ج6 - ف91
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السادس/ القسم الأول
91- (الوداع في بِتّير)
16 / 03 / 1946
لستُ أدري كيف العمل كي أكتُب، للإنهاك الذي أنا فيه بعد أزمات قلبية مستمرّة ليلاً ونهاراً...ولكنّني أرى وينبغي لي أن أكتُب.
أرى يسوع أمام قصر يُوَنّا في بِتّير. في هذا المكان تتّسع الحديقة التي تسبق البيت، مُشكّلة جناحين تُحيطان به، فتتشكّل بذلك ساحة نصف دائريّة، دون أشجار في الوسط، تحيط بها أشجار عتيقة جدّاً وشاهقة. أوراقها الكثيفة تحفّ في النسيم الذي يهبّ على قمّة الرابية، وتُلقي ظلاًّ ملائماً للحماية مِن الشمس عندما تكون في جهة الغرب. تحت الأشجار سياج مِن الورود يَرسم نصف دائرة ملونة ومعطّرة على جانب الساحة. إنّه الغسق. بالفعل، بسبب وضع القصر المرتفع، تُرى الشمس بوضوح نازلة بقوس ذي شأن مِن مدارها في الأفق، وسوف تغيب خلف الجبال في الغرب. فيشير إليها أندراوس لفليبّس مذكّراً إيّاه بالخوف الذي اختبراه، هناك في بيت جِنّا [بيت جِمال]، لدى وجوب تبشيرهما بالربّ. ويُفهَم أنّ بيت جِنّا [بيت جِمال] هي على هذه الجبال حيث، منذ سنة، شفى الربّ بنت صاحب الفندق، في بداية رحلته على شواطئ المتوسّط، إذا ما أسعَفَتني الذاكرة. أنا بمفردي، لا يمكنني الوصول إلى دفاتر الأشهر الماضية للتأكّد، ورأسي لا يتوصّل إلى التذكّر.
الرُّسل جميعهم حاضرون. لم أدرِ كيف جرى لقاء يسوع مع يهوذا. في الظاهر يبدو للأفضل، بالفعل لا يفضح وجهه تحفّظاً ولا امتقاعاً، ويهوذا طليق، مَرِح، كما لو أنّ شيئاً لم يكن. وذلك لدرجة أنّه لطيف حتّى مع الخُدّام الأكثر تواضعاً، الأمر الذي لا يحصل معه بسهولة، والذي يختفي كلّياً عندما يغضب.
هناك أيضاً إليز، التي أتت بالتأكيد مع الرُّسُل، وخادمة إليز، هناك أنستاسيا. وكذلك خُوزي الـمُفرِط في المجاملة، والذي يمسك متيّا بيده؛ ويُوَنّا إلى جانب إليز ومريم الصغيرة إلى جانبها. يوناثان خلف معلّمته.
يسوع يحتمي مِن الشمس، التي ما تزال حادّة على الواجهة الغربية، بِسِتار مشدود بحبال وعواميد، على شكل مظلّة. في المقابل كلّ خدّام وبستانيّي بِتّير، وليس فقط الذين هم في الخدمة المألوفة للمُلكيّة، ولكن أيضاً الذين هم كاحتياطيّين قادمين مِن القرية التابعة للقصر. إنّهم في الظلّ نصف الدائريّ، محتمين مِن الشمس بأوراق الأشجار، بصمت، بترتيب، منتظرين بركة يسوع الذي يبدو مستعدّاً للرحيل في انتظار فقط أن يُعلِن الغسق نهاية السبت.
يسوع يكاد يكون على حِدة، يتحدّث إلى خُوزي. لا أعلم ماذا يقولان، ذلك أنّهما يتكلّمان بصوت خافت، ولكنّني أرى خُوزي يُكثِر مِن الانحناءات والتأكيدات، واضعاً يده اليمنى على صدره كما ليقول: «أعدكَ، يمكنك التأكّد أنّ مِن جِهَتي» إلخ.
يتجمّع الرُّسُل بتحفّظ في إحدى الزوايا. ولكن لا أحد يستطيع منعهم مِن الملاحظة. على وجه بطرس وبرتلماوس مجرّد نظرة مَن يَعلَم بالمقصود. على محيّا الآخرين، ما عدا يهوذا، خوف، تعبير مؤلم خاصّة على وجه يعقوب بن حلفى، يوحنّا، سمعان وأندراوس، بينما يبدو يوضاس بن حلفى مضطرباً وصارماً، ويهوذا الذي يريد أن يبدو طليقاً، ينظر بأكثر انتباهاً مِن الجميع، ويبدو وكأنّه يبغي استجلاء ما يقوله يسوع وخُوزي، مِن خلال الإيماءات وحركة الشفاه.
النساء التلميذات، بصمت، بإجلال، يلاحظن كذلك. وتشرع يُوَنّا بابتسامة لا إراديّة، ساخرة قليلاً في حزنها، وتبدو مُشفِقة على زوجها عندما يُعلِن خُوزي، رافعاً صوته، في نهاية الحديث: «إنّ دَين عرفاني بالجميل هو بحيث أنّني لن أكون قادراً أبداً على إبراء ذمتي منه. لذلك فأنا أمنحكَ أغلى وأعزّ ما لديَّ: حبيبتي يُوَنّا... ولكن عليكَ أن تُدرِك مدى حبّي المتبصّر لها... غيظ هيرودس... دفاعه المشروع عن نفسه... كان سينفجر على ممتلكاتنا، على... نفوذنا... ويُوَنّا معتادة على تلك الأشياء، وهي مرهفة... هي بحاجة إليها... أنا أسهر على مصالحها. ولكن أُقسِم لكَ، الآن وقد تأكَّدتُ أنّ هيرودس لن يسخط عليَّ، كما على خادم لعدوّه متواطئ، فأنا لن أعمل سِوى على خدمتك بفرح تام، مانحاً يُوَنّا كامل الحرّية...»
«حسناً. ولكن تذكّر أنّ مقايضة الخيرات الأبديّة بمجد بشريّ تُماثِل مقايضة حقّ البكوريّة بطبق عدس. بل وأكثر سوءاً...»
لقد سَمِعَت النساء التلميذات الكلام، وكذلك الرُّسُل. وقد كان للكلام تأثير الحِوار الأكاديمي بالنسبة للأغلبيّة، إلاّ أنّ يهوذا الاسخريوطيّ وَجَدَ فيه نبرة خاصّة، وتبدّل لونه وسحنته مُلقِياً على يُوَنّا نظرة خوف وسخط معاً... أُدرك أنّ يسوع لم يحدّثه حتّى الآن عمّا جرى، وفقط الآن بدأ يهوذا يرتاب في أنّ لعبته قد اكتُشفت.
يتوجّه يسوع بالكلام إلى يُوَنّا قائلاً: «حسناً، فلنُرضِ الآن التلميذة الطيّبة. كما رغبتِ أنتِ، سوف أتحدّث إلى خدّامكِ قبل الرحيل.»
يتقدّم إلى حدود الظلّ الذي يتمدّد بقدر نزول الشمس. وهي تهبط ببطء، وأصبَحَت تشبه برتقالة مقطوعة في قاعدتها، ويتنامى القَطْع طالما النجم يهبط خلف جبال بيت جِنّا [بيت جِمال] مخلّفاً احمرار نار في السماء الصافية.
«صديقيّ خُوزي ويُوَنّا، وأنتم، خدّامهما الطيّبين الذين أصبحتم تعرفون الربّ بفضل تلميذي يوناثان منذ سنوات، وبفضل يُوَنّا مذ أَصبَحَت تلميذتي الوفيّة، اسمعوا:
لقد وَدَّعتُ كلّ قرى اليهوديّة، حيث لي عدد أكبر مِن التلاميذ، بفضل عمل التلاميذ الأوائل، الرُّعاة، وبفضل الطريقة التي تجاوبوا فيها مع الكلمة الذي مرّ مُثقِّفاً ليخلّص. الآن أستأذن منكم بالانصراف، إذ إنّني لن أعود مرّة أخرى إلى عدن البديعة هذه. ولكنّ روعتها لا تضفيها عليها فقط شجيرات الورد والسلام الذي يخيّم، وليس فقط مِن المعلّمة الصالحة التي فيها هي الـمَلِكَة، بل إنّما بالإيمان هنا بالربّ وبالحياة بحسب كلمته. جنّة! نعم. ماذا كانت جنّة آدم وحوّاء؟ حديقة رائعة حيث يُعاش بلا خطيئة، وحيث يَصدح صوت الله، المحبوب، والذي يتقبّله وَلَداه الأوّلان بفرح…
لذلك، أنا أحثّكم على السهر لكي لا يحصل ما طرأ على عدن: فلا تَنْدَسّ فيها حيّة الكذب، والنميمة، والخطيئة، لكي لا تعضّ قلبكم مُبعِدة إيّاكم عن الله. اسهروا وكونوا ثابتين في الإيمان... لا تضطربوا. لا تقوموا بأعمال كفر. يمكن لهذا أن يحصل لأنّ الملعون سيدخل، سيحاول الدخول، في كلّ مكان، كما قد دخل في أماكن كثيرة، لتقويض عمل الله. وما دام يدخل المكان، فإنّ ثاقب الفكر، المخادع، الذي لا يتعب، يستقصي ويعير أذنه، يَنصب الفخاخ، يَسيل لعابه، يحاول الغواية، فيبقى هناك بعض الشرّ. لا شيء ولا أيّ كان يمكنه منعه مِن فِعل ذلك. لقد فَعَلَ ذلك في الجنّة الأرضيّة... ولكنّ الشرّ الأكبر هو تركه يُقيم دون طرده. العدوّ الذي لا يُطرَد ينتهي به الأمر لأن يصبح سيّد المكان، ذلك أنّه يستقرّ ويبني فيه مخبأه وحصونه. طارِدوه حالاً، اجعلوه يهرب بسلاح الإيمان، والمحبّة، والرجاء في الربّ. ولكنّ الشرّ الأعظم، قمّة الشرّ، فيما بعد، هو حينما لا يُترَك فقط يعيش بسلام بين الناس، بل عندما يُترَك يَلِج مِن الخارج إلى الداخل، ويُترَك يبني عشّاً في قلب الإنسان. آه! حينئذ!!
ومع ذلك فقد استقبله أناس كثيرون في قلبهم لإحباط المسيح. لقد استَقبَلوا الشيطان مع كلّ ميوله السيّئة طاردين المسيح. وإذا لم يكونوا قد عرفوا المسيح بعد في الحقّ، إذا كانت معرفتهم سطحيّة، كمعرفة المسافرين ببعضهم صدفة باللقاء أثناء السفر، عبر مجرّد النَّظر إلى بعضهم للحظة غالباً، كمجهولين يرون بعضهم لأوّل وآخر مرّة، وأحياناً لتبادل بعض الكلمات فقط للاستفسار عن الطريق الصالحة، لطلب قبضة ملح، لطلب القدّاحة لإضرام النار أو السكين لتحضير اللحم، إذا كانت معرفة المسيح على هذا النمط في قلوب هي الآن، وغداً أكثر، تَطرد المسيح، أكثر فأكثر، لتفسح المجال للشيطان، فيمكن الإشفاق عليهم بعد والتعامل معهم برحمة لأنّهم يَجهلون المسيح. ولكن الويل للذين يعرفونني على ما أنا عليه، في الحقيقة، الذين تغذّوا على كلمتي وحبّي والآن يطردونني ليستقبلوا الشيطان الذي يغويهم بوعود مخادعة بانتصارات بشريّة هي في حقيقتها دينونة أبديّة.
أنتم، أنتم الذين تتواضعون ولا تحلمون بالعروش والتيجان، أنتم الذين لا تبحثون عن أمجاد بشريّة، بل عن السلام وانتصار الله، ملكوته، حبّه، والحياة الأبديّة، وهذا فقط، فلا تنهجوا نهجهم أبداً. اسهروا! اسهروا! حافظوا على أنفسكم أطهاراً مِن كلّ فساد، أقوياء في مواجهة التلميحات، التهديدات، في مواجهة كلّ شيء.»
يهوذا، الذي أَدرَكَ أنّ يسوع يعرف شيئاً ما، تُصبِح سحنته ترابيّة. عيناه تقذفان ومضات سيّئة على المعلّم ويُوَنّا... ينسحب خلف رفاقه، كما ليستند إلى الجدار. في الواقع هو فَعَلَ ذلك ليخفي خيبته.
يتابع يسوع بعد انقطاع قصير يبدو كأنّه للفصل بين الجزء الأول والجزء الثاني مِن تعليمه.
يقول: «في زمن ما كان نَابُوتَ اليَزْرَعيليّ يملك كَرْماً قرب قصر أَخْآبَ، مَلِك السّامرة. كان كَرْماً لآبائه، وبالتالي كان عزيزاً على قلبه، وفي الوقت ذاته مقدَّساً بالنسبة إليه، ذلك أنّه إرث تركه له أبوه، بعد أن ورثه بدوره مِن أبيه، وهذا الأخير مِن أبيه، وهكذا دواليك. أجيال مِن الأجداد ذَرَفَت العَرَق في هذا الكرم لجعله أكثر ازدهاراً وأكثر جمالاً. كان نَابُوتَ يحبّه كثيراً. قال له أَخْآبَ: "تنازل لي عن كرمكَ الملامس لبيتي، وبالتالي سيكون مفيداً لي كثيراً لأجعل منه حديقة لي وللذين معي. وبالمقابل، سأعطيكَ كَرْماً أفضل، أو مالاً إن كنتَ تُفضّل ذلك." ولكنّ نَابُوتَ أجاب: "أنا آسف لعدم إرضائكَ، أيّها الـمَلِك، ولكن لا يمكنني إسداء هذه الخدمة لكَ. هذا الكَرْم إرث مِن آبائي وهو مقدَّس بالنسبة إليَّ. حاشا لي مِن قِبَل الربّ أن أعطيكَ ميراث آبائي."
فلنتأمّل في هذه الإجابة. قليلون جدّاً هم الذين يتأمّلونها، قليلون جدّاً في اسرائيل. وكثيرون، الأغلبيّة، أولئك الذين تكلّمتُ عنهم سابقاً، يطردون المسيح بسهولة لاستقبال الشيطان، دون اكتراث بإرث الآباء، على الرغم مِن امتلاكهم لمال كثير أو الكثير مِن الأراضي، يعني الكثير مِن الأمجاد والتأكّد مِن عدم إزاحتهم بسهولة، فيرضون بالتنازل عن إرث آبائهم، أي الفكرة المَسيّانيّة بما هي عليه في الحقيقة، كما أوحي بها لقدّيسي اسرائيل، والتي ينبغي أن تكون مقدّسة في أدقّ تفاصيلها، ينبغي ألاّ تُهمَل، ألاّ تُفسَد، ألا تُنتَقَص بتحديدات بشريّة. كم، كم وكم هُم الذين يقايضون الفكرة المَسيّانيّة النيّرة، الكاملة القداسة والكاملة الروحانيّة، مقابل دمية مُلك بشريّ متزعزعة كالفزّاعة لتحدّي ولعن المرجعية والحقّ!
أنا، الرحمة، لا أتوصّل إلى لعنهم بلعنات موسى الرهيبة لمنتهكي الشريعة. ولكن خلف الرحمة العدل. فليتذكّر ذلك كلّ واحد!
أنا، مِن جهتي، أذكّرهم -وإذا كان هنا أحد منهم، فليتقبّل هذا التنبيه بطيب خاطر- أُذكّر بأقوال أُخرى لموسى قيلت للذين كانوا يريدون أن يكونوا أكثر ممّا اختاره الله لهم. فقد قال موسى لقورح وداثان وأبيرام، الذين كانوا يعتبرون أنفسهم مساوين لموسى وهارون، ويتمرّدون لكونهم ليسوا سوى أبناء لاوي في شعب اسرائيل: "غداً يُعلِن الربّ مَن هو له ومَن المقدَّس فيقرّبه إليه، والذين يختارهم سيقتربون منه، فاجعلوا في مجامركم ناراً وألقوا فيها بخوراً أمام الربّ، وتعالوا أنتم وذووكم مع هارون. وسنرى مَن يختار الربّ. تتعالون إلى حدّ ما، يا أبناء لاوي!"
أنتم، أيّها الاسرائيليّون الصالحون، تعلمون ما كان ردّ الله على الذين كانوا يتعالون إلى حدّ ما، ناسين أنّ الله يختار أماكن أبنائه، ويختار، ويختار بعدل، ويختار بدقّة. أنا كذلك، ينبغي لي القول: "هناك البعض يريدون التعالي بعض الشيء، وسيُعاقَبون بشكل يُدرِك منه الصالحون أنّهم جدّفوا على الربّ."
الذين يقايضون الفكرة المَسيّانيّة، كما أوحى بها تعالى، بفكرتهم البائسة، البشريّة، الثقيلة، المحدودة والمنتقمة، ألا يشبهون أولئك الذين كانوا يريدون الحكم على قداسة موسى وهارون؟ أولئك الذين مِن أجل بلوغ هدفهم، وتحقيق فكرتهم البائسة، يريدون أخذ المبادرات بأنفسهم، بكبرياء معتبرين إيّاها أكثر عدلاً مِن أفكار لله، أفلا يبدو لنا أنّهم يريدون التعالي كثيراً، وِمن سلالة لاوي يريدون أن يصبحوا بطريقة غير شرعيّة مِن سلالة هارون؟ الذين يحلمون بِـمَلِك لاسرائيل مسكين ويفضّلونه على مَلِك الملوك الروحيّ، الذين، بسبب عيونهم المريضة يفرزون الكبرياء والجشع اللذين يمدّانهم بصورة مشوّهة عن الحقائق الأبديّة المدوّنة في الكتب المقدّسة، والذين تجعلهم الحرارة البشريّة المفعمة بالشهوات الجسديّة لا يفهمون الكلمات النيّرة للحقيقة الموحى بها، أليسوا أولئك الذين يقايضون إرث كلّ سلالتهم بشيء لا قيمة له؟ الإرث الأكثر قداسة؟
ولكن إن هم فعلوا ذلك، فأنا لن أقايض إرث الآب والآباء، وسأموت أميناً للوعد الذي عاش منذ اللحظة التي كان الفداء فيها ضروريّاً، لهذه الطاعة التي منذ الأزل، ذلك أنّني لم أُخيّب أمل أبي مطلقاً ولن أخيّب أمله خوفاً مِن موت مهما كان فظيعاً. فليتزوّد أعدائي بشهود الزور، وليتظاهروا بالغيرة والممارسات الكاملة، وهذا لن يغيّر شيئاً مِن جريمتهم ومِن قداستي. أمّا الذي والذين سيكونون شركاء في الجريمة بعد الإفساد، سيظنّون إمكانيّة مدّ يدهم على ما يخصّني، سيَلقون الكلاب والنسور الذين سيتغذّون على دمهم، على جسدهم على الأرض، والشياطين الذين سيتغذّون على روحهم المدنِّس للقدسيّات، مدنِّس القدسيّات وقاتل الإله، في جهنّم.
قلتُ لكم هذا لتعرفوه. ليعرفه كلّ واحد. مِن أجل أن يتمكّن السيّئ مِن التوبة، طالما هي إمكانيّة ذلك متاحة مقتدياً أَخْآبَ، ومِن أجل ألاّ يَضطَرِب مَن كان صالحاً ساعة الظلمات.
يا أبناء بِتّير، وداعاً، وليكن إله اسرائيل معكم دائماً، وليُسقِط الفداء نَدَاه على حقل طاهر، ويُنبِت فيه البذار الذي بَذَرَه في قلوبكم المعلّمُ الذي أحبّكم حتّى الموت.»
يباركهم يسوع وينظر إليهم يمضون على مهل. يُقبِل الغسق. صبغة حمراء فقط تتدرّج ببطء إلى لون بنفسجيّ، تبقى كمجرّد ذكرى للشمس. راحة السبت انتهت. يمكن ليسوع أن يمضي. يُعانِق الصغار، يحيّي النساء التلميذات، يحيّي خُوزي. وعلى عتبة البوّابة، يلتفت مرّة أخرى ويقول بصوت مرتفع، يسمعه الجميع: «سأتحدّث، عندما أستطيع إلى ذلك سبيلاً، إلى هذه الخلائق. أمّا أنتِ، يا يُوَنّا، اسهري على أن تجعليهم يعرفون أنّه ليس فيَّ سوى عدوّ الخطأ ومَلِك الروح. وتذكّره أنتَ كذلك، يا خُوزي. ولا تخشَ شيئاً. ليس لأحد أن يخاف منّي. ولا حتّى الخطأة، لأنّني الخلاص. فقط على غير التائبين حتّى الموت أن يخافوا مِن المسيح الذي سيكون الديّان بعد أن كان الحبّ كلّه... السلام معكم.» ويخرج في المقدّمة ويبدأ بالنـزول...