ج3 - ف58

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثالث / القسم الثاني

 

58- (في الهيكل مع يوسف الذي مِن الرّامة. ساعة التَّقدِمة.)

 

22 / 06 / 1945

 

بطرس حقّاً مَهيب وهو يَدخُل حَرَم الهيكل بصفة أب ممسكاً يَعْبيص بيده. حتّى إنّه يبدو أكبر لاستقامة قامته أثناء مشيته.

 

خَلفَهُما يَسير الآخرون جماعة. ويسوع آخرهم، مُنهَمِك في نقاش دقيق مع يوحنّا الذي مِن عين دور الذي يبدو خَجِلاً مِن دخوله الهيكل.

 

يَسأَل بطرس مَن هو تحت حمايته: «ألم تأتِ أبداً إلى هنا؟» ويجيبه: «عندما وُلِدتُ يا أبتاه، ولكنّني لا أتذكّر.» مما يجعل بطرس يضحك مِن قلبه ويُعيد على مَسمَع رفاقه ما يَجعَلهم يضحكون بدورهم قائلين بسذاجة ومكر: «مِن الممكن أنّكَ كنتَ نائماً، وبالنتيجة...» أو: «نحن جميعنا مثلكَ، لا نتذكّر مجيئنا هنا عند ولادتنا.»

 

يسوع كذلك يوجّه السؤال ذاته لِمَن هو في حمايته، ويتلقّى إجابة مُشابِهة أو تكاد، إذ يقول يوحنّا الذي مِن عين دور: «لقد كُنّا مُهتَدِين حديثاً، وجئتُ مَحمولاً على ذِراعيّ أُمّي لفصح واحد فقط، ذلك أنّني وُلِدتُ في أوائل آذار (مارس). وأُمّي التي كانت مِن اليهوديّة، ذَهَبَت حالما استطاعت لِتُقدِّم ابنها للربّ في الموعد. قد تكون تَسَرَّعَت جدّاً... إذ مَرِضَت على إثرها، ولم تُشفَ مِن مَرَضها. كان عمري أقلّ مِن سنتين عندما أَصبَحتُ يتيم الأُمّ. وكانت أوّل بَليّة في حياتي. ولكنّني كنتُ البِكر، وبقيتُ الابن الوحيد بسبب مرضها، وقد كانت فخورة بموتها مطيعةً للشريعة. وكان أبي يقول لي: "لقد ماتت مسرورة بتقديمكَ للهيكل"... مسكينة أُمّي! ماذا قَدَّمَت؟ مجرم المستقبل...»

 

«يوحنّا، لا تتكلّم هكذا. آنذاكَ كنتَ فيلكس، والآن أنتَ يوحنّا. ولتكن النِّعمة العظيمة التي حَبَاكَ إيّاها الله حاضِرة في ذهنكَ، وعلى الدوام. إنّما، دع جانباً تَرَدّي ما كنتَ عليه... ألم تأتِ مرّة أخرى إلى الهيكل؟»

 

«آه! نعم. في الثانية عشرة. ومنذ ذلك الحين، طالما... طالما استطعتُ إلى ذلك سبيلاً... وبعدئذ، عندما أَصبَحتُ قادراً على ذلك لم أعد أفعله، فلقد قُلتُ أيّ دين كنتُ أعبد، واحداً فقط لا غير، الحقد... وبسبب ذلك لم أكن أجرؤ على الدخول إلى هنا. أُحِسُّني غريباً في بيت الآب... لقد هَجَرتُه زمناً طويلاً جدّاً...»

 

«وتعود إليه مأخوذاً باليد مِن قِبَلي، أنا ابن الآب. وإذا ما أَخَذتُكَ أمام المذبح، فلأنّني أعرف أنّه قد غُفِر كلّ شيء.»

 

يبكي يوحنّا الذي مِن عين دور بحرقة، ويقول: «شكراً لكَ يا إلهي.»

 

«نعم، اشكره تعالى. أتَرَى أنّ أُمّكَ كانت تتمتّع بروح نبويّة وهي الإسرائيليّة الحقيقيّة؟ إنّكَ الصبيّ الـمُكَرَّس للربّ. فأنتَ لي، أنتَ لله تلميذ، وإذن فأنتَ كَاهِن مُستقبليّ لربّكَ، في الحقبة الجديدة، وفي الدين الجديد الذي يستمدّ اسمه منّي. أُحِلُّكَ مِن جميع خطاياكَ يا يوحنّا. فتقدّم بكلّ سَكينة نحو القُدّوس. الحقّ أقول لكَ إنّ بين الذين يَقطُنون هذا الحَرَم مَن هم أكثر إثمّاً منكَ وأقلّ استحقاقاً للتقرُّب مِن الهيكل.»

 

في تلك الأثناء، يتفنّن بطرس في شرح الأشياء الأكثر بروزاً في الهيكل للطفل، ولكنّه يستنجد بالأكثر ثقافة، وخاصّة برتلماوس وسمعان، لأنّه يرتاح للأكبر سِنّاً بصفته الأب.

 

إنّهم أمام بيت المال ليُقدِّموا تَقادِمهُم، وإذا بيوسف الذي مِن الرّامة يناديهم: «هل أنتم هنا؟ منذ متى؟» يقولها بعد تبادل التحيّات.

 

«منذ مساء الأمس.»

 

«والمعلّم؟»

 

«إنّه هناك مع تلميذ جديد، وسيَحضُر.»

 

يَنظُر يوسف إلى الطفل ويَسأَل بطرس: «هل هو ابن أخيكَ؟»

 

«لا... نعم... خلاصة القول، لا شيء كَدَمّ، والكثير كإيمان، وكلّ شيء كحُبّ.»

 

«لا أفهمكَ.»

 

«إنّه طفل يتيم... وبالتالي فلا صِلَة دَمّ. وهو تلميذ... إذاً الكثير بالنسبة إلى الإيمان. وهو ابن... وبالتالي فهو كلّ شيء كحبّ. المعلّم تَقَبَّلَه... وأنا أُلاطفه. وهو يَبلغ السنّ هذه الأيّام.»

 

«هل بَلَغَ الثانية عشرة؟ بهذا الصِّغَر؟»

 

«إيه!... سيقول لكَ المعلّم ذلك... يوسف أنتَ صالح... إنّكَ واحِد مِن القِلَّة النادرة الصالحين هنا... قُل لي: هل بإمكانكَ مساعدتي في هذه المسألة؟ أنتَ تَعلَم... إنّي أُقدِّمه كما لو أنّه ابني. ولكنّني جليليّ ولديَّ بَرَص بَشِع...»

 

«البَرَص!» يهتف يوسف هَلَعَاً وهو يبتعد.

 

«لا تَخَف!... لديَّ بَرَص انتمائي إلى يسوع! وهو الأكثر مقتاً لِمَن في الهيكل، عدا بعض الاستثناءات.»

 

«لا! لا تقل ذلك!»

 

«إنّها الحقيقة، ويجب قولها... كذلك أخشى أن يَكونوا قساة مع الطفل بسببي وبسبب يسوع. ثمّ لستُ أدري مدى معرفته لشريعة الهالاخاه [Halakha] والهاجادا [Haggada] والمدراش [Midrash]. يسوع يقول إنّه يَعرِف ما فيه الكفاية...»

 

«هه! ولكن إن قال يسوع ذلك فلا تخف!»

 

«ولكن هؤلاء...»

 

«تحبّ هذا الصغير كثيراً! هل تَحتَفِظ به معكَ على الدوام؟»

 

«لا أستطيع!... إنّني دائماً في سَفَر... والولد صغير وضعيف البُنية...»

 

«ولكنّني آتي معكَ عن طيب خاطر...» يقول يَعْبيص الذي طَمأَنَته ملاطفات يوسف.

 

يَشعّ بطرس فَرَحاً... ولكنّه يقول: «المعلّم يقول إنّه علينا ألّا نفعل، ولن نفعل... ولكنّنا رغم كلّ شيء، سنرى بعضنا ثانية... هل تساعدني يا يوسف؟»

 

«طبعاً! سآتي معكَ، فأمامي لا يَظلمون. متى؟ آه! يا معلّم! امنحني بركتكَ!»

 

«السلام لكَ يا يوسف. إنّني سعيد برؤيتكَ وبصحّة جيّدة.»

 

«أنا كذلك يا معلّم، حتّى الأصدقاء سيَفرَحون برؤيتكَ. هل أنتَ في جَثْسَيْماني؟»

 

«كنتُ هناك. وبعد الصلاة سأمضي إلى بيت عنيا.»

 

«عند لعازر؟»

 

«لا، عند سمعان. فهناك كذلك أُمّي وأُمّ أَخَويّ وكذلك أُمّ يوحنّا ويعقوب. هل ستوافيني؟»

 

«هل تَطلُب ذلك؟ إنّ في ذلك لَفَرح عظيم لي وشَرَف أعظَم. أشكركَ. سوف آتي مع بعض الأصدقاء...»

 

«على رِسلكَ، يوسف والأصدقاء!...» يَنصَح سمعان الغيور.

 

«آه! أَصبَحتَ تعرفهم. الفِطنة تقول: "لا تدع الهواء يَسمَع". ولكن عندما تراهم ستُدرِك أنّهم أصدقاء.»

 

«إذن...»

 

«يا معلّم، كان سمعان بن يونا يُحدِّثني عن احتفال الصغير. وأتيتَ أنتَ في اللّحظة التي كنتُ أسأل فيها عن الموعد الذي تنوون فيه إقامته. أودُّ أن أكون أنا أيضاً.»

 

«الأربعاء قبل الفصح. أبغي أن يُمضِي الفصح وهو ابن للشريعة.»

 

«حسناً جداً. اتّفقنا. سآتي لاصطحابكم مِن بيت عنيا. إنّما سوف آتي يوم الإثنين مع بعض الأصدقاء.»

 

«اتّفقنا.»

 

«أترككَ يا معلّم. السلام معكَ. إنّه وقت البخور.»

 

«وداعاً يا يوسف. السلام معكَ. تعال يا يَعْبيص. إنّها الساعة الأكثر مَهابَة مِن النهار. ستكون أُخرى مِن النوع ذاته في الصباح، إنّما هذه أكثر مَهابَة. ففي الصباح يكون بدء النهار. وحَسَن أن يُبارِك الإنسان الربّ ليتقبَّل بركته أثناء النهار، في كلّ أعماله. إنّما في المساء، فهي أكثر مَهابَة. النور يَبتَعِد والعمل يتوقّف، واللّيل يَهبط. النور الذي يَبتَعِد يذكّرنا بالسقوط في الشرّ، وفي الحقيقة، إنّ الأفعال السيّئة تحدث عادة في الليل. لماذا؟ لأنّ الإنسان لا يعود مُنشَغِلاً بعمله. فيكون من السهل أن يحيط به الخبيث الذي يُرسِل له نداءاته وكوابيسه. وكذلك هو حَسَن، بعد شكر الله على حمايته لنا أثناء النهار، التَّضرُّع إليه ليُبعِد عنّا أشباح اللّيل والتجارب. اللّيل، النوم... رمز الموت. ولكن، مَغبُوطون هُم الذين، بعد أن عاشوا مع بركة الربّ ينامون، لا في الظلمات، إنّما في فجر مُشرِق. الكاهن الذي يُقدِّم البخور يَفعَل ذلك باسمنا جميعاً. يصلّي مِن أجل الشعب كلّه، بالاتّحاد مع الله، والله يأتمنه على بركته لشعب أبنائه. هل تَرَى كم هي عظيمة مَهمَّة الكاهن؟»

 

«تروق لي... يبدو لي أنّني أكثر تَقَرُّباً مِن أُمّي...»

 

«إذا كنتَ على الدوام تلميذاً صالحاً وابناً صالحاً لبطرس، فستصبح كذلك. تعال الآن. ها هي ذي الأبواق تُعلِن الساعة. فلنذهب ونُمجِّد يهوه بكلّ إجلال.» (يلفظها يسوع مُطوَّلة وهو يُرنِّم الحرف الأخير.)