ج5 - ف57
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الخامس/ القسم الثاني
57- (الخميس السابق للفصح. /I/)
23 / 01 / 1946
بالكاد ينبلج الفجر. ولكنّ الرجال أضحوا يتسابقون مع العصافير التي تتحرّك في بدايات طيرانها، الأعمال الأولى وأناشيد النهار الأولى. بيت جَثْسَيْماني يستيقظ عل مهل ليجد نفسه وقد سبقه المعلّم الذي يعود الآن مِن الصلاة التي أدّاها مع إشراقة الفجر الأولى، هذا إن لم يكن عائداً مِن صلاة دامت الليل كاملاً.
إنّه الاستيقاظ البطيء لحقل الجليليّين القريب، على هضبة جبل الزيتون. الصيحات والنداءات تجتاز الجوّ الصافي، وقد خَفَّت عَبْر المسافة، إنّما هي واضحة بما يكفي لإدراك أنّ الحجاج الوَرِعين المجتمعين هناك سوف يُعاوِدون الطقوس الفصحيّة التي انقطعت في المساء السابق.
تستيقظ المدينة هناك؛ إنّها بداية الصياح الذي يملؤها في أيّام الزِّحام تلك، مع نهيق الحمير، صيحات السبّاخين وبائعي الحملان الذين يتزاحمون على البوّابات للدخول، ومع الثغاءات المؤثّرة للغاية لمئات الحملان التي، على عربات أو على المناكب أو البرادع أو بالعصيّ، هي ماضية إلى مصيرها المأساويّ وتنادي أُمّهاتها، باكية لابتعادها عنها، غير عالمة بوجوب البكاء على حياتها التي بلغت نهايتها المبكّرة للغاية. ثمّ يتنامى الضجيج أكثر فأكثر في أورشليم، مع وطء الأقدام على الطرقات، والنداءات مِن شُرفة لأخرى ومِن هذه وتلك إلى الطريق، أو العكس. وتَصِل الضوضاء، كتلك التي للمدّ وقد خَفَّت عَبْر المسافة، حتّى حوض جَثْسَيْماني الساكن.
شعاع أوّل للشمس يضرب مباشرة واحدة مِن قُبَب الهيكل الغنيّة وتؤجّجها بأكملها كما لو أنّ الشمس كانت قد هبطت إلى الأرض، شمس صغيرة حطّت على قاعدة بيضاء، ولكنّها على صغرها بهيّة للغاية.
التلاميذ، رجالاً ونساءً، ينظرون بإعجاب إلى نقطة الذهب تلك. إنّه بيت الربّ! إنّه الهيكل! لإدراك ما كان يعنيه هذا المكان للإسرائيليّين، يكفي رؤية تلك النَّظَرات المثبّتة. يبدو وكأنّهم يشاهدون، عَبْر بريق الذهب الذي تؤجّجه الشمس، وجه الله الكلّيّ قدسه يُشرِق. إنّ عشق الوطن والافتخار المقدَّس بالانتماء يَظهَران في تلك النَّظَرات أكثر مما لو كانت الشّفاه تنطق.
بورفيرا، التي لم تذهب إلى أورشليم منذ سنوات، تغرورق الدموع في عينيها مِن شدّة تأثّرها، بينما، باللاشعور، تشدّ على ذراع زوجها الذي يشير لها بيده إلى ما لستُ أدري ما هو. تستسلم له قليلاً، وكأنّي بها عروس حديثاً، مولهة بزوجها، ممتلئة إعجاباً به، سعيدة بأنّها تتعلّم بعنايته.
في هذه الأثناء، تتحدّث النساء الأخريات بهدوء، بكلمات مقتضبة، للاستعلام عن برنامج اليوم. أنستاسيا، وهي ما تزال غريبة عن الأجواء ومضطربة قليلاً، تتنحّى مستغرقة في أفكارها. مريم التي تتحدّث إلى مارغزيام، تراها وتدنو منها وهي تمرّر الذراع حول قامتها.
«هل تشعرين أنّكِ وحيدة قليلاً يا ابنتي؟ إنّما اليوم سوف يكون الحال أفضل. أترين؟ ها هو ابني يعطي أوامره للرُّسُل ليمضوا إلى نساء تلميذات لإعلامهنّ بالاجتماع وانتظاره بعد الظهر في بيت يُوَنّا. فهو، بالتأكيد، يريد التحدّث إلينا، خاصّة إلينا نحن النساء، وحتماً، قبل ذلك، قد مَنَحَكِ أُمّاً. هي طيّبة، أتعلمين؟ أعرفها مُذ كنتُ في الهيكل. منذ ذلك الحين كانت أُمّاً لأصغر الفتيات. وهي ستتفهّم قلبكِ لأنّها هي أيضاً قد تألَّمَت كثيراً. ابني شفاها، العام الماضي، مِن اكتئاب مميت تَـمَلَّكَها بعد موت وَلَديها. أُكلّمكِ عنها لتعلمي أنّها، منذ الآن، ستكون هي التي تحبّكِ وتحبّينها. لذا، فما قلتُهُ العام الماضي لبطرس الذي كان يتقبّل مارغزيام كابن، أقوله لكِ: "لا تُضنِيَنَّ هذه العاطفة قلبكِ في إرادته خدمة يسوع". فلو كان الأمر كذلك، لكانت عطيّة الله مؤذية لكِ أكثر مِن البرص، لأنّها تُخمِد فيكِ الإرادة الصادقة التي يُفتَرَض أن تمنحكِ يوماً امتلاك الملكوت.»
«لا تخافي أيّتها الأُمّ. فبقدر ما يتعلّق الأمر بي، سوف أعمل على أن أجعل مِن هذه العاطفة شعلة تؤجّجني باطّراد في خدمة الربّ. لن أذوي فيها ولن أُثقِل على إليز، بل بالأحرى، معاً، سوف ندعم بعضنا ونشجّع بعضنا في منافسة مقدّسة. سوف نطير على طريق الربّ بمعونته.»
وبينما الحديث جارٍ، مِن حقل الجليليّين، مِن المدينة، ومِن البيوت المنتشرة على السفوح، أو مِن الضاحية المتاخمة للمدينة، على واحدة مِن الطريقين الواصلتين بين أورشليم وبيت عنيا، وبالتحديد على الطريق الأطول التي نادراً ما يتبعها يسوع، يَفِد التلاميذ، الجُّدُد والقدامى، وآخر الوافدين فليبّس مع عائلته، توما بمفرده، وبرتلماوس مع زوجته.
«أين هما ابنا حلفى وسمعان ومتّى؟» يَسأَل توما الذي لا يراهم.
«لقد تقدّمونا. الاثنان الأخيران إلى بيت عنيا لإبلاغ الأخوات أن يتواجدن بعد الظهر في بيت يُوَنّا؛ الأوّلان في بيت يُوَنّا وأناليا ليقولا لهما إنهنّ سوف يكنّ في بيت يُوَنّا بعد الظهر. سوف نكون في الساعة الثالثة عند الباب المذهّب. هيّا بنا، في هذه الأثناء، نُقدِّم الصَّدَقات للسائلين والبرص. فليتقدّم برتلماوس مع أندراوس لشراء القُوت لهؤلاء. سوف نتبعهما على مهل، متوقّفين عند ضاحية أوفل، قرب الباب، للذهاب فيما بعد إلى البرص المساكين.
«جميعاً؟» يَسأَل البعض بحماس قليل.
«الجميع، ذكوراً وإناثاً. الفصح يجمعنا هذا العام كما لم يكن ممكناً أبداً. فلنفعل معاً ما سوف يكون واجب الرجال والنساء الذين سيتصرّفون باسمي. ها هو يهوذا بن سمعان يُقبِل مُسرِعاً. هذا يفرحني لأنّني أريد أن يكون هو كذلك معنا.»
بالفعل، يَصِل يهوذا وهو يَلهَث. «هل أنا متأخّر يا معلّم؟ الحقّ على أُمّي. لقد أتت، خلافاً لعادتها، ولما كنتُ قد قُلتُه لها. لقد وجدتُها أمس مساء لدى صديق لعائلتنا. هذا الصباح، استوقَفَتني لتحدّثني... كانت تريد المجيء معي، ولكنّني رفضتُ.»
«لماذا؟ هل تَصادَفَ ألاّ تستحقّ مريم التي لسمعان أن تكون حيث تكون أنتَ؟ بالعكس، إنّها تستحقّ ذلك أكثر منكَ. فاذهب إذن بسرعة لتأخذها وتلحق بنا إلى الهيكل، عند الباب المذهّب.»
يَمضي يهوذا دون ردّ. ويَمضي يسوع، مع الرُّسُل والتلاميذ، إلى الأمام. النساء، ومريم في الوسط، يتبعن الرجال.