ج4 - ف163

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الرابع / القسم الثاني

 

163- ("لا فائدة مِن ممارسة الأسرار إذا ما غابت المحبّة")

 

20 / 08 / 1944

 

يقول يسوع:

 

«هذا لكِ أنتِ بشكل خاصّ، أيّتها النَّفس التي تبكي وهي تنظر إلى صلبان الماضي وغيوم المستقبل. فالآب لديه على الدوام خبز يضعه في يدكِ، وعشّ يُأوي يمامته الباكية.

 

يجب أن يعرف الجميع أنّني أعرف أن أكون "الربّ" العادل. إنّما لا يمكن أن يخدعني أحد، كما لا يمكنه محاباتي باحترام كاذِب.

 

مَن يُغلِق قلبه في وجه أخيه، يُغلِق قلبه في وجه الله، والله يُغلِق قلبه في وجهه.

 

هذه هي الوصيّة الأولى، يا أيّها الناس. الحبّ ثمّ الحبّ. والذي لا يحبّ فهو يَكذب عندما يَعتَبِر نفسه مسيحيّاً. عَبَثاً يُمارِس الأسرار والطقوس، عَبَثاً يصلّي إذا ما غابت المحبّة. إنّها تصبح شكليّات وأيضاً انتهاكاً للمقَدَّسات. كيف يمكنكم أن تتقرّبوا مِن الخبز الأزليّ وتَشبَعوا، وقد رفضتم إعطاء رغيف لجائع؟ هل خبزكم أثمن مِن خُبزي؟ هل هو أقدَس؟ يا أيّها المراؤون! إنّني أتجاوز كلّ الحدود في منح ذاتي لبؤسكم، وأنتم، أنتم البؤس ذاته، لا رحمة لديكم تجاه الشقاوات التي ليست ممقوتة في عينيّ الله كالتي لكم، ذلك أنّها بلايا، أمّا التي لكم فهي خطايا. غالباً ما تقولون: "يا ربّ، يا ربّ"، لكي أرعى مصالحكم. ولكنّكم لا تقولون ذلك حبّاً بقريبكم. إنّكم لا تعملون شيئاً باسم الربّ لصالح القريب.

 

انظروا: لدى الجماعات والأشخاص، ما الذي سار بكم إلى دينكم الكاذب وعوزكم الحقيقيّ إلى المحبّة؟ الابتعاد عن الله. وسيعود الربّ عندما تعرفون أن تحبّوا كما عَلَّمتُ أنا. أمّا أنتم، أيّها القطيع الصغير مِن المتألِّمين، مع كونكم صالحين، فأقول لكم: "أبداً لستم يتامى، أبداً لستم مُهمَلين. فلا وجود لله إذا ما أهمَلَت العناية الإلهيّة أبناءه. مُدّوا يدكم: الآب يمنحكم كلّ شيء ’كأب‘، أي بِحُبّ لا يحطّ أبداً مِن قَدْر أحد. امسحوا دموعكم. آخُذكُم وأحملكُم لأنّني أرحم ضناكم". الإنسان هو أَحَبّ المخلوقات. هل تودّون الشكّ بأنّ الله يرحم العصفور أكثر مِن الإنسان الوفيّ؟ الإنسان الوفيّ؛ وهو الطويل الأناة، حتّى مع الخاطئ الذي يمنحه الوقت وإمكانيّة المجيء إليه؟ آه! لو كان العالم يُدرِك ما هو الله!

 

اذهبي بسلام، يا ماريّا. فأنتِ عزيزة على قلبي كاليتيمَين اللَّذَين رأيتِهما، بل أكثر. اذهبي بسلام. أنا معكِ.»

 

ثمَّ يقول يسوع: عندما أكشف عن الأحداث المجهولة في حياتي العامة، فإنّني أسمع جوقة الأحبار المماحكين يقولون: "ولكنّ هذا الحَدَث غير مذكور في الأناجيل. فكيف يمكنها القول: إنّني رأيتُ هذا؟" فهؤلاء أُجيبُهم بكلام الإنجيل:

 

يقول متّى: "وكان يسوع يسير في كلّ المدن والقرى، يُعلِّم في مجامعها ويُعلِن بشارة الملكوت، ويشفي الشعب مِن كلّ مرض وعلّة". ويقول أيضاً: "الويل لكِ يا قورازين، الويل لكِ يا بيت صيدا، فلو جرى في صور وصيدا ما جرى فيكما مِن المعجزات، لأظهَرَتا التوبة بالمسح والرماد مِن زمن بعيد... وأنتِ يا كفرناحوم، أتحسبين أنّكِ ترتَفِعين إلى السماء؟ بل ستهبطين إلى الجحيم، لأنّه لو جرى في سدوم ما جرى فيكِ مِن المعجزات، لبَقِيتِ إلى اليوم".

 

ومرقس يقول: "... وتَبِعَه جمع كثير مِن الجليل، وجمع كثير مِن اليهوديّة ومِن أورشليم وأدوم وعَبْر الأردن ونواحي صور وصيدا، وقد سَمِعوا بما يَصنَع، فجاؤوا إليه...".

 

ولوقا يقول: "وسارَ بعد ذلك في المدن والقرى، يَعِظ ويُبشّر بملكوت الله، يصحبه الاثنا عشر، وبعض النسوة اللواتي برئن مِن الأرواح الخبيثة والأمراض".

 

وحبيبي يوحنّا يقول: "وعَبَر يسوع بحر الجليل، فَتَبِعه جمع كثير، لما رأوا مِن الآيات التي أتى بها، فَشَفى المرضى". والمفضّل لديَّ يَشهَد لي شهادة عظيمة جدّاً: "وهذا التلميذ هو الذي يشهد بهذه الأمور ويُدوِّنها، ونحن نَعلَم أنّ شهادته صادقة. وهناك أمور كثيرة أتى بها يسوع، لو كُتِبَت مُفَصَّلة، لحسبتَ أن الدنيا نفسها لا تَسَع الأسفار التي كُتِبت فيها".

 

وإذن، ماذا يقول الآن أحبار المماحكة؟

 

إذا كان صلاحي، بقصد التخفيف عن إحدى اللواتي أحببتهنّ، والتي تحمل صليبي مِن أجلكم -قد انتَزَعتُهُ مِن على كتفي ووضعتُهُ على مِنكَبيها، لأنّها أحبّتني، إلى درجة أنّها فضَّلَت أن تموت على أن تراني حزيناً- إذا كان صلاحي، بقصد إيقاظكم مِن السُّبات الذي تموتون فيه، يُعَرِّف على الأحداث التي تخصّه، فهل تريدون اتّهام هذا الصلاح؟ في الحقيقة، أنتم لا تستحقّون هذه النعمة والعناء الذي يُكابِده مخلّصكم لإخراجكم مِن الأوحال التي تخنقكم. ولكن، طالما أمنحكم ذلك، فاقبلوه وانهضوا. إنّها أنغام جديدة في الجوقة التي تُرتِّلها أناجيلي. ولتساهم على الأقلّ في إيقاظ انتباهكم الذي ما يزال ويبقى خاملاً، لا مبالياً، أمام أحداث معروفة في الأناجيل، ومع ذلك تقرأونها بشكل سيّئ وبلا روح.

 

ألا تودّون التفكير فيما إذا كنتُ لم أجترح خلال السنوات الثلاث سوى القليل مِن المعجزات التي رُوِيَت؟ ألا تريدون التفكير فيما إذا لم تبرأ سوى النساء قليلات العدد اللواتي تمّ ذكرهن؟ ولكن إذا كان ظِلّ بطرس يشفي، فما بالكم بِظِلّي أنا؟ بتنفّسي؟ بنظرتي؟ هل تذكرون النازفة؟ "حسبي أن ألمس رداءه فأبرأ". وكان لها ذلك. كانت تَخرُج منّي قوّة عجائبيّة بشكل مستمرّ. جئتُ لأقود إلى الله وأفتح سدود الحبّ المغلقة مُذ ارتُكِبَت الخطيئة. عهود مِن الحبّ تدفّقت كالأمواج على عالَم فلسطين الصغير. كلّ حبّ الله للإنسان، الذي تمكّن أخيراً مِن التدفّق، حيث كان توّاقاً لفداء البشر بالحبّ، قبل أن يَفعَل ذلك بالدم.

 

ولكن قد تقولون: "لماذا هي، تلك البائسة؟" سوف أجيبكم عندما تكون، تلك التي تحتَقِرونها أنتم وأُحبّها أنا، أقلّ إنهاكاً. إنّكم تستحقّون الصمت الذي مارستُهُ في حضرة هيرودس. ولكنّني سوف أحاول افتداءكم، أنتم يا مَن يجعلكم الكبرياء الأصعب إقناعاً.»

 

----------

 

21 / 08 / 1944

 

يقول يسوع:

 

«وسوف أجيبُكُم بكلمات بولس الرسول: "الأعضاء التي تبدو الأكثر ضعفاً، هي الأكثر ضرورة، تلك التي نَعتَبِرها الأقلّ نُبلاً في الجسد، نكسوها بأكثر زينة، والتي هي الأقلّ لياقة، نُعامِلها باحترام أكثر، بينما الأجزاء الشريفة لا تحتاج لانتباه زائد. ولقد جَعَلَ الله الجسد بشكل يُمنَح فيه التقدير الأكبر للأعضاء التي لم يكن لها ذلك".

 

هل تظنّون أنّ تلك "الصوت الهامس" تعتبر نفسها شيئاً عظيماً؟ إذا ما سألتُمُوها تُجيبكم: "إنّني العضو الأضعف والأقلّ نبلاً في جسد المسيح". هذا ما تُجيبُكم به، وبصدق حقيقيّ. أمّا أنتم، فإنّكم لا تصدّقونها، ذلك أنّ كلّ إنسان يُطبِّق على الآخرين مقاييسه. وأنتم، يا مَن لا تُواضُع لديكم ولا صدق وتقولون: "إنّني سيّئ"، لِتَسمَعوا مَن يقول لكم: "ولكن لا، فأنتم صالحون للغاية"، وتفكّرون في ذلك بأنفسكم إلى أبعد الحدود؛ وإذا كان هناك أحد الصادقين، وهو لايعزو إليكم إلّا القليل مِن الصلاح، أو لا يعزو أبداً، بل يَصمُت على سبيل المحبّة، ولا يمتدحكم على سبيل الصراحة، فإنّكم تغضبون وتكرهونه لأنّه لم يمتدحكم؛ إلّا أنّكم لا تستطيعون الاعتقاد بأنّها صادقة. أمّا أنا، أنا الذي أقرأ ما في فِكرها، وأرى ما في داخل قلبها، أنا أعرف إذا ما كانت لديها تلك الفكرة عن نفسها أم لم تكن. الأحاديث بين تلك النَّفْس وإلهها، كَم مِن مرّة رنَّت فيها كلمات إلهها الـمُطَمْئِنة، لأنّها تقول: "ولكن كيف اتّخذتَني أنا، يا ربّ، أنا التي لا تساوي شيئاً، والتي افتَقَرتُ إليكَ كثيراً، وما زلتُ أفتقر إليكَ كثيراً؟" وتبدو وكأنّها تشكّ فيَّ أنا، لأنّه يبدو لها مستحيلاً أن أختارها هي لهذه الرسالة.

 

تظنّ نفسها ضعيفة، ضعيفة للغاية. وإذا ما قورِنَت بالكمال، فهي أضعف مِن شعرة طفل وليد. تظن نفسها مَرذولة. وإذا ما قورِنَت بالله، فهي أقلّ مِن دودة خُلِقَت مِن التراب. ولكنّها تملك قوّة وحيدة: حبّاً كاملاً. عندما تُعطي أو تمنح ذاتها، فإنّها لا تُفكِّر مطلقاً بذاتها، ولا بالمنفعة التي تجنيها مِن الآخرين. إنّها تفكّر في إرضائي أنا فقط، حتّى حينما تُصبِح ممقوتة مِن العالم لهذا السبب. لقد أَوشَكَت على بغض ذاتها كجسد، ذلك البغض المقدّس الذي علَّمتُه أنا بقولي: "مَن أراد أن يُخلِّص حياته (الأرضيّة) يَفقدها (حتّى الأزليّة)، ومن يَفقدها حبّاً بي يجدها". الكره المقدَّس للذي أَدرَكَ فحوى الكلمة!

 

فَمِن أجل هذا الحبّ الذي يتجاوز الأوهان اخترتُها. ولقد أَخَذتُ يوماً طفلاً ووضعتُه وسط رُسُلي متّخذاً إيّاه مَثَلاً. ذلك أنّ الطفل يحب بكلّ قوّته، وليست لديه أفكار كبرياء. الطفل الصغير، الرضيع، لأنّ بذور الشيطان تعطي، كأوّل سنبلة، الكبرياء، وتُزهِر عندما تبدأ ساقها بالخروج مِن الأحشاء الوالديّة، بعدئذ تخرج ساق السنبلة الثانية مِن الشهوة، والثالثة هي ساق السُّلطان، إن تكن السُّلطة أو سُلطان المال. ولكنّ الساق الأولى هي دائماً الكبرياء، وتَخرُج مِن الشفاه التي لم تكد تنسى الحليب الوالديّ.

 

فأريد أن يكون تلاميذي مثل الرُّضَّع، مثل الرُّضَّع أريدهم لأمنحهم كلام الحياة. كم كان جميلاً أن أراهم يأتون إليَّ، وأيديهم الصغيرة مليئة أزهاراً، قائلين لي: "هاكَ". ويَهربون وهم يضحكون، ليعودوا مِن جديد حاملين زهيرات أخرى في لُعبَة حبّ، مطمئنّين، صادقين، ومحبّين... أريد الصغار في العالم لتقديس العالم، وبما أنّ البراءة التي تمرّ وتحيا فيما بينكم ليس لها قدرة على تغييركم للأفضل -وهو المفروض، لأنّ البريء كائن سماويّ، كائن تفوح منه الطهارة والسلام، يتكلّم بغير كلام عن الله الذي صَنَعَه، يَفرض، دون أن يتكلّم، احترام ما هو لله، يُناشِد الرحمة والحبّ لفتوّته التي ينبغي لها ألّا تفسد، لضعفه الذي يجب أن يُحَبّ، زهرة قريبكم كما المريض زهرة، والمتألّم زهرة طاهرة في المقام الأوّل، وحمراء وبنفسجيّة هما الزهرتان الأُخرَيان اللتان عليكم أن تحبّوهما حبّاً مميّزاً بين كلّ قريب له الحقّ في حبّنا- بما أنّ براءة الأبرياء بحسب السنّ لا تكفي، فإنّني، إذاً، أخلق الأطفال بالروح، فهؤلاء لديهم عِلم فطريّ لا تملكونه أنتم، وهم متواضِعون، بُسطاء، واثِقون وصادِقون كالأطفال الذين يَخطّون، مبتسمين، خطواتهم الأولى، ويَعلَمون أنّهم لولا الأُمّ يَقَعون، فلا يتركونها مطلقاً.

 

كما هُم، كذلك هي لا تتركني أبداً. لذلك، لها هي، ولِمَن هُم مثلها، أعضاء ضعيفون -هكذا يبدون لكم- أعضاء مَرذُولون -هكذا يبدون لكم- يُعطَون ما لم يُعطَ لكم.

 

في الجسد السرّيّ، تلك الأعضاء بالضبط، التي يحتقرها عالم المتكبّرين، هي التي تعمل بالأكثر. إصبع واحد ليس الدماغ. إنّما بدون الأصابع ماذا تفعلون أنتم؟ لا يمكنكم القيام حتّى بالأعمال الأكثر اعتياديّة والأكثر تواضعاً، تكونون كالمولود حديثاً في المهد، لا يمكنه حتّى التقاط الثّدي وتلقّي الغذاء، إن لم تضعه أُمّه له بين شفتيه. حتّى ولو كنتم قد تلقّيتم أعلى درجات التعليم، وأنتم على درجة عالية جدّاً مِن الذكاء، فلا يمكنكم تثبيت فكرة مِن دماغكم على الورق.

 

هكذا هو الأمر بالنسبة لها. إصبع... إنّما، لهذا العضو الصغير، قد أُسنِدَت رسالة إرشادكم إلى النور وإعادة دعوتكم إلى النور. النور الذي يريد إضاءتكم، يا أيّها الفوانيس التي تُدَخّن أبخرة العقلانيّة، أو المطفأة لأسباب متعدّدة، بدءاً مِن الافتقار إلى الحبّ حتّى المال، ومِن المال إلى الشهوة، ومِن الشهوة إلى الأفعال المضادّة للمحبّة. هيّا اجثوا. ليس أمام "الصوت الهامس"، لكن أمام الكلمة الذي يتحدّث. "فالصوت الهامس" تُردِّد كلماته. أداة إلهها هي. اعبدوا الربّ الذي يتكلّم. الربّ. أمّا "الصوت الهامس" فمجهولة هي. أريدها مُختَفِية عن العالم. ستكون معروفة فيما بعد. الآن هي ليست سِوى "صوت". إنّها هي التي تحمل صوتي. شرفها هو شهادتها، ذلك أنّ كلّ اختيار مِن الله هو صليب للكائن.

 

لا أطلب منكم حتّى أن تُحبّوها. أنا أكفي لهذا، وهي لا تطلب المزيد. ولكنّني أريدكم أن تَدَعُوها وشأنها، مع الاحترام المفروض أن تتحلّوا به تجاه شيء يستخدمه الله.»