ج2 - ف36
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثاني / القسم الأول
36- (يسوع ويوحنّا وسمعان ويهوذا يَمضُون إلى بيت لحم)
07 / 01 / 1945
أرى يسوع منذ الصباح الباكر وهو ما يزال أمام الباب ذاته، ينضمّ إلى التلاميذ سمعان ويهوذا ويوحنّا الذي كان معه قبلاً. وأَسمَعه يقول: «يا أصدقائي، أطلب إليكم المجيء معي عبر اليهوديّة. إذا لم يكن ذلك يسبّب لكم عناء كبيراً، خاصّة لكَ يا سمعان.»
«لماذا؟ يا معلّم.»
«السير عَبر جبال اليهوديّة مُضنٍ... وقد يكون مُضنياً أكثر أن تُقابِل بعض الذين أساؤوا إليكَ.»
«بشان المسير أؤكّد لكَ مرّة أخرى أنّني مُذ شَفَيتَني قد أصبحتُ أتحمّل أكثر مِن الشباب ولم أعد أشعر بِثِقل تَعَب أبداً، خاصّة عندما يكون الأمر مِن أجلكَ، وفي الوقت الحاضر معكَ. أمّا بشأن اللقاء بالذين تسبّبوا بأذيّتي فلم يعد لديَّ أيّ شعور مُضنٍ؛ لم يعد تجاههم أيّة ذرة كُره، في قلب سمعان، منذ أن أصبَحَ لكَ. فلقد سقطَت الكراهية في الوقت ذاته الذي سقطَت فيه قشور المرض. وَثِق تماماً أنّني لا أعرف إذا ما كان ينبغي لي أن أقول لكَ إنّ معجزة شفائكَ لجسدي المنخور بالمرض هي أعظم، أَم شفاء نفسي الـمُتأجِّجة بالحقد. أعتقد أنّني لا أخطئ إذا ما قـلتُ إنّ المعجـزة الأعظـم كانت هذه الأخيرة. فشـفاء جـرح النَّفْس أصعب... وأنتَ شفيتني مِن كِليهما دفعة واحدة. وهذه هي المعجزة، لأنّه لا يمكن لأيّ إنسان أن يُشفى دفعة واحدة حتّى ولو استخدم لذلك كلّ قواه، لا يمكن أن يُشفى هكذا مِن عاهة أخلاقيّة لو لم تجعلها أنتَ تتلاشى بإرادتكَ المقدَّسة.»
«لم تُخطِئ في حكمكَ.»
فيَسأل يهوذا بصوت متكدِّر: «لماذا لا تتصرّف هكذا مع الجميع؟»
«ولكنّه يَفعَلها يا يهوذا. لماذا تتكلّم هكذا مع المعلّم؟ ألا تَشعُر بنفسكَ قد تَغَيَّرتَ منذ تَقَرُّبكَ منه؟ فأنا كنتُ سابقاً تلميذ يوحنّا المعمدان، ولكنّني وجدتُ نفسي وقد تبدَّلتُ كلّياً منذ اللحظة التي قال لي فيها: "تعال".» ويوحنّا الذي لا يتدخّل أبداً في العادة، خاصّة إذا كان الأمر بخصوص إظهار الذات أمام المعلّم، فلا يَفعَلها مطلقاً، إلّا أنّه في هذه المرّة لم يستطع البقاء صامتاً. فيضع يده بلطف وعطف على ذراع يهوذا كما لتهدئته ويُكَلِّمه بلهجة مُبهِرة ومُقنِعة. يُلاحِظ بعدئذ أنّه تكلّم قبل يسوع فيحمرّ ويقول: «عفوكَ يا معلّم فقد تكلّمتُ بدلاً عنكَ... ولكنّني كنتُ أريد... كنتُ أريد ألّا يُحزِنكَ يهوذا!»
«نعم يا يوحنّا. ولكنّه لم يُسبّب لي حزناً كتلميذ. إذ حينما يُصبِح كذلك، حينئذ يُحزِنُني إذا ما أصرَّ على طريقة تفكيره. الشيء الوحيد الذي يَغُمُّني هو ملاحظة إلى أيّة درجة قد أفسَدَ الشيطان الإنسان بتغيير وجهة تفكيره. اعلَموا ذلك جميعكم. فلدى جميعكم أفكار مُضطَرِبة بِفِعله! ولكنّه سيأتي، آه! سيأتي اليوم الذي تملكون فيه قوّة الله، النِّعمة، في ذواتكم. ستكون لكم الحكمة مع روحه... آنئذ سيكون لديكم كلّ شيء لتحكموا بعدل.»
«وسنَحكم جميعنا بعدل؟»
«لا يا يهوذا.»
«ولكن هل ستتحدّث إلينا كتلاميذ أَم إلى جميع الناس؟»
«أتحدّث إليكم أوّلاً ثمّ إلى جميع الباقين. وعندما تزفّ الساعة سيُوجِد المعلّم عُمّاله ويُرسِلهم إلى العالم...»
«ألم تفعل ذلك بعد؟»
«لستُ استخدمكم في الوقت الحاضر سوى في القول: "وُجِدَ المسيح هلمّوا إليه". أمّا آنذاك فسأجعلكم أهلاً للكِرازة باسمي، بل واجتراح المعجزات باسمي...»
«آه! حتّى المعجزات؟»
«نعم، على الأجساد والأرواح.»
«آه! كم سيُنظَر إلينا حينئذ بإعجاب!» وينتشي يهوذا لهذه الفكرة.
«آنئذ لن نكون مع المعلّم، وفي هذه الأثناء... بالنسبة لي، سيكون لديَّ دائماً خوف مِن تحقيق أمور إلهيّة بوسائلي البشريّة.» يقولها يوحنّا ويَنظُر إلى يسوع نظرة مُستَغرِقة وحزينة قليلاً أيضاً.
يقول سمعان: «يا يوحنّا، إذا سَمَحَ المعلّم، أرغب أن أقول لكَ ما يجول في فِكري.»
«قُلها ليوحنّا، أنا أرغب في أن تتبَادَلوا النصائح.»
«أَتَعرِف أنّها نصيحة؟»
يبتسم يسوع ويصمت.
«إذن أقول لكَ يا يوحنّا إنّه لا ينبغي حينئذ لكَ، بل لا ينبغي لنا أن نشعر بالخوف. فلنظلّ مُعتَمِدين على حكمة المعلّم القدّوس وعلى وعده. فإذا قال لنا هو: "سأرسلكم"، فهذا يعني أنّه يعرف إمكانيّة إرسالنا دون الإساءة إليه وإلينا، يعني لمصلحة الله العزيز والغالي علينا جميعاً كما على عروس متزوّجة للتو. وإذا ما وَعَدَنا هو إلباس بؤسنا الفكريّ والروحيّ بريق القُدرة والسُّلطة التي أعطاهُ إيّاها الآب مِن أجلنا، فيجب أن نكون متيقِّنين أنّه سيفعل، وأنّنا سنكون أهلاً، ليس بقُدرَتِنا، إنّما برحمته. بكلّ تأكيد إذاً سيحصلّ كل هذا إذا لم نضع الكبرياء والرغبة البشريّة في طريق عملنا. وأعتقد أنّنا لو خَرَّبنا رسالتنا التي هي روحيّة بكاملها بعناصر أرضيّة، فحينئذ حتّى وَعد المسيح لن يتحقّق. ولن يكون هذا العجز منه، إنّما لأنّنا سَنَنحَر قُدرته بشريط الكبرياء. لستُ أدري إذا ما كنتُ أجيد التعبير.»
يُجيبه يهوذا: «إنّكَ تُعَبِّر عن نفسكَ بشكل ممتاز. أنا المخطئ. إنّما أَتَعَلَّم... أعتقد أنّ الرغبة في الأعماق في أن نكون مَحطّ الإعجاب كتلاميذ للمسيح الذي أضحينا مُلكاً له لدرجة نَستحقّ معها أن نَصنَع ما يصنعه هو، لَهِيَ رغبة في جعل صورة قُدرة المسيح تتألّق في العالم. المجد لمعلّم لديه تلاميذ على هذه الشاكلة. هذا ما أردتُ قوله أنا.»
«ليس كلّ ما تقوله خطأ. إنّما... أترى يا يهوذا، أنّني قادم مِن وسط طبقة مُضطَهَدَة مِن أجل... مِن أجل فَهم خاطئ عن ماهيّة وكيفيّة وجوب أن يكون المسيح. نعم، لو كنّا انتظرناه برؤية صحيحة لكيانه، لما أمكَنَنا الوقوع في أخطاء هي بمثابة الكُفر ضدّ الحقّ، والعصيان ضدّ القانون الرومانيّ، لذلك عوقبنا مِن الله ومِن الرومان. لقد شِئنا أن نرى في المسيح فاتِحاً ومُحَرِّراً لإسرائيل، مكابيّ جديد وأعظم مِن يهوذا العظيم (وهو مكابيّ)... ليس إلّا. ولماذا؟ لأنّ اهتمامنا بمصالح الله أقلّ كثيراً مِن اهتمامنا بمصالحنا: مصالح الوطن والمواطنين. آه! مصلحة الوطن مقدّسة أيضاً، ولكن أين الوطن مِن السماء الأزليّة؟
كم هي طويلة ساعات الاضطهاد أوّلاً، والتمييز فيما بعد، عندما كنتُ، كَهارِب، أختَبِئ في جحور الحيوانات المفترِسة أُقاسِمها مَراقِدَها وغذاءها هرباً مِن الشرطة الرومانيّة، وخاصّة مِن وِشايات الأصدقاء المزعومين؛ أو بالأحرى عندما، في انتظار الموت، كنتُ أشمُّ مسبقاً رائحة القبر في كوخي، كوخ الأبرص. كم فكّرتُ ورأيتُ: لقد رأيتُ الملامح الحقيقيّة للمسيح... ملامحكَ أيّها المعلّم الصالح والمتواضع، ملامحكَ أيّها المعلّم ومَلِك الروح، ملامحكَ أيّها المسيح ابن الآب الذي يقودنا إلى الآب وليس إلى بلاطات مَلَكيّة مِن التراب، وليس إلى أُلوهَة مِن الوحل. أنتَ... آه! يَسهُل عليَّ اتّباعكَ... لأنّني، اعذرني لجرأتي التي تُعلِن عن نفسها بوضوح، لأنّني أراكَ كما كنتُ أراكَ في فِكري. أتعرّف عليكَ. ولقد تعرّفتُ عليكَ مباشرة. فلم يكن لي أن أعرفكَ، بل أن أتعرّف على مَن كانت نفسي قد عَرِفَتهُ مُسبقاً...»
«لذلك دَعَوتُكَ... ولذلك أصبَحتَ معي الآن، في رحلتي الأولى التي سأقوم بها إلى اليهوديّة. أريد أن تُتِمَّ تَعَرُّفكَ عليَّ... وأريد لهؤلاء كذلك الذين يجعلهم السنّ أقلّ أهليّة لبلوغ الحقّ بتأمُّل جادّ، أريدهم أن يَعرِفوا كيف وَصَلَ معلّمهم إلى هذه الساعة... سوف تُدرِكون فيما بعد. ها إنّنا غير بعيدين عن برج داود. الباب الشرقيّ قريب.»
«أَنَخرج مِن هنا؟»
«نعم يا يهوذا، فسنذهب إلى بيت لحم أوّلاً، حيث وُلِدتُ... يَحسُن أن تعرفوا ذلك... لتقولوه للآخرين. فهذا أيضاً جزء مِن معرفة المسيح والكِتاب. ستَجِدون النبوءات مكتوبة في الأشياء. سَتُكَلِّمكم ليس بصوت النبوءة، إنّما بصوت التاريخ. ولِنَطُف حول قصر هيرودس...»
«الثعلب العجوز، الشرّير والفاسِق.»
«لا تَدينوا. فالله هو الذي يدين. لنسلك هذا الدرب عَبر البساتين، وسوف نقف في ظلّ شجرة قرب نَزْل استشفائيّ طالما الشمس مُحرِقَة. وبعد ذلك سنتابع طريقنا.»
وتنتهي الرؤيا.