ج7 - ف208
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السابع / القسم الثاني
208- (يسوع في نوبة. يهوذا الإسخريوطيّ يكذب)
11 / 10 / 1946
يسوع في نوبة، والمفروض أنّه هناك منذ وقت قليل، ذلك أنّه ما زال ينظّم ويقسم الاثني عشر في ثلاث مجموعات مِن أربعة أشخاص كي يوزّعهم على المنازل. ومعه يُبقي بطرس، يوحنّا، يهوذا الإسخريوطيّ وسمعان الغيور، بينما يعقوب بن زَبْدي على رأس المجموعة المؤلّفة مِن متّى، يوضاس بن حلفى وفليبّس، والمجموعة الثالثة تَكَلَّفَ فيها برتلماوس ويخضع له يعقوب بن حلفى، أندراوس وتوما.
«بعد العشاء إذهبوا إلى حيث تبرّعوا باستقبالكم، وعودا إلى هنا صباحاً، وسأقول لكم ما ينبغي لكم القيام به. في أوقات الوجبات سنبقى معاً. تذكّروا ما قلتُه لكم أكثر مِن مرّة: عليكم التبشير بمذهبي كذلك بأسلوب حياتكم، الحياة فيما بينكم، ومع الّذين يستقبلونكم. كونوا إذاً متّزنين، صبورين، نزيهين في أقوالكم وأفعالكم، في نظراتكم، بحيث تفوح الاستقامة منكم كعطر. أنتم ترون كيف أنّ أعين الناس علينا هي على الدوام، كي يشوا بنا أو لدراستنا، وكذلك للإجلال. إلاّ أنّ هؤلاء الأخيرين هم الأقلّ عدداً مِن الّذين يراقبوننا. ومع ذلك فعلينا بذل عناية عظيمة بهؤلاء القليلي العدد، ذلك أنّ على إيمانهم تُصَوَّب دراسة العالم لتفكيكه، وكل شيء يُستَخدَم كسلاح لهدم محبّة الصالحين لي، ولكم بالنتيجة. إذاً لا تساعدوا العالم بطريقة حياة لا تكون بقداسة، ولا تُثقِلوا معاناة الّذين عليهم الدفاع عن إيمانهم ضدّ شِراك أعدائي بكونكم بالنسبة لهم أداة شكّ. فالشكّ يجعل النفوس في حيرة، يُبعدها، ويضعفها. الويل للرسول الّذي يكون شكّاً للنفوس. فهو يخطئ ضدّ معلّمه وضدّ قريبه، ضدّ الله وضدّ رعيّة الله. إنّني أعتمد عليكم. لا تتصرّفوا بشكل يضيف إلى ألمي الهائل ألماً يصيبني منكم.»
«لا تخف يا معلّم. لن يصيبكَ منّا ألم، ما لم يضلّلنا الشيطان جميعنا» يقول برتلماوس.
أنستاسيا الّتي هي مع إليز في المطبخ، تدخل وتقول: «العشاء جاهز يا معلّم. انزلوا طالما هو ساخن. ستستردّ قوّتكَ.»
«هيّا بنا.»
وينهض يسوع ليتبع المرأة نزولاً عبر السلّم الصغير، الّذي يؤدّي إلى الحديقة الصغيرة مِن الغرفة العلوية حيث أُعِدَّت الأسرّة، ومنها تدخل إلى المطبخ المبتهج بنار متوهّجة.
هناك يوحنّا العجوز قرب النار، وإليز المنهمكة حول الأطعمة، والّتي تلتفت بابتسامة أموميّة لتنظر إلى يسوع الّذي يدخل، وتُسرِع في السكب في وعاء كبير حبّات الشعير المطهوّة في الحليب، وهذا ما رأيتُ مريم حلفى تصنعه في الناصرة قبل رحيل يوحنا وسينتيكا.
«هاكَ. لقد تذكّرتُ أنّ مريم التي لحلفى قالت لي إنّ هذا يروق لكَ، وقد احتفظتُ بأفضل العسل لأصنعه لمارغزيام كذلك... أتأسّف لعدم مجيء الصبيّ...»
«أبقته نيقي مع إسحاق، حيث سيمضون غداً عند الفجر، وستستفيد مِن العربة حتّى أريحا لإتمام الرسالة الّتي تعرفينها...»
«أيّة رسالة يا معلّم؟» يَسأَل الإسخريوطيّ باهتمام.
«رسالة نسائيّة جدّاً: تربية طفل. إنّما هو طفل لا يحتاج للحليب، بل للإيمان، ذلك أنّ روحه طفوليّ. ولكنّ المرأة هي أُمّ على الدوام وتعرف أن تقوم بهذه الأمور. ومتى أَدرَكَتْ!... فهي تساوي الرجل، إلى جانب قدرة النعومة الأُموميّة.»
«كم أنتَ طيّب تجاهنا يا معلّم!» تقول إليز مع نظرة حنونة.
«إنّني منصف يا إليز. نحن الإسرائيليّين، ولسنا نحن وحدنا، معتادون على رؤية المرأة ككائن أدنى والتفكير بأنّها كذلك. لا. فإن كانت خاضعة للرجل، كما هو الصواب، وإن كان العقاب بسبب خطيئة حوّاء يصيبها أكثر، وإن كانت رسالتها مقدّراً لها أن تبقى في الظلّ والخفاء، دون أعمال وأصوات مدوّية، وإن كان كلّ شيء فيها يكون كأنّ وشاحاً يخنقه، فهي ليست بسبب ذلك أقلّ قوّة وأقلّ كفاءة مِن الرجال. دون التذكير بنساء إسرائيل العظيمات، أقول لكم بأنّ في قلب المرأة الكثير مِن القوّة. في القلب، كما بالنسبة لنا نحن الرجال في الفِكر. وأقول لكم إنّ منزلة المرأة سوف تتبدّل بالنسبة للعادات كما بالنسبة إلى أمور أخرى كثيرة. وسيكون ذلك مِن العدل، وكما أنا بالنسبة لكلّ الرجال، فكذلك امرأة ستُحرِز لكلّ النساء، بطريقة خاصّة، النعمة والفداء.»
«امرأة؟ وكيف تريد لامرأة أن تفتدي؟» يقول يهوذا الإسخريوطيّ ضاحكاً.
«الحقّ أقول لكَ أنّها هي الآن تفتدي. هل تعلم ما يكون الفداء؟»
«بالطبع أعرف! هو أن يُخلَّص أحدهم مِن الخطيئة.»
«نعم، ولكن الخلاص مِن الخطيئة لا يفيد كثيراً، ذلك أنّ العدو أبديّ ويعود لينصب الشراك. لكن مِن الحديقة الأرضيّة أتى صوت، صوت الله: "سأجعل عداوة بينكِ وبين المرأة... هي تسحق رأسكِ وأنتِ تنالين مِن عقبها." إنّما ليس أكثر مِن الشراك، ذلك أن المرأة ستمتلك، تمتلك في ذاتها، ما ينتصر على العدوّ. وبالتالي فهي تفتدي مِن لحظة وجودها، هي الفداء الفاعل رغم خفائها. إنّما قريباً سوف تخرج للعالم، وبها ستتحصّن النساء.»
«أن تفتدي أنتَ... هذا جيّد. أمّا أن تتمكّن امرأة مِن ذلك... فلا أتقبّله يا معلّم.»
«ألا تتذكّر طوبيّا؟ نشيده؟»
«بلى. لكنّه يتحدّث عن أورشليم.»
«أما زال يا ترى في أورشليم خَيْمَة عهد [Tabernacle] حيث يقيم الله؟ هل يمكن أن يحضر الله بمجده حيث الخطايا الّتي تُستَنفذ داخل جدران الهيكل؟ إنّ خيمة عهد [Tabernacle] أخرى كان لا بدّ منها، وأن تكون قدّيسة، وتكون نجمة لتقود التائهين إلى العليّ. وهذا تمّ في الشريكة في الفداء الّتي عبر أجيال وأجيال سيكون لها فرح أن تكون أمّ الـمُفتَدين. "ستسطعين بلمعان رائع. كلّ شعوب الأرض تجثوا أمامكِ. تأتي الأمم مِن بعيد لتقدّم لكِ الهدايا وتعبد فيكِ الربّ... ستبتهل لاسمكِ العظيم... والّذين لا يستمعون إليكِ سيكونون مِن الملعونين، ومباركون هم الّذين يتقرّبون منكِ... ستُسرّين بأولادك، إذ سيكونون المباركين المجتمعين أمام الربّ". النشيد الحقيقيّ للشريكة في الفداء. والآن ينشده في السماء الملائكة الّذين يرون... إنّ أورشليم الجديدة والسماويّة بها تبدأ. آه! نعم، هذه هي الحقيقة. والعالم يجهلها، ويجهلها رابّيي إسرائيل الغارقين في الظلمة...» يغوص يسوع في أفكاره…
«ولكن عمّن هو يتكلّم؟» الإسخريوطيّ يَسأَل فيلبّس القريب منه.
قبل أن يجيب هذا الأخير، فإنّ إليز، وهي تضع على الطاولة الجبن والزيتون الأسود، تقول له بصرامة: «إنّه يتحدّث عن أُمّه. ألا تفهم؟»
«ولكنّني لم أعرف قط أنّها ذُكرت مِن الأنبياء كشهيدة... الحديث فقط عن الفادي، و...»
«أوتظنّ أن لا عذاب إلاّ عذاب الجسد؟ وألا تعرف أنّه لا شيء، بالنسبة لأُمّ، يقارن برؤية ابن لها يموت؟ ذكاؤكَ –لا أتكلّم عن قلبكَ، ولستُ أعرف خلجاته- ذكاؤكَ، الّذي تتفاخر به، ألا يقول لكَ بأنّ الأُمّ تخضع عشرات المرّات للعذاب والموت كي لا تسمع أنّة واحدة مِن ابنها؟ يا رجل، أنتَ رجل، وتتمتّع بالمعرفة. أنا لا أعرف سوى أن أكون امرأة وأُمّاً، ولكنّني أقول لكَ أنّكَ جاهل أكثر منّي، إذ إنّكَ لا تعرف حتّى قلب أُمّكَ...»
«آه! أنتِ تهينينني!»
«لا. أنا كبيرة السنّ وأنصحكَ. إجعل قلبكَ ذا بصيرة، فتتحاشى الدموع والعقاب. إفعل ذلك، لو استطعتَ.»
الرُّسُل، خاصّة يوضاس بن حلفى، يعقوب بن زَبْدي، برتلماوس والغيور، ينظرون إلى بعضهم خلسة، ويخفضون الرأس لإخفاء ابتسامة ترتسم على شفاههم، لصراحة ملاحظة إليز للرسول الّذي يظنّ نفسه كاملاً. يسوع الغارق في التفكير، لا يسمع شيئاً.
تلتفت إليز إلى أنستاسيا وتقول لها: «تعالي، أثناء تناولهم الطعام فلنمضِ لتهيئة سريرَين آخرَين، ذلك أنّ ثلاثة أسرّة قليلة هي.» وتهمّ بالخروج.
«إليز، لن تمنحن أسرّتكن بالطبع.» يهتف بطرس. «هذا غير مناسب. فيوحنّا وأنا، يمكننا النوم على طاولات. نحن معتادان على ذلك.»
«لا، يا سمعان. هناك مشابك وحصائر، ولكنّها محفوظة. والآن سوف نضعها على مَناصِب.» وتخرج مع الأخرى.
الرُّسُل، المتعبون، يتهوّمون في دفء المطبخ. يسوع يفكّر، المرفق على الطاولة والرأس على يده.
طَرْق على الباب. توما، الأقرب، ينهض ليفتح، ويهتف: «أنتَ، يوسف؟ ومعكَ نيقوديموس؟! ادخلا! ادخلا!»
«السلام لكَ يا معلّم، وللّذين في هذا البيت. نحن ماضيان إلى راما يا معلّم؛ هو نيقوديموس الّذي دعاني إليها. خلال مرورنا قلنا: "لنتوقّف كي نلقي التحيّة على المعلّم". كنّا نريد معرفة ما إذا... كنتَ ما تزال منزعجاً، كونهم ذهبوا للبحث عنكَ عند يوسف. فلقد بحثوا عنكَ في كلّ مكان مذ شفيتَ ذلك الأعمى. لم يتجاوزوا الأسوار، هذا صحيح. لم يحرّكوا كرسيّاً كي لا يدنّسوا السبت، لأجل ذلك يظنّون أنفسهم طاهرين، إنّما مِن أجل البحث عنكَ، ليتبعوا برتولماوس، آه! فلقد قطعوا أكثر مِن المسافة المسموح بها!»
«وكيف عرفوا ذلك والمعلّم لم يصنع شيئاً في الطريق؟» يَسأَل متّى.
«هاكَ: إنّنا لم نكن نعلم حتّى أنّه كان قد شُفي. مضينا إلى المعبد، ومِن ثمّ ألقينا التحيّة على نيقي، وإسحاق ومارغزيام اللذين كانا عندها ثمّ، بعد غياب الشمس، أتينا بسرعة إلى هنا.» يقول بطرس.
«لم تكونوا على علم، ولكنّ مُرسَلي الفرّيسيّن عرفوا. أنتم لم تروا ولكنّني أنا رأيتُ. اثنان منهم كانا حاضرَين عندما لمس المعلّم عينيّ الأعمى. كانا ينتظران منذ ساعات.»
«كيف ذلك إذاً؟» يَسأَل يهوذا الإسخريوطيّ ببراءة.
«أتسالني أنا؟»
«أمر غريب، لذلك أنا أسأل.»
«الأكثر غرابة هو وجود الجواسيس على الدوام، منذ بعض الوقت، حيث يكون المعلّم.»
«النسور تحوم حيث تكون الفريسة، والذئاب قرب القطيع.»
«واللصوص حيث يُبلّغ المتواطئ عن وجود قافلة. أحسنتَ القول.»
«إلامَ تريد أن تلمّح؟»
«لا شيء. أُكمل المثل مُطبّقاً إيّاه على البشر. حيث أنّ يسوع إنسان، وأناس هم الّذين ينصبون له الشراك.»
«حَدِّث، يا يوسف، حَدِّث...» يقول كثيرون.
«إذا ما شاء المعلّم، فقد جئتُ لأروي.»
«تكلّم.» يقول يسوع.
ويروي يوسف بدقّة كل ما لاحظه، مُغفِلاً مع ذلك تفصيل أنّ يهوذا هو الّذي أشار إلى الأعمى عن مكان إقامة يسوع. التعليقات كثيرة، حاقدة، حزينة، بحسب القلوب، ويهوذا الإسخريوطيّ هو (ظاهريّاً) الأكثر حزناً والأكثر غضباً، ضدّ الجميع، وبشكل خاص ضدّ الأعمى المتهوّر الّذي أتى ليضع نفسه على طريق يسوع في يوم سبت، معتمداً على طيبة المعلّم المعروفة…
«أو إن كان هو أنتَ مَن أشار له إليه! كنتُ قريباً منكَ وسمعتُ.» يقول فليبّس مندهشاً.
«الإشارة إلى أمر ما لا تعني الأمر بالفِعل.»
«آه! أُحسِن الاعتقاد كذلك، بأنّكَ لم تكن لتسمح لنفسكَ بإصدار الأمر للمعلّم بالفِعل...» يقول تدّاوس.
«أنا؟ إنّما إطلاقاً! لقد أشرتُ له إليه فقط لأطلب توضيحاً.»
«لكنّ التلميح هو في بعض الأحيان أيضاً دعوة للفِعل، وهذا ما فعلتَه أنتَ.» يردّ تدّاوس.
«أنتَ تقول ذلك، ولكنّه ليس صحيحاً.» يؤكّد يهوذا بوقاحة.
«ليس صحيحاً؟» يَسأَل يوسف الذي مِن الرّامة «هل أنتَ متأكّد مِن ذلك؟ تأكّدكَ مِن أنّكَ حيّ، بأنّكَ لم تتحدّث مطلقاً عن يسوع إلى الأعمى، وأنّكَ لم تقترح عليه التوجّه إلى يسوع، ودفعه أيضاً للقيام بذلك في الحال، قبل أن يغادر يسوع المدينة؟»
«ولكن بالتأكيد! ومَن الّذي تكلّم مع هذا الرجل؟ لستُ أنا بالتأكيد. أنا دائماً مع المعلّم، ليلاً نهاراً، وعندما لا أكون معه فمع الرفاق...»
«كنتُ أظنّكَ فعلتَها بالأمس، عندما ذهبتَ مع النسوة.» يقول برتلماوس.
«أمس! قضيتُ في الذهاب والعودة وقتاً أقلّ مِن سنونو وهو يطير. فكيف أمكنني البحث عن الأعمى، إيجاده والتكلّم معه في هذا الوقت القليل؟»
«قد تكون التقيتَ به...»
«لم أرَه أبداً!»
«إذاً فهذا الرجل كاذب، لأنّه أكّدَ أنّكَ أنتَ مَن قال له أن يأتي، وإلى أين، وماذا يفعل، وأنّكَ أكّدتَ له أنّ يسوع يستجيبكَ و...» يقول يوسف الذي مِن الرّامة.
يقاطعه يهوذا بعنف: «كفى! كفى! هو يستحقّ أن يعود أعمى مِن أجل كلّ الأكاذيب الّتي يتفوّه بها! أنا، أنا يمكنني أن أقسم بالقدّوس، أنّي لا أعرفه سوى بالرؤية، وأنّي لم أكلّمه قطّ.»
«هذا بالحقيقة كافٍ. إنّ نَفْسكَ متمكّنة، أيا يهوذا الإسخريوطيّ، حيث لا تخشى الله لعلمكَ أنّ أفعالكَ مقدّسة. أنتَ... مغبوط حيث ليس هناك ما تخشاه.» يقول له يوسف وهو ينظر إليه بصرامة، نظرة تخترقه.
«لا أخاف، لا، ذلك أنّني بلا خطيئة.»
«جميعنا نخطئ يا يهوذا. وهذا يظلّ قليلاً إذا ما عرفنا أن نتوب بعد الخطايا الأولى، وألّا ندعها تتفاقم عدداً وفساداً!» يقول نيقوديموس الّذي لم يكن قد تكلّم حتّى ذلك الوقت. ثمّ يلتفت صوب المعلّم ويقول: «المؤسف أنّ يوسف الّذي مِن سيفوريس قد تهدّد بالإبعاد مِن المعبد إذا ما استقبلكَ مرّة أخرى، وقد طُرِدَ منه برتولماوس بالفعل. فهو كان قد قصده مع أبيه وأُمّه، لكنّ فرّيسيّين كانوا في انتظاره في معبده، وقد منعوه مِن الدخول، وأعلنوا عليه الحرم.»
«ولكنّ هذا كثير! حتّى متى أيا ربّ...» يصيح كُثُر.
«هدوءاً! هدوءاً! هذا لا شيء. برتولماوس على طريق الملكوت. ماذا فقد إذاً؟ إنّه في النور. أليس هو ابن لله أكثر مِن ذي قبل؟ آه! لا تخلطوا القيم! هدوءاً! هدوءاً! لن نذهب بعد حتّى عند يوسف... آسف أنّه ينبغي لإسحاق أن يأخذ أُمّي ومريم حلفى إلى هناك... ولكنّ هذا ليس إلاّ لساعات قليلة، ذلك أنّ أحداً قد احتاط للأمر بالفعل.» يتوجّه إلى يوحنّا الّذي مِن نوبة: «أيّها الأب، هل أنتَ خائف مِن السنهدرين؟ أنتَ ترى كم تُكلّف ضيافة ابن الإنسان... أنتَ مسنّ. أنتَ إسرائيليّ أمين. يمكن أن تُطرَد مِن المعبد في أيّام السبت الأخيرة التي لكَ. هل يمكنكَ تحمّل ذلك؟ قل بصراحة. وإذا كنتَ تخشى، أذهب أنا. ستكون هناك في جبال إسرائيل مغارة لابن الله...»
«أنا، يا رب؟ ماذا تريدني أن أخشى إن لم يكن الله؟ أنا لا أخشى فوهة القبر. أنا أنظر إليها، على العكس، كصديقة، أفتريدني أن أخشى فم البَشَر؟ أنا أخشى فقط دينونة الله إذا ما كنتُ، خوفاً مِن الناس، لأطرد مِن عندي يسوع، مسيح الله!»
«حسناً. إنّكَ بارّ... سأبقى هنا... عندما لا أكون في المدن المجاورة، كما أنوي أن أفعل لمرّة أخرى.»
«تعال إلى راما، إلى منزلي يا ربّ.» يقول نيقوديموس.
«وإذا ما أساء هذا إليكَ؟»
«أليس مِن الممكن أن يدعوكَ الفرّيسيّون بنيّة سيّئة؟ أفلا يمكنني أن أفعل ذلك لدراسة قلبكَ؟»
«نعم يا معلّم. فلنذهب إلى راما. سيكون أبي في غاية الفرح إذا كان في البيت. وإن لم يكن هناك، كما يحصل غالباً، سيجد بركتكَ لدى عودته.» يقول توما بصوت متوسّل.
«سنمضي إلى راما، كمقصد أوّلي. غداً...»
«يا معلّم نترككَ. مطايانا في الخارج وسوف نكون في راما قبل الهزيع الثاني. القمر يُنير الدروب مثل شمس باهتة. وداعاً يا معلّم. ليكن السلام معكَ.» يقول نيقوديموس.
«السلام لكَ يا معلّم... وأَنصِت لنصيحة مِن يوسف العجوز. كن مخادعاً قليلاً. أُنظر حولكَ. إفتح عينيكَ وأَطبِق شفتيكَ.إفعل، ولا تقل أبداً مسبقاً ما تنوي فِعله... ولا تأتي إلى أورشليم لبعض الوقت، وإذا ما أتيتَ، فلا تتوقّف في الهيكل إلاّ للوقت اللازم للصلاة. هل تسمعني؟ وداعاً يا معلّم. السلام لكَ.» يوسف يشدّد على الكلام الّذي أشرتُ إليه، الذي وهو ينطقه، كان يحدّق بيسوع بتركيز. نظرته وحدها كانت تنبيهاً.
يخرجون إلى الحديقة الصغيرة، البيضاء تحت أشعّة القمر، يُحرّران مطاياهما القويّة المربوطة إلى جذع شجرة الجوز، يصعدان إلى السرج ويمضيان على الطريق المقفرة والبيضاء…
يسوع يدخل ثانية إلى المطبخ مع جماعته.
«لكن في الأساس ما الّذي أراد قوله؟»
«وكيف عرف أولئكَ؟»
«ما الّذي يريدون فِعله بيوسف سيفوريس؟»
«لا شيء. كلام. لا أكثر مِن الكلام. لا تعودوا تفكّرون بذلك. أمور ماضية هي ودون نتائج. هيّا بنا. فلنصلِّ ونفترق للّيل. "أبانا..."»
يباركهم، ينظر إليهم يمضون، ثمّ يصعد مع الأربعة الباقين معه إلى الغرفة الّتي فيها الأسرّة.