ج1 - ف35

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الأول

 

35- (يجب أن تجعلنا عطية الله أفضل على الدوام)

 

02 / 04 / 1944

 

تقول مريم:

 

«أُولى مظاهر حبّ القريب تُمارَس تجاه القريب. فلا يخيّل إليكِ أنّ ذلك تلاعب ألفاظ.

 

للمحبّة غاية مُضاعَفَة. الله والقريب. محبّة القريب تتضمّن تلك التي نمارسها تجاه أنفسنا. أمّا إذا أحببنا أنفسنا أكثر مِن الآخرين فلا نعود مُحبّين، بل نكون بهذا أنانيّين.

 

حتّى في الأمور الـمُباحَة، يجب أن يكون لنا فيها قَدر مِن القداسة يجعلنا نقدّم احتياجات القريب على احتياجاتنا. كونوا مطمئنّين يا أولادي: فالله يعوّض النفوس الكريمة بوسائل صلاحه الكلّية القُدرة. هذا اليقين جعَلَني آتي إلى الخليل لمساعدة نسيبتي في الحالة التي وُجِدَت فيها. ومع عزمي على العون البشريّ باندفاعي للعطاء إلى أبعد الحدود، أضاف الله على عادته عطية العَون فائق الطبيعة الذي لم يكن ليخطر لي على بال.

 

أَذهَب لتقديم العون المادّيّ، والله يُقدِّس استقامة مسعاي بتقديس ثمرة أحشاء أليصابات، ومع هذا التقديس الذي قَدَّس المعمدان مسبقاً، سَكَّنَ الآلام الجسديّة لابنة حوّاء المسنّة، والتي حمَلَت في سنّ غير عاديّة.

 

أليصابات، المرأة التي تملك الإيمان الجريء، والتي استسلَمَت بثقة لإرادة الله، استَحَقّت إدراك السرّ الكامن فيَّ. كَلَّمَها الروح بواسطة ارتكاض الجنين في أحشائها. لقد نَطَقَ المعمدان بحديثه الأوّل كمبشّر بالكلمة مِن خلال أشرعة الأوردة والجسد التي فَصَلَته عن أُمّه القدّيسة وبنفس الوقت وحَّدَته معها.

 

وأنا لم أرفض أن أقول لها، وهي الجديرة والتي تجلّى لها النور، عن مزيّتي كأُمّ الربّ. ذلك أنّ رفضي كان سيؤثّر في حَجب التسبيح الواجب لله، التسبيح الذي كنتُ أحمله في داخلي، وبما أنّني لم أكن أستطيع البوح به لأحد، فقد كنتُ أَسرُّ به للنباتات والزهور والنجوم، للشمس وغناء العصافير الشجيّ، للنِّعاج الوديعة والنور الذهبي الذي يَطبَع قبلاته عليَّ عندما يهبط مِن السماء، وكذلك لخرير الجداول. ولكنّ صلاة اثنين أَعذَب وأفضل مِن الصلاة منفَردِين. كنتُ أرغَب في أن يعرف العالم بأكمله مصيري، ليس مِن أجلي، إنّما لنتّحد معاً في تسبيح ربّي.

 

الحيطة والحذر مَنَعَاني مِن البوح بالحقيقة لزكريّا. فهذا كان سيُعتَبَر تجاوُزاً لعمل الله. فحتّى ولو كنتُ بالنسـبة لـه عروسـة وأُمّـاً، إلّا أنّني أبقى دائماً خادمته، ولا ينبغي بسبب حبّه الكبير أن أسمح لنفسي بأن أقوم مقامه وأن أتّخذ قراراً يجعلني في مرتبة أعلى منه. لقد تنبَّهَت أليصابات بقداستها للأمر وصَمَتَت، ذلك أنّ مَن يَكن قدّيساً يَكن دائماً خاضعاً ومتواضعاً.

 

يجب أن تجعلنا عطيّة الله دائماً أفضل. وكلّما تلقّينا منه العطايا كلّما وَجَبَ علينا العطاء، إذ كلّما تَلقّينا كلّما كان هو فينا ومعنا وكان ينبغي لنا أن نجتهد في الاقتراب مِن كماله. وهذا هو السبب الحقيقيّ الذي جَعَلَني أُرجِئ عملي الشخصيّ إلى مرحلة تالية وأَعمَل لأليصابات.

 

لم أدع مجالاً للخوف مِن عدم إيجاد الوقت أن يسيطر عليّ، فالله سيّد الزمن. وعندما نضع رجاءنا في الله نستفيد مِن عنايته نفسها في أمورنا الماديّة. الأنانيّة لا تَستَعجِل شيئاً، بل تؤخّر كلّ شيء، والمحبّة لا تؤخّر شيئاً، بل تَستَعجِل كلّ الإنجازات. احفَظوا ذلك جيّداً وعلى الدوام.

 

يا لهذا السلام في بيت أليصابات! فلو لم تراودني فكرة يوسف وفكرة ابني الذي عليه افتداء العالم، لكنتُ سعيدة. ولكن ها إنّ الصليب قد بدأ يُسقِط ظِلاله على حياتي، وكنتُ أَسمَع أصوات الأنبياء كالأجراس... كنتُ أُدعى: مريم. والمرارة كانت تمتزج دائماً بالعذوبة التي كان الله يَسكبها في قلبي. واستَمَرّت في تزايد مُطَّرِد حتّى موت ابني.

 

ولكن يا ماريا، عندما يدعونا الله إلى مصير أن نكون ضحايا مِن أجل جلاله، آه! ما أروع أن نُطحَن مثل الحبوب تحت حجر الرحى لنجعل مِن ألمنا الخبز الذي يقوّي الضعفاء ويجعلهم قادرين على كسب السماء.

 

يكفيكِ هذا الآن، فأنتِ متعبة وسعيدة. استريحي مع بركتي.»