ج2 - ف67

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثاني / القسم الثاني

 

67- (إنسانية الرُّسُل! كم هي ثقيلة!)

 

13 / 02 / 1944

 

يقول يسوع:

 

«يوحنّاي الصغيرة، عَمَل كثير ينتظرنا اليوم. لقد تأخّرنا يوماً كاملاً، ولا يمكننا السير ببطء. لقد منحتُكِ القوّة مِن أجل عمل هذا اليوم. لقد وهبتُكِ التأمّلات الأربعة لتتمكّني مِن الحديث عن عذابات مريم وعذاباتي، التي تهيّئ لدرب الآلام. كان مِن المفروض أن أتحدّث عنها أمس، السبت، اليوم الـمُكرَّس لأُمّي. ولكنّني أشفقتُ عليكِ. سَنستَدرك اليوم الوقت الضائع. بعد العذابات التي أطلعتُكِ عليها، وقد كانت تلك لدى مريم، وأنا معها.

 

نَظرة منّي كانت قد قَرَأَت ما في قلب يهوذا الاسخريوطيّ. ينبغي ألّا يعتقد أحد أن حكمة الله لم تكن قادرة على فهم هذا القلب. ولكن، كما قُلتُ لأُمّي، كان لا بدّ منه لنا. الويل له كونه الخائن! ولكنّه كان الخائن الذي، وأُكرّر القَول، "لا بدّ لنا منه". لقد كان مُخادِعاً وماكِراً، نَهِماً وسارقاً وفاسقاً، ولكنّه، مِن جهة أخرى، كان ذكيّاً وأكثر ثقافة مِن الآخرين، كان يعرف أن يفرض نفسه على الجميع. وكونه شُجاعاً، كان يمهّد لي الطريق، حتّى حينما كان ذلك صعباً. وما كان يروق له أكثر مِن أيّ شيء آخر هو خروجه عن المألوف، ليَجعل لنفسه قيمة، كَمَوضع ثقة إلى جانبي. لم يكن خَدوماً بفعل محبّة طَوعيّة، ولكنّه واحد ممّن تسمّونهم "فشّار (مُدَّعٍ)". "Faiseur" وهذا ما كان يجعله أهلاً للاحتفاظ بكيس النقود والتقرّب مِن النساء، أمران كان يحبّهما بشكل جارف، إلى جانب ثالث، مهمّته التي تَميَّز بها.

 

الطَّاهِرة والـمُتواضِعة، المتجرِّدة عن الثروات الأرضيّة، لم تستطع عدم الاشمئزاز مِن ذلك الثعبان. وقد كان يُسبّب الرعب لي، أنا أيضاً. وأنا وحدي، مع الآب والروح كنّا نَعلَم أيّ عبء كان عليَّ تحمُّله لأتمكّن مِن تَحمُّل مُجاورته. ولكنّني سأشرح لكِ ذلك فيما بعد.

 

وبالمقابل، لم أكن أجهل عدوانيّة الكَهَنَة والفرّيسيّين والكَتَبَة والصدّوقيّين. لقد كانوا ثعالب ماكرة تعمل على دفعي إلى جحرها لتمزّقني إرباً إرباً. لقد كانوا متعطّشين لدمي، وكانوا يحاولون نصب الفخاخ في كلّ مكان للإيقاع بي، للحصول على أسلحة لاتّهامي، لإزالتي مِن الوجود. وخلال ثلاث سنوات، لم يَكفّوا عن نَصب الشِّراك لي، ولم يهدأ لهم بال حتّى عَلِموا أنّني مُتُّ. في تلك الليلة ناموا سعداء. وقد كانوا يظنّون أنّ صوت اتّهامهم قد خَمَدَ للأبد. لا، لم يكن قد خَمَدَ بعد. ولن يكون كذلك أبداً. إنّه يَرعد ويَلعن الذين يشبهونهم في الوقت الحاضر. يا له مِن ألم، ذلك الذي تحمّلَتْه أُمّي مِن جرّاء خطيئتهم. وأنا أيضاً لستُ أنسى هذا الألم.

 

إن تكن المجموعة مُتقلِّبة، فهذا ليس بالأمر الجديد. ذلك أنّ الحيوان البرّيّ يَلعَق يد الـمُروِّض طالما هي متسلّحة بالسوط، أو هي تقدم له قطعة لحم تُسكِت جوعه. إنّما يكفي أن يَقَع الـمُروِّض ولا يعود قادراً على استعمال السوط أو لا يعود لديه طعام له يُشبِعه، حتّى يَنقَضّ عليه ويُقطّعه إرباً. يكفي قول الحقيقة والعيش في الصَّلاح لتأليب مشاعر بُغض الجُّموع ضدّ الذات، بعد أوّل لحظة حماس. فالحقيقة هي لوم وتنبيه، والصَّلاح يمنع السوط ويقود غير الصالحين إلى عدم الخوف بعد. مِن هنا كان صِياح: "اصلبه" الذي عَقَبَ هتاف: "أوشعنا". إنّ حياتي كمعلّم كانت مُشبَعَة بهاتَين الصَّيحَتَين، أمّا الصَّيحة الأخيرة فقد كانت: "اصلبه". الأوشعنا هو التَّنَفس الذي يُمارِسه الـمُغنّي كي يَحصَل على النَّفَس اللازم للصعود إلى طبقات الصوت الحادّ. في عشيّة الجمعة العظيمة المقدّسة، سَمِعَت مريم في ذاتها مِن جديد هتافات أوشعنا المزيفة، وقد أصبَحَت صيحات موت لِوَليدها، وسيفاً يخترق قلبها. وهذا أيضاً أنا لا أنساه.

 

إنسانيّة الرُّسُل! كم هي ثقيلة! لقد كنتُ أحمل على ساعِدَيَّ أكواماً ثقيلة، كي أرفعها إلى السماء، بينما كانت تنجذب بشدّة نحو الأرض. حتّى الذين لم يكونوا يَرَون في أنفسهم وزراء لِمَلِك أرضي، مثل يهوذا الاسخريوطيّ، الذين لم يكونوا يفكّرون مثله في أخذ مكاني على العرش، عندما يَجِدون الفرصة سانحة، كانوا يبحثون دائماً بقلق عن المجد. ولقد أتى اليوم الذي رَغِب فيه يوحنّا وأخوه في هذا المجد الذي يبهركم مثل سراب، حتّى في الأمور السماويّة. لستُ أبغي منكم أن يكون لديكم التَّوق المقدّس إلى السماء، إنّما الرغبة البشريّة في أن تكون قداستكم معلومة. ليس هذا فقط، بل أن يكون لديكم كما نَهَم صَيرفيّ، نَهَم مُرابٍ، لكي، بقليل مِن الحبّ الممنوح للذي قُلتُ لكم أن تَهِبوه ذواتكم كاملة، تَروموا الحصول على مكان إلى يمينه في السماء.

 

لا، يا أبنائي، لا. عليكم أن تَجرَعوا الكأس التي شربتُها أنا، كلّها: مع المحبّة الممنوحة مقابل البُغض، مع العفاف الذي هو نقيض صوت الأحاسيس، مع البطولة في التجارب، مع التضحية بالذات مِن أجل حبّ الله والإخوة، ثمّ، عند الانتهاء مِن أداء الواجب، القَول أيضاً: "إنّنا خُدّام عديمو النَّفع"، وانتظار أن يمنحكم أبي، الذي هو أبوكم أيضاً، بصلاحه، مكاناً في مملكته. يجب التجرّد، كما رأيتِني أتجرّد في المحكمة، عن كلّ ما هو بشريّ، مع الاحتفاظ فقط بالضروريّ، الذي لا بدّ منه، الذي هو احترام لعطيّة الله، الحياة، وللإخوة الذين نستطيع أن ننفعهم هناك في السماء أكثر ممّا نفعل على الأرض، وأن يُترَك لله أمر العناية بإلباسكم ثوب عدم البَلَى الذي جَعَلَه دم الحَمَل أبيض ناصعاً.

 

لقد جعلتُكِ تَرَين المعاناة التي هيَّأَت لدرب الآلام. وسوف أُظهِر لكِ المعاناة الأخرى فيما بعد. فهي، بالرغم مِن كونها آلاماً، هي في تَأَمُّلها راحة لنفسكِ. هذا يكفي الآن. كوني في سلام.