ج5 - ف18
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الخامس/ القسم الأول
18- (الرّاعي حانان يقود يسوع إلى أَكزِيب)
14 / 11 / 1945
يَسلك يسوع طريقاً عبر منطقة جبليّة جدّاً. هي ليست جبالاً شاهقة، ولكنّها سلسلة مِن صُعود وانحدار روابي ومجموعة مِن السيول الفَرِحة في هذا الفصل المنعش والجديد، الصافية كالسماء، الفتيّة كالأوراق الأولى المتزايدة باطّراد على الأشجار.
على الرغم من أنّ الطقس جميل، فَرِح، قادر على الترويح عن القلب، إلّا أنّه لا يبدو على يسوع أنّ السكينة تسكن روحه، وكذلك هُم الرُّسُل، بل أسوأ. يَنطَلِقون في عمق الوادي بصمت مُطبق. ولا يَظهَر أمام أعينهم سوى رُعاة وقطعانهم، ولكن يبدو أنّ يسوع لا يرى حتّى هؤلاء.
أمّا ما يَلفت انتباه يسوع، فتنهيدة يائسة مِن يعقوب بن زَبْدي، وكلام منه غير متوقّع، هو ثمرة تفكير مهموم...يقول يعقوب: «هزيمة تلو الهزيمة!... يبدو أنّنا نُصبِح ملعونين...»
يَضَع يسوع يده على كتف ذاك: «ألا تَعلَم أنّ هذا هو قَدَر الـمُفَضَّلين؟»
«هيه! أعرف ذلك مُذ أصبحتُ معكَ! إنّما يلزمنا شيء مختلف بين الحين والحين، وقد كان لنا سابقاً، ليسمو بقلبنا وإيماننا...»
«هل تشكّ فيَّ يا يعقوب؟» يا له مِن ألم يَجعَل صوت المعلّم يرتجف.
«لا!...» والـ "لا" ليست مؤكّدة، في الحقيقة.
«ولكن فيما يتعلّق بالشكّ، فإنّكَ تشكّ. مِن أيّ شيء، إذن؟ ألم تَعُد تحبّني كالسابق؟ هل رؤيتكَ إيّاي مطروداً، مستهزأ به، أو حتّى معزولاً في تخوم الفينيقيّين هذه، قد أَضعَفَت حبّكَ؟» وأثناء كلام يسوع، ورغم عدم وجود بكاء ولا دموع مُنهَمِرة، كانت الدموع ترتجف. فنفسه كانت تبكي بحقّ.
«مِن أجل هذا، لا، ربّي! بل على النقيض مِن ذلك، فإنّ حبّي لكَ يتعاظم كلّما رأيتكَ عَصيّاً على الفهم، مرفوضاً، مهيض الجناح وحزيناً. ولكي لا أراكَ هكذا، ومِن أجل التمكّن مِن تغيير قلوب البشر، أنا مستعدّ لأضحّي بحياتي. عليكَ أن تصدّقني. لا تَكسِر قلبي، وهو الآن حزين لمجرّد التفكير بأنّكَ تشكّ في حبّي لكَ. وإلّا... وإلّا لكنتُ وقعتُ في التطرّف. أَرجَع إلى الوراء وأنتقم مِن الذي يُحزنكَ، لأبرهن لكَ أنّي أحبّكَ، لأزيل هذا الشكّ مِن ذهنكَ، وإذا ما قُبض عليَّ أو قُتلتُ، فلا يعود يهمّني أبداً. يكفيني أن أبرهن لكَ عن حبّي.»
«آه! يا ابن الرعد! مِن أين تأتيكَ هذه الحميّة؟ هل تريد أن تكون صاعقة مبيدة؟» يبتسم يسوع لاندفاع يعقوب ومشاريعه.
«آه! على الأقلّ أراكَ تبتسم! وهذه إحدى ثمار مشاريعي. ما قولكَ يا يوحنّا؟ هل علينا أن نضع ما أفكّر به موضع العمل لمواساة المعلّم مكسور الخاطر بسبب هذا الكَمّ مِن الرّفض؟
«آه! نعم. هيّا بنا ولنشرع بالكلام. وإذا ما عادوا ليشتموه كَمَلِك كلام، مَلِك هَزليّ، مَلِك بلا مال، مَلِك مجنون، فلنضرب بقسوة كي يتنبّهوا إلى أنّ الـمَلِك له أيضاً جيش مِن الـمُخلِصين، وهم ليسوا على استعداد لأن يفسحوا المجال لأيّ كان كي يحتقره. فالعنف ضروريّ في بعض الأحيان. هيّا بنا، أيّها الإخوة.»
«ولكن اسمعوهما! وأنا ماذا كَرزتُ خلال كلّ هذا الزمن؟ آه! مفاجأة المفاجآت! حتّى يوحنّا، طيري الحَمَام، قد أَصبَحَ باشقاً! انظروا إليه كم هو دَميم، مُضطَرِب، مُنذَهِل، وقد شَوَّهَه الحقد! آه! يا للخجل! وتُدهَشان لبقاء الفينيقيّين لامبالين، لكون اليهود حاقدين، وأن يُبلّغني الرومان أمر الطرد، عندما أنتما، الأوّلان، لم تفهما شيئاً بعد رغم مرافقتكم لي لمدّة سنتين، إذ أصبحتما غاضبين بسبب الحقد الذي في قلبكما، وأَخرَجتُما مِن قلبيكما مذهبي، مذهب الحبّ والتسامح، ورميتماه وكأنّه حماقة، وتقبّلتما العنف كحليف جيّد! آه! أيّها الآب القدّوس! هذه، نعم، هزيمة! بدل أن تكونا مثل البواشق التي تَشحَذ مناقيرها ومخالبها، ألم يكن أجدر بكما أن تكونا مَلاكَين تتضرّعان للآب أن يمنح التعزية لابنه؟ متى رأيتما رعداً يصنع خيراً بصواعقه وبَرَده؟ لذا، ولكي تتذكّرا دائماً هذه الخطيئة التي ارتكبتماها ضدّ المحبّة، ولكي تتذكّرا اللحظة التي رأيتُ فيها على وجهيكما صورة الإنسان الحيوان بدل صورة الإنسان الملاك التي أريد أن أراها فيكما على الدوام، سوف أُطلِق عليكما اسم "ابنيّ الرّعد".»
يسوع نصف جاد أثناء كلامه لابنيّ زَبْدي المتأجِّجَين. ولكنّ لومه لم يدم أمام ندمهم، وبِوَجه جَعَلَه الحبّ مشعّاً، يضمّهما إلى قلبه وهو يقول: «لم يعد أبداً مِن سوء. وشكراً لحبّكما. وكذلك لحبّكم، أيّها الأصدقاء.» يقولها متوجّهاً بالكلام لأندراوس ومتّى وابني عمّه. «تعالوا هنا لأعانقكم كذلك. ولكن ألا تعلمون أنّه وإن لم يكن لي مِن فَرَح سوى فرح إتمام مشيئة أبي وحبّكم، أكون سعيداً على الدوام حتّى ولو كان العالم كلّه يصفعني؟ أنا حزين، ليس مِن أجلي، ليس مِن أجل هزائمي، كما تقولون، إنّما رحمة بالنُّفوس التي ترفض الحياة. هاكم، الآن نحن جميعنا مسرورون، أليس كذلك، أيّها الأطفال الكبار؟ إذن، هيّا بنا. اذهبوا لمقابلة هؤلاء الرُّعاة الذين يرعون القطيع، واطلبوا القليل مِن الحليب، باسم الله. لا تخافوا.» يقول وهو يرى الحزن بادياً على الرُّسُل. «أطيعوا بإيمان. سوف تحصلون على الحليب، وليس على ضربات عصيّ، حتّى ولو كان الرجل فينيقيّاً».
ويمضي الستّة بينما ينتظرهم يسوع على الطريق. وفي هذه الأثناء يصلّي يسوع الحزين الذي لا أحد يريده... يعود الرُّسُل حامِلين دلواً صغيراً مِن الحليب ويقولون: «يقول الرجل أن تذهب هناك، عليه أن يتحدّث إليكَ، ولكنّه لا يستطيع ترك الماعز برعاية الرُّعاة الصغار.»
يقول يسوع: «إذن هيّا بنا نقاسمهم الزّاد.»
ويمضون جميعاً إلى المنحدر حيث تتشبّث العنـزات ذوات الهوى.
«أشكركَ على الحليب الذي أعطيتنيه. ما الذي تريده منّي؟»
«ألستَ أنتَ الناصريّ؟ الذي يَجتَرِح المعجزات؟»
«أنا الذي أُبشِّر بالخلاص الأزليّ. أنا الطريق إلى الله الحقّ، الحقيقة التي تَهِب ذاتها، الحياة التي تُحيِيكم. أنا لستُ ساحراً يَصنَع الأعاجيب. وتلك هي دلائل صلاحي وضعفكم الذي يحتاج إلى براهين ليؤمن. ولكن ما الذي تريده منّي؟»
«هاكَ... هل كنتَ منذ يومين في الإسكندروسين؟»
«نعم. لماذا؟»
«وأنا أيضاً كنتُ هناك مع عنـزاتي، وعندما عَلِمتُ بوجود شِجار هربتُ، لأنّ افتعالها أَصبَحَ عادة لسلب موجودات السوق. إنّهم جميعاً لصوص: الفينيقيّين... مثل الآخرين. ليس لي أن أقول ذلك لأنّ أبي كان مِن الصابئة وأُمّي سورية، وأنا كذلك مِن الصابئة. ولكنّها الحقيقة. حسناً. فلنَعُد لروايتنا. كنتُ في أحد الإسطبلات مع مواشيّ، في انتظار عربة ابني. وفي المساء، لدى خروجنا مِن المدينة، صادفتُ امرأة تبكي وعلى ذراعيها طفلة. كانت قد قطعت ثمانية أميال لتأتي إليكَ، لأنّها تقطن خارج المدينة، في الريف. سألتُها ما كان بها. إنّها مِن الصابئة. كانت قد أتت لتبيع وتشتري. كانت قد سَمِعَت بكَ. وكان الأمل قد ملأ قلبها. هَرَعَت إلى البيت. أَخَذَت ابنتها. ولكن مع حِمْل ثقيل يُبطئ المسير! وعندما وَصَلَت إلى مخزن الإخوة، لم تكن أنتَ هناك. والإخوة قالوا لها: "لقد طردوه. ولكنّه قال لنا مساء أمس إنّه سيتوقّف في صور". أنا -وأنا كذلك أب- قُلتُ لها: "وإذن فاذهبي إلى هناك". ولكنّها أجابتني: "وبعد كلّ ما جرى، إذا سَلَكَ دروباً أُخرى للعودة إلى الجليل؟" قُلتُ لها: "آه! اسمعي. ستكون واحدة مِن طريقيّ الحدود. أنا، أرعى قطعاني بين راحوب وليسيمدان، على طريق الحدود بين هنا ونفتالي. إذا رأيتُهُ، أُخبِره. كَلِمَة شَرَف صابِئ". وها أنا أقول لكِ.»
«وليكافئكَ الله. سوف أمضي إلى المرأة. عليَّ العودة إلى أَكزِيب.»
«هل تمضي إلى أَكزِيب؟ إذن نَسلُك الطريق معاً إذا لم تكن تَحتَقِر راعياً.»
«أنا لا أحتقر أحداً. لماذا تذهب أنتَ إلى أَكزِيب؟»
«لأنّ لي هناك حِملاناً. أللهمّ إلّا إذا لم تعد بعد باقية.»
«لماذا؟»
«لأنّ هناك جائحة... لستُ أدري إذا ما كانت مِن السِّحر أو أيّ شيء آخر.كلّ ما أعرفه هو أن قطيعي الرائع أَصبَحَ عليلاً. لهذا السبب جئتُ بعنـزاتي التي ما تزال صحيحة إلى هنا، كي أعزلها عَن النّعاج. وهنا سوف يبقى ولداي. وهما الآن في المدينة مِن أجل المشتريات. ولكنّني سأعود إلى هناك... لأراها تموت، نعاجي كثيفة الصوف...» ويتنهّد الرجل... يَنظُر إلى يسوع ويَعتَذِر: «التحدّث إليكَ، أنتَ هو الكائن، بهذه الأمور وتكديركَ، وأنتَ المكدَّر مِن الأسلوب الذي يعاملونكَ به، يُعَدّ ضرباً مِن الحماقة. ولكنّ النّعاج نحبّها وهي ثروتنا، ألا تَعلَم؟»
«أفهمكَ، ولكنها سوف تبرأ. ألم تعرضها على أناس مِن ذوي الخبرة؟»
«آه! جميعهم قالوا لي الشيء ذاته: "اقتلها وبِع جلودها. لا يمكنكَ فِعل أيّ شيء آخر". وحتّى حَذَّروني مِن إخراجها... هُم يَخشون على نِعاجهم من الإصابة بالعدوى. عليَّ إبقاؤها هكذا محجوراً عليها... وهي تموت بأعداد كبيرة. هل تَعلَم أنّ أهل أَكزِيب أشرار؟...»
يقول يسوع بكلّ بساطة: «أَعلَم.»
«أنا أقول لقد سُحِرَت...»
«لا. لا تؤمن بهذه القصص... عندما سيصل ابناكَ، هل ستمضي في الحال؟»
«فوراً. سيصلان خلال لحظة. هل هؤلاء هُم تلاميذكَ؟ ألا يوجد غيرهم؟»
«لا، بل لديَّ آخرون.»
«ولماذا لم يأتوا إلى هنا؟ لقد التقيتُ ذات مرّة بمجموعة مِن هؤلاء قرب ميرون. كان معهم راعٍ يقودهم. هذا ما كان يُقال. كان رجلاً كبيراً، قويّاً، وكان يُدعى إيلي. كان ذلك في تشرين الأوّل (أكتوبر)، على ما يبدو لي، قبل أو بُعيد عيد المظالّ. هل تَرَكَكَ الآن؟»
«لم يتركني أيّ تلميذ.»
«قيل لي إنّ...»
«ماذا؟»
«إنّكَ... إنّ الفرّيسيّين... في النتيجة إنّ التلاميذ كانوا قد هجروكَ بفعل الخوف، ولأنّكَ كنتَ...»
«شيطاناً. قُلها بكلّ بساطة. أعرف ذلك. فلكَ أجر مُضاعَف لأنّكَ تؤمن بالرغم مِن ذلك.»
«ولأجل هذا الأجر، ألا يمكنكَ... ولكن قد أكون أطلب أمراً هو انتهاك للمقدَّسات...»
«قُلها، وإن كانت سيّئة، سوف أقول لكَ ذلك.»
«ألا يمكنكَ مباركة قطيعي أثناء مروركَ؟»
«سأبارك قطيعكَ هذا...» ويَرفع يده ليبارك العنـزات المشتّتة، «...وقطيع النّعاج. هل تؤمن أن بركتي ستنقذها؟»
«كما تُنقِذ الناس مِن الأمراض، كذلك يمكنكَ أن تُنقِذ الحيوانات. يُقال إنّكَ ابن الله. والعنـزات، هو الله الذي خَلَقَها. هي إذن تخصّ الآب. وأنا... لم أكن أعلم إذا ما كان طلبي هذا منكَ مُراعٍ لواجبات الاحترام. ولكن إذا كان ممكناً، افعله يا ربّ، وسوف أحمل لكَ إلى الهيكل تقادم تسبيح كبيرة. أو بالأحرى، لا! سوف أعطيكَ إيّاها مِن أجل الفقراء، وهذا أفضل.»
يبتسم يسوع ويصمت. يَصِل ابنا الرّاعي، وبعد قليل ينصرف يسوع وأتباعه والرّاعي العجوز، تاركين الشابّين لحراسة الماعز.
يَسيرون مُسرعين، بغية الوصول بسرعة إلى قادس للخروج منها في أقرب وقت في محاولة لبلوغ الطريق التي تَصِل البحر بالداخل. يُفتَرض أن تكون هي نفسها التي تتفرّع عند أسفل الرأس، الذي سلكوه أثناء ذهابهم إلى الإسكندروسين. على الأقلّ هذا ما فهمتُهُ مِن حديث الرّاعي مع التلاميذ. يسوع وحده في المقدّمة.
«ولكن ألن نُصادِف متاعب أخرى؟» يَسأَل يعقوب بن حلفى.
«قادس ليست تابعة لقائد المائة هذا. وهي خارج الحدود الفينيقيّة. قادة المائة، يكفيهم عدم إغاظتهم، وهُم لا يكترثون بالدِّين.»
«ثمّ نحن لن نتوقّف فيها...»
«هل بإمانكم قطع مسافة أكثر مِن ثلاثين ميلاً في يوم واحد؟» يَسأَل الرّاعي.
«آه! نحن دائمو التّرحال!»
يَسيرون دون توقّف... يَبلغون قادس ويتجاوزونها دونما حوادث. يَسلكون الطريق المستقيمة. وقد كُتِبَ على الـمَعْلَم أَكزِيب. يُشير إليه الرّاعي قائلاً: «سنبلغها غداً. أمّا هذه الليلة فتأتون معي. أعرف فلّاحين مِن الوادي، ولكنّ الكثيرين منهم على الحدود الفينيقيّة... حسناً! نَخرُج مِن الحدود، وبالتأكيد لن يَكتَشِفنا أحد على الفور... آه! المراقبة! مِن المفضّل أن تكون مِن أجل اللصوص!...»
تميل الشمس إلى الغروب، والوديان لا تساعد بالتأكيد على الحفاظ على نورها، لكثرة الغابات فيها. ولكنّ الراعي قد تعوَّدَ على ذلك، وهو يمضي بثقة.
يَبلغون قرية صغيرة، بالضبط هي عبارة عن حَفنة مِن البيوت.
«لنَرَ إذا كانوا يستقبلوننا هنا، إنّهم إسرائيليّون. نحن في الحقيقة على الحدود. وإذا ما رفضونا، فسنمضي إلى قرية أخرى فينيقيّة.»
«لا تمييز لديَّ أيّها الرجل.»
يَقرَعون أحد الأبواب.
«أهذا أنتَ، حانان؟ ومعكَ أصدقاء؟ تعال، تعال وليكن الله معكَ» تقول امرأة عجوز جدّاً.
يَلِجون مطبخاً رحبّاً ترقص فيه نار عظيمة. عائلة كثيرة العدد ومِن جميع الأعمار تجتمع على المائدة، إنّما، مِن باب الكياسة، يُوسعون مكاناً للقادمين الجُّدد.
«هذا هو يونا، وتلك هي زوجته، وأولئك هم أولاده وأحفاده وزوجات أولاده. عائلة أبويّة، مُخلِصة للربّ» يقول الرّاعي حانان ليسوع. ثمّ يلتفت إلى العجوز يونا ويقول: «والذي معي، هو رابّي إسرائيل الذي كنتَ ترغب في التعرّف إليه.»
«أَحمُد الربّ على استضافتي له، وعلى كوني أملك المكان لذلك هذا المساء. وأشكر الرابّي لمجيئه إلى بيتي، وأَطلُب بركته.»
يَشرَح حانان أنّ بيت يونا هو بمثابة النَّـزل للمسافرين بين البحر والمناطق الداخلية.
يَجلس الجميع في المطبخ الدافئ، والنساء تَخدم القادمين الجُّدد. هناك مِن الاحترام ما يشلّ. ولكنّ يسوع يعالج الأمر بأن يلمّ حوله بعد العشاء مباشرة أطفالاً كثيرين، ويهتمّ بهم وهُم يتآخون معه في الحال. وخلفهم، في الفترة الوجيزة التي تفصل العشاء عن النوم، يتجاسر رجال البيت متحدّثين عمّا تعلّموه عن مَسيّا وطالبين تفاصيل جديدة. ويسوع يُصحِّح، يؤكّد، ويَشرَح بِرِفق، في حِوار هادئ، إلى أن يذهب المسافرون والعائلة إلى النوم بعد أن يباركهم يسوع جميعاً.