ج1 - ف62
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الأول
62- (الدرس الأول في العمل ليسوع)
21 / 03 / 1944
أرى يسوع يَظهَر، لطيفاً مثل شعاع شمس في يوم مُمطِر، طفلاً عمره حوالي الخمس سنوات، إنّه أشقر وفاتن بثوبه البسيط الأزرق السماويّ الذي يَصِل إلى منتصف بطّات الساقين الربيلتين. وهو يَلعَب في الحديقة الصغيرة بالتراب. هو يَجمَعه أكواماً يَزرَع فيها أغصاناً صغيرة وكأنّه يجعل منها غابة مُصَغَّرة؛ ويَجعَل دروباً باستخدام الحصى، ثمّ أراه يريد صنع بحيرة صغيرة عند أسفل تلك التلال الصغيرة. ولكي يتوصّل إلى ذلك يأخذ طبقاً يَدفن قاعه في الأرض حتّى الحافة، ثمّ يَسكب فيه الماء بواسطة وعاء يُغَطِّسه في بركة للغسيل أو لريّ الحديقة. ولكنّه لا يتوصّل إلّا إلى ترطيب ثوبه وبخاصة الأكمام. فالماء يتسرّب مِن الطبق المثقوب أو ربّما المشقوق و... تبقى البحيرة جافة.
يَظهَر يوسف عند العتبة، ويبقى بعض الوقت يَنظر صامتاً إلى عمل الطفل ويبتسم. إنّه لَمَشهد مُبهِج يبعث على الابتسام. ثمّ لكي يضع حدّاً لتبلّله يناديه. فيلتفت يسوع، وحين يَرَى يوسف يركض نحوه ويداه ممدودتان. يمسح يوسف بطرف ثوبه القصير اليدين الصغيرتين المتّسختين ويُقَبِّل يسوع. ويَدور بين الاثنين حوار عذب.
أخَذَ يسوع يشرح عمله ولعبته والصعوبات التي تعترضه أثناء التنفيذ. كان يريد صنع بحيرة مثل بحيرة جنّسارت (مما يقودني إلى الاعتقاد بأنّهما قد كَلَّماه عنها أو ربما أَخَذاه إليها.) أراد صنع نموذج مُصغَّر عنها ليلعب. هنا كانت طبريّا وهناك مجدلة وأبعد قليلاً كفرناحوم. وهذه الطريق تمرّ بقانا وتقود إلى الناصرة. كان يريد وضع بعض المراكب في البحيرة: هذه الأوراق هي مَراكِب للوصول إلى طرف الشاطئ الثاني. إنّما الماء يَهرب…
كان يوسف يَنظُر بإمعان ويهتمّ كما لو كان الأمر جادّاً. ثمّ يقترح عليه صنع بحيرة صغيرة في الغد، ولكن ليس بطبق شَرِم، إنّما ببركة خشبيّة كان يوسف قد علّمه صنعها. ففي هذه الأثناء تماماً كان قد جَلَبَ له أدوات عمل صغيرة مصنوعة خصّيصاً له لكي يستطيع تَعلُّم استخدامها دونما تعب.
فيقول يسوع وهو يبتسم: «وهكذا سأساعدكَ.»
«هكذا ستساعدني وستصبح نجّاراً ماهراً. تعال لتراها.»
يَدخُلان إلى المشغَل. ويريه يوسف مطرقته الصغيرة ومنشاراً صغيراً ومفكّات كذلك صغيرة مع مسحج صغير، جميعها كانت موضوعة على طاولة نجارة صغيرة، طاولة تُناسِب طول يسوع الصغير.
«انظر: مِن أجل عمليّة النّشر، يُوضَع الخشب مع ضغطه بهذه الطريقة، ثمّ يؤخذ المنشار بهذا الأسلوب مع الانتباه لكيلا يُلامِس الأصابع، ويتمّ النّشر. حاول...»
يبدأ الدرس. ويعلو يسوع احمرار بفعل الجهد الذي يبذله، يضغط على شفتيه، يَنشر بانتباه ثمّ يَسحَج القطعة الخشبيّة الصغيرة التي وإن كانت متعرّجة قليلاً، فإنّها تبدو لـه جميلة، ويُثني عليه يوسف ويعلّمه العمل بصبر وحبّ.
تعود مريم. بالتأكيد كانَت قد خَرَجَت مِن البيت. تقف في الباب وتَنظُر. لم يَرَياها لأنّهما يُديران ظهريهما للباب. تبتسم مريم وهي ترى حماس يسوع الذي يستَخدِم المسحج، والحنان الذي يحيطه به يوسف أثناء تدريبه.
ولكن كان ينبغي ليسوع أن يُحِسَّ بهذه الابتسامة. فيلتفت ويرى أُمّه ويركض إليها مع قطعته الخشبية نصف المسحوجة ويريها إيّاها. تُظهِر مريم ليسوع إعجاباً وتنحني لتقبّله وترفع له شعره المشعّث وتمسح عرق وجهه، وتُنصِت بكلّ عطف إلى يسوع الذي يَعِدها بأن يصنع لها مقعداً صغيراً ليوفّر لها راحة أكثر أثناء عملها. ويقف يوسف قرب طاولة النجارة الصغيرة، يداه على خاصرتيه، يَنظر ويَبتسم.
لقد حَضَرتُ أوّل درس في العمل ليسوعي الصغير، وقد تسرَّبَ إلى أعماقي كلّ سلام هذه العائلة المقدّسة.