ج3 - ف3

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثالث / القسم الأول

 

3- (السامرية فوتينا)

 

22 / 04 / 1945

 

«أتوقّف هنا. اذهبوا إلى المدينة وابتاعوا كلّ ما يَلزَم مِن طعام. سوف نتناول طعامنا هنا.»

 

«أونذهب جميعنا؟»

 

«نعم يا يوحنّا. يَحسن أن تذهبوا جماعة.»

 

«وأنتَ؟ تبقى وحيداً؟... إنّهم سامريّون...»

 

«لن يكونوا الأسوأ بين أعداء يسوع. هيّا، هيّا. وفي أثناء انتظاري إيّاكم أصلّي مِن أجلكم ومِن أجلهم.»

 

ويَمضي التلاميذ على مضض، ويعودون ثلاث أو أربع مرات لينظروا إلى يسوع الذي يَجلس على جدار صغير تحت الشمس قرب حافّة بئر منخفضة وواسعة. إنّها بئر كبيرة بمثابة صهريج لوسعها. تُظلّلها في الصيف أشجار كبيرة، وهي الآن عارية. لا يُرى الماء، ولكن الأرض قرب البئر تُظهِر بوضوح أنّ الماء قد أُخرِج منها، وذلك مِن خلال بِرَك صغيرة وآثار دائرية لبعض الأواني الرطبة. يَجلس يسوع ويتأمّل بمظهره المعتاد، مِرفَقاه مُستَنِدان إلى ركبتيه ويداه مضمومتان إلى الأمام، جسمه منحنٍ قليلاً ورأسه إلى الأرض. ثمّ يَشعر بأشعّة شمس ناعمة تدفئه ويترك معطفه ينـزلق مِن على رأسه وكتفيه، بينما ما يزال منطوياً على صدره.

 

يَرفَع رأسه ليبتسم لمجموعة مِن عصافير الدوري الـمُشاغِبة تتنازَع على كِسرة خبز كبيرة سقطت مِن أحدهم قرب البئر. ثمّ تهرب العصافير لدى وصول امرأة إلى البئر مصطحبة معها جرّة فارغة تمسكها مِن أذنّها بيدها اليسرى، بينما يدها اليمنى تُزيح بدهشة الحجاب لترى الرجل الجالس هنا. يبتسم يسوع لتلك المرأة التي يُقدَّر عمرها بحوالي الخامسة والثلاثين أو الأربعين سنة، وهي كبيرة القدّ، ذات قَسَمات واضحة جدّاً، إنّما جميلة. فهي مِن الطراز الأسبانيّ بسحنتها التي تميل إلى اللون الزيتونيّ، أمّا شفتاها فحمراوان جدّاً وسميكتان، عيناها سوداوان وحاجباها كثيفان جدّاً، والضفائر بلون الليل وهي تبدو مِن تحت الحجاب الرقيق. حتّى التقاطيع التي تميل إلى البدانة، تُظهِر بوضوح النموذج الشرقيّ الـمُلَطَّف قليلاً، كذاك الذي للنساء العربيّات. وهي ترتدي ثوباً ذا خطوط متعدّدة الألوان، محصوراً بحزام منبسطاً عند الوركين والصدر، ويتدلّى بعدئذ حُرّاً متموّجاً حتى الأرض. كَمّ مِن الأساور والخواتم في اليدين المربربتين والسمراوين وفي المعصمين الظاهرين مِن تحت الكُمّ الكتّانيّ. في العنق عقد ثقيل تتدلّى منه ميداليّات أَحسَبها حُجُباً، فهي تحوي كلّ الأشكال. قُرطَان ثقيلان يتدلّيان حتّى العنق ويَلمَعان تحت الحجاب.

 

«السلام لكِ أيّتها المرأة، هل تعطينني لأشرب؟ لقد سِرْتُ كثيراً وأشعر بالظمأ.»

 

«ولكن ألستَ يهوديّاً؟ وتطلب منّي لتشرب وأنا سامريّة؟ ماذا حَصَلَ إذن؟ هل رُدَّ لنا اعتبارنا أم أنتم متواضعون؟ بالتأكيد حَدَثْ عظيم قد تمّ، حتّى يتحدّث يهوديّ إلى سامريّة بتهذيب. حينئذ ينبغي لي أن أقول لكَ: "لن أعطيكَ شيئاً. لأقتصّ مِن خلالكَ عن كلّ الإهانات التي أَلحَقَها اليهود بنا منذ دهور".»

 

«حسناً قُلتِ بأنّ حَدَثاً عظيماً قد تمّ، ولأجل ذلك أمور كثيرة تَبدَّلَت وأمور أكثر بكثير سوف تتبدّل. فإنّ الله قد مَنَحَ العالم عَطيّة عظيمة. ولأجل ذلك أمور كثيرة تَبدَّلَت. ولو كنتِ تعرفين عطيّة الله ومَن هو الذي يقول لكِ: "أعطيني لأشرب"، لسألتِه أنتِ فيعطيكِ ماءً حيّاً.»

 

«الماء الحيّ في عُروق الأرض، وهو في هذه البئر، والماء إنّما هو لنا.» المرأة مُتهكِّمة ومَزهوّة.

 

«الماء لله هو. كما الصَّلاح لله. كلّ شيء إنما هو مُلك لإله واحد، يا امرأة. والله هو مَصدَر كلّ الناس: السامريّين كما اليهود. وهذه البئر أليست ليعقوب؟ ويعقوب أليس هَامَة سُلالتنا؟ وإذا ما تَفَرَّقنا بعدئذ بسبب خطأ ما فهذا لا يُغيّر شيئاً مِن أصولنا.»

 

«هذا خطأنا، أليس كذلك؟» تَسأَل المرأة بعدوانيّة.

 

«ليس خطأنا ولا خطأكم. إنّه خطأ مَن غابت عنه المحبّة والعدالة. أنا لن أطعن بكِ ولا بِسُلالتكِ. فلماذا تريدين أن تكوني عدوانيّة؟»

 

«أنتَ أوّل يهوديّ أَسمَعه يتكلّم هكذا. الآخرون... ولكن لِنَعُد إلى موضوع البئر، نعم، إنّه بئر يعقوب، ومياهه غزيرة ونقيّة لدرجة أنّنا، نحن أهل سيخار، نُفضِّلها على مياه كلّ الينابيع. ولكنّها عميقة جدّاً، وليس لديكَ ما تستقي به، لا جَرّة، ولا شيء آخر، فكيف لكَ أن تسقيني ماءً حيّاً؟ هل أنتَ أعظم مِن يعقوب أبينا الذي أَوجَدَ هذه البئر الغزيرة له ولأولاده ولماشيته، وقد تَرَكَها لنا هديّة وإحياء لذكراه؟»

 

«أنتِ قُلتِ. ولكنّ الذي يشرب مِن هذا الماء فلا بد له مِن أن يَعطَش مجدّداً. وأمّا الذي يشرب مِن الماء الذي أعطيه إيّاه أنا فلن يَعطَش أبداً. إنّما لا يملك هذا الماء أحد سواي، وأنا أمنحه لمن يطلبه. الحقّ أقول لكِ إنّ الذي يقتني الماء الذي سأعطيه إيّاه سيشعر بالارتواء على الدوام ولن يعطش أبداً، إذ إنّ الماء الذي أعطيه إيّاه يصير فيه نبع ماء يتفجّر للأبد.»

 

«كيف؟ لستُ أفهم. هل أنتَ مجوسيّ؟ كيف يمكن لإنسان أن يُصبِح بئراً؟ الجَّمَل يشرب ويحتفظ بمؤونة في تجويف بطنه. ولكنّه يستهلكها فيما بعد ولا تدوم له مدى الحياة. وأنتَ تقول إنّ مياهكَ تدوم مدى الحياة؟»

 

«وأكثر أيضاً: إنّها تتدفّق حتى الحياة الأبديّة. مَن يشرب منها تتفجّر فيه حتّى الحياة الأبديّة وتمنحه بذور الحياة الأبديّة. ذلك أنّها نبع سلام.»

 

«أعطِني مِن هذه المياه إذا كان صحيحاً أنّكَ تملكها. فأنا أتعب في المجيء إلى هنا. لو أَقتَنيها فلا أعود أعطش ولا يصيبني مرض أو تُدرِكني شيخوخة.»

 

«ألا يُتعِبكِ غير هذا؟ ولا أي شيء آخر؟ ولا تشعرين بالحاجة إلى غير سَحب الماء للشرب وإرواء جسدكِ البائس؟ فَكّري. هناك ما هو أعظم مِن الجسد: النَّفْس. فيعقوب لم يعط فقط الماء مِن الأرض له ولأتباعه. ولكنّه اهتمّ بأن يؤمّن لنفسه وللآخرين القداسة، ماء الله.»

 

«لِمَ تنعتوننا بالوثنيّين... فإذا كان ما تقولونه صحيحاً، فلا يمكننا أن نكون قدّيسين...» لقد تَخلَّت المرأة عن لهجتها الوَقِحة والتهكّمية، وخَضَعَت وهي مضطربة قليلاً.

 

«حتى الوثنيّ بإمكانه أن يكون فاضِلاً. والله العادل يكافئه مِن أجل الخير الذي يَفعَل. لن تكون المكافأة كاملة، ولكنّني أقول لكِ: ما بين مؤمن لَطَّخَته خطيئة ثقيلة وَوَثنيّ بلا خطيئة، فإنّ الله يَنظُر إلى الوثنيّ بأقلّ حَزماً. وإذا ما عرفتم أن تكونوا هكذا، فلماذا لا تأتون إلى الله الحقّ؟ ما اسمكِ؟»

 

«فوتينا.»

 

«حسناً، أجيبي يا فوتينـا. ألا تتألّمين مِن عدم تمكّنكِ مِن تنشّق القداسة بسبب كونكِ وثنيّة كما تقولين، لأنّكِ وسط غيوم خطأ قديم كما أقول أنا؟»

 

«بلى أتألّم لذلك.»

 

«إذاً لماذا لا تعيشين على الأقلّ كوثنيّة فاضِلة؟»

 

«سيّدي!‍...»

 

«نعم، هل يمكنكِ إنكار ذلك؟ اذهبي وادعي زوجكِ وعودي برفقته.»

 

«ليس لي زوج...» ويتعاظم اضطراب المرأة.

 

«أَصَبتِ إذ قُلتِ ليس لي زوج. فلقد اتَّخَذتِ خمسة أزواج، والذي بصحبتكِ اليوم ليس زوجكِ. هل كان ذلك ضروريّاً؟ حتى ديانتكِ لا تُجيز النّجاسة. والوصايا العشر تَعمَلون بها أنتم أيضاً. فلماذا إذن تعيشين هكذا، يا فوتينا؟ ألا تشعرين بالتعب بمنحكِ جسدكِ لعدد مِن الرجال بدل أن تكوني الزوجة الشريفة لزوج واحد فقط؟ ألا تخشين شيخوختكِ حينما تجدين نفسكِ وحيدة مع ذكرياتكِ؟ مع ندمكِ؟ ومع خوفكِ؟ نعم حتى هذا. الخوف مِن الله ومِن الأشباح. أين هم أولادكِ؟»

 

تُطأطئ المرأة رأسها ولا تتكلّم.

 

«لم تحصلي عليهم على الأرض. ولكنّ نفوسهم الصغيرة، التي حَرَمتِها رؤية نور النهار، تُوجِّه إليكِ الاتّهامات على الدوام. حُليّ... ثياب فاخِرة... منـزل ثريّ... طاولة عامِرة بكلّ ما لَذَّ وطاب... نعم، ولكنّ الفراغ والدموع والبؤس الداخليّ. إنّكِ مُهمَلة يا فوتينا. ولا يمكنكِ أن تصبحي غنية بغير ندامة صادقة لقاء مغفرة الله وبالتالي مسامحة أبنائكِ.»

 

«سيّدي، أرى أنّكَ نبيّ، وإنّني لَخَجِلة...»

 

«وعندما ترتكبين الخطيئة أفلا تشعرين بذاك الخجل تجاه الآب الذي في السماوات؟ لا تبكي مِن القنوط أمام الإنسان... تعالي هنا، يا فوتينا، إلى جانبي، وسأحدّثكِ عن الله. قد لا تكونين عَرَفتِه جيّداً. ولذلك، حتماً لذلك أخطأتِ كثيراً. لو كنتِ عرفتِ جيّداً الإله الحقيقيّ لما كنتِ سَعَيتِ إلى الانحطاط بهذا الشكل. ولكان هو سيكلّمكِ ويأخذ بيدكِ...»

 

«سيّدي، لقد تَعَبَّدَ آباؤنا في هذا الجبل. وأنتم تقولون: إنّ أورشليم هي المكان الذي فيه يجب التعبُّد. وأنتَ تقول إنّه لا يوجد سوى إله واحد. فساعدني لأرى أين وكيف ينبغي التعبُّد...»

 

«صَدِّقيني أيّتها المرأة. ستأتي ساعة تَعبدون فيها الآب، لا في جبل السامرة ولا في أورشليم. أنتم تَعبدون ما تجهلون، وأمّا نحن فنعبد ما نعرف، لأنّ الخلاص إنّما هو آتٍ مِن اليهود. أُذكِّركِ بالأنبياء. ولكن ستأتي الساعة، بل لقد أتت الآن، يَعبد فيها العِباد الصادقون الآب بالروح والحقّ، ليس بحسب الطقوس القديمة، بل بحسب الطقس الجديد، حيث لم يعد هناك أَضاحٍ، ولا محرقات حيوانات. بل إنّما الذبيحة الأزليّة للقربان المنـزّه عن الدَّنَس الذي أُحرِق بنار المحبّة. عِبادة روحيّة في ملكوت روحيّ. وسيٌدركها أولئك الذين يعرفون العِبادة بالروح والحقّ. الله روح. ويجب على العِباد أن يَعبدوه بالروح.»

 

«كلامكَ مقدّس. وإنّي أَعلَم، حيث إنّنا نَعلَم بعض الأمور، أنّ ماشيحا على وشك أن يأتي. وماشيحا الذي يُدعى أيضاً "المسيح" متى أتى أَنبَأَنا بكلّ شيء. وعلى مقربة مِن هنا يوجد كذلك الذي يُقال له السابق. ويذهب الكثيرون للاستماع إليه. ولكنّه صارم جدّاً‍!... أمّا أنتَ فوديع... والنُّفوس المسكينة لا ترهبكَ. أُفكِّر أن المسيح سوف يكون وَديعاً. مَلِك السلام يُدعى. هل سيتأخّر كثيراً في المجيء؟»

 

«لقد قُلتُ لكِ إنّ أوانه قد حان.»

 

«كيف تعرف ذلك؟ ألعلكَ أحد تلاميذه؟ السابق لديه تلاميذ كثيرون. والمسيح سوف يكون لديه كذلك.»

 

«أنا هو. أنا الذي أُكلّمكِ، المسيح يسوع.»

 

«أنتَ!... آه!...» وَهَبَّت المرأة التي كانت جالسة قرب يسوع واقفة، وهَمَّت بالفرار.

 

«لماذا تهربين يا امرأة؟»

 

«لأنّ الرعب قد تَـمَلَّكَني لجلوسي إلى جانبكَ. فإنّكَ قدّيس، أنتَ...»

 

«أنا الـمُخلِّص. ولقد أتيتُ هنا -ولم يكن ذلك ضروريّاً- لأنّني كنتُ أَعلَم أنّ نفسكِ تَعِبَة مِن خطاياكِ وقد أصابكِ الغثيان مِن أَطعِمَتكِ... أتيتُ أمنحكِ غذاء جديداً يُخلّصكِ مِن الغثيان والتعب... ها هم تلاميذي يعودون ومعهم القُوت. ولكنّني قد شَبِعتُ مِن جراء منحكِ كِسَر الغذاء الأولى.»

 

يُحدِّق التلاميذ في المرأة بأكثر أو أقلّ خفاء، ولكنّ أحداً لا يتكلّم. وهي تمضي مِن غير أن تعود تُفكّر بالماء ولا بالجرّة.

 

«هو ذا يا معلم» يقول بطرس. «لقد أَحسَنوا معاملتنا. يوجد جبن وخبز طازج وزيتون وتفّاح. خُذ ما تريد. حسناً فَعَلَت المرأة بتركها جَرَّتها، فسنفعل بأسرع ما يمكننا فِعله بمطراتنا الصغيرة فقط. سوف نشرب ونملأ المطرات دونما حاجة إلى طلب أيّ شيء مِن السامريّين، ودون مُحاذاة ينابيعهم. ألا تأكل؟ كُنتُ أودُّ لو أَجِد لكَ سمكاً، إنّما لا يوجد. فقد يكون ذلك مُرضيّاً لكَ أكثر. إنّكَ تَعِب وشاحب اللون.»

 

«لديَّ طعام لا تعرفونه، وسيكون هو غذائي، وبه أتقوّى جيّداً.»

 

أَخَذَ التلاميذ ينظرون إلى بعضهم ويتساءلون.

 

يُجيب يسوع على تساؤلاتهم الصامتة: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أَرسَلَني، وأن أُتمّم عمله الذي يرغب أن أُتمّه. عندما يَرمي الزَّارع البِذار، فهل يمكنه القول بأنّه أَنجَزَ عمله وبأنّه حَصَلَ على الغِلال؟ لا، بالتأكيد، وكم يبقى له مِن العمل ليقول: "هو ذا عملي قد أُنجِز"! وحتى تلك الساعة لا يمكنه الاستكانة إلى الراحة. ارفعوا عيونكم وانظروا إلى هذه الحقول تحت شمس الساعة السادسة المرحة. فمنذ شهر أو حتّى أقلّ كانت الأرض عارية ومتجهّمة لأنّ الأمطار طَرَقَتها. الآن انظروا. لقد ظَهَرَت سنابل قمح لا تُحصى. باخضرار عَذب جـدّاً يبدو في هذا النور أكثر إشـراقاً، وهي تغطّي الأرض بغطاء خفيف يكاد يكـون أبيض اللون. إنّها تُشكِّل الموسم الآتي، ولدى رؤيتها تقولون: "بعد أربعة أشهر يحين الحصاد. ويَستَأجِر المزارعون حاصِدين، لأنّه إذا كان زارع واحد يكفي للبِذار، فإنّ الحصاد يستلزم عدداً كبيراً مِن الحاصِدين. ويفرح الزَّارعون والحاصِدون معاً، الزَّارع الذي بَذَرَ كيس حَبّ صغيراً واحداً وعليه الآن تهيئة أهراءاته (مخازنه) للحَصاد، تماماً مثل الحاصِدين الذين، نتيجة عمل بضعة أيّام، يَكسَبون ما يكفي لِقُوت حياتهم خلال أشهر". كذلك الأمر يكون في حقل الروح، فالذين يحصدون ما زَرَعتُ أنا، يفرحون معي ومثلي، لأنّني سأمنحهم أَجري وما يَستَحِقّون. سأمنحهم ما يكفيهم ليحيوا في ملكوتي الأبديّ. فأنتم ما عليكم سوى الحصاد؛ والعمل الأكثر قسوة، أنا الذي أَنجَزتُه، ومع ذلك أقول لكم: "هلمّوا احصُدوا في حقلي. إنّني سعيد برؤيتكم تَحمِلون حُزَماً مِن حَصادي. وعندما سأبذُر كلّ الحَبّ بلا كَلَل وفي كلّ مكان، وتحصدون أنتم، حينئذ تتمّ مشيئة الله، وسأجلس على عرش أورشليم السماويّة". ها هم السامريّون مُقبِلون مع فوتينا. فلتُعامِلوهم بمحبّة. إنّهم نٌفوس مُقبِلة إلى الله.»