ج10 - ف32
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء العاشر
32- (دفن استفانوس. بداية الاضطهاد.)
08 / 08 / 1944
الليل في أوجه والظلام دامس، لأنّ القمر كان قد غاب حين خرجت مريم مِن منزلها في جَثْسَيْماني برفقة بطرس، يعقوب بن حلفى، يوحنّا، نيقوديموس والغيور. وبسبب الظلمة فإنّ لعازر، الّذي ينتظرهم أمام المنزل، حيث بداية الممرّ الّذي يقود إلى البوّابة السفليّة، يضيء سراجاً زيتيّاً مُزوّداً بحماية مِن صفيحة رقيقة مِن المرمر أو مِن مادّة شفّافة أخرى. النور ضعيف، إنّما عند إبقائه قريباً مِن الأرض، كما هو الآن، فإنّه يساعد دوماً على رؤية الحجارة والعراقيل الأخرى الّتي يمكن أن تتواجد على الدرب. لعازر يمشي بجانب مريم لتستطيع هي خصوصاً أن ترى بوضوح. يوحنّا على الجهة الأخرى يسند الأُمّ مِن ذراعها. الآخرون إلى الخلف، في مجموعة.
يمضون حتّى قدرون، ويتابعون بمحاذاته، بحيث يكونون محجوبين تقريباً بالأدغال البرّية الّتي تنمو على جوانب ضفافه. خرير الماء يساهم أيضاً في إخفاء وتشتيت صوت نِعال السائرين.
بمحاذاتهم دوماً الجزء الخارجيّ مِن الأسوار وصولاً إلى الباب الأقرب للهيكل، ثمّ بولوجهم المنطقة الخالية والجرداء، يصلون إلى حيث رُجِم استفانوس، ويتوجّهون فوراً نحو كومة الحجارة، حيث هو شبه مدفون تحتها، ويرفعون عنه الحجارة إلى أن يظهر الجسد المسكين. إنّه باهت، بسبب الموت والضرب والرجم الّذي تعرّض لهم معاً، إنّه قاس، متصلّب، مُتَكوِّر على نفسه، كما حين أدركه الموت.
مريم، الّتي أبقاها يوحنّا بعيدة بضع خطوات إشفاقاً عليها، تحرّر نفسها وتهرع نحو ذلك الجسد المسكين، الممزّق والمغشّى بالدماء. ودونما اكتراث بالبُقع الّتي يطبعها الدمّ المتخثّر على ثوبها، وبمساعدة يعقوب بن حلفى ويوحنّا، تُمدِّد مريم الجسد على نسيج مبسوط فوق التراب، في فسحة خالية مِن الحجارة، وبقطعة بياض، تغمسها بقارورة صغيرة يناولها إيّاها الغيور، تنظّف، بقدر ما تستطيع، وجه استفانوس، ترتّب شعره، ساعية إلى نشره فوق صدغيه وخدّيه المجروحين لتغطّي به الآثار الفظيعة الّتي خلّفتها الحجارة. تنظّف أيضاً أعضاءه الأخرى، وتودّ إعطاءه وضعاً أقلّ مأساويّة. لكنّ تجمّد الموت، الّذي حدث منذ ساعات عدّة، لا يسمح بذلك إلاّ بشكل جزئيّ. الرجال أيضاً يحاولون، على اعتبار أنّهم أقوى جسديّاً ومعنويّاً مِن مريم، الّتي تبدو مجدّداً أُمّ الجلجلة والقبر المفجوعة. إنّما كان على الرجال أيضاً الرضوخ لتركه في الوضعيّة الّتي نجحوا في إيصاله إليها بعد جهود كثيرة. يعاودون إلباسه ثوباً طويلاً نظيفاً، لأنّ ثوبه كان قد ضاع أو سُرِق بدافع الازدراء مِن قِبَل الّذين رجموه، والجلباب الّذي تركوه عليه لم يعد سوى خرقة مُمزَّقة تماماً وغارقة بالدماء.
وما أن يتمّوا ذلك، تحت الضوء الضعيف للفانوس الّذي يُمسِك به لعازر قريباً جدّاً مِن الجسد المسكين، حتّى يرفعوه ويمدّدوه على نسيج آخر نظيف. نيقوديموس يأخذ النسيج الأوّل، المبلّل بالماء الّذي استُخدِم في غسل الشهيد، والملطّخ بدمه المتجمّد، ويضعه تحت ردائه. يوحنّا ويعقوب مِن جهة الرأس، بطرس والغيور مِن جهة القدمين، يرفعون النسيج الّذي يحمل الجسد، وينطلقون في طريق العودة، يتقدّمهم لعازر ومريم.
لا يعودون عبر الدرب الّتي سلكوها للمجيء، بل على العكس، يلجون الريف، ويدورون حول قاعدة جبل الزيتون، ليبلغوا الدرب الّذي يؤدّي إلى أريحا وإلى بيت عنيا. يتوقّفون هناك، ليرتاحوا ويتكلّموا.
ونيقوديموس، كونه كان حاضراً عند إدانة استفانوس، ولو بشكل سلبيّ، وكونه كان أحد زعماء اليهود فإنّه أكثر دراية مِن الآخرين بقرارات السنهدرين، يحذّر الحاضرين مِن أنّ الأمر باضطّهاد المسيحييّن قد صدر ووُضِع موضع التنفيذ، واستفانوس ليس سوى الأوّل في قائمة طويلة مِن الأسماء المحدّدة بالفعل كأتباع المسيح.
يشرع كلّ الرُّسُل بالصراخ قائلين: «ليفعلوا ما يشاؤون! لن نتغيّر، لا خوفاً مِن التهديد ولا توخّياً للحذر!»
لكنّ الأكثر تعقّلاً مِن بين الحاضرين، أي لعازر ونيقوديموس، يلفتان انتباه بطرس ويعقوب بن حلفى إلى أنّ الكنيسة لديها فقط عدد قليل مِن كَهَنَة المسيح، وأنّه إذا ما قُتِل الأقدر بينهم، أي الحَبْر بطرس ويعقوب أسقف أورشليم، فإنّ الكنيسة سوف تنجو بصعوبة. ويُذكّران أيضاً بطرس بأنّ مؤسّسهم ومعلّمهم كان قد غادر اليهوديّة إلى السامرة، لئلاّ يُقتَل قبل أن يهيّئهم بالشكل الأفضل، وكيف نصح خدّامه بأن يحذوا حذوه إلى أن يصبح الرُّعاة كُثُراً كفاية حتّى لا يُخشى مِن تشتّت المؤمنين عقب موت الرُّعاة. ويُنهِيان بالقول: «أنتم أيضاً تفرّقوا عبر اليهوديّة والسامرة. احصلوا على مهتدين هناك، وعلى عدد مِن الرُّعاة الآخرين، ومِن هناك انتشروا عبر العالم، حتّى تتعرّف كلّ الأمم على الإنجيل، كما هو أمر أن تفعلوا.»
الرُّسُل في حيرة. ينظرون إلى مريم، كما لو أنّهم يريدون معرفة رأيها في الأمر.
ومريم، الّتي تدرك نظراتهم تلك، تقول: «النصيحة صائبة. أَنصِتوا إليها. فذلك ليس جُبناً، بل احتراس. هو عَلَّمَكم: "كونوا ودعاء كالحمام ومحترسين كالحيّات. إنّني أرسلكم كنعاج وسط الذئاب. احترسوا مِن الناس..."»
يعقوب يقاطعها: «نعم يا أُمّي. لقد قال أيضاً: "عندما تقعون بين أيديهم، وتمثلون أمام الحكّام، لا تقلقوا لما عليكم أن تجيبوا. لن تكونوا أنتم مَن سوف يتكلّم، بل روح أبيكم سيتكلّم فيكم وبكم." وأنا باق هنا. على التلميذ أن يكون مثل معلّمه. هو مات ليمنح الحياة للكنيسة. وكلّ ميتة لنا ستكون حجراً يضاف إلى الهيكل الجديد العظيم، نموّاً لحياة الجسد العظيم والخالد للكنيسة الجامعة. ليقتلوني إذاً، إذا أرادوا، سأكون أكثر سعادة في أن أحيا في السماء، لأنّني سوف أكون إلى جوار أخي، وسأكون أقوى. أنا لا أخاف مِن الموت، بل مِن الخطيئة. التخلّي عن مكاني سوف يبدو اقتداءً بسلوك يهوذا، الخائن المطلق. هذه الخطيئة لن يرتكبها أبداً يعقوب بن حلفى. إذا كان يتحتّم عليّ السقوط، فسوف أسقط كبطل في ساحة نضالي، حيث أرادني هو أن أكون.»
مريم تجيبه: «أنا لن أتدخّل في أسراركَ مع الإنسان-الله. إن كان هو ألهمكَ بذلك، فافعله. فهو وحده، الّذي هو الله، له سلطة إعطاء الأوامر. ونحن جميعنا علينا فقط أن نطيعه دائماً، في كلّ شيء، كي نعمل مشيئته.»
بطرس، الأقلّ بطولية، يتحدّث مع الغيور لمعرفة رأيه في الأمر. لعازر، القريب مِن الاثنين يقترح: «تعالوا إلى بيت عنيا. إنّها قريبة مِن أورشليم وقريبة أيضاً مِن الطريق إلى السامرة. مِن هناك غادر المسيح مرّات كثيرة ليتجنّب أعداءه...»
نيقوديموس يقترح بدوره: «تعالوا إلى منزلي الريفيّ. إنّه آمِن، وقريب أيضاً مِن بيت عنيا ومِن أورشليم، وهو على الطريق الّتي تؤدّي عبر أريحا إلى أفرايم.»
«لا، منزلي أفضل، على اعتبار أنّه محميّ مِن روما.» يصرّ لعازر.
«أنتَ أصبحتَ مكروهاً للغاية، مذ أقامكَ يسوع مِن الموت، مؤكّداً بذلك، وبقوّة، على طبيعته الإلهيّة. فَكِّر بأنّ مصيره قد تقرّر لهذا السبب تحديداً. فلا تُقرِّر أنتَ مصيركَ بيدكَ.» يجيبه نيقوديموس.
«وماذا بالنسبة لمنزلي؟ إنّه في الحقيقة منزل لعازر، لكنّه لا يزال يحمل اسمي.» يقول سمعان الغيور.
مريم تتدخّل قائلة: «دعوني أُمعِن النّظر، أفكّر، وأُقدّر ما هو الأفضل فِعله. فالله لن يتركني بمعزل عن نوره. عندما أعرف، سأقوله لكم. أمّا الآن، فتعالوا معي إلى جَثْسَيْماني.»
«يا كرسيّ كلّ حكمة، يا أُمّ الكلمة والنور، أنتِ دوماً النجمة الّتي تقودنا بأمان. إنّنا نطيعكِ.» يقولون كلّهم معاً، كما لو أنّ الروح القدس قد تكلّم حقّاً في قلوبهم وعلى ألسنتهم.
ينهضون عن العشب الّذي كانوا قد جلسوا عليه عند حافّة الطريق. وفيما بطرس، يعقوب، سمعان ويوحنّا يمضون مع مريم نحو جَثْسَيْماني، فإنّ لعازر ونيقوديموس يرفعان النسيج الّذي يلفّ جسد استفانوس، وعند خيوط الفجر الأولى، يتوجّهان نحو الدرب الّتي تؤدّي مِن بيت عنيا إلى أريحا.
إلى أين يأخذان الشهيد؟ إنّه سرّ.