ج7 - ف159

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السابع / القسم الأول

 

159- (في بيت يوضاس وحنّة قرب بحيرة ميرون)

 

03 / 08 / 1946

 

يَصِلون ملتهبِين مِن الحرّ رغم أنّهم قد ساروا وسط البساتين الكثيفة التي ترزح تحت ثِقل الثمار الناضجة. وتَصِل مِن الكروم الرائعة والعديدة تلك الرائحة النموذجيّة للعنب عندما تكون العناقيد قد نضجت، والأوراق قد بدأت بالذبول في الخريف.

 

أوّل مَن تتمّ رؤيته فلّاحان عائدان مِن البساتين محمّلَين بسلال تفّاح رائع، وهما يُعلِمان خادماً يتسوّق. في الوقت ذاته فإنّ الفلّاحَين يحيّيان يسوع ويخبرانه بأنّ: «تلاميذ كُثُر أتوا مِن جبال الجولان ومِن إيتورا في طريقهم إلى أورشليم قد توقّفوا في المنزل» وبأنّ: «معلّميهم قد قرّروا الذهاب معهم إلى عيد المظالّ مروراً بالمدن العشر وبيريا.» إنّما ليس لدى الفلّاحَين وقت كي يُفرِغا ما في جعبتهما مِن أخبار حيث أنّ رَبَّي عملهما قد هَرَعَا مِن المنزل لتحيّة المعلّم، مسبوقَين ومتبوعَين بالعديد مِن التلاميذ.

 

بين التلاميذ هناك تقريباً كلّ الذين كانوا رعاة في بيت لحم، ومعهم آخرون، فهناك أول أبرص مُبرأ وصديقه، والمشلول، الذي هو أيضاً قد استعاد صحّته، وآخرون أيضاً، أي، أولئك الذين هم ممّا وراء الأردن، باستثناء تيمون. كما لا أرى إسحاق، أو استفانوس، ولا هَرْماس، ولا هرمست ويوسف الّذي مِن عِمّاوس، ولا هابيل الذي مِن بيت لحم، ولا نيقولاوس الذي مِن أنطاكية، ولا يوحنّا الذي مِن أفسس. وينضمّ إليهم خُدّام وفلّاحون، مِن بينهم الصبيّ الذي شُفي مِن الشلل بمعجزة وقت قطاف العنب الماضي ومعه أُمّه.

 

«السلام لجميعكم ولهذا المنزل» يقول يسوع رافعاً يده كي يباركهم.

 

«ادخل يا معلّم، وخذ قسطاً مِن الراحة تحت سقفنا. الفصل لا يزال حارّاً للسير في هذه الساعات. سوف نقدّم لكَ ما ينعشكَ، والغرف باردة في الليل.»

 

«لن أبقى هنا إلّا لبضع ساعات. سوف أرحل في المساء. الوقت قليل قبل عيد المظالّ، وما يزال عليَّ الذهاب إلى العديد مِن الأماكن.

 

خاب أمل صاحِبَي المنزل ولكنّهما لا يُلِحّان. إنّهما فقط يقولان: «كنّا نأمل بأنكَ قد تنتظرنا. سوف نبدأ بقطاف العنب غداً، وكنّا قد بدأنا بالفعل بجني الثمار. ونرحل معاً بعد عصر العنب، مع تلاميذكَ هؤلاء. نحن مُسنّان والطرق غير آمنة منذ أن جاءت عصابات قطّاع طرق، لا نعرف مِن أين، كي تعيث فساداً في هذه الضفّة مِن الأردن. إنّهم يختبئون في جبال رباح عمّون، وفي جلعاد، وعلى طول وادي جبوك، وهم يعتدون على القوافل. إنّ الفيالق الرومانيّة تطاردهم... إنّما... هل حَسَن أن نقابلهم؟ إنّنا نفضّل أن نكون مع هؤلاء... إنّهم تلاميذكَ والله سوف يحميهم بالتأكيد.»

 

يسوع يبتسم بلطف ولكنّه لا يقول شيئاً حيال الأمر. يَدخل إلى المنزل ويُقدّر ما يقدّمه الـمُضيفان سواء لترطيب الأعضاء أو الحناجر الجافة، ومِن ثمّ يستمع للتلاميذ الذين يُعلمونه عمّا أنجزوه في الجبال: «إنّما مع ثمر قليل يا معلّم. ثمر قليل حتّى في قيصريّة فيلبّس، حيث، أقلّه، لم نتعرّض للمضايقة. لكنّنا سوف نعود إلى هناك معكَ. وعندئذ!»

 

يسوع ينظر إليهم، إنّه لا يُحبِطهم ويجيب: «بالمثابرة، بالتأكيد سوف تُهدونهم. فالله يساعد خدّامه دوماً.»

 

بعد ذلك يتركهم يسوع وينضمّ لصاحبة المنزل التي تُعِدّ الموائد بنفسها، ويدعوها كي تخرج معه، حيث عليه أن يتكلّم معها. إنّ السيدة العجوز الطيّبة لا تدعه يكرّر الطلب، ولتجنّب الذهاب إلى الخارج، حيث الحرّ شديد، فإنّها تقود يسوع إلى غرفة طويلة وباردة في الجهة الشماليّة مِن المنزل.

 

«حنّة، إنّكِ دوماً تقولين بأنّكِ تودّين أن تخدميني بكلّ الوسائل...»

 

«نعم يا ربّي. يوضاس وكذلك أنا. لكنّكَ أبداً لا تطلب منّا. إنّه سرور بالغ لنا الآن لأنّ تلاميذكَ هم إلى حدّ ما جزء منكَ، وأن نحظى بهم في المنزل، يبدو كما لو أنّنا نخدمكَ.»

 

«في الحقيقة إنّ الأمر لكذلك، لأنّ ما يُفعَل لتلميذ يُفعَل للمعلّم، فحتّى كوب واحد مِن الماء أو كِسرة خبز تُعطى لإعانة واحد مِن الذين يَعمَلون مِن أجلي، سوف يُكافأ مِن الله ذاته. التلاميذ يهتمّون بروح المؤمنين، وعلى المؤمنين أن يحبّوا ويعينوا التلاميذ، واضعين في اعتبارهم بأنّهم قد تنازلوا عن كلّ شيء، وهم على استعداد كي يتنازلوا عن حياتهم في سبيل أن يُرشِدوا المؤمنين إلى الطريق، إلى الحياة والحقّ التي علّمهم إيّاها المعلّم، طالباً منهم منحها للمؤمنين.»

 

«آه! يا ربّ!، دعني أنادي عزيزي يوضاس. فإنّ كلامكَ بغاية القداسة!...»

 

«نادِ عزيزكِ يوضاس.» يوافق يسوع مبتسماً. والمرأة تخرج لتعود ثانية مع زوجها الذي تعيد عليه كلام المعلّم.

 

«صدّقني، سوف نفعل ذلك عن طيب خاطر، إنّما نحن بعيدون عن الطريق، وبالتأكيد هذا هو السبب في أنّ تلاميذكَ قلّما يأتون إلى هنا» يقول الرجل العجوز، وأظنّ بأنّه يشعر بالأسف لكونه متروكاً هكذا جانباً.

 

«سأطلب منهم أن يأتوا إلى هنا غالباً. وفي غضون ذلك أطلب منكما أن تصنعا معي معروفاً...»

 

«أنتَ؟ إنّها لنعمة لنا أن نخدمكَ! مُرنا يا ربّ. إنّنا مسنّان وليس بوسعنا أن نتبعكَ كما يفعل كثيرون. ولكنّنا متلهّفان لخدمتكَ. ما الذي تطلبه؟ وإذا ما كانت هذه الكروم وهذا المنزل، التي هي عزيزة جدّاً علينا لأنّها كانت لأبي، ولأنّ أولادنا قد وُلِدوا هنا، تروق لكَ، وإذا ما كنتَ تريدها، فسوف نعطيكَ إيّاها. نريدكَ فقط أن تَعِدنا بالرحمة الإلهيّة لروحينا.»

 

«يمكنكما أن تكونا على يقين بأنّها ستكون معكما. لكنّني لا أسألكما تضحية بهذا المقدار. اسمعا. إنّني ذاهب إلى اليهوديّة والشتاء على الأبواب. في كورازين هناك أرملة لها عدّة أطفال، وأكبرهم هو أكثر مِن طفل بقليل. أبوه كان نجّاراً...»

 

«آه! النّجار! آه! الجميع قد تحدّثوا عمّا فَعلتَه... لكنّ كورازين لم تهتدِ، على الرغم مِن أنّ أعمالكَ أكثر مِن أقوالكَ ينبغي أن تكون كفيلة بتحقيق ذلك. إنّ أُمّهم قد عَمِلت هنا وقت الحصاد... لكنّها ليست بصحّة جيّدة... نَعلَم... نَعلَم.»

 

«حسناً، أنا لا أطلب منكما أن تبقوهم بطّالين، بل أن تساعدوهم. ستجدان الفرصة دائماً لتشغيلهم في أمر أو آخر. فكّرا بيوسف واجعلا أجره العادل مُكمِّلاً لرحمتكما ومحبّتكما.»

 

«آه! يا معلّم! أهذا فقط؟ أنا أقول، ما رأيكِ يا امرأة؟ أرى بأنّ نستخدم الفتاتين الصغيرتين في التقاط بقايا القمح هنا. المنزل كبير وأنتِ عجوز، ومريم ونُعْمي هما عجوزتان أيضاً... فنستخدمهما في الأمور البسيطة...»

 

«هذا هو ما سوف نفعله يا يوضاس. لذكرى صغيرتنا... ابنتنا الوحيدة يا ربّ... لقد أزهرت لثلاث سنوات... ومِن ثمّ... أعوام كثيرة قد مضت... لكنّ قلبي ما يزال يتألّم... لو كنتَ هنا معنا، لما ماتت... لما كنتُ قد خسرتُها... فالابنة هي بسمة على الدوام...» المرأة العجوز متأثّرة والرجل العجوز يتنهّد.

 

«هي لم تهلك... إنّها تنتظركما... إنّها روح بريء، وكونا على ثقة بأنّكما ستلقيانها. ينبغي الخوف أكثر على الأبناء الراشدين الذين لا يتّبعون دروب الربّ بالشكل الأمثل...»

 

«هذا صحيح! هذا صحيح! أنتَ تعرف يا ربّ... إنّكَ العارف بكلّ شيء. في هذا المنزل، الساكن جدّاً، يوجد هكذا ألم... يا معلّم، أيمكن لتضحية أن تحقّق نعمة أحياناً؟»

 

«لا، ليس أحياناً. بل دائماً.»

 

«آه! ما أعذب سماعكَ تقول ذلك. اذهب بسلام يا معلّم. فأرملة كورازين سوف تتلقّى العون، وفي الربيع سوف تجدهم مسرورين. لأنّكَ إذا ما كنتَ توصي بهم مِن أجل أشهر الشتاء، فهذا يعني بأنّكَ لن تعود حتّى الربيع.»

 

«لن أعود... إنّني ماضٍ نزولاً إلى اليهوديّة ولن أعود.»

 

«وهل سيذهب التلميذ الصغير إلى اليهوديّة كذلك؟»

 

«نعم، مارغزيام سوف يذهب إلى اليهوديّة...»

 

«إنّها رحلة طويلة يا معلّم. إنّه شاحب جدّاً...»

 

«لقد فَقَدَ آخر قريب له. أنتما تَعلَمان قصّته... وهذا الألم الجديد قد أَوهَنَه.»

 

«إنّه العمر والنموّ أيضاً... لكنّنا نعلم... ونحن على معرفة بالخير الذي يفعله. إنّه معلّم صغير، معلّم صغير بحقّ... قريبه كان في مرج ابن عامر، أليس كذلك؟ ومات هناك؟ وهو قد عانى كثيراً هناك؟»

 

«نعم يا امرأة. لماذا تسألين؟»

 

«لأنّ... يا معلّم، لا يجدر بي أن أقول ذلك لكَ، أنتَ المعلّم. أمّا أنا فامرأة وأُمّ، وقد بكيتُ... أقول لكَ: لماذا تريد أخذه إلى تلك الأماكن؟ اتركه معي حتّى أورشليم... سوف أشعر كما لو أنّني ذاهبة نزولاً إلى المدينة المقدّسة مع فتياني مجدّداً... وهو لن يتعب ولن يتألّم أكثر. فالتلاميذ الآخرون يأتون أيضاً...»

 

يسوع يفكّر. يعترض: «إنّ مارغزيام سيكون سعيداً بوجوده معي وأنا بوجودي معه.»

 

«نعم، ولكن إن قلتَ له أنتَ، فسوف يطيعكَ عن طيب خاطر. لن تفترقا سوى لبضعة أيّام. ما الذي قد يشكّله أكثر بقليل مِن أسبوعين بالنسبة لفتى؟ لديه الوقت كي يتنعّم بصحبتكَ...»

 

يسوع ينظر إليها وإلى زوجها العجوز، فكلاهما يجهلان أنّ الوقت المتبقّي للتنعّم بالمخلّص ليس طويلاً. لكنّه لا يقول شيئاً. يمدّ ذراعيه كما ليقول: «ليكن كما ترغبان» وفقط يقول: «فإذن، استدعيا مارغزيام وسمعان.»

 

الرجل العجوز يخرج ويعود مع الاثنين. سمعان ينظر مستفسراً. يبدو مرتاباً ممّا لستُ أدري ما هو. إنّما عندما يسمع السبب فإنّه يهدأ ويقول: «ليكافئكما الله! إنّ الصبي مُنهار، ولأُصدِقكما القول، كان يبدو لي أنّه مِن غير الحكمة جعله يسير كثيراً...»

 

«ولكنّني كنتُ آتياً بطيب خاطر! لقد كنتُ مع المعلّم، وإذا كان المعلّم قد اصطحبني معه فهذا يعني بأنّني قادر على الذهاب... إنّه يفعل كلّ شيء بشكل حسن جدّاً...» وصوت مارغزيام تكاد تخنقه الدموع.

 

«هذا صحيح يا مارغزيام. إنّما على المرء أن يتنازل، فهذان صديقان صدوقان: بالنسبة لي ولكلّ أصدقائي. أنا أوافق على رغبتهم وأنتَ...»

 

«كما تشاء يا معلّمي. إنّما في أورشليم...»

 

«في أورشليم سوف تأتي معي» يَعِد يسوع. ومارغزيام، الفتى الطيّب، لا يجيب.

 

يَغادِرون الغرفة وينضمّ يسوع إلى التلاميذ الذين هم بغاية السعادة لهذا الاجتماع غير المتوقَّع.

 

المعلّم العجوز يحوم حول المجموعة. يسوع يلاحظ ذلك ويسأله.

 

«حسناً، أرغب بسماع كلامكَ. إنّكَ متعب، إنّني أرى ذلك. إنّما قبل الطعام الذي يسبق الاستراحة، حيث أنّكَ سترتاح أقلّه حتّى المساء، أفلا تقول شيئاً؟»

 

سأتكلّم قبل أن أغادر. بحيث يسمعني أيضاً خدّام المنزل والحقول. إنّ زوجتكَ تنادينا الآن، أتسمع؟...»

 

وينهض يسوع ليدخل إلى الغرفة حيث أُعدِّت الموائد للضيوف المباركين.