ج3 - ف2

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثالث / القسم الأول

 

2- (في الطريق إلى السامرة. تثقيف التلاميذ)

 

21 / 04 / 1945

 

يسوع مع تلاميذه الإثني عشر. المكان ما يزال جبليّاً، ولكنّ الطريق مَطروقة كفاية. يسيرون مُجتَمِعين ويتحدّثون فيما بينهم.

 

«ومع ذلك يمكننـا القول، الآن ونحن وحـدنا: لمـاذا كلّ هذا الحَسَـد وهـذه الغيرة بين الجماعتين؟» يقول فليبّس.

 

«حَسَد؟» يُجيب يوضاس بن حلفى. «ولكن لا، فهذا ليس سوى كبرياء!»

 

«لا. أنا أقول بأنّه ليس سوى ذريعة لتبرير جَور سلوكهم تجاه المعلّم بشكل مِن الأشكال، وذلك بُغية إبعاده دون استثارة الجموع، تحت سِتار الِحرص على المعمدان.» يقول سمعان.

 

«إنّي لفاضحهم.»

 

«يا بطرس، نحن نفعل أموراً لا يفعلها هو.»

 

«لماذا لا يفعلها؟»

 

«لأنه يَعلَم أنّ مِن الأفضل عدم فعلها. ولا ينبغي لنا سوى اتّباعه. فليس لنا نحن أن نوجّههُ. ويجب أن يُسعِدنا ذلك. إنّه لعزاء كبير لنا بأن لا يكون علينا سوى الطّاعة...»

 

«أحسنتَ قولاً يا سمعان.» يقول يسوع الذي كان يبدو أمامهم غارقاً في أفكاره. «حسناً قُلتَ، فالطّاعة أكثر سهولة مِن إصدار الأوامر، وإن لم يكن الظاهر هكذا، ولكنّها الحقيقة. فبالتأكيد الطّاعة سهلة عندما تكون النَّفْس صالحة. كما أنّ إصدار الأوامر صعب عندما لا تكون النَّفْس مستقيمة، فالأوامر تكون مجنونة، بل أكثر مِن مجنونة. حينئذ يكون إصدار الأوامر سهلاً. ولكن... كم تصبح الطّاعة أكثر صعوبة‍! فعندما يكون صاحب المسؤولية في المركز الأوّل، في مكان أو في مجموعة، فينبغي له أن يكون مستعدّاً على الدوام لممارسة: المحبّة والعدل والحَذَر والتّواضع والقناعة والاعتدال والصّبر والصّلابة دون عِناد. آه! إنّه لأمر صعب!... فأنتم الساعة ليس لكم سوى الطّاعة. الطّاعة لله والطّاعة لمعلّمكم. أنتَ، ولستَ وحدكَ، تتساءل لماذا أفعل أو لا أفعل بعض الأمور، تتساءل لماذا يسمح الله أو لا يسمح بمثل تلك الأشياء. انظر يا بطرس، وأنتم جميعاً يا أصدقائي. إنّ أحد أسرار المؤمن إيماناً كاملاً هو ألّا يُنَصِّب نفسه أبداً كمُستَجوِب لله. "لماذا فعلتَ هذا؟" يَسأَل قليل الأهليّة إلههُ، ويبدو متّخذاً وضعيّة البالِغ أمام تلميذ مدرسة ابتدائيّة ليقول: "لا يجوز فعل هذا، إنّها حماقة. هذا خطأ." ومَن ذا الذي هو أرفَع مِن الله.

 

تَرَون الآن أنّني، بحجة الحِرص على يوحنّا، سوف أجد نفسي مطروداً. وأنتم تَستَنكِرون ذلك. وتريدونني أن أُقوِّم الخطأ باتّخاذ وضعيّة الـمُناظَرَة والحرب الكلاميّة في مواجهة الذين يَدعَمون ذلك الأسلوب في الرؤية. لا. فذلك لن يكون أبداً. لقد سمعتم قول المعمدان بفم تلاميذه: "يجب أن يتعاظم هو وأتضاءل أنا". بلا أسف ولا ندم، فهو غير متشبّث بمكانته. فالقدّيس لا يتشبّث بمثل تلك الأمور. إنّه يعمل، إنما ليس مِن أجل عدد مِن المؤمنين الخاصّين به، فليس لديه مؤمنون خاصّون به. ولكنّه يعمل مِن أجل زيادة عدد المؤمنين بالله، الأوفياء له. فالله وحده يملك الحقّ بأن يكون له مؤمنون به. وبالتالي، فلستُ أتحسّر إذا ما أصبَحَ هؤلاء أو أولئك، بحسن نيّة أو سوء نيّة، تلاميذ للمعمدان وبنفس الأسلوب، سمعتم ذلك، وهو لا يَحزَن لو أتى إليَّ بعض تلاميذه. إنّه بعيد كلّيّاً عن مثل تلك الحسابات الإحصائيّة، فهو يَنظُر إلى السماء، وأنا أَنظُر إلى السماء. فلا تظلّوا تُناقِشون فيما بينكم إذا ما كان عدلاً أم لا أن يتّهمني اليهود بأنّني آخُذ تلاميذ المعمدان منه. فإن يكن عدلاً أن يُقال ذلك أم لم يكن، فإنّه لا يتعدّى كَونه جِدال نساء ثَرثَارات حول النّبع. فالقدّيسون يَرتَضون المعونة، يتبادلون الأرواح دونما أسف، بل بمرح، مبتسمين لفكرة العمل مِن أجل الربّ.

 

لقد عَمَّدتُ، وحتّى جعلتُكم تُعمِّدون، ذلك أنّ الروح مُثقَل الآن لدرجة يتوجّب معها تقديم الرحمة لـه تحت أعراض حسيّة ماديّة، والمعجزة تحت أعراض ماديّة، والتعليم بأساليب ماديّة. بسبب ذلك الثقل الروحيّ ينبغي لي اللجوء إلى عناصر ماديّة عندما أشاء أن أجعل منكم صانعي (مُجتَرِحي) معجزات. إنما ثقوا تماماً أنّ قُدرة التقدّيس غير موجودة في الزيت، كما لا توجد في الماء ولا في شعائر أخرى. وسوف يأتي الوقت الذي سيكون فيه غير المحسوس وغير المرئي، وغير المناسب بالنسبة إلى الماديّين، هو الـمَلِك "العائد"، عِلّة كلّ تقدّيس، الفاعل في كلّ تقدّيس. فَبِه يعود الإنسان ليصبح "ابن الله" ويفعل ما يفعله الله لأنّ الله سيكون معه. النّعمة. هي ذي الـمَلِك العائد، حينئذ يصبح العِماد سرّاً مقدّساً. حينئذ سيتكلّم الإنسان ويُدرِك لغة الله. والنّعمة سوف تَمنَح الحياة، والحياة سَتَمنح القُدرة على المعرفة والفِعل، حينئذ... آه! حينئذ! ولكنّكم لم تصبحوا بعد ناضِجين لتعرفوا ما ستحمله إليكم النّعمة. أرجوكم: ساعِدوا على مجيئها بعمل دَؤوب مُتواصِل وتأهيل أنفسكم، ودَعوا، دَعوا جانباً الاهتمامات عديمة الجدوى التي للأرواح الدّنيئة…

 

ها نحن على تُخوم السامرة. هل تعتقدون أنّني أفعل حسناً بالتكلّم عندهم؟»

 

«آه!» وقد صُدِموا جميعهم قليلاً أو كثيراً.

 

«الحقّ أقول لكم، إنّ السامريّين موجودون في كلّ مكان. وإذا ما كان ينبغي لي ألاّ أتكلّم حيث يوجد سامريّ، فينبغي لي ألّا أتكلّم في أيّ مكان. هلمّوا إذن. لن أحاول التحدّث. ولكنّني لن أتردّد في الحديث عن الله. إذا ما أتوا يطلبون منّي ذلك. ها قد انتهت سنة وابتدأت الثانية. وهي تمضي مِن بدايتها إلى نهايتها بسرعة الحصان. في البداية كان يُهيمِن المعلّم، والآن هو ذا الـمُخلِّص يتجلّى. وفي النهاية سوف يكون وجه الفادي. هيّا بنا. فالنهر يزداد اتّساعاً كلّما اقتربنا مِن مَصَبّه. وأنا أيضاً أتوسّع في عمل الرحمة، ذلك أنّ الـمَصَبّ يقترب.»

 

«هل نمضي إلى بحر عظيم أبعَد مِن الجليل؟ أيمكن أن يكون النيل؟ أو الفرات؟» يتهامس البعض.

 

«قد نكون ذاهِبين وَسَط الوثنيّين...» يُجيب آخرون.

 

«لا تتحدّثوا فيما بينكم. إنّنا نمضي إلى مَصَبّي أنا. أي صَوب إتمام رسالتي. كونوا متنبّهين للغاية، لأنّني سوف أترككم فيما بعد وينبغي لكم أن تُتابِعوا باسمي.»