ج1 - ف66

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الأول

 

66- (الانطلاق مِن الناصرة للاحتفال ببلوغ يسوع سنّ الرّشد)

 

20 / 12 / 1944

 

أرى يسوع يَدخُل مع أُمّه إلى غرفة -ماذا أسمّيها؟- غرفة الطعام في الناصرة.

 

يسوع وَلَد جميل، ابن اثنتي عشرة سنة، كبير، متين جدّاً، قويّ دون بدانة.

 

إنّه يَبدو أكبر مِن عمره الحقيقيّ بسبب بُنيته. وهو الآن كبير لدرجة أنّه أصبَحَ على مستوى كتفي أُمّه. إنّه ما زال يحتفظ بوجهه المدوّر الورديّ كما كان أيّام طفولته، وجهه الذي نَحف بفعل الشباب وسنّ الرجولة، وأصبَحَ بلا لون شاحباً بعض الشيء، وبالكاد مصبوغاً بالأصفر الورديّ.

 

عيناه، عيناه كذلك ما تزالان كعيني طفولته. عينان كبيرتان مفتوحتان جيداً مع وميض فرح ممزوج بنظرة جادّة. لن يعودا فيما بعد مفتوحتين كما هما الآن... سيُغلقهما الجفنان نصف إغلاق ليَحجبا فساد العالم العظيم عن الطُّهر والقداسة. ولـن تعودا كذلك إلاّ أثناء اجتراح المعجزات، فتُفتَحان وتُضيئان حتّى أكثر مِن الآن... لطرد الشياطين والموت، لشفاء مرضى الجسد والروح. ومع ذلك لن تعودا بهذا الوميض مِن الفرح الممزوج بالنّظرة الجادّة... فالموت والخطيئة كانا قريبين جدّاً منه ومعهما اليقين الـمُعاش بعدم جدوى تضحيته بسبب المقاومة الإراديّة مِن البشر. لم يكن كذلك سوى في بعض مِن أوقات الفرح النادرة بسبب وجوده مع نفوس مُخَلَّصَة تحيط به، خاصّة مع كائنات نقيّة، بشكل خاصّ الأطفال، حيث تجعل تلك الإحاطة نَظَرَه المقدّس المليء بالطيبة والصلاح يُشرِق فرحاً.

 

لكنّه الآن مع أُمّه في بيته، قُبالة القدّيس يوسف الذي يبتسم بحبّ، وكذلك ابني عمه اللذين يَنظران إليه بإعجاب، ومريم زوجة عمه حلفى التي تُداعِبه... إنّه سعيد. ذلك أنّ يسوعي في حاجة إلى الحبّ ليكون سعيداً. وها هو الآن يمتلك هذا الحبّ.

 

إنّه يرتدي ثوباً ناعماً مِن الصوف الأحمر الأرجوانيّ الفاتح، أملس ليّناً منسوجاً بكامله مِن قماش ناعم الملمس، مكتظّ عند العنق ومِن الأمام، وعند أطراف الأكمام الطويلة والفضفاضة مِن الثوب الطويل إلى الأرض وَشي (نقش)، ليس على شكل حاشية إضافيّة، بل إنّما منسوج بلون داكن على الثوب الأحمر الزاهي الذي لا يَظهَر منه سوى القدمين اللتين تنتعلان صندلاً جديداً مُتقَن الصّنع، فهو لم يعد ذلك النّعل العاديّ بشريطيه المتصالِبَين. يُفتَرَض أن يكون الثوب مِن صنع أُمّه، لأنّ زوجة حلفى تَنظُر إليه بإعجاب وتمدحه. لقد أصبَحَ شعره الأشقر الجميل داكناً أكثر ممّا كان عليه عندما كان يسوع فتى صغيراً، مع انعكاسات نحاسيّة في التلافيف التي تُحدِثها تقصيباته وهو يتدلّى إلى ما تحت أذنيه. لم يعد شعر الطفولة المجعّد والقصير والخفيف. ولم يُصبِح بعد شعر البالغ الـمُتماوِج المتدلّي إلى كتفيه حيث ينتهي بلفائف ناعمة، إلاّ أنّه يميل إلى ذاك اللون وذاك الشكل.

 

تقول مريم: «هو ذا ابننا». وفي الوقت ذاته تَرفَع يُمناها الـمُمسِكة بيسرى يسوع. تبدو وكأنّها تُقَدِّمه للجميع وتؤكّد أبوّة ذلك البارّ الذي يبتسم. وتضيف: «بارِكه يا يوسف قبل الانطلاق إلى أورشليم، لم تكن البركة الشعائريّة ضروريّة عند ذهابه إلى المدرسة، أوّل خطوة في الحياة. بينما الآن، وهو يذهب إلى الهيكل ليُعلَن على الملأ بلوغه السنّ، فباركه وباركني معه. ذلك أنّ بركتكَ... (ويختنق صوت مريم بنشيج) تمنحه القوّة وتمنحني الشجاعة للانفصال عنه عمّا قريب...»

 

«سوف يكون يسوع لكِ على الدوام، يا مريم. فالشكليّات لن تُبدّل شيئاً مِن علاقاتنا، ولن أزاحمكِ على ابننا العزيز جدّاً على قلبينا. فما مِن إنسان يستحقّ أن يقوده في الحياة أكثر منكِ، يا قدّيستي.»

 

تنحني مريم وتأخذ يد يوسف وتقبّلها. إنّها عروسته. وكم هي عطوفة ومحترِمة لشريك حياتها!

 

يتقبّل يوسف بوقار بادرة الاحترام والحبّ هذه، ولكنّه بعدئذ يرفع اليد التي قَبَّلَتها ويضعها على رأس عروسته قائلاً لها: «نعم، أبارككِ، كوني مبارَكَة ويسوع معكِ. تعاليا يا فرحيَّ الوحيدين، يا شرفي وهدف حياتي.» يبدو يوسف بمظهر احتفاليّ. وحين يمدّ ذراعيه، وكفّاه باتّجاه الأرض، على الرأسَين المنحنيَين، الأشقرَين المتشابهَين والقدّيسَين، يَنطق بكلمات البركة: «ليحفظكما الربّ ويبارككما. وليرأف بكما ويمنحكما السلام. وليمنحكما الربّ بركته.» ثمّ يقول: «لقد آن الأوان. لنمضِ. إنّه الوقت المناسب للسفر.»

 

تأخذ مريم غطاء كبيراً بلون أحمر رمّانيّ داكن، وتغطّي به جسد ابنها. كم هي تُداعِبه أثناء قيامها بذلك!

 

يَخرُج الجميع، ويُغلِقون الأبواب، ويَسيرون. هنالك مسافرون آخرون يتوجّهون إلى المكان ذاته. خارج البلدة، تنفصل النساء عن الرجال. بينما يذهب الأولاد مع مَن يرغبون، ويسوع يبقى مع والدته.

 

يسير المسافرون، وهم في أغلب الأحيان يُرَتِّلون المزامير عبر القرى الجميلة جدّاً، في أحلى يوم مِن أيّام الربيع. رطوبة الحقول والقمح، والاخضرار حيث بدأَت الزهور تتفتّح. تراتيل الرجال عبر الحقول وعلى الطرقات. تغريد العصافير التي تتحابّ بين الأوراق. السواقي الصافية حيث تَنظر زهور الأنهار إلى نفسها في مرآتها. حِملان تقفز إلى جانب أُمّهاتها... سلام وبهجة تحت أجمل سماء في نيسان (أبريل).

 

هكذا تنتهي الرؤيا.