ج1 - ف41
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الأول
41- (لو كان يوسف أقلّ قداسة لما مَنَحَهُ الله نوره)
05 و 06 / 04 / 1944
تقول مريم:
«إنّها ليلة الخميس المقدّس. ستبدو هذه الرؤيا للكثيرين خارجة عن الموضوع. ولكنّ ألمكِ كعاشقة ليسوع المصلوب هو في قلبكِ ويستمرّ حتّى بوجود رؤيا عذبة. إنّها كالحرارة المنتَشِرة مِن الشعلة، هي مِن النار كذلك، إلاّ أنّها لم تعد ناراً. فالنار هي الشعلة وليست الحرارة المنتشرة حولها. إنّ أيّة رؤيا مطوِّبة أو مطهِّرة لن تأتي لتنَزَع مِن قلبكِ هذا الألم. انظري إليه كشيء ثمين أكثر مِن حياتكِ ذاتها: إنّه بالفعل، أكبر نعمة يمكن أن يمنحها الله لمن يؤمن بابنه. ثمّ إن رؤياي في سلامها تتوافق بشكل جيّد مع إحياء ذكرى هذا الأسبوع.
إنّ يوسف قد نال أيضاً عذاباته التي بدَأَت مِن أورشليم عندما انتَبَه إلى حالتي، ودامت أيّاماً كما دامت ليسوع ولي. روحيّاً، لم تكن أقلّ ألماً. إنّ قداسة يوسف عروسي وحدها هي التي حافَظَت على هذه الحالة بشكل لائق وسرّي بحيث مرَّت دون أن يُعرَف عنها عَبر الأجيال إلاّ القليل.
آه! أولى آلامنا! مَن يمكنه التحدّث عن الشدّة الداخليّة الصامتة؟ مَن يستطيع التكلّم عن ألمي لدى ملاحظتي أنّ السماء لم تكن قد برَّرَتني بإظهارها السرّ ليوسف؟ السرّ الذي كان يجهله. وقد أدركتُ ذلك برؤية احترامه لي ببساطة كالعادة. فلو كان يَعلَم أنّني أحمل كلمة الله في داخلي لكان عَبَدَ هذه الكلمة في أحشائي بطقوس عبادة مخصَّصَة لله، ولم يكن ليُقَصِّر في ممارستها،كما أنّي لم أكن لأرفض تقبُّلها لا لأجلي، إنّما لأجل مَن كان يسكن فيَّ، الذي كنتُ أحمله كما كان تابوت العهد يحمل لوحي الوصايا وآنية المنّ.
مَن يمكنه وصف معركتي ضد الفتور الذي كان يحاول إرهاقي ليُقنِعني بأن رجائي بالربّ باطل؟ آه! أظنُّها كانت حَملَة هوجاء مِن الشيطان! كنتُ أُحِسُّ بالشكّ يُمسِكني مِن كتفي ويُطيل مجسّاته ليأسر نفسي ويمنعها مِن الصـلاة. الشـكّ الخطير جدّاً، القـاتل للروح. إنّه قاتل، ذلك أنّه الإصابة الـمَرَضيَّة الأولى والتي تسمّى "اليأس"، حيث يجب أن يتصرّف الروح في مواجهتها بكلّ قواه لكي لا تَصِل النَّفْس إلى الهلاك وفقدان الله.
مَن يمكنه التحدّث بدقة عن ألم يوسف وأفكاره واضطراب عواطفه؟ إنّه مثل قارب صغير وسط عاصفة هوجاء، وكان قد وَجَدَ نفسه في زوبعة مِن الأفكار المتناقضة وردود فعل، كانت الواحدة منها أكثر ألماً وشراسة مِن الأخرى. لقد كان في الظاهر رجلاً مخدوعاً مِن قبل زوجته، فكان يرى انهيار سمعته الطيّبة واحترام العالم معاً بسببها، كان يرى نفسه مُشاراً إليه بالبَنَان وموضوع إشفاق البلدة. وكان يرى الحبّ والاحترام اللذين كان يكنُّهما لي يموتان أمام بَيّنة الفِعلة.
وهنا تلألأت قداسته وأشرَقَت أكثر مِن التي لي. وأشهد لذلك بحبّي كعروسة، إذ أَرغَب في أن تحبّوا يوسف، هذا الرجل الحكيم والفَطن، الصَّبور والصالح، الذي لم يكن غريباً عن سرّ الفداء الذي ارتَبَط به بشكل وثيق لأنّه استخدَمَ ألمه وذاته لهذا، وذلك بإنقاذ المخلّص دافعاً الثمن تضحيته، وبقداسته العظيمة: فلو كان أقلّ قداسة لكان تَصَرَّف بشريّاً بأن يشي بي كزانية لأُرجَم فتموت معي ثمّرة خطيئتي. لو كان أقلّ قداسة لما كان الله قد مَنَحَه النور ليرشده في مثل هذا الاختبار.
إنّما يوسف كان قدّيساً. وكان روحه الكلّيّ الطُّهر يحيا في الله. فالمحبّة كانت متأجّجة فيه وقويّة. وبمحبّته أنقَذَ لكم المخلّص، تارّة بعدم الوشاية بي إلى الشيوخ، وتارّة بتركه كلّ شيء وفق طاعة سريعة، ليَحمل يسوع إلى مصر أيّاماً لم تكن كثيرة، ولكنّها فظيعة بِشِدّتها، لقد كانت أيّام آلام يوسف وآلامي، تلك الأيّام الأولى التي كان ينبغي لي أن أعاني فيها، فقد كنتُ أُدرِك معاناته ولا أستطيع انتزاعها مطلقاً لأبقى وفيّة لأمر الله القائل لي: "اصمتي!".
عندما رأيتُه، حال وصولنا إلى الناصرة، يتركني بعد تحيّة مُقتَضَبة، حانياً ظهره، حتّى ليبدو وكأنّه شاخ في وقت قليل، إذا صحَّ التعبير، وعندما لم يأتِ إليَّ في المساء كعادته، أَعتَرف لكم، أبنائي، أنّ قلبي المفطور قد عانى مِن ألم حادّ. مُحتَبَسة ووحيدة في البيت حيث كلّ شيء يُذكّرني بالبشارة والتجسّد، وحيث كلّ شيء يعيد إلى قلبي ذكرى يوسف المتّحد بي في بتوليّة لا عيب فيها، كان ينبغي لي أن أُقاوِم الفتور ووساوس الشيطان، وأن أرجو وأرجو وأرجو؛ وأن أصلّي وأصلّي وأصلّي؛ وأن أغفر وأغفر وأغفر ليوسف ريبته وتمرّده كَبَارٍّ اغتاظ.
أبنائي: عليكم بالرجاء والصلاة والصّفح للحصول على تدخّل الله ونيل حظوة لديه. وأنتم أيضاً عليكم أن تعيشوا آلامكم، فإنّ خطاياكم قد استَحَقَّتها. وأنا أُعَلِّمكم كيف تتجاوزونها وتُحوُّلونها إلى فرح، أُرجوا دونما حساب، صلّوا دونما شك، واغفروا ليُغفَر لكم. ومغفرة الله، يا أبنائي، ستكون هي السلام الذي تتوقون إليه.
لن أقول لكم أيّ شيء آخر في الوقت الحاضر سوى أنّه بعد انتصار القيامة سيكون الصمت. أَشفِقوا على ما تحمَّلَه فاديكم، اسمَعوا أنّاته وعُدّوا جراحاته ودموعه. فكلّ دمعة انسَكَبَت كانت مِن أجلكم، وجراحاته تَقَبَّلَها مِن أجلكم. وأيّة رؤيا أخرى تُمحى أمام تلك التي تُذكّركم بالفداء الذي حَقَّقَه لكم.