ج3 - ف51

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثالث / القسم الثاني

 

51- (الوصول إلى مرج ابن عامر والإقامة قريباً مِن ميخا)

 

15 / 06 / 1945

 

يبدأ الغسق يحلّ، بينما تُصبِح السماء حمراء، عندما يَصِل يسوع إلى مشارف حقول جيوقانا.

 

«فلنُسرِّع الخطوات، أيّها الأصدقاء، قبل أن تغيب الشمس. أنتَ، بطرس، اذهب مع أخيكَ لإعلام أصدقائنا، أولئك الذين لِدُوراس.»

 

«أذهب إليهم، نعم، لأرى كذلك إذا ما كان الابن قد رَحَلَ.» ويقول بطرس كلمة الابن تلك بلهجة توازي حديثاً طويلاً. ويمضي.

 

في تلك الأثناء، يتقدّم يسوع بتمهّل أكثر، يتلفَّت حوله ليَرَى ما إذا كان بإمكانه إيجاد أحد فلّاحي جيوقانا. إنّما ليس هناك سوى الحقول الخصيبة بسنابلها كاملة النموّ.

 

أخيراً، مِن بين غِراس الكرمة، يَظهَر وجه يتصبّب عَرَقاً، ثمّ صرخة: «آه! تباركَ الربّ!» ويَهرَع الفلّاح خارج الكرمة ليجثو أمام يسوع.

 

«السلام لكَ يا إشَعياء.»

 

«آه! أما زِلتَ تَذكُر اسمي؟»

 

«لقد دَوَّنتُه في قلبي. انهض. أين رفاقكَ؟»

 

«هناك، في بستان التفّاح، إنّما ها أنا ذا أمضي لإعلامهم. أنتَ ضيفنا، أليس كذلك؟ المعلّم ليس هنا، ويمكننا الاحتفاء بكَ. ثمّ... قليل مِن الخوف وقليل مِن الفرح، وهذا أفضل. تَصَوَّر أنّه مَنَحَنا الحَمَل هذا العام مع إمكانيّة الذهاب إلى الهيكل! لم يمنحنا مهلة سوى ستّة أيّام... ولكنّنا سَنَجري لإنجاز الرحلة... نحن كذلك في أورشليم... تَصَوَّر! وهذا كلّه بفضلكَ أنتَ.» وكأنّ الرجل في السماء السابعة، لشدّة فرحه، لكونه عُومِلَ كإنسان وكإسرائيليّ.

 

«أنا، على حدّ عِلمي، لم أفعل شيئاً.» يقول يسوع مبتسماً.

 

«آه! لا! بل فَعَلتَ. دوراس، ثمّ حقول دوراس، وهذه الحقول الرائعة هذه السنة على عكس تلك... لقد عَلِمَ جيوقانا بقدومكَ، وهو ليس بالأبله. إنّه خائف و... إنّه خائف.»

 

«مِن أيّ شيء؟»

 

«خائِف مِن أن يحصل له ما حصل لدوراس، بخصوص حياته وممتلكاته. هل رأيتَ حقول دوراس؟»

 

«إنّني قادم مِن نائين...»

 

«إذن فأنتَ لَم تَرَها. خَراب تام. (يقولها بصوت خافت، ومع ذلك يَنطقها جيّداً كَمَن يأتمنه على شيء مريع سرّاً) خراب تام! فلا شعير ولا قمح ولا فواكه. الكروم جافّة، وشجر التفّاح جاف... ميت... كلّ شيء ميت... كما في صادوم وعامورة... تعال، تعال لأريكَ إيّاها.»

 

«لا داعي لذلك. إنّني ذاهب إلى فلّاحيه...»

 

«ولكنّهم لَم يعودوا هناك! لقد وزَّعَهم، أو قُلْ صَرَفَهم جميعاً، دوراس، ابن دوراس. والذين وَزَّعَهم على ممتلكات أخرى، مُجبَرون على عدم التحدّث عنكَ، تحت طائلة الجَّلد... عدم التحدّث عنكَ! سيكون ذلك صعباً! جيوقانا نفسه قال لنا ذلك.»

 

«ماذا قال؟»

 

«قال: "لستُ حيواناً كدوراس، ولن أقول لكم: ”لا أريدكم أن تتحدّثوا عن الناصريّ“. فلا جدوى مِن ذلك، لأنّكم، مع ذلك، سوف تَفعَلون. ولا أريد فقدانكم بإهلاككم تحت هول السِّياط كحيوانات جَموحَة. بل على العكس، أنا أقول لكم: ”كونوا صالحين“ كما يُعلِّمكم الناصريّ بالتأكيد، وقولوا له إنّني أُحسِن معاملتكم. فلا أريده أن يلعَنَني أنا كذلك". ذلك أنّه يرى جيّداً كيف أَصبَحَت هذه الحقول مذ بارَكتَها، وماذا حلَّ بتلك منذ أن لَعَنتَها. آه! ها هما اللّذان فَلَحَا لي الحقل...» ويَهرَع الرجل للقاء بطرس وأندراوس.

 

ولكنّ بطرس يحيّيه بسرعة ويتابع طريقه ويهتف: «آه! يا معلّم! لَم يَعُد أحد منهم هناك! فليس هناك سوى وجوه جديدة. وكلّ شيء قد أُتلِف! في الحقيقة يمكنه الاستغناء عن الاحتفاظ بفلّاحين هنا. فإنّ الأمر لَأسوأ مما لو كان على البحر المالح!...»

 

«أدري، لقد حَدَّثَني إشَعياء عن ذلك.»

 

«ولكن تعال وانظر! يا له مِن مَشهَد!»

 

يُسايِره يسوع، إنّما يقول أوّلاً لإشَعياء: «إذن سأكون معكم. أَعْلِم رفاقَكَ، ولا تُزعِجوا أنفسكم. فالطعام معي، ويكفينا مستودع التبن لننام، وحبّكم. سأعود دون تأخير.»

 

حقّاً إنَّ مَنظَر حقول دوراس مؤسف. حقول ومُروج جرداء عارية، كروم جافّة، وعلى الأشجار ملايين الحشرات، مِن كلّ الأنواع، وقد أَتلَفَت الأوراق والثمّار. حتّى بستان الفواكه المحاذي للبيت، فإنّ مظهره مؤسف، وكأنّه غَيضَة تموت. يَتَنقَّل الفلّاحون هنا وهناك، يَقتَلِعون الأعشاب الرديئة، طارِدِين اليساريع والبزّاق والديدان وحشرات أخرى مِن الفصيلة ذاتها، يَهزُّون الأغصان واضِعِين تحتها أقداراً مملوءة ماء لإغراق الفراشات الصغيرة والقمل النباتي والطفيليّات الأخرى التي تغطّي ما بقي مِن الأوراق وتُنهِك الشجرة لدرجة جَعَلَتها تموت. يبحثون عن دليل حياة في أغصان الكروم، ولكنّها ما تكاد تُلمَس حتّى تَنكَسِر، بل وتتكسّر أحياناً تحت الأقدام، كما لو أنّ الجذور قد نُشِرَت. التَّبايُن مع حقول جيوقانا وكرومه ومَباقِله جَلّي جدّاً، ويبدو خراب الحقول الملعونة أكثر حِدّة إذا ما قُورِنَت بِخصب الأخرى.

 

«لإله سيناء يد ثقيلة.» يُتمتِم سمعان الغيور.

 

ويقوم يسوع بحركة كما ليقول: «كيف؟» ولكنّه لا يقول شيئاً. يَسأَل فقط: «كيف حَصَلَ هذا؟»

 

يُتمتِم فلّاح بين أسنانه: «خُلد، جَراد، ديدان... ولكن اذهب! فالـمُراقِب مُخلِص لدوراس... فلا تُسبِّب لنا الأذى...»

 

يتنهّد يسوع ويمضي.

 

فلّاح آخر، وهو مُنحَنٍ يَمدخ شجرة تفّاح على أمل إنقاذها، يقول: «سنوافيكَ غداً... عندما يكون الـمُراقِب في يزرعيل للصلاة... سنأتي إلى بيت ميخا.»

 

يقوم يسوع بحركة بركة ويمضي.

 

«رأيتَ؟ غداً سيأتي فلّاحو دوراس.»

 

«حسناً، بينما يكون الضِّباع في الصلاة... هذا ما نفعله كلّ سبت... ونتحدّث عنكَ بحسب ما تلقّيناه مِن يونا وإسحاق الذي يأتي إلينا كثيراً، ومِن حديثكَ في تشرين (أكتوبر-نوفمبر). نتحدّث كما نعرف. إذ لا يمكننا الامتناع عن الحديث عنكَ. ونتحدّث بقدر ما نتألّم أكثر، ويَمنَعوننا عن ذلك. هؤلاء الناس المساكين... يتجرَّعون الحياة كلّ سبت... ولكن في هذا السهل، كم يوجد مَن هُم في حاجة إلى أن يَعرِفوا، على الأقلّ أن يَستَعلِموا عنكَ، ولا يمكنهم المجيء إلى هذا المكان...»

 

«سأُفكّر كذلك بهم. أمّا أنتم فبورِكتُم لما تقومون به.»

 

تَغيب الشمس في اللّحظة التي يَدخُل فيها يسوع إلى مطبخ سَوَّدَه الدخان. وبَدَأَت استراحة السبت.