ج7 - ف196
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السابع / القسم الأول
196- (أثناء النزول مِن جبل نيبو)
23 / 09 / 1946
«سوف أتحسّر دوماً على هذا الجبل وهذه الراحة في الربّ» يقول بطرس فيما يستعدّون للنزول إلى الوادي عبر منحدر قَفر جدّاً.
إنّهم على سلسلة جبال مرتفعة جدّاً. إلى الشرق، ما بعد الوادي، هناك جبال أخرى، وجبال إلى الجنوب، وجبال أكثر علوّاً بعد إلى الشمال. إلى الشمال الغربي هناك الوادي الأخضر لنهر الأردن الّذي يصبّ في البحر الميت. إلى الغرب، بدايةً البحر الداكن، ومِن ثمّ، إلى ما بعد، الصحراء القاحلة والصخريّة، الّتي لا يقطعها سِوى واحة عين جدّي الخلاّبة، ومِن ثمّ جبال اليهوديّة. منظر مهيب، ممتدّ، أينما يلتفت النَّظَر. وينسى المرء، في هكذا مشهد للحياة النباتيّة، بحيث يفترض أو يعلم أنّها مأهولة، المنظر القاتم للبحيرة الإسفلتية (البحر الميت)، البلا أشرعة، البلا حياة، المظلمة دوماً حتّى تحت الشمس، الحزينة حتّى في شبه الجزيرة الواطئة والممتدّة الّتي تمتدّ مِن الجهة الشرقيّة حتّى وسط البحيرة تقريباً. إنّما أيّة مسالك للنزول إلى الوادي! وحدها الحيوانات البرّية يمكن أن تجد نفسها مرتاحة على هذه الـمَسالك. وإن لم يتشبّث المرء بالجذوع والشجيرات، لما أمكن النزول مِن القمة، الأمر الّذي يجعل الإسخريوطيّ يتهكّم.
«ومع ذلك أودُّ العودة ثانيةً» يردّ بطرس.
«لديكَ أذواق فريدة. هنا هو أسوأ بعد مِن الموضع الأوّل والثاني.»
«إنّما ليس أسوأ مِن الموضع الّذي تهيّأ فيه معلّمنا للتبشير» يعترض يوحنّا.
«آه! بالنسبة إليكَ كلّ شيء جميل على الدوام...»
«نعم. كلّ ما يحيط بمعلّمي هو جميل وصالح وأُحبّه.»
«انتبه إلى أنّ في هذا الكلّ موجود أنا أيضاً… وغالباً هناك فرّيسيّون، صدّوقيون، كَتَبَة وهيروديّون… أتحبّ كذلك هؤلاء؟»
«هو يحبّهم.»
«وأنتَ، ها! ها! تفعل كما يفعل هو، هه؟ إنّما هو يعني هو، وأنتَ يعني أنتَ. لا أعلم إذا ما كنتَ تستطيع أن تحبّهم على الدوام، أنتَ الّذي تشحب عندما تسمع كلاماً عن الخيانة والموت، أو ترى مَن يرغبون بهذين الأمرين»
«هي علامة على أنّني لا أزال ناقصاً جدّاً، إذا ما كنتُ اضطرب خوفاً عليه وسخطاً حيال المذنبين.»
«آه! أنتَ كذلك تضطرب سخطاً؟ ما كنتُ لأصدّق ذلك… إذاً إن أنتَ، صدف ورأيت يوماً واحداً قد آذى المعلّم حقّاً، فماذا تفعل؟»
«أنا؟! أتسألني؟ الشريعة تقول: "العين بالعين، والسنّ بالسنّ". كانت يداي لتغدوان كَمّاشتين حول عنقه.»
«أوه! أوه! هو يقول بوجوب المغفرة! أهذا هو كلّ الصلاح الّذي جلبه لكَ التأمّل؟»
«دعني، أيّها المستفزّ! لماذا تجرّبني وتعكّرني؟ ماذا في قلبكَ؟ أودّ التمكّن مِن قراءته...»
«إنّ سرّ القاع لا يظهر لِمَن يتقصّى مياه البحر الميت، فتلك المياه هي حجر قبر فوق النتانة الّتي تَلقّتها» يقول مِن وراءهما برتلماوس، الّذي بقي خلف الجميع. الآخرون، بشكل أو بآخر، هم إلى الأمام ولم يسمعوا شيئاً. أمّا برتلماوس فبلى. ويتدخّل في حديث الاثنين، ونظرته تعبّر عن الاستنكار.
«أه! برتلماوس الحكيم! إنّما لا تريد بالتأكيد القول بأنّني مثل البحر المالح!»
«لم أكن أتحدّث إليكَ، بل إلى يوحنّا. تعال معي، يا ابن زَبْدي. أنا لن أقلقكَ» ويمسك يوحنّا مِن ذراعه كما كي يستند، هو الـمُسِنّ، إلى الرفيق الرشيق والفتيّ.
يهوذا يبقى في الخلف، ويقوم مِن وراء ظهرهما بحركة غضب قبيحة. يبدو أنّه يُقسِم لنفسه بأمر ما، أو هو يهدّد…
«ما الّذي كان يقصده يهوذا؟ وأنتَ ماذا كنتَ تقصد؟» يوحنّا يَسأَل الـمُسِنّ نثنائيل.
«لا تفكّر بالأمر، يا صديقي. لنفكّر بدلاً مِن ذلك بكلّ ما شرحه لنا المعلّم خلال هذه الأيّام. كم فَهِمنا إسرائيل!»
«هذا صحيح. إنّني لا أستوعب أنّ العالم لا يفهمه!»
«ولا نحن نفهمه كلّيّاً، يا يوحنّا. لا نريد أن نفهمه. أترى أيّة صعوبة لدينا في تَقبُّل فكرته المسيحانيّة؟»
«نعم، نؤمن به إيماناً أعمى بكلّ شيء، إنّما ليس لهذا. أنتَ المتعلّم، أتُحسِن أن تقول لي لماذا؟ نحن الّذين نجد الرابّيين متبلّدين مقارنة بالمسيح، لماذا إذن نحن كذلك لا نتوصّل إلى الفكرة الكاملة لِـمَلَكيّة المسيح الروحيّة؟»
«لقد سألتُ نفسي عن ذلك مرّات كثيرة. لأنّني أودُّ التوصّل إلى ما تدعوه أنتَ الفكرة الكاملة. وأظنّني قادراً على منح نفسي السكون بالقول لنفسي بأنّ ما يتعارض فينا مع هذا القبول نحن الراغبين في اتّباعه ليس فقط مادّيّاً وعقائديّاً، وإنّما روحيّاً، هي كلّ القرون الّتي وراءنا… والّتي هي فينا، في داخلنا. أترى؟ أُنظر إلى الشرق، إلى الجنوب والغرب. لكلّ حجر ذكرى واسم. كلّ حجر، كلّ ينبوع، كلّ مَسلَك، كلّ قرية أو قلعة، كلّ مدينة، كلّ نهر، كلّ جبل، بماذا تذكّرنا؟ بماذا تصرخ لنا؟ بالوعد بمخلّص. رحمات الله لشعبه. وكما قطرة زيت مِن قُربة مثقوبة، فإنّ مجموعة البداية الصغيرة، نواة شعب إسرائيل المستقبليّ، قد توسّعت مع إبراهيم عبر العالم وصولاً إلى مصر البعيدة، ومِن ثمّ، وقد تزايدت في العدد، عادت مع موسى إلى أراضي الأب إبراهيم، غنيّة بوعود أكثر فأكثر اتّساعاً وأكثر ثباتاً، وبعلامات على أبوّة الله، مُكَوِّنةً شعباً حقيقيّاً كونه مزوّداً بشريعة هي أقدس الشرائع. إنّما ما الّذي حدث بعدئذٍ؟ هو ما حدث لتلك القمّة الّتي كانت منذ قليل تتألّق تحت الشمس. أُنظر إليها الآن. إنّها مغلّفة بغيوم تُبدّل مظهرها. فإن كنّا لا نعرف أنّها هي، وإن كان ينبغي لنا التعرّف إليها للتوجّه عبر درب آمن، فهل يمكننا فِعل ذلك، وقد تغيّرت بفعل طبقات مِن غيوم كثيفة تبدو كما روابٍ وقِباب؟ هذا ما حصل فينا. إنّ مَسيّا هو ما قاله الله لآبائنا، للأحبار والأنبياء. وهو غير قابل للتبدّل. إنّما ما أضفناه إليه مِن ذاتنا، كي… نشرحه، بحسب الحكمة البشريّة القاصرة، قد خلق لنا مَسيّا، صورة أخلاقيّة لمَسيّا زائفة جدّاً، بحيث ما عدنا نتعرّف بعد إلى مَسيّا الحقّ. ونحن، على مرّ العصور والأجيال الّتي أصبحت وراءنا، قد آمنّا بالمَسيّا الّذي تخيّلناه نحن، بالـمُنتَقِم، بالـمَلِك البشريّ، البشريّ للغاية، ولا ننجح، رغم ما نقول وما نؤمن، بإدراك المَسيّا والـمَلِك كما هو في الحقيقة، كما فَكّر به الله وشاءه. الأمر هو هكذا، يا صديقي!»
«فإذاً لن ننجح أبداً، نحن، أقلّه نحن، بأن نرى، بأن نؤمن، بأن نبتغي المَسيّا الحقّ؟»
«سوف ننجح بذلك. فلو لم نكن لننجح بذلك، لما كان هو قد اختارنا. ولو لم يكن على الإنسانيّة أن تتمكّن أبداً مِن الإفادة مِن المسيح، لما كان قد أرسله العليّ.»
«إنّما هو سيفتدي الخطيئة حتّى دون مساعدة مِن الإنسانيّة! فقط باستحقاقه الذاتيّ.»
«يا صديقي، سيكون افتداء الخطيئة الأصليّة افتداءً عظيماً. إنّما ليس كاملاً. ففينا خطايا فرديّة أخرى، إضافةً لتلك الأصليّة. وتلك الخطايا، كي تُغسَل، هي بحاجة للفادي ولإيمان مَن يلجأ إليه كما لخلاصه. أنا أعتقد بأن الفِداء سيستمرّ عمله إلى آخر الدهور. فالمسيح لن يكون غير فاعل لبرهة واحدة منذ اللحظة الّتي سيكون فيها فادياً ويعطي للإنسانيّة الحياة الّتي فيه، سيكون مثل ينبوع يعطي نفسه بشكل مستمرّ لِمَن هو عطشان، يوماً إثر آخر، قمراً بعد آخر، عاماً إثر آخر، عصراً بعد آخر. ستكون الإنسانيّة دوماً بحاجة إلى الحياة. وهو لا يمكنه أن يكفّ عن إعطائها لِمَن يرجون ويؤمنون به بحكمة واستقامة.»
«إنّكَ متعلّم، يا نثنائيل. أنا جاهل مسكين.»
«إنّكَ تفعل، بفطرة روحيّة، ما أُنجِزه أنا بعناء عبر محاكمة عقليّة: تَـحَوُّلنا مِن إسرائيليّين إلى مسيحيّين. إنّما أنتَ ستتوصّل إلى الغاية بشكل أسرع، لأنّكَ تُحسِن المحبّة أكثر مِن التفكير. هي المحبّة الّتي سوف تنقلكَ وتحوّلكَ.»
«إنّكَ طيّب، يا نثنائيل. ليتنا كنّا كلّنا مثلكَ!» يوحنّا يتنهّد بعمق.
«لا تفكّر بذلك، يا يوحنّا! لنصلّ مِن أجل يهوذا» يقول له الرّسول الـمُسِنّ الّذي فهم تنهيدة يوحنّا…
«آه! إنّكما هنا أنتما أيضاً! كنّا ننظر إليكما وأنتما آتيان. عن أيّ شيء كنتما تتحدّثان هكذا كثيراً؟» يَسأَل توما مبتسماً.
«كنا نتحدّث عن إسرائيل العتيق. أين المعلّم؟»
«لقد مضى قُدُماً، مع الأَخَوَين وإسحاق، إلى راعٍ مريض. لقد قال لنا أن نُواصِل على هذا الـمَسلَك وصولاً إلى ذاك الصاعد نحو القمّة.»
«هيّا بنا إذاً.»
«ينحدرون الآن عبر مَسلَك أقلّ خطورة وصولاً إلى مسار خاصّ بالبِغال بحقّ، يصعد إلى جبل نيبو. هناك حفنة مِن المنازل في الغابة. إلى الأسفل بعد، تقريباً في الوادي، بلدة بمعنى الكلمة تُظهِر منازلَها البيضاء على المنحدر الّذي يغدو الآن لطيفاً جدّاً. ومِن الـمَسلَك حيث هم، يرون الناس الّذين يدخلون القرية.
«أننتظر هناك ذاك الّذي مِن بيترا؟» يَسأَل بطرس.
«نعم. هذه هي البلدة. لنأمل بأن يكون قد وصل. في هذه الحال غداً نستأنف المسير على طريق الأردن. لا أدري. هنا لا أشعر بالراحة على الإطلاق» يقول متّى.
«المعلّم قال بالذهاب أبعد مِن ذلك بكثير» يقول الإسخريوطيّ.
«نعم. إنّما آمل بأنّنا سوف نقنعه بالعكس.»
«إنّما ممّ تخاف؟ مِن هيرودس؟ مِن بلطجيّته؟»
«البلطجيّة ليسوا لدى هيرودس فقط. آه! ها هو المعلّم! إنّ الرّعاة كُثُر وسعداء. هؤلاء قد استُميلوا. إنّهم بدو رُحّل. سوف يمضون ناشرين البشرى الحسنة بأنّ المسيح على الأرض» يقول متىّ ثانيةً.
يسوع ينضمّ إليهم مع أتباع مِن رُعاة وقطعان.
«هيّا بنا. بالكاد لدينا الوقت للوصول إلى البلدة. هم سوف يستضيفوننا. إنّهم معروفون.» يسوع مسرور كونه وسط بسطاء يُحسِنون الإيمان بالربّ.