ج4 - ف148
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الرابع / القسم الثاني
148- (رسالة الرُّسُل الأربعة في اليهوديّة)
23 / 09 / 1945
يَعود يسوع مع الرُّسُل مِن جولة رسوليّة في ضواحي بيت عنيا. كانت الجولة قصيرة بلا شك، إذ إنّهم لا يحملون حتّى حقائب الزَّاد. يتحدّثون فيما بينهم. يقولون: «فِكرة سليمان الـمُعدّي (صاحب زورق ينقل الناس مِن ضفّة إلى أخرى) كانت حَسَـنة، أليس كذلك يا معلّم؟»
«نعم، فِكرة حَسَنة.»
كالعادة الاسخريوطيّ ليس مع رأي الآخرين: «أنا لا أرى ذلك الشيء العظيم الحَسَن في ما فَعَلَ. لقد أعطى ما لم يعد له نفع بالنسبة إليه كتلميذ. فلا أرى مبرّراً لمدحه...»
«البيت يَلزم على الدوام.» يقول الغيور بصرامة.
«إذا كان مثل بيتكَ. إنّما ماذا تراه يكون هذا؟ إنّه كوخ غير صحّيّ.»
«إنّه كلّ ما يملك سليمان.» يُجيب الغيور.
«وكما عاش فيه دون أن يُصاب بآفة حتّى أَصبَحَ عجوزاً، كذلك بإمكاننا أن نقيم فيه مِن وقت لآخر. ماذا تريد؟ أن تكون كلّ البيوت مثل بيت لعازر؟» يضيف بطرس.
«أنا لا أريد شيئاً. لا أرى ضرورة لهذه الهديّة. عندما نكون في هذا الموضع، بإمكاننا أن نذهب إلى أريحا. إن هي إلّا محطّات قليلة بين الاثنين. وبالنسبة للناس مثلنا نحن الذين نُشبِه المضطَهَدين المرغَمين على السير المتواصل، ماذا تعني بضعة محطّات؟»
يتدخّل يسوع قبل نفاذ صبر الآخرين، كما تشير الدلائل الواضحة. «إنّ سليمان، نسبة إلى مجموع ما يملك، فقد أعطى أكثر مِن الجميع. لقد أعطى بِحُبّ. لقد وَهَبَنا ذلك البيت ليؤمّن لنا ملجأ، إذا ما كان الطقس الممطر سبباً في حجزنا في هذا الموضع قليل الضيافة، أو الفيضان، أو بالأخص في حال كان سوء نيّة اليهود قويّاً لدرجة أن يكون مِن الـمُفضَّل جعل النهر حاجزاً بيننا وبينهم. وتلك الهبة تعني أنّ تلميذاً متواضعاً وقليل الثقافة، ولكنّه أمين كثيراً ومليء جدّاً بالإرادة الصالحة، قد عَرف التوصّل إلى ذلك الجُّود الذي يَجعَل فيه الإرادة البيّنة بأن يكون تلميذاً للأبد تتجلّى بوضوح، وهذا سبب فرح عظيم لي. في الحقيقة إنّني أرى أنّ تلاميذ كثيرين، مع القليل مِن الثقافة التي تلقّوها منّي قد فاقوكم، أنتم يا مَن تلقّيتم الكثير. أنتم لا تعرفون أن تضحّوا مِن أجلي، وخصوصاً أنتَ، حتّى بالأشياء التي لا تُكلِّف شيئاً: الحكم الذاتي. إنّكَ تُحافِظ على ما هو لكَ قاسياً، مقاوماً لكلّ تغيير.»
«أنتَ تقول إنّ المعركة ضدّ الذات هي التي تُكلِّف أكثر...»
«ومع ذلك تريد القول لي إنّني أُخطِئ بقولي إنّها لا تكلّف شـيئاً. هل هذا صحيح؟ ولكنّكَ فَهِمتَ جيّداً ما أريد قوله! بالنسبة للرجل، وفي الحقيقة أنتَ رجل حقّ، ما مِن قيمة إلّا للأشياء المتّصلة بالتجارة. "الأنا" لا تُباع بالفضّة. إلّا إذا كان البيع لِمَن يؤمل الاستفادة منه. تجارة شبيهة بتلك التي تمارسها النَّفْس مع الشيطان، وحتّى أوسع. لأنّها، إضافة إلى النَّفْس، فهي تضمّ فِكر أو حكم أو حـرّية الإنسـان. سَمّها حسبما يروق لكَ. فَمِثل هؤلاء البؤسـاء موجودون... إنّما الآن فلا نفكرنّ بهم. لقد مدحتُ سليمان لأنّني أرى كلّ ما هو صالح في عمله. وهذا يكفي.»
يُخيِّم صمت، بعدئذ يُعاوِد يسوع الكلام: «خلال بضعة أيّام سيكون بإمكان هرمست السير دون صعوبة. وأنا، سوف أعود إلى الجليل. حينذاك لن تأتوا جميعكم معي. قِسم منكم سيبقى في اليهوديّة لِيُعاوِد الصعود مع التلاميذ اليهود، بحيث تجتمعون كلّكم مِن أجل عيد الأنوار.»
«كلّ هذا الوقت؟ مَن الذي سيُكلَّف بذلك؟» يقول الرُّسُل فيما بينهم.
يَسمَع يسوع الحِوار ويُجيب: «سيقوم بذلك يهوذا بن سمعان وتوما وبرتلماوس وفليبّس. ولكنّني لم أقل أن يبقوا في اليهوديّة حتّى عيد الأنوار. بل على العكس، أريد أن تَجمعوا أو أن تنبّهوا التلاميذ أن يكونوا هنا مِن أجل عيد الأنوار. بالنتيجة، فإنّكم ستذهبون الآن وتبحثون عنهم وتَجمعونهم وتُنبّهونهم. وفي غضون ذلك سَتُشرِفون عليهم وستساعدونهم، ومِن ثمّ تتبعونني، جالبين معكم الذين ستكونون قد وجدتموهم مُشيِّعين للآخرين نبأ المجيء. عِلماً أنّ لنا أصدقاء في المناطق الرئيسيّة في اليهوديّة، وسيُسـدون لنا خدمة إخطار التلاميذ. أثناء عودتكم، عَبْر الجليل على الضفّة الأخرى لنهر الأردن، وبينما أنتم تتذكّرون أنّني سوف أمرّ بـ جراسا وبصرى وأربيلا وحتّى عِرا، اجمعوا كذلك أولئك الذين لم يكونوا قد تَجاسَروا على الدنوّ لطلب المعرفة أو المعجزة، ولكنّهم يتألّمون فيما بعد لأنّهم لم يَفعلوا. سوف تجلبونهم. سوف أمكُث في عِرا حتّى وصولكم.»
«إذن فمن المستحسن المضيّ إلى هناك حالاً.» يقول الاسخريوطيّ.
«لا بل ستمضون في عشيّة اليوم الذي يَسبِق رحيلي، فتمضون مِن يونا إلى جَثْسَيْماني حتّى اليوم التالي، ثمّ تَمضون إلى اليهوديّة. هكذا ترى أُمّكَ وتساعدها في فترة الأعمال الزراعيّة هذه.»
«لقد تعوَّدَت، ومنذ سنوات، أن تُنجِز الأعمال وحدها.»
«آه! ألا تَذكُر أنّ وجودكَ كان لا بدّ منه مِن أجل قِطاف العنب في العام الماضي؟» يَسأَل بطرس بقليل مِن المكر.
يَصطَبِغ يهوذا بلون أكثر احمراراً مِن الخشخاش المنثور، إنّه بَشِع في غضبه وخَجَله. ولكنّ يسوع يتدارك كلّ ردّ بالقول: «الابن هو دائماً بالنسبة لأُمّه عَون وتعزية. ثمّ إنّها لن تراكَ حتّى الفصح وما بعد الفصح. إذن فاذهب وافعل ما قُلتُه لكَ.»
يهوذا لا يُجيب بطرس، ولكنّه يتحوّل في استيائه إلى يسوع: «يا معلّم، هل تَعلَم ماذا ينبغي لي أن أقول لكَ؟ لديَّ انطباع بأنّكَ تريد التخلّص منّي، أقلّه إبعادي، لأنّكَ تشكّ فيَّ، لأنّكَ تظلمني باعتقادك أنّني مُذنِب في أمر ما، لأنّكَ تَفتَقِر إلى المحبّة تجاهي، لأنّكَ...»
«يهوذا! هذا يكفي! يمكنني أن أقول لكَ كلاماً كثيراً. ولكنّني أقول لكَ فقط: "أَطِع".» يسوع مَهيب أثناء قوله ذلك. عظيم هو، عينه تشعّ ووجهه صارِم... مُخيف. حتّى يهـوذا يَرتَعِد. يَقِف خلف الجميع بينما يسوع يبقى وحيداً في المقدّمة. وبين الواحد والآخر، مجموعة الرُّسُل الذين صمتوا.