الدفاتر: 22 / 05 / 1943
دفاتر 1943
ماريا فالتورتا
I QUADERNI - THE NOTEBOOKS - LES CAHIERS
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
(22 / 05 / 1943)
أنا لا أُحسِن التعبير، ربّما لأنّني زهرة برّية، وُلِدتُ، نَـمَوتُ وأزهرتُ فقط بمشيئة يسوع ولا أعرف تعابير سرّيّة، لا أعرف صيغ الزهد. لا شيء على الإطلاق. أحبّ لأنّني أحبّ. أحيا كما يشاء الله. أفرح أو أقاسي ما يرسله الله لي أو يسمح به، ولكنّني لا أعرف "تسمية" هذا أو ذاك مما أختبر.
حضرتكَ تطرح عليّ أسئلة لا أجيد الإجابة عليها، وبما أنّني لا أريد تضليل أي شخص بإعطاء فكرة لا تطابق الحقيقية عنّي، فإنّني أقول لحضرتكَ بتواضع ما أعرف، كما أعرفه، ولا شيء آخر. ربّما بقرائتكَ لما أكتب وبحديثكَ معي ستدرك بشكل أفضل منّي ما هو وضعي.
لقد سألتَني منذ برهة إذا ما كنتُ قد استغرقتُ في الله لدرجة عدم الإحساس بأيّ أمر آخر.
حسناً، لستُ متأكّدة إذا ما قد فهمتُ ما تقصده بشكل صحيح. إذا كنتَ تقصد الانخطاف، بحسب ما يُسمَع عنه عادة، فمن المؤكّد أنّني لم أختبر هذا أبداً. أمّا إن كنتَ تتحدّث عن ذاك الشعور الانخطافي الّذي لا تُلغى بفعله الحيويّة البشريّة، إنّما التي تتركّز بكلّيتها على نقطة وحيدة، مستغرقة فيها، بحيث يفقد كلّ شيء آخر قيمته، والأمور الاعتيادية تبدو وكأنّنا محاطين بثوب يعزلنا عنها ويحمينا، مغلّفاً إيّانا كما بوشاح مِن نار، الّذي فيه لا يمكننا التحرّك ولا التصرّف إلاّ ونحن نحدّق بهذه البؤرة التي تجذبنا، هذا نعم، لقد اختبرتُه مرّات عدّة. إنّ العالم بأسره، الّذي يهيج مِن حولنا، يفقد شكله وقيمته لدرجة يبدو لنا معها، للحظات، كما شيء "خيالي"، فيما الواقع الحقيقيّ هو ذاك الذي تعبده إمكانات نفسنا، تتشرّبه وتختبره. لستُ أدري إذا ما نجحتُ في التعبير.
أظنّ أنّ ذلك لو كان ليدوم لكان يقتلنا في وقت قليل. وأظنّ كذلك أنّ مَن يعيش، ولو مرّة واحدة، اختباراً روحانياً كهذا يبقى موسوماً به الحياة كلّها. إنّه كما ارتقاء حيويّتنا الروحيّة، العبور إلى سنّ أعلى، على إثره، بعد كلّ غوص في هذا الاختبار الروحانيّ، يجد المرء نفسه وقد نما في النعمة والحكمة فائقة الطبيعة. ويبقى على هذه الحال على الدوام، إذا ما عرف أن يبقى مستحقّاً لذلك.
ليس هذا فقط، لا بل أظنّ، ولو أنّنا تقهقرنا أحياناً بسبب ضعف بشري، إنّما ليس بخبث، أنّ النعمة الّتي تمّ الحصول عليها سابقاً لا تُلغى: تلبث خاملة، نعم، بحيث يؤخّر هذا الخمول غوص جديد في "فرح مشاهدة وتذوّق جوهر الله" (أظنّ أنّ ذلك ما يتمّ اختباره)، إنّما لا يُفقد الخير الّذي تمّ الحصول عليه. إنّه لا يُفقَد إلاّ بالتصرّف بخبث مقصود وثابت.
يجب التفكير بأنّ هذا "الفرح"، الّذي ينتزعنا مِن الواقعيّة البشريّة المحسوسة لنغوص في واقعيّة إلهيّة فوق محسوسة، هو عطية مِن الله وبالتالي مِن كينونة لا تبدّد عطاياها بتوزيعها بإسراف قليل الفطنة. وبالتالي يمكن الافتراض بأنّ الله، إضافةً للعطية، يمنح قدرات أخرى تجعلنا قادرين على الدفاع عن عطيّته لنا، ضدّ الأعداء الّذين في ذواتنا: الجسد، الأهواء، الخ… وإنّ واحدة فقط مِن الخبائث التدنيسية المتعمّدة يمكنها جعلنا غير قادرين على المحافظة على عطية الله فينا.
أرجو على الأقل أن أكون قد وُفقّت في الشرح. إنّما أكرّر: أنا لا أفقه شيئاً في العلوم الروحانية ولذلك أعبّر عمّا هو فائق الطبيعة بكلمات بشريّة.
اليوم، على شفاهي سؤال [عن أمر] أتحرّق لمعرفته: "هل سمع صلواتي في هذه الأيّام؟ هل بلغت صلواتي تلك الهدف الّذي كنتُ أصلّيها لأجله؟" إنّني لم أطلب منكَ شيئاً، واضعة هذه التضحية كذلك على المحرقة الّتي أُستَنفَذ عليها مِن أجل أمور كثيرة، بطرق عديدة. قد تبدو هذه الأمور تفاهات، ولكنّها في بعض الأحيان تكلّف معاناة حقيقية. يعرق المرء لإتمامها…
آه! يا أبتاه! كم هو مؤلم الحبّ! الحب عندما يجتاح بكلّ عنف قلباً صغيراً للغاية لأن يحتويه!
آه! يا أبتاه، كم أفهم رغبة، حاجة عشاق المسيح لإحاطة شوقهم بالعزلة! كم أرغب بالليل الّذي يتيح لي البقاء بمفردي، في اللحظة الّتي يسكرني الحبّ، يعذّبني، يدفعني للدموع والابتسامة.
لو كان بإمكاني إظهار ما أختبر! في بعض الأحيان، أُدرك إمكانيّة الموت حبّاً. ومع ذلك، لا أريد، ولا لأجل أيّ شيء في العالم، أن أُحرم مِن هذه المعانقة اللذيذة، التي هي نزاع للجسد، الّذي لا يستطيع احتمال شدّتها دون الشعور بالتحطّم، والتي هي غبطة للروح.
أفكّر في عبارة في نشيد الأناشيد، التي يسبح ذكراها في عقلي: "مدّدوني على الزهور، اسندوني على أشجار التفاح، ذلك أنّ الحبّ يستنزفني". أظنّ أنها تقال هكذا... وقد قيل حسناً، لأنّنا بحقّ نشعر بالوهن، وقد حطّمنا الحبّ.