ج5 - ف72
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الخامس/ القسم الثاني
72- (في بيت نيقي)
12 / 02 / 1946
الطريق، رغم أنّها تجتاز أريافاً خضراء تحفّ بها الأشجار الـمُورِقة حتّى حدود الطريق، هي أتون تحت شمس الظهيرة. مِن بعض الحقول، حيث الحصاد سوف يينع سريعاً جدّاً، تصل حرارة ورائحة فرن حيث زهرة الطحين تُصبِح خبزاً. النور مُبهِر. كلّ سنبلة تبدو كمصباح ذهبيّ صغير في الأغلفة الذهبيّة والشعيرات الواخِزة، وسطوع الشمس على قَش السُّوق مبرّح هو للعين كما سطوع الطريق الذي تجعله الشمس مُبهِراً. عَبَثاً تحاول العين أن ترتاح على الإيراقات. فإذا ما رُفِعَت بحثاً عنها، تجد الشمس التي لا ترحم بالمرصاد، فتضطرّ إلى الانخفاض على الفور للهروب مِن حدّتها، وإلى إغماضها والاكتفاء بفتحة عَبْر الجفون التي يعلوها الغبار ويَغشاها الاحمرار ويُثيرها التهيّج. العَرَق يرسم خطوطاً لامعة على الخدود المغبرّة. الأرجل التَّعِبة تُجرجِر مُثيرة غباراً جديداً هو بمثابة معاناة مستمرّة.
يُشدِّد يسوع مِن عزيمة رُسُله التَّعِبين. وبما أنّه يتصبّب عرقاً، هو كذلك، يضع معطفه على رأسه لتفادي الشمس، وينصح الآخرين أن يحذوا حذوه. يطيعون دون كلام. إنّهم مُنهَكون للغاية بحيث لم يتمكّنوا مِن الاستسلام إلى نُواحهم المعتاد. يَسيرون كالسكارى…
«تشجّعوا. فهذا بيت هناك في الحقول...» يقول يسوع.
«إذا كان مثل غيره... فليس لنا سوى فتور الهمّة لسيرنا طويلاً دون هدف، عَبْر حقول مُلتَهِبة» يُدمدِم بطرس في معطفه. ويوافق الآخرون بـ «هوم» قانِطة.
«أنا أذهب هناك، وأنتم امكثوا هنا في هذا القليل مِن الظلّ»
«لا، لا. نأتي نحن أيضاً. على الأقلّ نجد فيه جُبّاً، هنا حيث الماء واِفر... ونشرب لإطفاء النار التي في داخلنا.»
«شرب الماء وأنتم في هذه الحرارة يضيركم.»
«سنموت... ولكنّ ذلك سيكون أرحم دائماً ممّا نحن عليه الآن...»
لا يُجيب يسوع بشيء. يتنهّد ويسير في المقدّمة في مَسلَك صغير عَبْر الغِلال.
الحقول لا تَصِل حتّى البيت، ولكنّها تتوقّف عند حدود بستان رائع، ظليل، حيث إيراقاته تُلطِّف النور والحرارة، ويشكّل حول البيت إكليلاً كثيفاً ومريحاً. والرُّسُل، مع «آه!» تَسكين، يَدخُلون إليه.
ويَمضي يسوع إلى الأمام دون الاهتمام بالتماساتهم التوقّف قليلاً. هديل حمام، صَرير بَكَرَة، أصوات نسويّة وديعة تَرِد مِن البيت وتنتشر في صمت الريف المطبق.
يَنفذ يسوع مِن باحة صغيرة تحيط بالبيت، كرصيف عريض ونظيف تمدّ عليه عريشة عنب دانتيلاً (وِشاحاً) مِن الورق وظِلاًّ واقياً. بِئران، أحدهما على يمين البيت، والآخر على يساره، تُظلّلهما العريشة. حدائق زهر ملاصقة لجدران البيت. ستائر خفيفة بخطوط غامقة، تتماوج على الأبواب المفتوحة. أصوات نسويّة وضوضاء الأواني تَخرُج مِن إحدى الغرف. يَذهب يسوع في ذلك الاتّجاه ولدى مروره، دزينة مِن الحمام، التي كانت تنقر الحبوب المرميّة على الأرض، تطير مصفّقة بأجنحتها بقوّة. فيثير الصوت انتباه الناس المتواجدين في الغرفة ويُلاحَظ تحريك الستار الذي يزيحه يسوع باليد اليمنى. إحدى الخادمات تزيحه أيضاً إلى اليسار وتمكث مندهشة أمام المجهول.
«السلام لهذا البيت! هل يمكنني، كعابر سبيل، أن أستريح وأستعيد قواي؟» يقول يسوع وهو في عَتَبَة الغرفة. إنّها غرفة مطبخ واسعة حيث تُرتِّب الخادمات الأواني التي كانت على مائدة وجبة الظُّهر.
«لن تردّكَ المعلّمة. سأخبرها.»
«اثنا عشر آخرون هُم برفقتي، وإذا كنتُ سأستعيد قِواي وحدي، فأُفضّل أن أستغني.»
«سنقول ذلك للمعلّمة وبالتأكيد...»
«معلّمي وربّي! أنتَ هنا؟ في بيتي؟ أيّة نِعمة هي إذن؟» يُقاطع صوت، وامرأة، هي نيقي، تتقدّم مسرعة وتجثو لتُقبِّل قدميّ يسوع.
الخادمات كالتماثيل. تلك التي كانت تغسل الصحون مَكَثَت والليفة في يدها اليمنى والصحن الذي يَقطُر في اليسرى، وقد احمرّت مِن الماء الذي يغلي. أخرى، كانت تهتمّ بمسح السكاكين، جالسة على الأرض في إحدى الزوايا على عقبيها، تنتصب على ركبتيها لترى بشكل أفضل، وتَسقُط السكاكين على الأرض بجلبة. ثالثة، كانت تُفرغ الرماد مِن الأفران، ترفع وجهها وقد ملأه الرماد وتبقى هكذا، فمها مفتوح، فوق الـمَوقِد.
«أنا هنا. لقد طردونا مِن بيوت عِدّة. نحن تَعِبون ويأخذنا الظّمأ.»
«آه! تعال! تعال! ليس هنا. في القاعات الشماليّة فهي مُنعِشة وظليلة. وأنتنّ، جهّزن الماء للغسيل، والمشروبات المطيّبة. وأنتِ، أيّتها البنت، اركضي وأيقظي القيّم ليهتمّ بوجبة خفيفة في انتظار الوجبة الأساسيّة...»
«لا، يا نيقي! أنا لستُ زائراً دنيويّاً. أنا معلّمكِ الـمُضطَهَد. أنا أسألكِ الملجأ والحبّ أكثر مِن الطعام. أسأل الرحمة، لرفاقي أكثر منها لي أنا...»
«نعم يا ربّي. ولكن متى تناولتم آخر وجبة؟»
«هُم، لستُ أدري. أمّا أنا، فأمس عند الفجر، معهم.»
«أترى إذن... إنّني لا أُبذِّر. ولكنّني كأخت أو كأُمّ، أعطي الجميع ما يلزم، ولكَ أنتَ، كخادمة وتلميذة، أُقدِّم الحبّ والعَون. أين هُم إخوتكَ؟»
«في البستان. ولكنّهم سيكونون قد وَصَلوا. إنّني أسمع أصواتهم.»
تَهرَع نيقي إلى الخارج، تراهم وتناديهم، ثمّ تقودهم مع يسوع إلى ردهة منعشة حيث يوجد أحواض ومناشف ليغسلوا وجوههم وأيديهم وأرجلهم مِن الغُبار والعَرَق.
«أرجوكم اخلعوا ثيابكم المبلّلة بالعَرَق. أعطوها مباشرة للخادمة. فيفيدكم جدّاً الحصول على ثياب نظيفة وصنادل منعشة. تمّ تعالوا إلى هذه القاعة. أنا أنتظركم فيها.»
وتمضي نيقي مُغلِقة الباب…
...«آه! كم وَضْعنا جيّد في هذا الظلّ ونحن منتعشون هكذا!» يتنهّد بطرس وهو يَلِج القاعة حيث تنتظرهم نيقي، متودِّدة ومُكَرِّمة.
«فَرَحي في إمكانيّة التخفيف عنكم لهو بالتأكيد أعظم مِن التخفيف ذاته، يا رُسُل ربّي.»
«هُوم! رَسول... نعم... ولكن، انظري يا نيقي، ببساطة. أنتِ دون التكلّف بأنّكِ غنيّة وحكيمة، وأنا دون التكلّف بأنّني رسول. هكذا مثل أخوة طيّبين يحتاج واحدهم الآخر مِن أجل النَّفْس والجسد. هذا يجعلني كثير... الخوف مِن التفكير بأنّني "رسول".»
«خوف مِن أيّ شيء؟» تَسأَل المرأة منذَهِلة. وتبتسم.
«مِن... مِن أن أكون... كثير الضخامة بالنسبة إلى الصلصال الذي أكون والوزن الذي يجعلني أنهار... خوف مِن... أن أسعى كالدّيك إلى الكبرياء... خوف مِن... فِكرة أنّني رسول، فيقف الآخرون، أعني التلاميذ والنُّفوس الصالحة على مسافة منّي، صامتين حتّى ولو أخطأتُ... وهذا ما لا أريده، إذ بين التلاميذ، حتّى بين المؤمنين، هكذا، فقط وبكلّ بساطة، هناك كثيرون أفضل منّي، البعض في هذا، والبعض في ذاك مِن الأمور، وأنا أريد أن أفعل مِثل... مِثل هذه النحلة التي دَخَلَت، والتي مِن سِلال الفواكه التي جَلَبتِها لنا، تستمتع قليلاً مِن هذا وقليلاً مِن ذاك، والآن تحطّ لتستكمل عصارة هذه الزهور، والتي ستخرج بعد ذلك لتمتص رحيق النَفَل والترنجان والبابونج واللبلاب، تأخذ منها جميعاً، وأنا في حاجة لأن أفعل مثلها...»
«ولكنّكَ تتذوّق أجمل زهرة! المعلّم.»
«نعم يا نيقي. إنّما منه أتعلّم أن أكون ابن الله. ومِن الناس الصالحين أتعلّم أن أُصبِح إنساناً.»
«أنتَ كذلك.»
«لا، يا امرأة. أنا أقلّ قليلاً مِن حيوان، ولستُ أدري بحقّ كيف يتحمّلني المعلّم...»
«أتحمّلكَ لأنّكَ تعرف نفسكَ، وبسبب ذلك يمكن العمل عليكَ كما على عجينة. ولكن لو كنتَ عنيداً متعنّتاً، وبخاصّة متكبّراً، لكنتُ طردتُكَ كشيطان» يقول يسوع.
تَصِل بعض الخادمات مع فناجين مِن الحليب البارد وجِرار مساميّة حيث السوائل بالتأكيد باردة جدّاً.
«تفضّلوا لاستعادة نشاطكم» تقول نيقي. «بعد ذلك يمكنكم الاستراحة حتّى المساء. ففي البيت غرف وأسِرّة، وإن لم تكفِ فأقدّم التي لي مِن أجل راحتكم. يا معلّم، سأنسحب مِن أجل مشاغل البيت. جميعكم تعلمون أين تجدونني وأين تجدون الخادمات.»
«اذهبي ولا تقلقي مِن أجلنا.»
تَخرُج نيقي. ويستمتع الرُّسُل بالطعام الذي قُدِّم لهم. يأكلون بشهيّة طيّبة، يتكلّمون ويُعلّقون.
«فاكهة لذيذة!»
«وتلميذة طيّبة.»
«بيت جميل، دون تَرَف، ولكن دون بؤس.»
«وتديره امرأة تُمارِس سلطة لطيفة. نظام، نظافة، احترام، وفي الوقت ذاته عطف.»
«يا للحقول الجميلة التي تحيط بها! ثروة!»
«نعم، وأتون!...» يقول بطرس الذي لم ينسَ بعد معاناته. يضحك الآخرون.
«ومع ذلك فهنا نحن في وضع جيّد. ولكن هل كنتَ تعلم أنّ نيقي تسكن هنا؟» يَسأَل توما.
«ليس أكثر منكم. كنتُ أعلَم أنّ لها قرب أريحا أراضٍ حَصَلَت عليها حديثاً. ليس أكثر. ملاك المسافرين الحبيب قادنا.»
«في الحقيقة أنتَ الذي قاد. فنحن لم نكن نريد المجيء.»
«أنا، كنتُ على استعداد لأن أرتمي على الأرض وأحترق تحت الشمس على أن أخطو خطوة واحدة زيادة» يقول متّى.
«لم يعد بإمكاننا السير في النهار. فقوّة الشمس هائلة هذه السنة. ويبدو أنّها هي كذلك قد أَصبَحَت مجنونة.»
«نعم، نسير في الساعات الأولى مِن اليوم وفي المساء. والآن نمضي إلى الجبال، فهناك الحرارة أقلّ حدّة.»
«في بيتي؟» يَسأَل الاسخريوطيّ.
«نعم يا يهوذا. وفي يافا وفي حبرون.»
«ولكن ألن نذهب إلى أشقلون؟»
«لا يا بطرس. سنذهب إلى حيث لم نذهب بعد. ولكن بالتأكيد تحت الشمس وفي الحرارة. قليل مِن التضحيات حبّاً بي وبالنُّفوس. الآن استريحوا. أنا سأصلّي في البستان.»
«ولكن ألم تتعب أبداً أنتَ؟ أليس مِن الأفضل أن تستريح أنتَ كذلك؟» يَسأَل يعقوب بن حلفى.
«قد يريد المعلّم التوقّف هنا...» يُبدي الغيور رأيه.
«لا. سوف نمضي عند الفجر لاجتياز النهر عند المخاضة في أوان اعتدال البرودة.»
«أين نذهب فيما وراء الأردن؟»
«الجموع يعودون إلى بيوتهم بعد الفصح. وعَبَثاً بَحَثَ عنّي عدد كبير في أورشليم. سوف أُبشِّر وأشفي عند المخاضة. بعد ذلك نمضي لنعتني بالبيت الصغير الذي لسليمان. وسيكون عزيزاً على قلوبنا...»
«ولكن ألن نعود إلى الجليل؟»
«سوف نذهب أيضاً هناك. ولكن سنبقى طويلاً في ذلك الجزء الجنوبيّ، وسيكون ملجأً ثميناً. ناموا، وأنا ذاهب.»
مِن المفروض أنّ العشاء قد حَصَل. إنّه الليل. ندى غزير يَهطل بجلبة مِن الأفاريز على أوراق الدالية. في السماء نجوم بعدد لا يُصدَّق. يتيه النَّظَر في تأمّلها. غناء الجداجد وصيحات طيور الليل. صمت الريف.
انسَحَبَ الرُّسُل. ولكنّ نيقي قامت وتُنصِت للمعلّم.
هو يجلس مستقيماً على مقعد حجريّ ملاصق للبيت. المرأة واقفة، أمامه، في وضع انتباه مبجِّل. يسوع يُنهي حديثاً كان قد بدأه. يقول: «نعم، الملاحظة في محلّها. ولكنّني كنتُ على يقين مِن أنّ عَون الربّ لا يغيب عن التائب، أو بالحريّ "الذي كان سيولَد مِن جديد". بينما كنّا نتعشّى، وكنتِ تسألين وأنتِ تخدمين، كنتُ أفكّر أنّ العَون هو أنتِ. قلتِ: "لا يمكنني اتّباعكَ إلّا في فترات قصيرة لأنّه يتوجّب عليَّ السَّهَر على البيت والخُدّام الجدد". وكنتِ تأسفين على ذلك بقولكِ إنّكِ لو كنتِ تعلمين أنّكِ ستجدينني مِن جديد، لما حصلتِ على الـمِلكيّة التي تربطكِ. تَرَين أنّها أفادت في استضافة الـمُبشِّرين. فهي إذاً حسنة. إنّما يمكنكِ أن تخدمي أكثر... في انتظار خدمة ربّك بشكل كامل. أطلب منكِ خدمة، حبّاً بتلك النَّفْس التي هي في طور الولادة مِن جديد، المفعمة إرادة صالحة، إنّما الضعيفة للغاية. الإفراط في التوبة قد يُسبِّب لها الضّيق، وقد يَستَخدِم الشيطان هذا الضّيق.»
«ماذا عليَّ أن أفعل يا ربّي؟»
«الذهاب إلى هناك. الذهاب عند كلّ قمر كما لو كان أحد الطقوس. وهو كذلك. إنّه طقس حبّ أَخَويّ. تذهبين إلى كاريت، وأثناء الصعود في الدرب وسط العلّيق، ستنادين: "إيلي! إيلي!" وهو سيظهَر مُندَهِشاً فتحيّينه هكذا: "السلام لكَ، أيّها الأخ، باسم يسوع الناصريّ". وستأخذين له كعكاً بقدر أيّام الشهر القمريّ. لا شيء آخر في الصيف. وابتداء مِن عيد المظالّ، مع الكعك تأخذين له أربعة مكاييل مِن الزيت كلّ شهر. في عيد المظالّ تأخذين له جِلد ماعز، ثقيلاً ولا يخترقه الماء، وغطاء. ليس أكثر.»
«وبغير أيّة كلمة؟»
«ما هو ضروريّ بالضبط. سيسألكِ عن أخباري. فتقولين ما تعرفينه. سيبوح لكِ بشكوكه، بآماله، وما يُنهِكه. فتقولين ما يوحيه لكِ إيمانكِ ورحمتكِ. لن يطول به العيش، على كلّ حال، هي التضحية... ولا حتّى اثنا عشر شهراً قمريّاً... هل تودّين ممارسة عمل الرحمة تجاهي وتجاه التائب؟»
«نعم يا ربّي... ولكن لماذا أنتَ حزين؟»
«وأنتِ لماذا تبكين؟»
«لأنّني أحسّ في كلامكَ نذير موت... هل سنفقدكَ قريباً، يا ربّ؟» تبكي نيقي في وِشاحها.
«لا تبكي! فبعد ذلك سيكون سلام عظيم لي... لا يعود هناك حقد. ولا شِراك. ولا أيّ مِن تلك... الفظاعة التي للخطيئة تجاهي، وحولي... ولا احتكاكات شَرِسة... آه! لا تبكي، يا نيقي! مُخلّصكِ سيكون في سلام. سيكون ظافراً...»
«ولكن قبل ذلك... ولكن قبل ذلك... مع زوجي، كنّا نقرأ الأنبياء... وكنّا نرتجف هَلَعاً مِن كلمات داود وإشَعياء... ولكن هل حقّاً، هل حقّاً، سيكون هكذا لكَ؟»
«هذا وأكثر أيضاً...»
«آه!... مَن الذي يعزّيكَ؟ ما الذي يجعلكَ تموت مع... الأمل أيضاً؟»
«حبّ التلاميذ وبشكل خاصّ النساء التلميذات الوفيّات.»
«حبّي كذلك إذن. إذ لن أبتعد عن فاديَّ بأيّ ثمن. فقط... آه! ربّي! اطلب منّي أيّة كفّارة، أيّة تضحية، إنّما امنحني بسالة رجوليّة مِن أجل تلك الساعة. عندما تُصبِح "مثل أرض جافّة"، "بلسان ملتصق بسقف الحلق" بسبب العطش، عندما ستبدو "الأبرص الذي يغطي وجهه"، اجعلني أعرفكَ مَلِك الملوك، وأن أغيثكَ كخادمة مُخلِصة. لا تُشِح بوجهك المعذّب عنّي، يا إلهي! ولكن كما هو الحال الآن اسمح لي بأن أستمتع ببهاء وجهكَ، نجمة الصبح، اجعلني أنظر إليكَ بينما وجهكَ يُطبَع في قلبي الذي، آه! قلبي كما قلبكَ، سيكون رخواً كالشمع، في ذاك اليوم، بسبب الألم...» نيقي الآن جاثية على ركبتيها، تكاد تَسجُد، ومن حين إلى حين تَرفَع وجهها الذي تكسوه الدموع لتنظر إلى ربّها، براءة الجسد في براءة القمر على ظُلمة الجدار.
«سوف يكون لكِ كلّ هذا. وأنا، تكون لي رأفتكِ. ستصعَد معي على صليبي، ومن هناك تَصعَد معي إلى السماء. إكليلكِ إلى الأبد. الملائكة والبشر سيقولون عنكِ المديح الأحلى: "في ساعة البؤس، الخطيئة، والشكّ، كانت أمينة، لم تخطئ وأغاثت الربّ". انهضي يا امرأة، ولتكوني مباركة مِن الآن وعلى الدوام.»
يضع يديه على رأسها بينما تَنهَض، ثمّ يَدخُلان إلى البيت الصامت مِن أجل راحة الليل.