ج3 - ف5

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثالث / القسم الأول

 

5- (تبشير في سيخار)

 

24 / 04 / 1945

 

أُبدي ملاحظتي الأولى هذه لكيلا أنساها.

 

إنّ مشهد "قبر يسوع" العام الماضي، المعَنْوَن بالآلام والذي كنا قد حذفناه لأنّه بدا لنا غير ضروريّ باعتباره مُكرَّراً، قد كان على العكس ضروريّاً لشرح أمور كثيرة للذين يودّون معرفة كلّ ما يتعلّق بالربّ (بكلّ نزاهة)، وكذلك للذين يُنكِرون حقيقة موت المسيح. في نهايته قيل كيف ضُمِّخَ الجسد بالطِّيب ووُضِعَ في كَفَن. وكان هذا يُعطي تفسيراً لأمور كثيرة. حسناً، مع ذلك حَصَلَ. إنّما الاقتناع بأنّني لا أُلازم يسوع، إنَّني مخبولة تماماً: لا أرى شيئاً، لا أُدرِك شيئاً. فإنّه لَمِن غير المجدي سؤالي عن أيّ أمر بعد أن يكون عملي قد انتهى. لا أعود أُساوي شيئاً، لا أعود أُدرِك مدى جدوى مَشهَد ما. لا شيء. صفر مُطلَق وظلام تامّ. هذا الصباح، عند الفجر، تَبَيَّن لي لماذا وُضِع ذاك المشهد تحت العنوان المذكور. وتَـجَرَّعتُ دوائي... ضدّ كبرياء الحُكم البشريّ. الآن أَكتُب إضافة على ورقة مُرفَقَة، حيث يَرِد شرح كيفيّة تهيئة الجثمان، وأُدرِجها للفائدة والوضوح مِن أجل الذين يَودّون التثقيف ومِن أجل الناكِرين.

 

أمّا الآن فلنتابع:

 

يتحدّث يسوع إلى جمع غفير وسط إحدى الساحات. وقد صَعَدَ على مِقعد حجريّ صغير موجود قرب النبع. يحيط به الناس. وحوله كذلك الإثنا عشر بوجوه... واجِمة أو مُضطَرِبة أو تُظهِر بكلّ جلاء الاشمئزاز مِن بعض الاحتكاكات. بشكل خاصّ برتلماوس والاسخريوطيّ فإنّهما يُظهِران ارتباكهما جَليّاً، ولتحاشي الاقتراب مِن السامريّين قدر المستطاع، جَلَسَ الاسخريوطيّ على غصن وكأنّه يمتطي حصاناً، كما لو أنّه كان يبغي الهيمنة على الموقف، بينما برتلماوس أَسنَدَ ظهره على بوّابة العربات، في إحدى زوايا الساحة. فالأحكام الـمُسبَقَة نَشِطَة وفاعِلة في الجميع. أمّا يسوع فعلى العكس، لا شيء لديه مختلف عن المألوف. أقول، على العكس، إنّه يُحاوِل عدم إشاعة الخوف بسبب عَظَمَته، وفي ذات الوقت يُحاوِل إبرازها لإزالة كلّ شكّ. فيُداعِب صغيرَين أو ثلاثة ويسألهم عن أسمائهم، ويهتمّ بعجوز أعمى ويعطيه الهِبة شخصيّاً. يُجيب على سؤالين أو ثلاثة أسئلة طُرِحَت عليه حول أمور ليست عامّة، بل خاصة.

 

أحد تلك الأسئلة هي مِن أب عن ابنته التي فَرَّت لتتزوج "خطيفة" وهي تطلب الصَّفح الآن.

 

«اصفَح عنها دون تأخير.»

 

«ولكنّني عانيتُ مِن ذلك يا معلّم! وما زلتُ أعاني. لقد هَرِمتُ عشر سنوات في أقلّ مِن سنة.»

 

«الصَّفح يحمل لكَ العزاء.»

 

«غير ممكن، فالجرح مستمرّ.»

 

«صحيح. إنّما في هذا الجرح حَدَّان يؤلمان، أحدهما هو العار الذي لَحِق بكَ مِن ابنتكَ، وهذا لا يمكن إنكاره، والآخر هو الجهد الذي تبذله لرفض حبّكَ لها. فاحذف على الأقلّ هذا الأخير. والصَّفح الذي هو الشكل الأسمى للحبّ سوف يمحوه. فَكِّر أيّها الأب المسكين أنّ هذه الفتاة وُلِدَت منكَ، وأنّ لها الحقّ في حبّكَ على الدوام. فإذا كُنتَ تراها مريضة مرضاً جسديّاً، وإذا كُنتَ تَعلَم أنّكَ بعدم علاجكَ لها، أنتَ بالتحديد، ستموت، فهل كُنتَ تتركها تموت؟ بكلّ تأكيد لا. إذاً فَكِّر أنّكَ أنتَ، وأنتَ بالتحديد، تستطيع بحبّكَ وضع حدّ لخطيئتها، بل حتّى قيادها إلى تقييم الحبّ بشكل سليم. وذلك، كما تَرى، لأنّ الجانب المـادّيّ الأكثر تفـاهة قد احتلّ المركز الأسـمى.»

 

«إذن، هل تقول بأنّه ينبغي لي الصَّفح؟»

 

«ينبغي لكَ ذلك.»

 

«ولكن كيف العمل لرؤيتها في البيت، بعد الذي فَعَلَته، دون لعنها؟»

 

«ولكنّكَ، في هذه الحال، لا تكون قد صَفَحتَ عنها. فالصَّفح لا يَكمُن في فتح باب البيت، بل إنّما هو في فتح باب قلبكَ لها. كُن صالحاً، أيّها الرجل. ثمّ ماذا، فالصَّبر الذي لدينا تجاه عامل مُتقلّب المزاج، ألا نمارسه تجاه ابن لنا؟»

 

وتَسأَل امرأة مِن جهتها إذا ما كان يَجدر بها أن تتزوّج مِن سلفها (أخي زوجها) لتمنح أيتامها أباً.

 

«هل أنتِ واثقة أنّه يكون أباً حقيقيّاً؟»

 

«نعم يا معلّم، فإنّ لديَّ ثلاثة أبناء ذكور، ويجب أن يكون هناك رَجُل لتوجيههم.»

 

«افعلي ذلك إذن. وكُوني له الزوجة الوفيّة كما كُنتِ لزوجكِ الأوّل.»

 

ويَسأَله ثالث إذا ما كان يَجدر به أو لا يَجدر قبول دعوة وَصَلَتهُ للذهاب إلى أنطاكية.

 

«لماذا تريد الذهاب إلى هناك، أيّها الرَّجُل؟»

 

«لأنّني هنا لا أجد عملاً يكفيني وأولادي الكثيرين. وقد تَعَرَّفتُ على وثنيّ يُؤمّن لي عملاً لأنّه رآني أهلاً للعمل، وهو يُؤمِّن العمل أيضاً لأبنائي. ولكنّني لا أوافق... يبدو لكَ هذا التورّع غريباً مِن سامريّ، ولكنّه واقع لديَّ. لا أريد أن أفقد الإيمان، فإنّ ذلك الرجل وثنيّ، أَتَعلَم!؟»

 

«وماذا في ذلك؟ فلا شيء يُفسِد إذا لم تكن هناك الرغبة في تَقَبُّل الفساد. فاذهب إذن إلى أنطاكية وكُن أميناً وفيّاً للإله الحقيقيّ، وهو سيقودكَ، بل وستكون فاعل خير للمعلّم الذي سوف يتعرّف على الله مِن خلال استقامتكَ وأمانتكَ.»

 

ثمّ يتوجّه إلى الجميع.

 

«لقد سَمِعتُ الكثيرين منكم يتحدّثون، وفي جميعهم اكتَشَفتُ ألماً دفيناً، أسى، أنتم أنفسكم لا تعيرونه انتباهاً، إلّا أنّه يَقطر دماً في قلوبكم. إنّه ينمو منذ دهور بحيث لا الآراء التي تُعبِّرون عنها ولا الشتائم التي تَرمونه بها يمكنها أن تمحوه. ولكنّه على العكس، يتصلّب أكثر فأكثر ويصبح أكثر ثِقلاً مثل الثلج عندما يتحوّل إلى جليد.

 

أنا لستُ أنتم، وكذلك لستُ مِن أولئك الذين يتّهمونكم، فأنا العدل والحِكمة. ولكي أَحلّ مشكلتكم أروي لكم أيضاً عن حزقيّال الذي، لكونه نبيّاً، يتحدّث عن السامرة وأورشليم بقوله إنّهما امرأتان ابنتا أُمّ واحدة، مُسمّياً إيّاهما أُهُله وأُهُليبه Ohola،Oholiba. وأُهُله هي التي وَقَعَت في شَرَك عبادة الأصنام أوّلاً، كانت الأولى أُهُله، إذ كانت محرومة آنذاك مِن الاتّحاد الروحيّ بأبينا الذي في السماوات. والاتّحاد بالله خلاص دائماً. وقد استَبدَلَت الغنى الحقيقيّ والقُدرة الحقيقيّة والحكمة الحقيقيّة بالغنى البائس وقُدرة وحكمة مَن كان أدنى مِن الله، حتّى أكثر مِن ذلك، فقد أغواها حتّى أَصبَحَت عَبْدَة لطريقة عيشه. ولكي تكون قويّة تصبح ضعيفة. لتُحقِّق رِفعة، تَهوي. ولكونها متهوّرة تصبح مجنونة. وعندما يصاب أحدهم بتهوّر بعدوى فساد، فإنّ شفاءه يصبح صعباً للغاية.

 

سوف تقولون: "هل قَلَّ شأننا؟ لا. لقد كنّا كِباراً". كِباراً، نعم، ولكن كيف؟ بأيّ ثمن؟ تَعلَمون ذلك. كَم بين النساء كذلك مَن يحقّقن الغنى بثمن مريع مِن شرفهنّ! يحقّقن أمراً لا يمكن أن يدوم. ويفقدن شيئاً لا حدود له مطلقاً: سمعتهنّ الطيّبة.

 

عندما رَأَت أُهُليبة أنّ جنون أُهُله حَقَّقَ لها مَكاسب غِنى، أرادت الإقتداء بها، وأَضحَت أكثر جنوناً مِن أُهُله، والثمن خطيئة مُضاعَفة. فِعليّاً، كان الإله الحقيقيّ معها ولم يكن يَجدُر بها أبداً أن تدوس القوّة التي تستمدّها مِن هذا الاتّحاد. وقد نالت عقاباً قاسياً وفظيعاً، وسوف تنال أكثر، أُهُليبه ذات الجنون المضاعف والنّجاسة. سوف يدير الله لها ظَهره. وقد قام بذلك ليذهب إلى أولئك الذين ليسوا مِن يهوذا. ولا يمكن اتّهام الله بالظلم، لأنّه لا يَفرض نفسه. إنّه يفتح ذراعيه للجميع، ويدعو الجميع، ولكن لو قال أحدهم: "اذهب عنّي"، فإنّه يذهب. يمضي يفتّش عن الحبّ ويدعو آخرين حتّى يَجِد مَن يقول له: "إنّني آتٍ".

 

لذلك أقول لكم: يمكنكم الحصول على العَزاء لعذابكم، الذي ينبغي لكم الحصول عليه لدى التفكير بهذا الأمر. أُهُله، عودي إلى ذاتكِ، الله يدعوكِ.

 

إنّ حكمة الإنسان تقوم على التوبة. وحكمة الروح تُقيم في حبّ الله الحقّ وحقيقته. لا تنظروا إلى أُهُليبة ولا إلى فينيقية ولا إلى مصر ولا إلى اليونان. بل انظروا إلى الله. فهناك وطن كلّ روح مستقيم: السماء. لا توجد شرائع كثيرة، إنّما واحدة فقط: شريعة الله. وبها ننال الحياة. لا تقولوا: "لقد خطئنا" بل قولوا: "لا نريد أن نخطئ بعد". فما زال الله يحبّكم. والدليل أنّه أَرسَلَ لكم كَلِمَته ليقول لكم: "تعالوا". أقول لكم: "تعالوا". هل أنتم مُهانون ومُبعَدون؟ وممّن؟ مِن قِبَل أناس شبيهين بكم. ولكنّ الله أعظم منهم وهو يقول لكم: "تعالوا". سيأتي يوم تَغتَبِطون فيه لكونكم لستم في الهيكل... فِطنَتُكم ستَبتَهِج. ولكن الأرواح تغتبط أكثر لأنّ غفران الله سيكون قد هَبَطَ على ذَوي القلوب المستقيمة، الـمُشَتَّتين في السامرة. هَيِّئوا لقدومه. أَقبِلوا إلى الـمُخلِّص الشامل، يا أبناء الله الذين ضَلّوا الطريق.»

 

«ولكنّنا، البعض منّا على الأقلّ، نأتي. إنّما أولئك الذين في الطَّرَف الآخر لا يَرغَبون بنا.»

 

ومع الكاهِن والنبيّ أقول لكم أيضاً: "سآخُذ عُود يوسف الذي بين يديّ أفرايم مع أسباط إسرائيل وأضمُّه إلى عُود يهوذا وأجعل منهما عُوداً واحداً..." نعم، ليس في الهيكل. تعالوا إليَّ. فأنا لستُ أرفضكم. أنا الذي أُدعى الـمُهيمِن الشامل. أنا مَلِك الملوك. سأطهّركم جميعاً، أيّها الشعب، يا مَن تريدون أن تتطهّروا. سأجمعكم أيّها القُطعان الذين بلا رُعاة أو مع رُعاة عابِدي أوثان. فأنا الرّاعي الصّالح. سوف أمنحكم خيمة تابوت عَهد فريدة، وسوف أضعها وسط الأوفياء لي المؤمنين بي. والخيمة هذه سوف تصبح نبع حياة، بل خبز الحياة. وستكون النور، وستكون الخلاص والحماية والحكمة. ستكون كلّ شيء لأنّها الـمُحيية الممنوحة غذاء للموتى لتعيدهم أحياء، ستكون الإله الذي يَفيض بقداسته ليُقدِّس. فأنا هو ذاك وسأكون كذلك. زمن الحقد وسوء الفهم والخوف قد مضى. تعالوا! يا شعب إسرائيل! أيّها الشعب المعزول! الشعب الـمُبتَلَى! الشعب الـمُبعَد! الشعب الغالي، الغالي للغاية، الغالي بشكل لا محدود، لأنّكَ مريض، لأنّكَ مُستَضعَف، لأنّ دمكَ قد أُريق حتّى آخر قطرة بسهم فَتَحَ شرايين النَّفْس وجَعَلَ الاتّحاد الـمُحيي بإلهكَ يتوارى، تعال! تعال إلى البطن الذي وُلِدتَ منه، تعال إلى الصدر الذي وَهَبَكَ الحياة. ففيه اللّطف والدفء لكَ على الدوام. تعال! تعال إلى الحياة وإلى الخلاص.»