ج5 - ف10
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الخامس/ القسم الأول
10- (مِن كولوسّي إلى أنطاكية)
(بدون تاريخ)
«في ساحة السوق سَتَجِدون عربة بالتأكيد، إنّما إذا شئتم عَرَبتي، فسأعطيكم إيّاها كُرمى لثيوفيلوس. لأنّني إذا كنتُ إنساناً رخيّ البال، فالفضل في ذلك يعود إليه. لقد دافَعَ عنّي لأنّه كان مستقيماً. وبعض الأمور لا تُنسى» يقول صاحبّ الفندق العجوز الواقف أمام الرُّسُل عند الفجر.
«ولكنّ، عربتكَ، سوف نحتفظ بها أيّاماً بعيداً عن هنا... ومَن سيقودها؟ أنا، أستطيع قيادة الحمار... إنّما الجّياد...»
«الأمر ذاته، أيّها الرجل! لن أعطيكَ مهراً جموحاً، بل حصان جرّ محترساً، لطيفاً مثل حَمَل. ولكنّكم ستصلون بسرعة وبغير عناء. ستكونون في أنطاكية في الهجعة الرابعة مِن النهار (حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر)، بما أنّ الحصان يعرف الطريق جيّداً ويذهب إليها وحده. وتعيده إليَّ ساعة تشاء، ولا أريد مقابل ذلك سوى القيام بفعل يسرّ ابن ثيوفيلوس، الذي ستقولون له إنّني ما أزال مديناً له بالكثير، لدرجة أنّني أفكّر به على الدوام، وأعتبر نفسي خادماً له.»
«ماذا نفعل؟» يَسأَل بطرس رفاقه.
«ما تراه الأفضل. أنتَ الحَكَم في ذلك، ونحن نطيع...»
«هل نجرّب الحصان؟ أقول ذلك مِن أجل يوحنّا... وكذلك مِن أجل السرعة... أخالني أقود أحداً إلى الموت، وأنا على عَجَلة لينتهي كلّ شيء...»
«أنتَ على حقّ» يقولون جميعاً.
«إذن، أيّها الرجل، أوافق.»
«وأنا، أعطيكه بكلّ سرور. سأجهّز العربة.»
يَمضي صاحبّ الفندق. ويُفضي بطرس بكلّ ما يجول في فِكره: «لقد بذلتُ نصف عمري في هذه الأيّام القليلة. يا له مِن عناء! يا له مِن عناء! أردتُ لو تكون لي عربة إيليا، معطف أليشع المستعار، كلّ ما هو سريع مِن أجل العَجَلَة... وبشكل خاصّ أردتُ تقديم أيّ شيء يعزّي هذين المسكينين ويجعلهما ينسيان الـ... لستُ أدري! شيئاً يجعلهما لا يتألّمان إلى هذه الدرجة... ولكن لو أنّني أتوصّل إلى معرفة مَن كان السبب الرئيسيّ لهذا الألم، لا أكون بعد سمعان بن يونا إن لم أعصره مِثل خرقة. لا أتحدّث عن قتله، آه! لا! بل أن أضغطه كما ضَغَطَ فَرَح وحياة هذين المسكينين...»
«أنتَ على حقّ، إنّه عناء كبير. ولكنّ يسوع يقول بوجوب مسامحة الإساءات...» يقول يعقوب بن حلفى.
«لو كانت الإساءات موجّهة إليَّ، لكان عليَّ أن أُسامح. وأنا قادر على ذلك. فأنا سليم الجسم وقويّ، وإذا أساء إليَّ أحد، فلديَّ القوّة كذلك لأتعامل مع الألم. ولكنّ هذا المسكين يوحنّا! لا، لا يمكنني مسامحة الإساءة الموجّهة إلى مَن افتداه الربّ، إلى مَن يموت في هذا الأسى...»
«أنا أفكّر في اللحظة التي نتركهم فيها تماماً...» يتنهّد أندراوس.
«وأنا كذلك. إنّها فكرة ثابتة وتنمو كلّما اقتَرَبَت اللحظة...» يُتمتِم متّى.
«فلنتصرّف بسرعة، رأفة بهما» يقول بطرس.
«لا يا سمعان. سامحني إذا ما لَفَتُّ نظركَ إلى أنّكَ مخطئ في إرادتكَ تلك. حُبّكَ للقريب يميل إلى أن يُصبح حبّاً منحرفاً، وهذا ما لا يجوز أن يحصل فيكَ أنتَ، المستقيم على الدوام.» يقول الغيور بهدوء واضعاً يده على كتف بطرس.
«لماذا يا سمعان؟ أنتَ مثقّف وصالح. أَظهِر لي خطأي، وإذا تحقّقتُ منه، أقول: إنّكَ مُحقّ.»
«حبّكَ يميل إلى أن يُصبِح فاسداً لأنّه في طريقه إلى أن يُصبِح أنانية.»
«كيف؟ أتعذّب مِن أجلهما وأكون أنانيّاً؟»
«نعم، يا أخي. لأنّكَ، ولفرط حبّكَ ـ وكلّ إفراط هو فوضى ويقود إلى الخطيئة ـ تُصبِح جباناً. وأنتَ لا تريد أن تتألّم لرؤيتهم يتألّمون. وهذا مِن الأنانية، يا أخي باسم الربّ.»
«صحيح! أنتَ على حقّ. أشكركَ على تنبيهكَ إيّاي. وهذا ما يجب أن يكون بين الأصدقاء الحقيقيّين. حسناً. إذن لن أكون على عَجَلَة مِن أمري... ولكن، مع ذلك، قولوا الحقيقة، أليس هذا عناء؟»
«نعم! نعم!...» يقول الجميع.
«كيف العمل لنفارقهما؟»
«أقول أن نفارقهما بعدما يَستقبلهما فليبّس، مع إمكانيّة البقاء مُتخفّين في أنطاكية لبعض الوقت، والاستعلام مِن فليبّس عن مدى تأقلمهما...» يَقتَرِح أندراوس.
«لا. فهذا يعني جعلهما يتألّمان لفراق فظّ» يقول يعقوب بن حلفى.
«إذن، هاكم، فلنتّبع جزئيّاً نصيحة أندراوس. فلنبق في أنطاكية، إنّما ليس في بيت فليبّس. وخلال أيّام نذهب للقائهما بتباعد متزايد حتّى... لا نعود نذهب إليهما» يقول يعقوب الآخر.
«ألم متجدّد في كلّ مرّة وخيبة مريرة. لا. لا، يجب ألّا نفعل هذا» يقول تدّاوس.
«ماذا سنفعل يا سمعان؟»
«آه! بالنسبة لي! أُفضّل أن أكون مكانهما بدلاً مِن أن أُضطرّ للقول لهما: "وداعاً"» يقول بطرس وقد خارت عزيمته.
«أنا لديَّ اقتراح» يقول سمعان الغيور. «فلنمض معهما إلى بيت فليبّس، ولِنُقِم هناك. ثمّ نذهب جميعاً إلى أنتيجونيا. إنّه مكان خلّاب... ونقيم هناك. وعندما يألفون المكان ننسحبّ بألم، إنّما بشجاعة. هذا ما أقترحه، إلّا إذا كان لدى سمعان بطرس أوامر مغايرة مِن المعلّم.»
«أنا؟ لا. لقد قال لي: "افعل كلّ ما يجب فِعله، بحبّ، دون كسل، ودون استعجال، وبالطريقة التي تراها الأفضل". وإلى الآن يبدو لي أنّني فَعَلتُها. ليس سوى أنّني قلتُ بأنّني كنتُ صيّاد!... ولكنّني لو لم أقل ذلك لما تركني على السطح.»
«لا تُحمّل نفسكَ ما لا طاقة لكَ به بغير سبب، يا سمعان. إنّها مكائد مِن الشيطان لتعكير صفوكَ» يقول تدّاوس ليواسيه.
«آه! نعم! هو ذاك بالضبط. أعتقد أنّه حولنا كما لم يكن يوماً، يَنصب أمامنا العوائق والمخاوف ليقودنا إلى الجُّبن» يقول يوحنّا الرسول، ويُنهي بصوت خافت: «أعتقد أنّه كان يريد أن يقود هذين الاثنين إلى اليأس ببقائهما في فلسطين... والآن، وهما يُفلِتان مِن فخاخه، فإنّه ينتقم منّا... أشعر به حولي، مثل حيّة مختبئة في العشب... منذ شهور أشعر به هكذا حولي... ولكن ها هو صاحبّ الفندق مِن جهة، ويوحنّا مع سِنْتيخي مِن الجهة الأخرى. سأروي لكم البقيّة عندما نكون وحدنا، إذا كان هذا يهمّكم.»
وبالفعل، مِن جهة مِن الدار تُقبِل العربة المتينة وقد رُبط إليها حصان قويّ يقوده صاحبّ الفندق، بينما مِن الجهة الأخرى يُقبِل صوبهم التلميذان.
«هل حان وقت الرحيل؟» تَسأَل سِنْتيخي.
«نعم، لقد آن الأوان. هل أنتَ مُغطّى جيّداً يا يوحنّا؟ هل تَحسَّن وضع آلامكَ؟»
«نعم، لقد تلفَّحتُ بالصوف، والدهون أفادني.»
«إذن، اصعد، نحن كذلك آتون.»
...ما إن تمّ تحميل الأغراض وأَخَذَ الجميع أماكنهم، حتّى خرجوا مِن بوّابة العربات العريضة، بعد أن جَدَّدَ صاحبّ الفندق تأكيده على طواعية الحصان وسهولة قيادته. يجتازون ساحة تمّ تعيينها لهم، ويسلكون طريقاً محاذية للأسوار حتّى يَخرُجوا مِن أحد الأبواب، بمحاذاة قناة عميقة في البداية، ثمّ النهر ذاته.
إنّها طريق جميلة ومُعتنى بها، متّجهة صوب الشمال الشرقيّ، ولكنّها تتبع تعرّجات النهر. مِن الجهة الأخرى جبال كثيرة الاخضرار في منحدراتها، في صدوعها ومسيلاتها. وقد أضحت تُرى في الأدغال، في الأمكنة الأكثر إنارة مِن الشمس، براعم ألف شجيرة تَنتَفِخ.
«كَم مِن الآس!» تهتف سِنْتيخي.
«كَم مِن الغار!» يُضيف متّى.
«قُرب أنطاكية، هناك مكان مُكرَّس لأبُلّون» يقول يوحنّا الذي مِن عين دور.
«قد تكون الرياح حَمَلَت البذور إلى هنا...»
«محتمل، ولكنّه مكان مليء بالنباتات الجميلة» يقول الغيور.
«أنتَ يا مَن ذهبتَ سابقاً، هل تظنّ أنّنا سنمرّ قريباً مِن دافني؟»
«بالطبع. سوف تَرَون واحداً مِن أجمل وديان العالم. بغضّ النَّظَر عن الطقوس الفاحشة التي تحوَّلَت إلى احتفالات مُنفّرة، فإنّه وادٍ مِن الجنّة الأرضيّة، التي إذا وَلَجَ الإيمان فيها تحوَّلَت إلى فردوس حقيقيّ. آه! كم مِن الخير يمكنكما فِعله هنا! أتمنّى لكما قلوباً خَصبة كخصوبة هذه الأرض...» يقول الغيور ليولِّد أفكاراً مؤاسية لدى الاثنين. ولكنّ يوحنّا يَخفض رأسه وسِنْتيخي تتنهّد.
يَخبّ الحصان بإيقاع منتَظَم، وبطرس لا ينبس ببنت شفة، ويَصبّ جُلّ اهتمامه في قيادة الحصان، رغم سير الدابّة بثقة دونما حاجة إلى القيادة والتحفيز. كذلك فقد كان المسير سريعاً إلى أن توقّفوا قرب أحد الجسور ليأكلوا ويُريحوا الحصان. الشمس في الظهيرة، وجمال الطبيعة البديع بادٍ للعيان بجلاء.
«مع ذلك... فأنا أُفضّل هذا المكان على البحر...» يقول بطرس وهو يَنظُر حوله.
«ولكن يا لها مِن عاصفة!»
«السيّد صلّى مِن أجلنا. لقد شعرتُ به قريباً عندما كنّا نصلّي. قريباً كما لو أنّه في وسطنا...» يقول يوحنّا وهو يبتسم.
«أين سيكون إذن؟ فأنا غير مرتاح لمجرّد تفكيري بأنّه بغير ثياب... لو كان مبلّلاً؟ ماذا سيأكل؟ إنّه قادر على الصيام...»
«يمكنكَ أن تكون متأكّداً أنّه يَفعَلها ليساعدنا» يقول يعقوب بن حلفى بكلّ ثقة.
«ومِن أجل أمر آخر أيضاً. أخونا حزين منذ بعض الوقت. أظنّه يتقشّف بشكل متواصل كي ينتصر على العالم.» يقول تدّاوس.
«تريد القول الشيطان الذي في العالم» يقول يعقوب بن زَبْدي.
«الأمر سيّان.»
«ولكنّه لن ينجح في ذلك. فأنا، يُعتَصِر قلبي بألف نوع مِن المخاوف.» يتنهّد أندراوس.
«آه! الآن وقد أصبحنا بعيدين، فكلّ شيء سيكون أفضل!» يقول يوحنّا الذي مِن عين دور بمرارة.
«لا يخطر لكَ ذلك على بال. فأنتَ وهي لستما بشيء مقارنة "بالمآخذ العظيمة" التي لدى عظماء إسرائيل على مَسيّا» يقول تدّاوس بلهجة قاطعة.
«هل أنتَ متأكّد مِن ذلك؟ فأنا، في ألمي، لديَّ تلك الشوكة في القلب: كوني سبباً في أذيّة يسوع بإقبالي إليه. لو كنتُ متأكّداً مِن عكس ذلك لكان ألمي أقلّ.» يقول يوحنّا الذي مِن عين دور.
«هل تؤمن بِصدقي يا يوحنّا؟» يَسأَل تدّاوس.
«نعم، أؤمن!»
«فإذن، باسم الله وباسمي، أؤكّد لكَ أنّكَ لم تتسبَّب ليسوع سِوى بألم واحد، وجوب إرسالكَ إلى هنا برسالة. ولا دخل لكَ في كلّ معاناته السابقة الأخرى، لا الحاضرة ولا المستقبليّة.»
أوّل ابتسامة تُنير وجه يوحنّا الذي مِن عين دور النحيل، بعد أيّام اكتئاب سوداء حزينة. يقول: «يا لهذا العزاء الذي تمنحني! فيبدو لي النهار أكثر إشراقاً، ألمي أخفّ، وقلبي أكثر سكوناً. شكراً يوضاس بن حلفى! شكراً!»
يَعودون إلى العربة، يَعبرون الجسر ليسيروا على الجانب الآخر مِن النهر، في طريق تتوجّه مباشرة إلى أنطاكية، عبر منطقة خصيبة للغاية.
«ها هي ذي! في هذا الوادي الشاعريّ تَقبَع دافني مع هيكلها وغاباتها الصغيرة. وهناك في ذاك السهل، تلك هي أنطاكية بأبراجها على الأسوار. سوف ندخل مِن الباب الذي قرب النهر. بيت لعازر ليس بعيداً جدّاً عن الأسوار. البيوت الأجمل قد بيعت. بقي هذا، وقد كان في الماضي مكان إقامة للخُدّام وزبائن ثيوفيلوس، وفيه الكثير مِن الإسطبلات ومخازن الغِلال. والآن يعيش فيه فليبّس. عجوز طيّب ومُخلِص للعازر. ستكونان على ما يرام. ومعاً، سنمضي إلى أنتيجونيا، حيث كان بيت أوكيريا وأولادها الذين كانوا صغاراً آنذاك...»
«هذه المدينة حصينة جدّاً، أليس كذلك؟» يَسأَل بطرس الذي يستعيد أنفاسه، الآن وقد رأى أنّ محاولته الأولى كحوذيّ قد نجحت.
«حصينة جدّاً. أسوار عالية جدّاً وسميكة جدّاً، بالإضافة إلى أكثر مِن مئة برج، تبدو، كما ترونها، كعمالقة منتصبة على الأسوار، وفي أسفلها حُفَر لا يمكن عبورها. وحتّى المرتفعات قد جُعِلَت قِممها في خدمة الدفاع، وكمساندة للأسوار في الأمكنة الأكثر حَرَجاً... ها هو الباب. يُفضّل أن تتوقّف وأن تَدخُل سيراً ولِجام الحصان في يدكَ. سوف أدلّكَ، فأنا أعرف الدرب...»
يَعبُرون الباب الذي يحرسه الرومان.
يقول يوحنّا الرسول: «مَن يعلم إذا ما كان هنا جنديّ باب السمك... سيكون يسوع سعيداً بمعرفته ذلك...»
«سوف نبحث عنه، إنّما الآن تقدّم بسرعة.» يقول بطرس المضطرب لفكرة المضيّ إلى بيت مجهول.
يطيع يوحنّا دون كلام، إنّه يتفحّص فقط وجه كلّ جنديّ يصادفه.
مسيرة قصيرة، ثمّ منزل متين وبسيط، أي جدار عال دون نوافذ. بوّابة للعربات فقط في منتصف الجدار.
«هو ذا. توقَّف!» يقول الغيور.
«آه! سمعان! كُن لطيفاً! هل يمكن أن تتكلّم أنتَ الآن؟!»
«ولكن طبعاً، إذا كان هذا يفرحكَ فسأتكلّم.» ويَطرُق الغيور الباب الثقيل. يُعرّف عن نفسه كمُرسَل مِن قِبَل لعازر. يَدخُل وحيداً. يَخرُج بصحبّة عجوز ضخم ومهيب ينحني انحناءة كبيرة، ويأمر أحد الخُدّام أن يفتح البوّابة ليدع العربة تَدخُل، ويعتذر لجعلهم يَدخُلون جميعاً مِن هنا بَدَل أن يَفتَح باب البيت.
تَقِف العربة في باحة واسعة بأروقة، بناؤها جيّد، فيها أربع أشجار دلب في الزوايا الأربع واثنتان في الوسط، لحماية بئر وبِركة تُستَخدَم في إرواء الخيل.
«اهتمّ بالحصان» يَطلُب القيِّم مِن الخادم. ثمّ يتوجّه إلى الضيوف: «أرجوكم، تعالوا، تَبارَكَ الربّ الذي يُرسِل لي خُدّامه وأصدقاء معلّمي. لكم أن تَأمُروا ولخادمكم أن يَسمَع.»
يَحمرّ وجه بطرس، لأنّ إليه بشكل خاص كانت موجّهة هذه الكلمات والانحناءات، وهو لا يدري ما يقول... فَيُقبِل الغيور لنجدته.
«تلاميذ مَسيّا إسرائيل، الذين كَلَّمَك عنهم لعازر بن ثيوفيلوس، والذين سَيَقطنون بيتكَ الآن لِيَخدموا السيّد، لا يحتاجون سِوى إلى الراحة. هل تريد أن تدلّهم أين يمكنهم الإقامة؟»
«آه! توجد على الدوام غُرَف مُعدَّة للمسافرين، كما كانت العادة أيّام معلّمتي. تعالوا، تعالوا...» ويَسلك ممشى، يتبعه الجميع، ثمّ داراً صغيرة في نهايتها يَكمُن الـمَسكَن الحقيقيّ. يَفتح الباب، يَجتاز رُدهة ويَدور إلى اليمين حيث يوجد سلّم. يَصعَدون. ممشى آخر توجد غُرَف على جانبيه.
«هو ذا. وعسى أن يعجبكم السَّكَن. أمّا الآن فسأطلب لكم الماء والشراشف. وليكن الله معكم.» يقول العجوز هذا ويمضي.
يَفتَح نوافذ الغُرَف التي يختارونها. وتُقابِلهم أسوار أنطاكية وأبراجها مِن جهة، ومن الجهة الأخرى الدار الهادئة تزيّنها شجيرات الورد المتسلّقة، وقد فَقَدَت سحرها الآن بسبب الفصل.
وبعد رحلة طويلة، هو ذا بيت في النهاية، غرفة وسرير... إقامة للبعض، والهدف للآخرين...