ج1 - ف5
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الأول
5- (حنّة تُعلِن أُمومتها بنشيد)
24 / 08 / 1944
أرى بيت يواكيم وحنّة مِن جديد. لا تغيير مِن الداخل سوى مجموعة أغصان مقطوفة مِن شجر الحديقة، تكسوها الزهور، موضوعة هنا وهناك في آنية. سحابة باقات تتدرّج ألوانها مِن بياض الثلج حتّى احمرار المرجان.
عمل حنّة أيضاً قد اختلف قليلاً، فالنول أصغر مِن السابق، وهي تحيك أنسجة جميلة مِن الكتّان، وتغنّي وهي تحـرّك قدمها حسب إيقاع الأغنية. تغنّي وتبتسم لمن؟ لنفسها، لرؤى في داخلها. الأغنية بطيئة، ولكنّها مع ذلك فَرِحَة. لقد كتبتُها على حدة لأحصل عليها كاملة، ذلك أنّها تُردّدها عدّة مرّات، لأنّها تجد فيها غبطة عارمة. وهي في كلّ مرّة تؤدّيها بقوّة أكبر وثقة أكثر، كما لو أنّها وَجَدَت إيقاعها في قلبها. في البدء كانت تتمتمها بصوت خافت، ثمّ، وبثقة أكثر أصبحَت ترتّلها بصوت أعلى وسرعة أكبر. كتبتُها لأنّها جميلة جدّاً رغم بساطتها:
"المجد للربّ القادر على كلّ شيء، الذي أحبّ نسل داود. المجد للربّ.
أعظم نعمة منذ تكوين السماء قد زارتني.
الغرسة العتيقة أنبتت غصناً جديداً، فأنا مغبوطة.
مِن أجل عيد الأنوار نَثَرَ الرجاء بذوره؛
الجوّ العابق في شهر نيسان (أبريل) رآها تنتش.
جسدي في الربيع كشجرة اللوز المزهرة.
يشعر في خريف العمر أنّه يحمل ثمّاره،
على هذا الغصن وردة، هي الثمّرة الأكثر حلاوة.
نجمة تتلألأ، حياة جديدة بريئة.
إنّها سرور البيت، سرور العروس والعروسة.
التسبيح لله، للربّ الذي ترأّف بي.
نوره أعلَنَ لي: نجمة تأتي إليكِ.
المجد، المجد! لكِ ستكون ثمّرة الغرسة.
الثمّرة الأولى والأخيرة، القدّيسة والنقيّة، وهي عطيّة مِن عند الربّ.
لكِ ستكون، وبها سيحلّ الفرح والسلام في الأرض.
طر أيها المكّوك، فخيطكَ سيحبك نسيج الطفل.
سيولَد! وستصعد أغنية قلبي نحو الله بابتهاج.
يَدخل يواكيم عندما تهمّ بإعادة الأغنية للمرة الرابعة. «هل أنتِ سعيدة يا حنّة؟ تبدين لي كعصفور يغرّد في الربيع. ما هذه الأغنية؟ لم أسمع أحداً يردّدها قطّ. مِن أين مصدرها؟»
«مِن قلبي يا يواكيم». ونَهَضَت حنّة متّجهة صوب زوجها ضاحكة. إنّها تبدو أكثر شباباً وأكثر جمالاً وإشراقاً.
«لم أعهدكِ شاعرة.» قالها زوجها وهو يَنظر إليها بدهشة عارمة. لا يمكن التخمين بأنّهما عروسان مُسنّان. في نظراتهما حنان عروسين شابّين. «لقد أتيتُ مِن آخر الحديقة لدى سماعي إيّاكِ تغنّين. منذ سنوات لم أسمع صوتكِ كيمامة عاشقة. فهل تعيدين إنشادها مِن أجلي؟»
«كنتُ سأعيدها لكَ حتّى ولو لم تطلب أنتَ ذلك. إنّ أبناء إسرائيل كانوا دائماً يضمّنون أناشيدهم الهتافات الحقيقيّة لرجائهم، لأفراحهم، ولشدائدهم. وقد ضَمَّنتُ هذا النشيد العناية بالتعبير عن فرح كبير لنفسي ولكَ. نعم، حتّى بإعادته لنفسي، إنّ الأمر لَعَظيم لدرجة أنّني رغم تأكّدي يبدو لي وكأنّه لا يُصدَّق.» وتعيد النشيد، ولكن ما أن تصل إلى المقطع القائل: "على هذا الغصن زهرة، هي الثمّرة الأكثر حلاوة، إنّها نجمة..." حتّى يرتجف صوتها الرّنان (Contralto) بداية ثمّ يتكّسر. وبدموع الفرح في عينيها تنظر إلى يواكيم وترفع يديها وتصرخ: «أنا أُمّ يا حبيبي!» وتهرع ملتجئة إلى صدره بين ذراعيه اللذين يبسطهما ليحيط بهما زوجته السعيدة.
إنّه أطهر وأسعد عناق رأيتُه في حياتي. إنّه طاهر ومتأجّج في طهارته. ثمّ العتاب الرقيق ويده تتخلّل شعر حنّة الرمادي: «ولَم تقولي لي هذا؟»
«هذا لأنّني أردتُ التأكّد أوّلاً. عجوز مثلي... وأعرف أنّني أصبحتُ أُمّاً... بالحقيقة لم أكن أستطيع التصديق... لذلك لم أشأ أن أسبّب لكَ خيبة أمل أَمَرّ مِن كلّ سابقاتها. هذا أنّني منذ نهاية كانون الأوّل (ديسمبر) وأنا أشعر أنّ أحشـائي تتجدّد، وأنّ غصناً جديداً ينبت. أمّـا الآن فعلى هـذا الغـصن ثمّـرة. هذا أكيد... أرأيتَ، إنّه نسيج للقادم القريب.»
«أليس هذا الكتّان هو الذي اشتريتِه مِن أورشليم في تشرين الأول (أكتوبر)؟»
«نعم، وقد غزلتُه أثناء الانتظار والرجاء... كنتُ أرجو: ففي اليوم الأخير، عندما كنّا نصلّي في الهيكل، في أقرب مكان لبيت الله يُسمَح لامرأة أن تقف فيه، وقد كان الوقت متأخّراً... هل تذكر أنّني كنتُ أقول: "مهلاً، مهلاً قليلاً". ذلك لأنّني لم أكن أستطيع انتزاع نفسي مِن ذلك المكان قبل حصولي على النعمة. وهكذا، في الظلمة التي كانت قد خيَّمَت داخل المكان المقدّس، حيث كنتُ أشعر بميل شديد مِن كلّ نفسي لانتزاع كلمة "نعم" مِن الله الذي كان حاضراً هناك، رأيتُ نوراً، بل وميض نور رائع يمرّ، مُشرقاً وناعماً كضوء القمر، ومع ذلك كان يحمل معه بريق كلّ لآلئ الأرض وجواهرها. كان يبدو لي أنّه نجمة ثمّينة مِن الوشاح المقدّس، مِن النجوم التي تحت أقدام الشاروبيم، وقد أفلتت واتّخذت روعة الضوء فائق الطبيعة... كان يبدو لي أنّها أبعد مِن الوشاح المقدّس، مِن المجد نفسه، شعلة نار سريعة أتت باتّجاهي وقالت بصوت سماويّ وهي تخترق الهواء: "ما طلبتِه ستنالينه". لهذا أنا أُنشِد: "نجمة ستأتي إليكِ". أيّ ابن سيكون ابننا؟ هذا الذي يتجلّى مثل نور نجمة في الهيكل وهو يقول: "ها أنذا" في عيد الأنوار؟ وأظنّكَ قد أصبتَ الرؤية عندما نظرتَ إليّ وكأنّني حنّة زوجة ألقانة جديدة. تُرى ماذا سنسمّي مولودنا الذي أشعر به في أحشائي ناعماً كوشوشة جدول، الذي يكلّمني بخفقات قلبه الصغير مثل يمامة أُمسِكها بعناية في كفّي؟»
«إذا كان صبياً سنسميه صموئيل، أمّا إذا كانت بنتاً فنسمّيها نجمة، الكلمة التي أنهيتِ بها نشـيدكِ لتمنحيني سـرور معـرفتي أنّني أصبحتُ أباً، والشكل الذي اتَّخَذَته لتتجلّى في ظُلمة الهيكل المقدّسة.»
«نجمة، نجمتنا. نعم، لستُ أدري، أظنّ، أظنّها ستكون بنتاً. يبدو لي أنّ ملاطفات ناعمة مثل هذه لا يمكن أن تتأتّى إلاّ مِن طفلة ناعمة جدّاً. بالفعل، لستُ أشعر بالحَمْل، لستُ أعاني منه. إنّها هي التي تحملني على درب مِن اللازورد والزهور كما لو كنتُ الأخت الصغيرة للملائكة القدّيسين، وكما لو أنّ الأرض قد أصبحَت بعيدة... غالباً ما كنتُ أسمَع ما يُقال للنساء عن ألم الحمل بالأطفال. إلاّ أنّني، على العكس مِن ذلك، لم أختبر ألماً. أشعر بأنّني قويّة، شابّة نَضِرة أكثر مِن اليوم الذي وهبتكَ فيه عذريتي، في فترة الشباب البعيدة. ابنة الله -ذلك أنّها مِن الله أكثر مما هي منّا، هذه الزهرة المتفتّحة على جذع جاف.- فهي لا تُسـبّب ألمـاً لأُمّهـا، لا تحمل لها سوى السلام والبركة: ثمّار الله أبيها الحقيقيّ.»
«إذاً سوف نسمّيها مريم. نجمة بحرنا، لؤلؤة، سعادة. إنّه اسم أوّل أعظم امرأة لإسرائيل. فهي لن تسـيء أبـداً للـربّ، ولـه وحـده سـتُنشِد قصيدة حياتها، إذ إنّها قد وُهِبَت لـه "قرباناً" قبل أن تولد.»
«إنها تقدمتنا له، نعم. صبيّاً كان أم بنتاً، عندما ستكون قد مَنَحَتنا الفرح طيلة سنوات ثلاث، سنهب مولودنا للربّ ونحن أيضاً معه قرابين لمجد الله.»
لم أَعُد أرى أو أسمع شيئاً.