة كائناً يُفلِت مِن الفساد ويصبح مفيداً لقريبه.
ثِقوا يا أبنائي، فما ذلك إلّا لأنّ قوّة الكون العظمى هي الحبّ. ولن أكَلَّ أبداً مِن قول ذلك. فكلّ مآسي الأرض تأتي مِن الافتقار إلى الحبّ، بدءاً مِن الموت والأمراض التي وُلِدَت مِن رفض آدم وحواء حبّ الربّ تعالى.
فالحبّ طـاعة. والذي لا يَطيع هو متمرّد. والمتمرّد لا يحبّ الذي يتمرّد ضدّه. ولكن كذلك المآسي الأخرى العامّة والخاصّة، كالحروب وانهيار عائلة أو اثنتين في مزاحماتهما، مِن أين تأتي؟ مِن الأنانيّة التي هي افتقار للحبّ. ومع انهيارات العائلات تأتي الانهيارات المادّيّة كقصاص مِن الله، إذ إنّ الله، عاجلاً أم آجلاً يَضرب دائماً ذلك الذي يحيا بدون حبّ. أَعلَم أنّ شائعة تدور هنا -وبسببها يكرهني البعض، ويَنظُر إليَّ البعض الآخر بخوف، أو يعتبرونني عقاباً جديداً، أو يتحمّلونني خوفاً مِن العقاب- أَعلَم أنّ شائعة تدور هنا مفادها أنّ نَظرَتي هي التي حَمَلَت اللّعنة لهذه الحقول. ليست نظرتي، ولكنّه العقاب لأنانيّة رجل ظالِم ومُجرِم قاتل. لو كان على نَظرَتي أن تَحرق أراضي كلّ الذين يكرهونني، في الحقيقة كم هي قليلة الخضرة التي تبقى في فلسطين!
أنا لا أنتَقِم أبداً مِن أجل الإهانات التي لَحِقت بي أنا نفسي، ولكنّني أترك للآب أمر أولئك الذين يَبقون بعناد في خطيئتهم الأنانيّة فيما يخصّ القريب، ويَسـخَرون مِن الوصيّة بطريقة تَنتَهِك الحُرُمات، والذين كلّما سَمِعوا كلاماً يُحاوِل إقناعهم وكلاماً قادراً على كَسبهم للحبّ، أَصبَحوا أكثر إجراماً. إنّني دائما على أهبة الاستعداد لأرفع يدي كي أقول للذي يتوب: "أحلّكَ مِن خطيئتكَ، امض بسـلام". ولكنّني لا أُهين الحبّ بقبولي قَساوات تأبى التغيُّر. وليكن ذلك حاضراً في أذهانكم على الدوام، لِتَروا الأمور في نور يُلائِم العدل، ولتكذيب الإشاعات التي هي مخالفة دائماً للحقيقة بسبب التبجيل أو بِدافع مِن خَشية غَضوبة.
تَنتَقِلون إلى تَبعيّة معلّم آخر، ولكنّكم لا تُغادِرون هذه الأرض. والتي في الحالة التي هي عليها، يبدو الاهتمام بها ضرباً مِن الجنون. ومع ذلك أقول لكم: اجعلوا منها واجبكم. لقد فعلتُم ذلك حتّى الآن خوفاً مِن العقوبات اللاإنسانيّة. افعلوا ذلك الآن أيضاً، عالمين أنّكم لَن تُعامَلوا كما كنتم تُعامَلون. بل حتّى أقول لكم: كلّما عُومِلتم بإنسانيّة، كلّما توجّب عليكم العمل بحميّة سعيدة لكي، بواسطة العمل، تُبادِلون ذاك الذي يمنحكم الإنسانيّة بإنسانيّة مثلها. صحيح أنّ على المعلّمين أن يكونوا إنسانيّين تجاه الذين هم تحت إمرتهم -متذكّرين أنّ الجميع يتحدّرون مِن أصل واحد، وأنّ في الحقيقة يُولَد الناس كلّهم عُراة بالطريقة ذاتها، ويصبحون نتانة بعد الموت بالطريقة ذاتها، الفقراء كالأغنياء تماماً، أمّا الثروات فهي لا تأتي مِن عَمَل مالكيها، إنّما بفضل جامعيها ومُكدِّسيها بنـزاهة أو بغير نزاهة، وإنّه يجب عدم التفاخر بها والظلم بسببها، بل إنّما فِعل شيء صالح، حتّى مِن أجل الآخرين، واستخدامها بحبّ وتحفّظ وعدل، لكي يُنظر إليهم بدون صَرامة مِن قِبَل المعلّم الحقيقيّ الذي هو الله، ذلك أنّه لا يمكن رشوة الله، ولا إغواؤه بجواهر ولا بقطع ذهبية، ولكن تُمكِن مصادقته بالأفعال الصالحة- فإذا كان هذا صحيحاً، فصحيح أيضاً، من جهة أخرى، أن يكون واجب الخُدّام أن يكونوا صالحين مع معلّميهم.
افعلوا ببساطة وإرادة صالحة إرادة الله الذي أرادكم في هذه الحال الـمُتواضِعة. تَعرفون مَثَل الغني السيّئ. وتَرَون أنّ في السـماء ليس الذهب، بل الفضيلة هي التي تُكافَأ. فالفضـائل والخضوع لمشيئة الله تَجعَل الله صديقاً للإنسان. أَعرف أنّه مِن الصعوبة بمكان رؤية الله مِن خلال أفعال الإنسان. في الرخاء ذلك سهل. أمّا في ظرف سيّئ فصعب، لأنّه قد يحمل الروح على التفكير بأنّ الله غير صالح. أمّا أنتم فتغلَّبوا على الشرّ الذي أوقعه عليكم إنسان مُجرَّب مِن الشيطان، وخلف هذا الحاجز الذي يكلّفكم دموعاً، فلتُبصِروا حقيقة الألم وجماله. الألم يأتي مِن الشرّ، ولكنّ لعدم إمكانيّة إلغائه، لأنّ هذه القوّة موجودة، وهي اختبار ذهب أبناء الله الروحيّ، الضّيق الذي يتوجّب أن يُستخرج مِن سمّه عصارة الدواء الذي يعطي الحياة الأبديّة. فالألم، بأكّاله (حامض أكّال يستعمل في نقش المعادن) يُحدِث لدى الصالحين تفاعلات تُرَوْحنهم باستمرار جاعلة منهم قدّيسين.
أنتم، إذن، كونوا صالحين ومحترِمين وخاضِعين. لا تُدينوا المعلّمين. فلديهم الآن ديّانهم. أودُّ لو يُصبِح الذي يُصدِر الأوامر عادلاً مستقيماً ليجعَل لكم الطريق أكثر سهولة وينال الحياة الأبديّة. ولكن تذكّروا أنّه كلّما كان أداء الواجب أكثر عناء، كلّما كان الاستحقاق والأجر في عينيّ الله أعظم. فلا تحاولوا غِشّ المعلّم. فالمال والمحصول الذي يجنيه المرء بالغشّ والتدليس لا يُغنِي ولا يُشبِع مِن جوع. حافِظوا على أياديكم طاهرة، وكذلك شفاهكم وقلوبكم. حينئذ تُمارِسون السبت واحتفالات أحكام الشريعة بنعمة في عينيّ الله، حتّى ولو قُيِّدتم في الأرض المزروعة.
في الحقيقة فإنّ تعبكم سيكون ذا قيمة أكبر مِن الصلاة النفاقيّة لأولئك الذين يُتمِّمون أحكام الشريعة بُغية الحصول على مديح العالم لهم، مخالفين في الحقيقة الأحكام، بعدم طاعتهم للشريعة التي توصي الرجل وأهل بيته بالطاعة لأحكام السبت واحتفالات إسرائيل، فالصلاة ليست بالفعل، بل بالإحساس. وإذا كان قلبكم يحبّ الله بقداسة، في كلّ الظروف، فإنّه يتمّم شـعائر السبت والأعياد أفضل مِن الآخرين الذين يمنعونكم مِن المشاركة فيها.
أُبارككم وأترككم لأنّ الشـمس تطلع وأريد الوصول إلى الروابي قبل أن يشتدّ الحر. سوف نلتقي ثانية قريباً لأنّ الخريف ليس ببعيد. السلام معكم جميعاً يا خُدّام جيوقانا القديمين والجُّدد، وليجعل لكم القلب في سكينة.»
ويبتعد يسوع مارّاً وسط الفلّاحين مُبارِكاً إيّاهم الواحد تلو الآخر.
خَلفَ شجرة تفّاح جافّة، رجل شِبه مُختبئ. ولكن عندما يوشِك يسوع أن يمرّ، متظاهراً بعدم رؤيته، يَظهَر ويقول له: «أنا القائم بأعمال جيوقانا. لقد قال لي: "إذا ما جاء رابّي إسرائيل دعه يتوقّف في أراضيَّ، ودعه يتحدّث إلى الخُدّام. وسوف أحصل منهم على عَمَل أفضل، ذلك أنّه لا يُعلِّم إلّا أموراً صالحة". وأمس، بينما كان يُطلِعني على أنّه اعتباراً مِن اليوم هُم (ويشير إلى خدّام دوراس) معي، وأنّ هذه الأراضي أَضحَت مِلكاً لجيوقانا، وقد كَتَبَ لي: "إذا ما أتى الرابّي استَمِع إليه وتصرَّف بما يقتضي الأمر. فلا يحلنَّ بنا الويل. أَكرِمه كما يليق، ولكن انظر إذا ما كان سيُبطِل اللعنة عن هذه الأراضي". فاعلَم أنّ جيوقانا قد اشتراها مِن قَبيل النَّخوة والحميّة. ولكنّني أظنّه الآن نادماً. سيكون حسناً لو جَعَلنا مِنها مَراعٍ...»
«هل سَمِعتَني أتحدّث؟»
«نعم يا معلّم.»
«إذن ستعرف كيف تتصرّف، أنتَ ومعلّمكَ، للحصول على بَرَكات الله. أنقُل هذا لمعلّمكَ، وبالنسبة لكَ، خَفِّف كذلك مِن وطأة أوامره، أنتَ يا مَن ترى عمليّاً ماهيّة تَعَب إنسان الحقول، والمعلّم كذلك يراه جيّداً. فالأفضل لكَ أن تَفقُد استحسانه ومنصبكَ مِن أن تَخسَر نفسكَ. وداعاً.»
«ولكن ينبغي لي أن أُكرِمكَ.»
«أنا لستُ صَنَم أوثان. لستُ في حاجة إلى تكريم نَفعيّ لأمنَح النِّعَم. أَكرِمني بروحكَ، بتطبيقكَ ما سَمِعتَ، وستكون قد خدمتَ الله والمعلّم في الوقت ذاته.»
ويجتاز يسوع الحقول، يتبعه التلاميذ والنساء وكلّ الفلّاحين، ويسلك طريق الروابي، يحيّيه الجميع مِن جديد.