الدفاتر: 03 / 07 / 1943
دفاتر 1943
ماريا فالتورتا
I QUADERNI - THE NOTEBOOKS - LES CAHIERS
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
(03 / 07 / 1943)
يقول يسوع:
«لقد قلتُ لكِ بالأمس إنّ هناك أنواعاً مِن العاهات تتجاوز تلك العادية، أي إنّها متأتّية مِن قوى روحيّة. الله أو الشيطان، الله الذي يعمل مِن عمق السماء، والشيطان مِن هوّة جهنّم، تصيب بعض الأشخاص لأسباب متعدّدة ولأهداف مختلفة.
ولكن، بما أنّ المصدر مختلف ومتناقض، فالعاهة المتأتّية بسماح مِن الله تجلب معها، مِن منابع نور وحب غير محدودة، نور وحبّ للخليقة شهيدة إلهها. أمّا الأخرى، المتأتّية مِن الهوّة النتنة حيث يملك الشيطان، فتغلّفها بالظلمات والعذابات.
قلتُ خليقة شهيدة إلهها. نعم. النَّفْس المستسلمة لإلهها، بالكامل، تصبح شهيدته. فالله بذاته يعمل هنا كمقدّم الأضحية، واستشهاد الخليقة المستسلمة للحبّ ليس أقلّ تخضّباً بالدم، حتّى ولو أنّ الدم لم يهرق مادّيّاً، مِن استشهاد خليقة أعدمها الجلاّد. فليس اللحم والدم فقط، بل الفكر، النَّفْس والروح تتعذّب في شهيد سعيد، والذي، -بعد الصلب الروحيّ، الّذي يجعل الكائن موسوماً في كلّ مِن قدراته، في الجسد، في الدم، في الفكر، في النَّفْس، في الروح، بختمي المجيد- ستكون نهايته العناق الملتهب مع النار بذاتها، مع المحبّة المضطرمة، الانغماس الكامل في الاتّحاد المتّقد الّذي هو ثالوثنا، المعرفة الكاملة لماهيّة الله، وأن يمتلك الله وأن يكون مملوكاً مِن الله إلى الأبد.
نعم، هناك شكلان للعاهات الروحيّة، وهناك شكلان للاستحواذ الروحيّ. وإذا ما قيل ’مستحوذاً عليه‘ عن الّذي يَقبض عليه، يمزّقه، يحطّمه ويخنقه الشيطان، فلماذا لا يُدعى ’مستحوذاً عليه‘، مِن باب أولى، الّذي يعانقه، يرفعه، يُشكّله ويمتلكه الله؟
يا له مِن استحواذ مغبوط، سامٍ، وسعيد! فالنَّفْس، ليس عليها سوى الاستسلام، بحبّ، للحبّ الذي يحيط بها، الّذي يعانقها، يخترقها، ينقلها، يُنعِم عليها بأحاسيس جديدة ومعارف يجهلها الفانون. إنّه الغوص في غَور الله، غَور النور، المعرفة، المحبّة، وكلّ فضيلة. إنّه غوص في غَور السلام.
إنّ النَّفْس تخرج منه، في تلك اللحظات النادرة الّتي تخرج منه -الأكثر ندرة بقدر ما تكون النفس تائهة في الله أكثر- تكون معطّرة بأريج إلهها، ولا يمكن لأيّ وَخَم مِن الأرض أو مِن جهنّم التأثير على روحها المشبع مِن الأريج الإلهيّ.
النَّفْس ’المستحوذ عليها‘ مِن الله تأخذ شبهه إلى الحدّ الّذي حتّى الشكل الخارجيّ والمادّيّ لكيانها تطرأ عليه تغييرات. يلمع الله في نظرتها، في ابتسامتها، مِن خلال كلماتها وفي الجلال الجديد لتعابير وجهها، بحيث إنّ مَن يتواصل معها يقول: 'هنا يوجد شيء ليس مِن هذه الأرض.'
النَّفْس ’المستحوذ عليها‘ مِن الله هي آنية ثمينة مختومة، إنّما التي يفوح منها الأريج الّذي يملأها. مختومة، بما أنّ الحبّ يكرّس والاستحواذ يجعل الملكية لواحد، وما مِن أحد سوى ذاك الواحد يفكّ أو يُغلِق ذاك الختم الموضوع على الروح الّذي وهب ذاته له. يفوح منه، ذلك أنّ أريج الله له مِن القوّة بحيث لا يملأ داخل الآنية فقط، بل إنّ المادّة تتشرّبه، ممّا يجعل الفَوح الروحيّ يتحرّر ويمرّ إلى الجمع، مطهّراً إيّاه مِن رائحة الجسد والدم.
لو كانت الكائنات تعلم ماهيّة ’الاستحواذ‘ مِن الله، لشاءت جميعها أن تكون ’مستحوذاً عليها‘. ولكن لمعرفة ذلك، يجب القيام بالخطوة الأولى، فعل السخاء الأوّل، التجرّد، ومِن ثمّ المثابرة على هذا الفعل الأوّل. الباقي يأتي، ذلك أنّه كما الموجة الكهربائية المنطلقة مِن القطب A والمنجذبة مِن القطب Z الأقوى، هكذا تكون النَّفْس الموضوعة في فَلَك الله منجذبة إليه مِن أيّة نقطة مِن الفَلَك حيث تكون.
إنّني الألف والياء وأعانق كلّ كائن. فقط الإرادة البشريّة المعاكسة، الّتي تضع ذاتها تحت ختم الوحش، تحرف مسار عملي، لأنّي خلقتُكم أحراراً ولا أغتصب إرادتكم. فإذا ما كانت إرادتكم مِن جسد ودم، أي إنّها شيطان، لا يمكن لمشيئتي أن تعمل، لأنّ مشيئتي روح وتعمل على روحكم، والروح يموت حيث تهيمن المادّة.
يجب الولادة الجديدة في الروح للدخول في فلك الله والانتصار على الجسد ومعلّمه، الشيطان. حينذاك يحصل ’الاستحواذ‘. الجنّة المسبقة على الأرض، الصعود السارّ للنَّفْس إلى السماء عند الموت، ملء الجنّة في ملكوتي حيث "خاصّتي" سيكونون معي للأبد، نوراً في النور، سلاماً في السلام، مسرّة في المسرّة، مجداً في المجد.»