ج7 - ف202

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السابع / القسم الأول

 

202- (مَثَل القاضي الظّالم)

 

27 / 09 / 1946

 

يسوع في أورشليم مجدّداً. أورشليم في شتاء عاصف ورماديّ. مارغزيام ما يزال مع يسوع وكذلك إسحاق. يتوجّهون إلى الهيكل وهم يتحدّثون.

 

يوسف ونيقوديموس مع الاثني عشر، يتحدّثان إلى الغيور أكثر منه إلى الآخرين، وإلى توما. إنّما بعدئذ ينفصلان ويمضيان إلى الأمام لتحيّة يسوع مِن دون أن يتوقّفا.

 

«لا يريدان لفت الانتباه إلى صداقتهما مع المعلّم. الأمر خطير!» يهمس الاسخريوطيّ لأندراوس.

 

«أظنّهما يفعلان ذلك بتقدير صائب، لا جُبناً» يقول أندراوس دفاعاً عنهما.

 

«علاوة على ذلك فهما ليسا تلميذين. ويمكنهما فِعل ذلك. هما أبداً لم يكونا كذلك» يقول الغيور.

 

«لا؟! كان يبدو لي...»

 

«كذلك لعازر ليس تلميذاً، ولا...»

 

«لكن إن استثنيتَ واستثنيتَ، مَن يبقى؟»

 

«مَن؟ أولئك الّذين رسالتهم هي أن يكونوا تلاميذ.»

 

«وهؤلاء، إذن، ماذا يكونون؟»

 

«أصدقاء. ليسوا أكثر مِن أصدقاء. هل صادف أن تركوا منازلهم، مصالحهم، كي يتبعوا يسوع؟»

 

«لا. لكنّهم يصغون إليه بسرور ويقدّمون له المساعدة و...»

 

«إذا كان هذا هو السبب! فحتى الوثنيّون يفعلون ذلك، إذاً. ترى أنّه عند نيقي قد وجدنا مَن كان قد فَكَّر به. وتلك النساء لسن بالتأكيد تلميذات.»

 

«لا تحتدّ! قد تحدّثتُ هكذا فقط لأتحدّث. أتحرص إلى هذه الدرجة على ألاّ يكون صديقاكَ مِن التلاميذ؟ كان عليكَ أن تريد العكس، على ما يبدو لي.»

 

«لا أحتدّ ولا أريد شيئاً. ولا حتّى أن تؤذيهما بالقول إنّهما تلميذاه.»

 

«إنّما لِمَن تريدني أن أقول ذلك؟ إنّني دوماً معكم...»

 

سمعان الغيور ينظر إليه بقسوة إلى حدّ أن الابتسامة تتجمّد على شفتيّ يهوذا، الّذي يفكّر أنّه مِن المناسب تغيير موضوع الحديث، ويَسأَل: «ماذا كانا يريدان، اليوم، ليتحدّثا إليكما أنتما الاثنين هكذا؟»

 

«لقد وجدا منزلاً لنيقي. مِن جهة البساتين. قرب الباب. يوسف كان يعرف المالك، وكان يعلم بأنّه كان ليبيع بعائد جيّد. سوف نُعلِم نيقي.»

 

«أيّة رغبة في إهدار المال!»

 

«إنّه مالها. يمكنها أن تفعل به ما تشاء. إنّها تريد البقاء قريبة مِن المعلّم. إنّها تطيع بذلك إرادةَ زوجِها وقلبَها.»

 

«ليس سوى أُمّي بعيدة!...» يتنهّد يعقوب بن حلفى.

 

«وأُمّي» يقول يعقوب الآخر.

 

«إنّما لوقت قصير. هل سمعتَ ما قاله يسوع لإسحاق ويوحنّا ومتّياس؟ "حينما تعودون في قمر شباط (فبراير) الجديد، تعالوا مع النسوة التلميذات، إضافة لأُمّي".»

 

«لا أعلم لماذا لا يريد أن يعود مارغزيام معهنّ. فقد قال له: "ستأتي حينما أدعوكَ".»

 

«ربّما لئلّا تبقى بورفيرا دون عون… فإن لم يكن أحد يصطاد، فلا يأكلون. وإن كنّا لا نذهب نحن، فيجب أن يذهب مارغزيام. حتماً لا تكفي شجرة التين، قفير النحل، بضع شجرات زيتون والنعجتان لإعالة امرأة، إلباسها، إطعامها...» يلاحظ أندراوس.

 

يسوع، الواقف ملاصقاً لجدار سور الهيكل، ينظر إليهم آتين. معه بطرس، مارغزيام ويوضاس بن حلفى. فقراء ينهضون مِن مضاجعهم الحجريّة المتوضعة على الدرب المتوجّه صوب الهيكل -ذلك الّذي يأتي مِن صهيون صوب جبل موريا، لا ذلك الّذي يأتي مِن عوفل صوب الهيكل- ويذهبون نائحين نحو يسوع لطلب الصّدقة. لا أحد يطلب الشفاء. يسوع يأمر يهوذا بإعطائهم مالاً. ثمّ يدخل إلى الهيكل.

 

لا حشد هناك، فبعد ازدحام الأعياد الكبير لم يعد هناك حجّاج. فقط المضطرّون للمجيء إلى أورشليم لمصالح هامّة، أو الّذين يعيشون في المدينة ذاتها، هُم مَن يصعدون إلى الهيكل. لذلك فإنّ الساحات والأروقة، وإن لم تكن خاوية، هي أقلّ ازدحاماً بكثير، وتبدو أكثر اتّساعاً، وأكثر قدسيّة، كونها أقلّ صخباً. كذلك الصيارفة وباعة الحمام وحيوانات أخرى هم أقلّ عدداً، مستندين إلى الجدار مِن جهة الشمس، وهي شمس باهتة تشقّ لها طريقاً بين الغيوم الرماديّة.

 

وبعدما صلّى في باحة الإسرائيليّين، فإنّ يسوع يعود على أعقابه ويستند إلى أحد الأعمدة ويُراقِب… وهو نفسه مُراقَب.

 

يرى رجلاً وامرأة عائدَين بالتأكيد مِن باحة العبرانيّين، ومِن دون أن يبكيا جهاراً، فإنّهما يُظهِران وجهاً متألّماً أكثر منه باكياً. الرجل يسعى للتخفيف عن المرأة. إنّما مِن الواضح أنّه هو الآخر حزين للغاية.

 

يسوع يبتعد عن العمود ويذهب لملاقاتهما. «مِن أيّ شيء تعانيان؟» يَسأَلهما بشفقة.

 

الرجل ينظر إليه، مندهشاً مِن هكذا اهتمام، الّذي قد يظنّه فظّاً. لكنّ عين يسوع وادعة بحيث يستكين لها. إنّما، قبل أن يفضي بألمه، يَسأَل: «كيف يعقل أن يهتمّ رابّي بآلام مؤمن بسيط؟»

 

«لأنّ الرابّي هو أخوكَ، يا رجل. أخوكَ بالربّ، ويحبّكَ كما تقول الوصية.»

 

«أخوكَ! أنا فلّاح مسكين مِن سهل شارون، ناحية دورا. أنتَ رابّي.»

 

«إنّ الرابّيين يتألّمون كما الجميع. أعلم ما هو الألم وأودُّ أن أعزّيكَ.»

 

«المرأة تزيح للحظة حجابها كي تنظر إلى يسوع وتهمس لزوجها: «قل له. ربّما يستطيع مساعدتنا...»

 

«أيّها الرابّي، كان لنا ابنة، لنا ابنة. ما تزال لنا حتّى الآن… وزوّجناها بكرامة مِن شابّ… كان قد ضَمِنَه لنا كزوج صالح، صديقٌ مشترك. إنّهما متزوّجان منذ ستّة أعوام وقد رُزِقا بولدين مِن زواجهما. اثنان… لأنّ المحبّة قد توقّفت بعد ذلك… إلى حدّ أنّ الآن… الزوج يريد الطلاق. إنّ! ابنتنا تبكي وتذوي، لذلك قلنا أنّه ما تزال لنا بعد، فقريباً سوف تموت مِن الألم. لقد جرّبنا كلّ شيء لإقناع الرجل. وقد صلّينا كثيراً إلى العليّ… إنّما لا أحد منهما قد أصغى إلينا… وقد أتينا إلى هنا حاجّيَن لأجل ذلك، وقد بقينا هنا قمراً كاملاً. كلّ الأيّام في الهيكل، أنا في مكاني، والمرأة في مكانها… هذا الصباح، خادم لابنتي حمل إلينا خبراً مفاده أنّ الزوج قد مضى إلى القيصريّة كي يُرسِل إليها مِن هناك كتاب الطلاق. وهذا هو الجواب الّذي نالته صلواتنا...»

 

«لا تتكلّم هكذا، يا يعقوب» تتوسّل الزوجة بصوت هامس. وتُنهي: «سوف يلعننا الرابّي باعتبارنا مجدّفين… وسيعاقبنا الله. هو ألمنا، يأتي مِن الله… و، إذا ما ضَرَبَنا، فهذه إشارة إلى أنّنا استحقّينا ذلك» تختم بنحيب.

 

«لا، يا امرأة. أنا لا ألعنكما. والله لن يعاقبكما. أنا أقول لكما ذلك. وكذلك أقول لكما بأنّه ليس الله هو مَن يسبّب لكما هذا الألم، إنّما الإنسان. الله يسمح به ليختبركما وليختبر زوج ابنتكما. لا تفقدا الإيمان، والربّ سوف يستجيب لكما.»

 

«فات الأوان. إنّ ابنتنا أضحت مطلّقة ولحق بها العار، وسوف تموت...» يقول الرجل.

 

«لا يفوت الآوان أبداً بالنسبة للعليّ. ففي لحظة، ولأجل مثابرة صلاة، يمكنه أن يغيّر مجرى الأحداث. مِن الكأس إلى الشفتين يظلّ هناك وقت للموت كي يولج خنجره ويمنع مَن يدني الكأس مِن شفتيه مِن الشّرب. كذلك بالنسبة لتدخّل الله. أنا أقول لكما ذلك. عودا إلى مكانَيّ الصلاة خاصّتكما، وثابرا اليوم، غداً وبعد غد أيضاً، وإن أجدتما الإيمان، فسوف تريان المعجزة.»

 

«أيّها الرابّي، إنّكَ تريد أن تشدّد عزيمتنا… إنّما في هذه اللحظة… لن يعود ممكناً، وأنتَ تعلم ذلك، إلغاء الكتاب ما أن يُسَلّم للمطلّقة» يصرّ الرجل.

 

«آمن، أقول لكَ ذلك. صحيح أنّه لا يمكن إلغاؤه. إنّما هل تعلم إن كانت ابنتكَ قد استلمته؟»

 

«مِن دورا إلى القيصريّة المسير ليس طويلاً. وفيما الخادم كان قد مضى وصولاً إلى هنا، فمن المؤكّد أنّ يعقوب قد عاد إلى المنزل وطرد مريم.»

 

«المسافة ليست طويلة. إنّما هل أنتَ واثق مِن أنّه قطعها؟ ألا يمكن لمشيئة أسمى مِن إرادة إنسان أن تكون قد أوقفت رجلاً، إن كان يشوع، بمعونة الله، قد أوقف الشمس؟ فهل صلاتكما المثابِرة والواثقة، المؤدّاة بنيّة صالحة، لا تكون ربّما إرادة مقدّسة معارضة لإرادة الرجل الشرّيرة؟ والله، الّذي هو أبوكما، لأنّكما تطلبان أمراً صالحاً، منه، ألا يساعدكما لإيقاف مسير شخص فاقد العقل؟ أما يكون قد ساعدكما بالفعل؟ وكذلك إن كان الرجل لا يزال يعاند في الذهاب، فهل يمكنه ذلك إذا ما ألححتما في طلب أمر حقّ مِن الله؟ أقول لكما: اذهبا وصلّيا اليوم، غداً وبعد غد، وسوف تريان المعجزة.»

 

«آه! هيّا بنا، يا يعقوب! الرابّي يعلم. إذا ما قال بأن نذهب ونصلّي، فتلك إشارة إلى أنّه يعلم بأنّه أمر حقّ. آمِن، يا زوجي. إنّني أشعر بسلام عظيم، رجاء كبير يرتفع حيث كان بي ألم كثير. ليكافئكَ الله، يا أيّها الرابّي الصالح، وليستمع إليكَ. صلّ لأجلنا أنتَ كذلك. تعال، يا يعقوب، تعال» وتنجح في إقناع زوجها، الّذي يتبعها بعد أن يحيّي يسوع بالتحيّة المعتادة للعبرانيّين: «ليكن السلام معكَ» الّتي يجيب عليها يسوع بالصيغة ذاتها.

 

«لماذا لم تقل له مَن أنتَ؟ لكانا صلّيا بسلام أكثر» يقول الرُّسُل، ويضيف فيلبّس: «سأذهب لأقول له.»

 

لكنّ يسوع يبقيه قائلاً: «لا أريد. كان ليصلّي في الواقع بسلام. إنّما بقيمة أقل. إنّما باستحقاق أقلّ. هكذا يكون إيمانهما كاملاً، وسوف يكافأ.»

 

«حقّاً؟»

 

«وهل تريدونني أن أكذب بخداع تعيسَين؟»

 

ينظر إلى الناس الّذين تجمّعوا، حوالي مائة شخص، ويقول: «اسمعوا هذا الـمَثَل الّذي سيخبركم عن قيمة الصلاة الدؤوبة.

 

أنتم تعلمون ما يقوله سفر التثنية متحدّثاً عن القضاة والحُكّام. يجب أن يكونوا عادلين ورحماء، مُنصِتين باتّزان إلى مَن يلجأون إليهم، مفكّرين دوماً بالحكم كما لو أنّ القضيّة الّتي يجب أن يبتّوا فيها كانت قضيّتهم الشخصيّة، دون الالتفات للهدايا أو التهديدات، دون محاباةٍ للأصدقاء المذنبين، ودون قسوة حيال مَن هم على خصام مع أصدقاء القاضي. إنّما، إن كان عادلاً كلام الشريعة، فالبشر ليسوا عادلين بالقدر ذاته، ولا يُحسِنون إطاعة الشريعة. وهكذا نرى أن العدالة البشريّة غالباً ما تكون غير كاملة، فنادرون هم القضاة الّذين يُحسِنون الحفاظ على أنفسهم أنقياء مِن الفساد، رحماء، حليمين حيال الفقراء كما حيال الأغنياء، حيال الأرامل واليتامى، كما هم نحو مَن ليسوا كذلك.

 

كان في مدينة قاضٍ غير جدير بتاتاً بوظيفته، الّتي حصل عليها عن طريق قرابة ذات نفوذ. لقد كان متقلّباً إلى أبعد الحدود في الأحكام، ذلك أنّه كان يميل دوماً إلى الحكم لصالح الأغنياء أو المقتدِرين، أو لصالح مَن كان يوصي بهم الأغنياء أو المقتدرِين، أو لصالح مَن كان يشتريه بهدايا باهظة. هو لم يكن يخشى الله، ويستهزئ بشكاوى الفقراء ومَن كانوا ضعفاء لأنّهم كانوا وحيدين ومِن دون حُماة مقتدرين. وعندما لم يكن يريد أن يستمع لِمَن كان لديه مبرّرات دامغة للتغلّب على غنيّ، بحيث لا  يمكنه أن يُخَطّئه بأيّ شكل مِن الأشكال، كان يطرده مِن حضرته، مهدّداً إيّاه بإلقائه في السجن. وكانت الأغلبيّة ترضخ لعنفه، منسحبة وهي مغلوبة على أمرها ومذعنة لهزيمتها قبل مناقشة القضيّة.

 

إنّما كان في تلك المدينة كذلك أرملة مُثقَلة بأطفال. كان يجب أن تتلقّى مبلغاً كبيراً مِن رجل نافذ لقاء أشغال نفّذها زوجها المتوفّى للغنيّ المقتدِر. وهي، مدفوعة بالحاجة والمحبّة الأُموميّة، سعت لأن تُحَصّل مِن الغنّي المبلغ الّذي كان ليسمح لها بإشباع أطفالها وإلباسهم في الشتاء المقبل. إنّما، وقد باءت بالفشل كلّ الضغوطات والتوسّلات تجاه الغنيّ، فقد لجأت إلى القاضي.

 

والقاضي كان صديقاً للغنيّ، الّذي قال له: "إذا حكمتَ لصالحي فلكَ ثلث المبلغ" لذلك فقد صمّ أذنيه حيال كلام الأرملة الّتي كانت تتوسّله: "أَعِد لي حقّي مِن خصمي. أنتَ ترى أنّني بحاجة إليه. بوسع الجميع القول بأنّ لي الحقّ بهذا المبلغ". فصمّ أذنيه وطردها على يد مساعديه. لكنّ المرأة عادت مرّة، اثنتين، عشر مرّات، صباحاً، في الساعة السادسة، في التاسعة، مساءً، دون كلل. وكانت تتبعه على الطريق صائحة: "أنصفني. إنّ أطفالي يشعرون بالجوع والبرد. لا أملك مالاً لأشتري طحيناً وثياباً". كانت تتواجد عند عتبة منزل القاضي عندما كان يعود ليجلس إلى المائدة مع أبنائه. وصياح الأرملة: "أَعِد لي حقّي مِن خصمي، لأنّني وأطفالي نشعر بالجوع والبرد" كان ينفذ إلى داخل المنزل، إلى قاعة الطعام، إلى غرفة النوم خلال الليل، مُواظِباً كما صياح هدهد: "أنصفني، إن كنتَ لا تريد أن يضربكَ الله! أنصفني. تذكّر بأنّ الأرملة والأيتام مقدّسون عند الله، والويل لِمَن يدوسهم! أنصفني إن كنتَ لا تريد أن تكابد يوماً ما نكابده. إنّ جوعنا، بردنا، سوف تلقاهما في الحياة الأخرى إن لم تُحقّق العدل. أيّها الشقيّ!"

 

ولم يكن القاضي يخاف الله ولم يكن يخاف القريب. إنّما لكونه مُلاحَق على الدوام، ولأنّه وجد نفسه وقد أصبح محطّ سخرية مِن قِبَل المدينة بأكملها بسبب ملاحقات الأرملة، وأيضاً موضوع لوم، فقد تعب. لذلك فذات يوم كَلَّمَ نفسه قائلاً: "رغم أنّني لا أخشى الله، ولا تهديدات المرأة، ولا ما يفكّر به السكّان، ومع ذلك، كي أضع حدّاً لمضايقات كثيرة، فسوف أستجيب للأرملة وأُنصِفها مُجبراً الغنيّ على الدفع. يكفي ألّا تعود تلاحقني وتبقى حولي." ونادى صديقه الغنيّ وقال له: "يا صديقي، لم يعد ممكناً أن أرضيكَ. قم بواجبك وادفع، لأنّني ما عدتُ أحتمل أن أكون مُلاحَقاً بسببكَ. قضي الأمر" واضطرّ الغنيّ لتسديد المبلغ وفقاً للعدالة.

 

هو ذا الـمَثَل. والآن يعود إليكم أنتم أمر تطبيقه.

 

لقد سمعتم كلام إنسان جائر: "كي أضع حدّاً لمضايقات كثيرة سوف أستجيب للمرأة" وقد كان ظالماً. إنّما الله، الآب كلّي الصلاح، أيمكن أن يكون أدنى مِن القاضي الشرّير؟ ألن يحقّق العدالة لأبنائه أولئك الّذين يُحسِنون الابتهال إليه نهاراً وليلاً؟. هل سيجعلهم ينتظرون النعمة طويلاً إلى أن تكفّ نفوسهم المنهكة عن الصلاة؟ أقول لكم: "سوف ينصفهم سريعاً، كي لا تفقد نفسهم الإيمان. إنّما ينبغي مع ذلك أن نُحسِن الصلاة أيضاً، دونما كلل بعد الصلوات الأولى، وأن نُحسِن طلب أمور صالحة. كذلك أن نتّكل على الله قائلين: "ومع ذلك ليكن ما تراه حكمتكَ أكثر فائدة لنا".

 

آمنوا. أَحسِنوا الصلاة بإيمان بالصلاة وبإيمان بالله أبيكم. وهو سينصفكم تجاه مَن يضطهدونكم. سواء كانوا بشراً أم شياطين، أمراضاً أو مصائب أخرى. إنّ الصلاة الـمُثابِرة تفتح السماء، والإيمان يخلّص النّفْس أيّاً كانت الطريقة التي تُسمَع فيها الصلاة وتُستجاب. هيّا بنا!»

 

وينطلق نحو المخرج. إنّه خارج النطاق تقريباً حينما، رافعاً رأسه لينظر إلى القلائل الّذين يتبعونه والكُثُر اللامبالين أو العدائيّين الّذين ينظرون إليه مِن بعيد، يهتف بحزن: «لكن حين سيعود ابن الإنسان، هل يمكن أن يجد بعد إيماناً على الأرض؟» ومتنهّداً يتدثّر أكثر بردائه، سائراً بخطوات واسعة صوب ضاحية عوفل.