ج2 - ف39
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثاني / القسم الأول
39- (يسوع والرُّعاة أيلي، لاوي، ويوسف)
11 / 01 / 1945
الروابي هنا أكثر ارتفاعاً وحراجاً مِن روابي بيت لحم، وهي في ارتفاع متزايد مُشَكِّلة سلسلة جبال حقيقيّة.
يَصعَد يسوع على رأس المجموعة، وهو يتفحّص أمامه وحوله، كما لو كان يبحث عن شيء ما. إنّه لا يتكلّم، بل يُنصِت بالأحرى إلى أصوات الغابة أكثر منه إلى كلام التلاميذ الذين يتأخّرون عنه أمتاراً قليلة وهم يتحدّثون فيما بينهم.
تُسمَع جَلجَلة مِن البعيد، إنّ الهواء يحمل صوت جرس صغير. فيبتسم يسوع، ثمّ يَلتَفِت ويقول: «أُحِسُّ بوجود قطعان.»
«أين يا معلّم؟»
«يبدو لي صوب هذا المرتَفَع، ولكنّ الغابة تحجب عنّي الرؤية.»
يوحنّا لا ينبس ببنت شفة. يَخلع ثوبه -فالجميع يَحمِلون معاطفهم وَرْبَاً على الصدر لأنّهم يَشعُرون بالحرّ- وبينما يحتَفِظ بجلبابه القصير، يُعانِق جِذع شجرة عالية وملساء، وكأنّها شجرة الدردار، ويتسلّق، يتسلّق... حتّى يَرَى. «نعم يا معلّم، قُطعان كثيرة، وهنالك ثلاثة رُعاة، خلف هذه الغابة الكثيفة.» يَهبط ويمضي الجميع إلى هناك واثِقِين.
«هل سيكونون هُم أنفسهم؟»
«سوف نسأل يا سمعان، وإذا لم يَكونوا فسيقولون لنا شيئاً، فهم يعرفون بعضهم.»
على بُعد حوالي مائة متر، مراعٍ خضراء واسعة، تحدّها أشجار ضخمة عتيقة. قطعان كثيرة موجودة على مُنحَدَر الحقل وتَرعَى العشب الوفير. يحرسها ثلاثة رجال. أحدهم كبير السنّ أشيَب، والآخَرَان، الواحد في الثلاثينيّات والآخَر في الأربعينيّات.
«انتبه يا معلّم، إنّهم رُعاة...» بهذه الكلمات يُقَدِّم يهوذا النصيحة ليسوع عندما يراه يحثّ الخطى.
ولكنّ يسوع لا يجيب. بل يتقدّم، عظيماً وبهيّاً، تُنير الشمس المائلة إلى الغروب وجهه، وهو، بثوبه الأبيض، تَحسَبه ملاكاً، بقدر ما يَشعّ نوراً... وعندما يَصِل إلى حدود الحقل يقول: «السلام لكم، يا أصدقائي.»
يلتَفِت الثلاثة مُندَهِشين. بُرهَة صَمت. ثمّ يَسأل أكبرهم سنّاً: «مَن أنتَ؟»
«شخص يحبّكَ.»
«أنتَ الأوّل منذ سنوات طويلة. مِن أين أنتَ آتٍ؟»
«مِن الجليل.»
«مِن الجليل؟» ويُمعِن الرجل فيه النَّظَر. ويدنو الآخَرَان أيضاً. «مِن الجليل.» يكرّرها الراعي ويضيف بلطف وكأنّه يُكَلِّم نفسه: «كذلك هو كان قادماً مِن الجليل... مِن أي مكان يا سيّدي؟»
«مِن الناصرة.»
«آه! قل لي إذاً. هل عاد إليها طفل على يدي امرأة اسمها مريم ورجل يُدعى يوسف، طفل أجمل حتّى مِن أُمّه؟ ونحن لم نرَ على روابي يهوذا وردة أجمل منه. طفل وُلِدَ في بيت لحم يهوذا في زمن الاكتتاب؟ طفل أصبَحَ فيما بعد فارّاً مِن أجل سعادة العالم. طفل، أنا مستعدّ لتقديم حياتي ثمناً لتأكّدي مِن أنّه ما يزال حيّاً وهو رجل الآن؟»
«لماذا تقول إنّ فَرارَه كان بمثابة حظّ عظيم للعالم؟»
«لأنّه كان الـمُخَلِّص، مَسيّا، وكان هيرودس يريد قتله. لم أكن هناك عندما هَرَبَ مع أبيه وأُمّه... وعندما عَلِمتُ بالمذبحة عُدتُ -فأنا أيضاً كان لديَّ أطفال (يَجهَش بالبكاء) يا سيّدي، وزوجة… (يبكي أيضاً) ووَجَدتُهم مقتولين (يبكي) ولكنّي أُقسِم بربّ إبراهيم بأنّني كنتُ أخشى عليه أكثر مِن خشيتي على جسدي ذاته- لقد عَلِمتُ بأنّه هَرَبَ، إلّا أنّني لم أستطع الاستعلام عنه، كما أنّني لم أستَطِع إيجاد زوجتي وأولادي المذبوحين... فقد اعتُبِرتُ قاتلاً، ورُجمتُ مِثل أبرَص، مثل نَجِس... فاضطُرِرتُ للهروب إلى الغابات لأعيش فيها مثل الذئاب... إلى أن حظيتُ بربّ عمل. آه! ليس حنّة... فهو قاس وفظيع... فإن جُرِحَت نعجة أو استولى ذئب على حَمَل، المهمّ هو أن أدفع ثلاثة أضعاف القيمة دائماً حتّى ولو ضُرِبتُ بالعصيّ حتّى يسيل الدم أو خَسِرتُ كلّ ما كنتُ قد وفَّرتُه، أو عَمِلتُ في الغابات أيّ عمل ولصالح الغير. إنّما لا يهمّ، فقد كنتُ أقول دائماً للباري تعالى: "دعني أرى مسيحكَ، دعني على الأقلّ أعرف أنّه حيّ، وكلّ ما تبقّى ليس بذي بال". سيّدي، لقد قلتُ لكَ كيف عامَلَني سكان بيت لحم، وكيف كان ربّ عَمَلي يتعامل معي، لقد كان بإمكاني ردّ شرّ بشرّ، أو فعل الشرّ عن طريق السرقة كي لا أعاني مِن قِبَل ربّ عملي. إلاّ أنّني لم أرضَ بغير التَّسامح، المعاناة والشرف، فالملائكة قالوا: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام، للناس ذوي الإرادة الطيّبة."»
«أهكذا قالوا؟»
«نعم، يا سيّدي، ثِق بذلك، أنتَ الطيّب على الأقلّ. يجب أن تعرف وتؤمن أنّ مَسيّا قد وُلِد؟ لا يريد أحد الإيمان بذلك بعد. ولكنّ الملائكة لا يكذبون... ونحن، نحن لم نكن سُكارى، كما قالوا. هذا الذي تراه لم يكن آنذاك سوى طفل، وكان أوّل مَن رأى الملاك. لم يكن يَشرَب سوى الحليب. وهل يُسكِر الحليب؟ لقد قال الملائكة: "وُلِدَ لكم اليوم مُخَلِّص، هو المسيح الربّ، في مدينة داود، وهذه علامة لكم: تَجِدون طفلاً ملفوفاً ومُضّجِعاً في مِذوَد".»
«هل هذا هو ما قالوه بالضبط؟ هل سمعتم جيّداً؟ أوَلستم واهِمين؟ لقد مضى على ذلك زمن طويل.»
«آه! لا، هل هذا صحيح يا لاوي؟ إنّما لكي لا ننسى -على كلّ حال لم نكن لنستطيع ذلك، لأنّ كلمات مِن السماء نُقِشَت في قلوبنا بحروف مِن نار- كنّا نردّد ذلك كلّ صباح وكلّ مساء، عند بزوغ الشمس وعندما تسطع أوّل نجمة، لننال منها البركة والقوّة والعزاء، مصحوبة باسمه واسم أُمّه.»
«آه! كنتم تقولون "المسيح"؟»
«لا، يا سيدي، بل كنّا نقول: "المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، للناس ذَوي الإرادة الطيّبة، بيسوع المسيح الذي وُلِدَ مِن مريم في إسطبل في بيت لحم، والذي كان ملفوفاً ومضَّجعاً في مذود، إنّه هو مُخَلِّص العالم".»
«ولكن بالنتيجة عمّن تبحثون؟»
«يسوع، المسيح، ابن مريم، الناصريّ، الـمُخَلِّص.»
«أنا هو.» ويتألّق يسوع عند هذه الكلمات، بتجلّيه لأصدقائه الـمُخلِصِين، الأصيلين، إنّهم أصيلون، أوفياء، وصَبورون.
«أنتَ! سيّدي، الـمُخَلِّص، يسوعنا!» ويَخرّ الثلاثة أرضاً يُقَبِّلون قدمي يسوع وهم يبكون مِن الفرح.
«انهَضوا. قِفوا، إيلي وأنتَ يا لاوي وأنتَ يا مَن لستُ أعرفكَ.»
«يوسف بن يوسف.»
«هؤلاء هم تلاميذي: يوحنّا، جليليّ. وسمعان ويهوذا، يهوديّان.»
لَم يَعُد الرُّعاة خارِّين أرضاً، ولكنّهم ما يزالون جاثين على رُكَبِهم، مائِلين إلى الخلف على أعقابهم، يَهيمون بالـمُخَلِّص بنظرة حبّ، وشفاههم ترتعش مِن التأثّر، ووجوههم شاحبة أو حمراء مِن الفرح.
يَجلس يسوع على العشب.
«لا يا سيّدي، على العشب، ليس أنتَ، مَلِك إسرائيل، لا.»
«دعكم مِن هذا يا أصدقائي. إنّني فقير، بالنسبة للعالم أنا نجّار فقط، وأنا غنيّ فقط بِحُبّ العالم، وبالحبّ الذي يمنحني إيّاه الطيّبون. لقد أتيتُ لِأُقيم معكم، لأكسر معكم خبز المساء، لأفتَرِش الكَلَأ اليابس إلى جانبكم وأتلقّى مؤاساتكم...»
«آه! مؤاساة! نحن جَلِفُون ومُضطَهَدون.»
«أنا أيضاً مُضطَهَد، ولكنّكم تمنحونني ما أنا باحث عنه: الحبّ، الأمانة، والأمل الذي يَصمُد سنوات ويُزهِر. هل تَرَون؟ لقد عرفتم الانتظار مؤمنين دون تردّد أنّني كنتُ أنا هو. وها أنا قد أتيتُ.»
«آه! نعم لقد أتيتَ. فالآن، حتّى وإن مُتُّ، فلم يعد هناك ما يضنيني بخصوص الأمل والانتظار.»
«لا يا إيلي، بل سوف تحيا حتّى إلى ما بعد انتصار المسيح. أنتَ يا مَن رأيتَ فَجري، ينبغي لكَ أن ترى مجدي. والباقون؟ لقد كنتم اثني عشر: إيلي، لاوي، صموئيل، يونا، إسحاق، طوبيّا، يونان، دانيال، سمعان، يوحنّا، يوسف وبنيامين. لقد كانت أُمّي تَذكُر لي أسماءكم، أسماء أصدقائي الأوائل.»
«آه!» ويَضطَرِب الرُّعاة.
«أين هُم الباقون؟»
«صموئيل، الشيخ، قد مات، بسبب شيخوخته، منذ عشرين عاماً. يوسف قُتِلَ في معركة على باب داره مانحاً بذلك لزوجته الواضعة منذ ساعات فرصة للهرب مع هذا الذي حَضَنتُه حبّاً بصديقي، ولأجل... ولكي يكون لي أطفال حَولي. وقد أَخَذتُ معي لاوي أيضاً... إذ إنّه كان مُضطَهَداً. بنيامين يرعى في لبنان مع دانيال. سمعان ويوحنّا وطوبيا الذي اتّخذ الآن اسم متّياس لإحياء ذكرى أبيه الذي قُتِلَ كذلك، هُم الآن تلاميذ يوحنّا. يونا في خدمة فرّيسيّ في مرج بن عامر. إسحاق أُصيبَت كليتاه وهو في بؤس مُطبِق، وهو وحيد في يافا، نساعده قدر استطاعتنا... ولكنّنا جميعنا في الـمُصاب ذاته، وما مساعداتنا سوى قطرات ماء على حريق. أمّا يونان فهو الآن خادم لأحد كبار موظفي قصر هيرودس.»
«كيف استطعتم، خاصّة يونان، يونا، دانيال وبنيامين، إيجاد مثل هذه الأشغال؟»
«كنتُ قد تَذَكَّرتُ زكريّا، قريبكَ... وكانت والدتكَ قد أرسَلَتني إليه. وعندما وَجَدنا أنفسنا في خضمّ ضراوة اليهود، فارّين وممقوتين، أرسلتُهم إليه. لقد كان طيّباً. حمانا وأطعَمَنا، وبَحَث لنا عن أرباب عمل، قدر استطاعته. كنتُ آنئذ قد أَخَذتُ قطيع حنّة كلّه الذي آل إلى الهيروديّ... وبقيتُ معه... وعندما أصبَحَ يوحنّا رجلاً وشَرَعَ بِكرازته، مضى معه سمعان ويوحنّا وطوبيا.»
«ولكنّ المعمدان الآن في السجن.»
«نعم، وهُم يَسرَحون الآن في تُخوم مكرونة بقطيع صغير، كان قد وَهَبَهم إيّاه أحد تلاميذ يوحنّا، قريبكَ، وهو غنيّ، ليُبعد الشكوك عنهم.»
«أرغب في رؤيتهم جميعاً.»
«نعم، يا سيدي، سوف نمضي لنقول لهم: "هلمّوا، إنّه حيّ، وهو يَذكُرنا ويحبّنا".»
«ويريدهم في صفوف أصدقائه.»
«نعم يا سيّدي.»
«ولكن ، بادئ ذي بدء، سنمضي لرؤية إسحاق. أمّا صموئيل ويوسف فأين دُفِنا؟»
«صموئيل في الخليل، إذ إنّه بقي في خدمة زكريّا. أمّا يوسف... فلا قبر له، يا سيّدي. لقد أُحرِقَ مع منزله.»
«لم تعد تحرقه نار البشر، إنّه الآن يَضطَرِم بلهيب محبة الربّ، وسيكون قريباً في المجد. أقولها لكم، بل أقولها لكَ أنتَ يا يوسف بن يوسف. هَلُمَّ أُقَبِّلكَ عربون شكر لأبيكَ.»
«وأولادي؟»
«إنّهم ملائكة يا إيلي. ملائكة وسوف يُرَدِّدون "المجدلة" عندما يُتَوَّج المخلّص.»
«مَلِكاً؟»
«لا، بل فادياً. آه! موكب الصالحين والقدّيسين! أوّلاً جحافل الشهداء الصغار البيضاء والأرجوانيّة! بعد أن تُفتَح أبواب اليمبس، سوف نَصعَد معاً إلى الملكوت حيث لا موت. ومِن ثمّ ستُشاهِدون وتلتَقون الآباء والأُمّهات والأبناء في الربّ! آمنوا.»
«نعم يا سيدي.»
«نادوني يا معلّم. لقد هَبَطَ الليل. والنجمة الأولى ظَهَرَت. أتل الصلاة قبل الطعام.»
«لا، ليس أنا، بل أنتَ.»
«المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، لذوي الإرادة الطيّبة، الذين استَحَقّوا رؤية النور وخدمته. الـمُخَلِّص فيما بينهم. الرّاعي مِن أصل مَلَكيّ وهو وسط قطيعه. وقد أشرَقَت نجمة الصبح. افرحوا أيّها الأبرار! افرحوا بالربّ. هو الذي خَلَقَ قبّة السماء ونَثَر النجوم فيها، وهو الذي وَضَعَ حدود اليابسة والبحار، هو الذي خَلَقَ الريح والمطر والذي نَظَّم دورات الفصول ليَمنَح الخبز والخمر لأبنائه، وقد أَرسَلَ لكم الآن الغذاء الأفضل: الخبز الحيّ النازل مِن السماء وخمر الكرمة الأزليّة. هلموا، أنتم يا طلائع الهائِمِين بي. هلمّوا تَعَرَّفوا على الآب، في الحقيقة، لاتِّباعه في قدسيته والحصول منه على مكافأة أزليّة.» يسوع يصلّي واقفاً وذراعاه ممدودتان، بينما يجثو تلاميذه والرُّعاة.
جرى بعد ذلك تقديم الخبز وقصعة مليئة حليباً طازجاً. وبما أنّه لا يوجد سوى ثلاث أوان فقد بدأ يسوع أوّلاً مع سمعان ويهوذا بتناول الطعام ومِن ثمّ يوحنّا الذي يُمَرِّر له يسوع إناءه، وفي الوقت ذاته لاوي ويوسف، وفي النهاية إيلي.
تتوقّف القطعان عن الرّعي. وقد شَكَّلَت شريطاً كبيراً، مُتراصّة بعضها إلى بعض في انتظار قيادتها، ربّما إلى زريبتها. ولكنّني أرى العكس، فلقد قادها الرُّعاة الثلاثة إلى الغابة، إلى عنبر ريفيّ مصنوع مِن أغصان، وله سور مِن حبال. ويَنهَمِكون في صنع سرير مِن الكلأ الجافّ ليسوع وتلاميذه. يُشعِلون النار، ربما بسبب الوحوش.
يتمدّد يوحّنا ويهوذا، وبعد قليل ينامان. كان سمعان راغباً بأن يبقى ساهراً مع يسوع، ولكنّه بعد قليل ينام هو أيضاً جالساً على الكلأ، مُسنِداً ظهره إلى وَتَد.
يبقى يسوع ساهراً مع الرُّعاة. إنّه يتحدّث عن يوسف ومريم والهروب إلى مصر والعودة... لتبدأ بعد ذلك الاستعلامات الوَدودة، وهذه الأسئلة الأكثر رِفعة: ما العمل لخدمة يسوع؟ كيف يمكنهم ذلك وهم الرُّعاة الخَشِنون؟
يُوَجِّههم يسوع ويشرح لهم: أنا ماض الآن عبر اليهوديّة، سوف يُطلِعكم التلاميذ على كلّ شيء. ثمّ آتي بكم. تَجَمَّعوا في انتظار ذلك. أَعلِموا بعضكم بعضاً عن وجودي في هذا العالم كمعلّم ومُخَلِّص. انشروا ذلك قدر استطاعتكم. لا أَعِدكم بأن يُصدّقوكم. لقد تَحَمَّلتُ السخريات والملاحقات. وأنتم كذلك ستُواجِهونها. ولكن مثلما عرفتم أن تكونوا في السابق شجعاناً وأبراراً طوال فترة هذا الانتظار، كونوا كذلك بعض الوقت أيضاً، الآن وقد أصبحتم أتباعي. غداً سنذهب إلى يافا ثمّ إلى الخليل. هل تستطيعون المجيء؟»
«آه! نعم! فالطرقات لكلّ الناس والمراعي لله. فقط بيت لحم محرّمة علينا بسبب الحقد الظالم. المدن الأخرى سالكة... إنّما يحتقروننا فقط بمعاملتهم إيّانا "كسُكارى". وكذلك لا نستطيع فعل الكثير هنا.»
«سوف أدعوكم إلى أماكن أخرى. لن أتخلّى عنكم.»
«طوال العمر؟»
«طوال عمري.»
«لا، فأنا مَن سيموت أوّلاً يا معلّم. إنّني شيخ.»
«أنتَ تظنّ ذلك، أمّا أنا فلا. لقد كان وجهكَ يا إيلي أحد أوائل الوجوه التي رأيتُها، وسوف تكون أحد الوجوه الأخيرة. سوف أحمل في حَدَقَتيّ صورة وجهكَ المتأثِّر بألم موتي. إنّما بعد ذلك ، فلكَ أن تحمل في قلبكَ أَلَق رؤية صبيحة الظَّفر، وبصحبتها تنتظر الموت... الموت: اللقاء الأزليّ مع يسوع الذي عَبَدتَه صغيراً. حينئذ كذلك سوف ترنّم الملائكة المجدلة "للإنسان ذي الإرادة الطيّبة".»
لم أعد أرى شيئاً. الرؤية اللطيفة تتلاشى. إنّها النهاية.