ج6 - ف97

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السادس/ القسم الأول

 

97- (في بيت يوسف الذي مِن الرّامة)

 

31 / 03 / 1946

 

هنا أيضاً موسم الحصاد. يَجدر القول: كان... الآن لا تعمل المناجل إذ لم تبقَ سنبلة واحدة في هذه الحقول الأقرب للساحل والبحر الأبيض المتوسّط مِن تلك التي لنيقوديموس. بالفعل لم يذهب يسوع إلى الرامة، إنّما إلى ممتلكات يوسف في السهل، إلى جانب البحر، وهي التي كانت قبل الحصاد بحراً صغيراً مِن السنابل لسعة امتدادها.

 

بيت واسع، منخفض، وهو أبيض بالكامل وسط الحقول المحصودة. بيت ريفيّ، ولكنّه منتظَم. بيادره الأربعة ممتلئة بكمّية مِن الحِزَم، مُشبّكة كما يفعل الجنود بأسلحتهم عندما يكونون في وقفة في مخيّم. عربات عدّة تنقل هذا الكنـز مِن الحقول إلى البيادر، والعديد مِن الرجال يُفرِّغونها ويُكوِّمونها. يوسف يتنقّل بين البيادر ويهتمّ بأن يُفعَل كلّ شيء ويُفعَل بشكل جيّد.

 

يُعلِن أحد الفلاّحين مِن أعلى كوم مِن الحِزَم على إحدى العربات: «لقد انتهينا، يا معلّم. كلّ القمح على البيادر. إنّها العربة الأخيرة مِن القطعة الأخيرة.»

 

«حسناً. أَنزِل الحِزَم ومِن ثمّ حلّ الثيران وقدها إلى المشارب والإسطبلات. لقد عَمِلَت جيّداً واستحقّت الراحة. أنتم كذلك عملتم جيّداً واستحققتم الاستراحة. ولكنّ التعب الأخير سيكون خفيفاً إذ إنّ القلوب الطيبة تتعزّى بفرح الآخرين. الآن سوف نجعل أبناء الله يأتون لنعطيهم هبة الآب. إبراهيم، اذهب لتناديهم.» يقوله بعدئذ متوجّهاً إلى شيخ وقور، الذي قد يكون الأوّل بين الخُدّام الفلاّحين في ملكيّة يوسف هذه. أظنُّ ذلك لدى رؤيتي احترام الخُدّام الآخرين الجليّ لهذا العجوز الذي لا يعمل، ولكنّه يراقب ويقدّم النصائح لمساعدة المعلّم.

 

ويَمضي العجوز... أراه يتوجّه إلى بناء رحب ومنخفض جدّاً، أشبه بعنبر منه إلى بيت، مجهّز ببوّابتين كبيرتين تصلان حتّى الميزاب. أظنّه مخزناً لمبيت العربات وعِدد الزراعة كلّها. يَلِج إلى الداخل لِيَخرُج وقد تَبِعَه جمع خليط مِن كلّ الأعمار... وكلّ المآسي... هناك مَن هُم شديدو النحف ولكنّهم بدون بلوى جسديّة، وهناك مُقعَدون، عميان، فاقدو الذراع، ذوو عيون مريضة... أرامل كُثُر يحيط بهنّ العديد مِن الأيتام، وكذلك نساء أزواجهن مرضى، حزانى، منهارات، هزيلات مِن جرّاء السهر والتضحيات المبذولة في العناية بالمريض.

 

يتقدّمون بهذا المشهد الفريد لفقراء يقصدون المكان الذي يتلقّون فيه الحسنات: نظرات خجولة، ارتباك فقراء نزيهين، ومع ذلك ابتسامة تُزهِر فوق حزن طَبَعَته أيّام مِن الألم على الوجوه الشاحبة، ومع ذلك وميض انتصار خفيف، شكل مِن أشكال الإجابة على ضراوة المصير في سلسلة الأيّام الحزينة الطويلة، إنّه تحدّ: «بالنسبة لنا كذلك، هو يوم عيد، اليوم، هو عيد، فرح، وتعزية لنا!»

 

يُحملِق الصغار بأكوام الحزم الأعلى مِن البيت، ويشيرون إليها قائلين لأُمّهاتهم: «أهي لنا؟ آه! كم هي جميلة!» والعجائز يتمتمون: «فليبارِك المبارَك الرحيم!» المتسوّلون والمقعدون والعميان ومقطوعي الذراع وذوو العيون المريضة: «سنحصل على الخبز، نحن كذلك، دون الحاجة إلى مدّ الأيدي!» والمرضى لذويهم: «على الأقلّ سنتمكّن مِن تلقّي العلاج عالِمِين أنّكم لن تُعانوا مِن أجلنا. ستفيدنا العلاجات، الآن.» والأهل للمرضى: «أترون؟ لن تقولوا بعد الآن إنّنا نصوم لنترك لكم لقمة خبز. كونوا في الوقت الحاضر سعداء إذن...» والأرامل للأيتام: «أبنائي، يجب شكر أب السماوات كثيراً الذي يقوم مقام أبيكم، ويوسف الطيّب الذي هو مندوبه. لن نعود بعد الآن نسمعكم تبكون مِن الجوع، أيّها الأبناء الذين لم يعد لكم سوى أُمّهاتكم ليقدّمن لكم العون... الأُمّهات المسكينات اللواتي ليس فيهن مِن غنيّ سوى القلب...»

 

إنّها جوقة ومشهد مُفرِح، ولكنّه يُسيل كذلك الدموع مِن العيون…

 

ويوسف، وأمامه هؤلاء البؤساء، يشرع بالجري بين الصفوف، منادياً الناس الواحد تلو الآخر، سائلاً إيّاهم كم عدد أفراد الأسرة، منذ متى حصل الترمّل، أو المرض، وغير ذلك... ويسجّل. ومِن أجل كلّ حالة يأمر القرويّين الخدّام: «أعطهم عشرة.» «أعطهم ثلاثين.»

 

«أعطِ ستين» يقول بعد سماعه عجوزاً شبه أعمى يأتي إليه مع سبعة عشر طفلاً، جميعهم دون الاثني عشر ربيعاً، أبناء أبنائه، وقد مات أحدهم أثناء حصاد العام الماضي، الأخرى أثناء الولادة... «و» يقول العجوز «مواساة الزوج كانت بزواجه الثاني خلال عام، تاركاً لي الأولاد الخمسة قائلاً لي إنّه يهتمّ بهم. لا مال بالمقابل!... الآن ماتت زوجتي، وأنا وحدي... معهم...»

 

«أعطِ الأب العجوز ستين. وأنتَ، أيّها الأب، ابقَ ريثما أعطيكَ ثياباً للصغار.»

 

يَلفت الخادم الانتباه إلى أنّه لو أعطى الستّين في كلّ مرة، فلن يبقى مِن الحَبّ ما يكفي الجميع.

 

«وأين إيمانكَ؟ ألعلّي أُكدِّس الحِزَم التي أوزّعها مِن أجلي أنا؟ لا. مِن أجل الأبناء الأحبّ للربّ. والربّ نفسه سيدبّر أمر أن يكون ما يكفي الجميع.» يجيب يوسف الخادم.

 

«نعم، يا معلّم. ولكنّ العدد، هو العدد...»

 

«لكنّ الإيمان هو الإيمان. وأنا، لكي أبيّن لكَ أنّ الإيمان يمكنه كلّ شيء، آمُر بمضاعفة الكميّة التي أُعطيَت للأوّلين. مَن حَصَلَ على عشر، يُعطى عشراً أخرى، والعشرين عشرين أخرى، والعجوز يُعطى مئة وعشرين. افعل! افعلوا!»

 

يَرفَع الخُدّام أكتافهم ويطيعون.

 

ويستمرّ التوزيع وسط دهشة فرح المستفيدين الذين يَرَون أنفسهم يحصلون على كميّة تفوق أكثر آمالهم إفراطاً.

 

يبتسم يوسف لذلك، مُداعِباً الأطفال المنهمكين في مساعدة أُمّهاتهم، أو يساعد المقعدين في ترتيب كومتهم الصغيرة، يُساعِد العجائز كثيري الرعشة لفعل ذلك، أو النساء الضعيفات جدّاً. يجعل مريضَين جانباً ليقدّم لهما مساعدات أخرى، كما فَعَلَ مع العجوز والأطفال السبعة عشر. الأكوام التي كانت أعلى مِن البيت انخفضت الآن كثيراً، تكاد تكون في مستوى الأرض. ولكنّ الجميع حصلوا على حصصهم، وبوفرة، يَسأَل يوسف: «كم بقي مِن الحِزَم؟»

 

«مئة واثنتي عشرة حزمة، يا معلّم.» يقول الخُدّام بعد أن عدّوا الحزم الباقية.

 

«حسناً. ستأخذون منها...» يُراجِع يوسف لائحة الأسماء التي دَوّنها ثمّ يقول: «تأخذون خمسين منها لتُحفظ للبذار إذ إنّ هذا البذار مقدّس، ويُعطَ الباقي لأرباب العائلات بمعدّل حزمة لكلّ فرد. فلدينا هنا بالضبط اثنتان وستّون.»

 

يطيع الخُدّام. ينقلون الحزم الخمسين ويعطون الباقي. لم يعد الآن على البيادر كوم الذهب العظيم، إنّما على الأرض هناك اثنتان وستّون كومة بأحجام مختلفة. يجهد أصحابها في ربطها وتحميلها على عربات نقل صغيرة بدائيّة، أو على حمير حَلّوها مِن دعامات في مؤخّرة البيت.

 

إبراهيم العجوز، الذي تكلّم مع الفلاّحين الخُدّام الأساسيّين، يتقدّم معهم إلى المعلّم الذي يسألهم: «ماذا؟ هل رأيتم؟ كان هناك للجميع وزاد!»

 

«ولكن يا معلّم، في الأمر سرّ! لا يمكن لحقولنا أن تعطي هذا الكم مِن الحِزَم التي وَزَّعتَها. أنا وُلِدتُ هنا وبلغت الآن الثامنة والسبعين. أَحصد منذ سبعين عاماً. وأعرف. ابني كان على حقّ. بدون سرّ لم يكن بإمكاننا أن نعطي هذا القدر!...»

 

«ولكنّنا مع ذلك قد أعطيناها، يا إبراهيم. كنتَ إلى جانبي. الخُدّام هُم مَن أعطوا الحِزَم. فليس هناك مِن سحر، وهذا ليس وهماً. الحِزَم، ما زال بإمكاننا عدّها. إنّها ما تزال هنا، ولو أنّها موزّعة إلى أجزاء.»

 

«نعم، يا معلّم. ولكن... لا يمكن أن تكون الحقول قد أعطت هذا الكمّ!»

 

«والإيمان يا أبنائي؟ والإيمان؟ ماذا تفعلون به؟ هل كان بإمكان الربّ تكذيب خادمه الذي كان يَعِد باسمه ولخاتمة كانت مقدّسة؟»

 

«إذاً لقد اجتَرَحتَ معجزة؟!» يقول الخدّام الذين أصبحوا جاهزين للأوشعنا.

 

«لستُ إنساناً يجترح المعجزات، أنا. أنا رجل مسكين. الربّ هو الذي تصرّف. لقد قرأ ما في قلبي، ورأى فيه رغبتين: الأولى كانت أن أقودكم إلى إيماني الشخصيّ. والثانية أن أعطي الكثير الكثير الكثير لإخوتي البؤساء. وقد استجاب الله لرغباتي... وتصرَّفَ... فليكن مباركاً!» يقول يوسف وهو ينحني احتراماً كما لو كان أمام هيكل.

 

«وخادمه معه» يقول يسوع الذي ما يزال حتّى الآن مختبئاً في زاوية بيت صغير محاط بسياج، فرن أو معصرة، ويَظهَر الآن جهاراً على البيدر الذي فيه يوسف.

 

«معلّمي وربّي!» يهتف يوسف جاثياً على ركبتيه لتبجيل يسوع.

 

«السلام لكَ. لقد جئتُ لأبارككَ باسم الآب، لمكافأة محبّتكَ وإيمانكَ. أنا ضيفكَ هذا المساء. هل تقبل؟»

 

«آه! يا معلّم أتسأل عن هذا؟ فقط... فقط، هنا لا يمكنني أن أُكرمكَ... أنا وسط الخُدّام والفلاّحين... في بيتي الريفيّ... ليس لديَّ شراشف فاخرة، لا قهرمان ولا خُدّام كفؤ... ليس لديّ طعام مرهف... ليس لديَّ النبيذ المختار... ولا أصدقاء لي.... ستكون ضيافة فقيرة للغاية... ولكنّكَ ستعذرني.... لماذا لم تنبئني يا رب؟ لكنتُ تدبّرتُ أمري في كلّ شيء... ولكن قبل الأمس كان هَرْماس وذووه هنا... وقد أفدتُ منه في إنباء الذين كنتُ أريد أن أعطيهم، بل أردّ لهم، ما هو لله... ولكنّه لم يقل لي شيئاً، هَرْماس! لو كنتُ علمتُ!... اسمح لي، يا معلّم، أن أُصدِر الأوامر، في محاولة لتدارك الوضع... لماذا تبتسم هكذا؟» يَسأَل يوسف أخيراً. إنّه شديد الاضطراب بسبب الفرح غير المتوقّع والوضع الذي يصفه هو... بالمفجع.

 

«أَبتَسِم لاضطرابكَ عديم الفائدة. ولكن يا يوسف، عمّا تبحث؟ ما بكَ؟»

 

«ما بي؟ ليس بي شيء.»

 

«آه! يا لكَ مِن بشريّ الآن! لماذا لم تعد يوسف الروحيّ الذي كنتَه منذ لحظة، عندما كنتَ تتكلّم كحكيم؟ عندما كنتَ تعد بثقة بسبب إيمانكَ، ولتمنح الإيمان؟»

 

«آه! هل سمعتَ؟»

 

«لقد سمعتُ ورأيتُ، يا يوسف. هذا السياج مِن الدفلى عمليّ جدّا لرؤية أنّ ما زرعتُه لم يمت فيكَ، ولذلك أقول إنّ ما تجلبه لنفسكَ مِن اضطراب لا طائل منه. أليس لديكَ قهرمان ولا خُدّام مميّزون؟ ولكن حيث تُمارَس المحبّة يكون الله، وحيث يكون الله تكون ملائكته. وأيّ قهرمان تريد أن يكون أجدر منهم؟ ليس لديكَ طعاماً ولا خمراً مميّزاً؟ وأيّ طعام وأيّ شراب تريد تقديمهما لي أكثر تميّزاً مِن الحبّ الذي أبديتَه تجاههم، والذي تحمله لي؟ أليس لديكَ أصدقاء لتكرّمني بهم؟ وهؤلاء؟ وأيّ أصدقاء أَحَبّ مِن الفقراء والمساكين إلى المعلّم الذي اسمه يسوع؟ هيّا بنا، يا يوسف! حتّى ولو كان هيرودس اهتدى وفتح جناحاته ليستقبلني ويكرّمني في قصر مُطَهَّر، ولو كان معه، لتكريمي، رؤساء كلّ الطبقات، فما مِن بلاط مختار أحبّ إليَّ مِن هذا، حيث أريد أنا كذلك أن أقول كلمة وأقدّم هديّة. هل تسمح لي؟»

 

«آه! يا معلّم! ولكن كلّ ما تريده أنتَ أريده أنا! ابسط سلطتكَ.»

 

«قُل لهم أن يجتمعوا، وكذلك الخُدّام. فنحن نجد على الدوام ما نقتات به... فالأجدر أن يَسمَعوا كلمتي مِن أن يركضوا هنا وهناك منشغلين باهتمامات بائسة.»

 

يجتمع الناس متزاحمين مندهشين…

 

يتكلّم يسوع: «هنا تعلّمتم أنّ بإمكان الإيمان أن يُكثر الحبوب عندما تأتي هذه الرغبة مِن رغبة في الحبّ. ولكن لا تحصروا إيمانكم في الاحتياجات المادّيّة. الله خَلَقَ الحَبّة الأولى مِن الحنطة، ومنذ ذلك الحين، الحبّة أصبحت سنبلة لتؤمّن خبز الناس. ولكن الله خلق أيضاً الفردوس الذي ينتظر ساكنيه. وقد خُلِقَ مِن أجل الذين يحيون بحسب الشريعة ويبقون أوفياء رغم اختبارات الحياة المؤلمة. آمِنوا، وستنجحون بالمحافظة على أنفسكم قدّيسين بعون الربّ، تماماً كما نجح يوسف بتوزيع الحبوب عليكم بضعف الكمّية، ليضاعف سعادتكم ويثبّت خُدّامه في الإيمان. الحقّ الحقّ أقول لكم: لو كان للإنسان إيمان بالربّ، وإن كان يتصرّف بباعث مِن البرّ، فحتّى الجبال ذاتها الراسخة في الأرض في أحشاء الصخور، لا يمكنها الصمود، وتنتقل بأمر المؤمن بالربّ. هل تؤمنون بالله؟ » يَسأَل الجميع.

 

«نعم، يا ربّ!»

 

«مَن هو الله بالنسبة إليكم؟»

 

«الأب الكلّي القداسة، كما يُعلّم تلاميذ المسيح.»

 

«ومَن هو المسيح، بالنسبة إليكم؟»

 

«المخلّص، المعلّم، القدّيس!»

 

«أهذا فقط؟»

 

«ابن الله. ولكن يجب عدم قول هذا، لأنّنا إذا قلناه يَضطَهِدنا الفرّيسيّون.»

 

«ولكن أنتم، أنتم تؤمنون أنّه كذلك؟»

 

«نعم، يا ربّ!»

 

«حسناً، انموا في إيمانكم. حتّى ولو صمتّم، فإنّ الحجارة، والأشجار والنجوم والأرض وكلّ الأشياء، ستُعلِن أنّ المسيح هو الفادي الحقيقيّ والـمَلِك. ستُعلِن ذلك ساعة ارتفاعه، عندما سيكون هو في البرفير المقدّس وبإكليل الفِداء. طوبى للذين يؤمنون بذلك منذ الآن، ويزيد إيمانهم في ذلك الحين، وسيؤمنون بالمسيح وبالتالي بالحياة الأبديّة. هل لكم هذا الإيمان بالمسيح الذي لا يتزعزع؟»

 

«نعم، يا رب. أَعلِمنا أين هو، وسنرجوه أن يزيد إيماننا حتّى نكون هكذا سعداء.» والجزء الأخير مِن الصلاة، لا يؤدّيها الفقراء فقط، إنّما كذلك الخدّام والرُّسُل ويوسف.

 

«إذا كان لكم إيمان بحجم حبّة الخردل، وإذا كان هذا الإيمان الذي هو دُرّة ثمينة محفوظاً في قلبكم، لا ينتزعه منه أيّ أمر بشريّ وسيّئ، ستتمكّنون مِن القول لشجرة التوت العظيمة هذه التي تظلّل بئر يوسف: "انقلعي وانغرسي في أمواج البحر".»

 

«ولكن، أين هو المسيح؟ نحن ننتظره لنُشفَى. التلاميذ لم يشفونا. ولكنّهم قالوا لنا: "هو يستطيع ذلك."ونحن، نحن نريد أن نشفى كي نعمل.» يقول الرجال المرضى أو المعاقون.

 

«وهل تؤمنون أنّ المسيح يستطيع ذلك؟» يَسأَل يسوع وهو يشير إلى يوسف بعدم الإفصاح عن أنّه هو المسيح.

 

«نحن نؤمن. فهو ابن الله. يمكنه كلّ شيء.»

 

«نعم. هو يستطيع كلّ شيء... ويريد كلّ شيء!» يهتف يسوع مادّاً ذراعه اليمنى بسلطان خافضاً إيّاها كما للقَسَم. وينهي بهتاف قويّ: «فليكن هكذا، لمجد الله!»

 

ويهمّ بالذهاب إلى البيت. ولكنّ الذين برئوا، حوالي العشرين، يصيحون، يركضون، ويطوّقونه في زحمة الأيادي الممدودة للمسه، مباركته، البحث عن يديه، عن ثيابه، لتقبيله، لملاطفته. يعزلونه عن يوسف، وعن الجميع…

 

ويسوع يبتسم، يُلاطِف ويُبارِك... يتحرّر منهم على مهل، وإذ هو ما يزال متبوعاً، يغيب في البيت بينما ترتفع الأوشعنا في السماء المصطبغة بالألوان البنفسجيّة التي تنبئ ببداية الغسق.