ج3 - ف85
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثالث / القسم الثاني
85- (يسوع يتحدّث إلى قاطِعي الطريق)
19 / 07 / 1945
«سوف أتكلّم في المكان الذي نقصده.» يقول يسوع، بينما تتغلغل الجماعة باطِّراد في الوديان الـمُقتَحِمة للجبل عَبْر دروب صَعبة، مُحَصَّاة وضَيِّقة، تَصعَد وتَهبُط فاقِدة رؤية الأُفُق ومُعاوِدة لِقاءه، إلى أن وَصَلَ الجميع إلى وادٍ سحيق، ذي مُنحَدَر حادّ جدّاً، وَصَفَه بطرس بقوله: وَحده الكَبش يَشعُر فيه أنّه مرتاح. فيأخذ الجميع قسطاً مِن الراحة ويتناولون طعامهم قرب نَبع غزير.
يَتفرَّق أشخاص آخرون في المروج والخمائل، يتناولون طعامهم مثل يسوع وأتباعه، فهو مكان يتوقّفون فيه لأنّه آمِن مِن الرياح، وفيه مروج مُمتِعة وماء قَرَاح. هناك حُجّاج ماضون إلى أورشليم، ومُسافِرون يَقصدون الأردن، وبائِعو نِعاج مُعدَّة للهيكل، كما أنّ هناك رُعاة مع قطعانهم. يُسافر البعض على مطيّاتهم، أمّا الأكثريّة فسيراً على الأقدام. حتّى إنّ موكباً عرائسيّاً يَصِل في حفل وعيد. الذهب يتلألأ تحت الأوشحة التي تُغلِّف العروس التي تجاوَزَت سنّ الطفولة، تَصحَبها امرأتان مَهيبتان، تتلألأ أساورهما وعقودهما، ورجل حارس وكذلك خادِمان. وَصَلوا على حمير تغطّيها الذؤابات المتدلّية والجلاجل، ويَنـزَوون في أحد الأركان لِتَناوُل الطعام، وكأنّهم يَخشُون نظرة مِن الناس تَغتَصِب العروس الصغيرة. يقوم أحد الأقارب بالحراسة وهو متحفِّز، بينما تأكل النساء.
«إنّهم بالفعل مَثار فضول، لذا تَرى على الدوام مَن يقصد آخرين، بحجّة طَلَب الملح أو نقطة خلّ أو استعارة سكّين، إنّما الهدف هو معرفة ما إذا كانت العروس معروفة، وأين وجهتها، وأشياء كثيرة مِن هذا القبيل... وهناك واحد، بالفعل، يَعرِف مِن أين تأتي وإلى أين تمضي، وهو فَرِح جدّاً في رواية كلّ ما يعرف، يَدفَعه آخر، يَحثّه على الكلام، وهو يَسكُب له نبيذاً فاخراً. ومع مرور الوقت، يتطوّر الأمر حتّى التَّطَرق إلى التفاصيل الأكثر سرّيّة للعائلتين، للجّهاز الذي تحمله العروس في صناديقها، للكنوز التي تنتظرها في بيت زوجها، وهكذا دَواليك. ومِن ذلك يمكن الاستدلال إلى أنّ العروس هي ابنة تاجر غنيّ مِن يافا، وأنّها ستتزوّج مِن ابن تاجر غنيّ مِن أورشليم، وأنّ الزوج قد سَبَقَها لِيُزيِّن بيت الزوجيّة، نَظَراً لقرب وصولها مع مَن يُرافِقها، صديق الزوج، وهو كذلك ابن إبراهيم، تاجر ماس وجواهر، بينما الزوج صائغ، وأبو الزوجة تاجر صوف وحرير وسجّاد وستائر…
الثَّرثَار قريب مِن جماعة الرُّسُل، يَستَمِع توما إليه ويَسأَله: «ولكن أليس نثنائيل بن لاوي هو الزوج؟»
«إنّه هو، بالضبط. هل تَعرِفه؟»
«أَعرِف الأب جيّداً، وقد كانت لي معه تعاملات، ومع نثنائيل بشكل أقلّ. إنّه لَزَواج ثريّ!»
«والعروس سعيدة! إنّها مزيّنة بالذهب. إبراهيم قريب أُمّ العروس وأبو صديق الزوج، قام بِفِعل يَنمّ عن النخوة والمروءة، وكذلك الزوج وأبوه. ويُقال إنّ في تلك الصناديق ما يُعادِل قيمة عدّة كيلوغرامات مِن الذهب.»
«عجباً واحتراماً!» يقول بطرس وهو يُصفِّر، ويضيف: «سأنظر عن قُرب لأرى إذا كانت البَيعة الأساسيّة تُلائِم الباقي.» ويَنهَض هو وتوما، ويَمضِيان في جولة قصيرة حول مجموعة العُرس، يتأمَّلان النساء الثلاث، كَوماً مِن الأقمشة والأوشحة، تَظهَر مِن خلالها الأيدي والقبضات الـمُوَشَّحة بالجواهر، ومِنها ينساب التلألؤ إلى الأذنين والعُنق، ويُحدِّقان في تَبجُّح الحارس الذي يبدو وكأنّه يَدفَع قراصنة ماضين إلى محاربة الصبيّة، لكثرة حركاته التي توحي بالشجاعة والإقدام، وهو يَنظُر كذلك بِطَرَف عينه إلى الرَّسولين. ولكنّ توما يَرجوه أن يُسلِّم على نثنائيل بن لاوي باسم توما الذي يُدعى التوأم. ويَحلّ السلام بشكل جيّد، لدرجة أنّ العروس الصغيرة، أثناء ثرثرتهم، تَجِد الوسيلة لِلَفت الانتباه واستقطاب الإعجاب، وذلك بِنُهوضها بشكل يَسقُط معه المعطف والوشاح، وتَظهَر روعة جسدها وبهاء لِباسها وثراؤها كَصَنَم. قد تكون بَلَغَت الخامسة عشرة كحدّ أقصى، وعيناها ماكِرَتان! تُظهِر مَفاتِنها، رغم استهجان المرأتين الجليلتين. فَتَفرد جَدائِلها، وتُعيد ترتيبها بدبابيس نفيسة، تَشدّ حزامها الـمُرصَّع بأحجار كريمة، ثمّ تعود فَتَحلّه، تَنـزَع حذاءها، ثمّ تعود لِتَلبسه مشدوداً جيّداً بعقلة ذهبية، وبين الفينة والفينة، تَجِد وسيلة لإظهار شعرها الأسود الرائع، ويديها الجميلتين، وذراعيها الظريفين، وقامَتَها الممشوقة وصَدرها وردفيها البالغين، وقَدَمها الصغيرة البالغة، وكلّ عقودها التي ترن وتتلألأ في ومضات النهار الأخيرة وفي لهيب أوّل نار الحطب.
يَعود بطرس وتوما. يقول توما: «إنّها فتاة جميلة.»
«هي دَلّوعة على أكمل وجه. ستكون... ولكنّ صديقكَ نثنائيل سرعان ما سَيَعرف أنّ هناك مَن يُدفئ سريره بينما هو يُسخّن الذهب لِيَشتغله، وصديقه أَبله تماماً. لقد أَحسَنَ معرفة لِمَن يعهد بالعروسة!» وينهي بطرس كلامه بينما هو يَجلس وسط رفاقه.
«أمّا أنا فلم يعجبني ذلك الرجل الذي كان يَجعَل الأبله الآخر يتكلَّم.» يُدمدِم برتلماوس. «عندما عَلِمَ كلّ ما كان يريد معرفته، مضى مِن جهة الجبل... والمكان أسوأ ما يكون. وهذا الوقت هو المثاليّ لهجمات قاطعي الطريق. ليلة مُقمِرة. حرارة مرتفعة. أشجار مكسوة بالأوراق. ذلك المكان لا يروق لي. كان مِن الأفضل اتِّباع الطريق.»
«وذلك الأحمق الذي تَحَدَّثَ عن كلّ تلك الثروات! وذاك الآخر الذي يَلعَب دور البطل والحارس عند الظلال، والذي لا يرى الأجسام الحقيقيّة!... حسناً، سَأَسهَر على النار. مَن يأتي معي؟» يقول بطرس.
«أنا، يا سمعان.» يُجيب الغيور. «فإنّني أُقاوِم النعاس جيّداً.»
نَهَضَ كثيرون، خاصّة مِن المسافِرين المنفردين، ومَضوا جماعات صغيرة. يَبقى بعض الرُّعاة مع قطعانهم، موكب العُرس، وموكب الرُّسُل، وثلاثة تُجّار حِملان هُم الآن نيام. وتنام العروس الصغيرة مع العجوزتين تحت خيمة نَصَبَها الخُدّام.
يَبحَث الرُّسُل لهم عن مكان، ويَنفَرِد يسوع ليُصلّي، ويُشعِل الرُّعاة ناراً كبيرة وسط المكان الذي يتواجدون فيه. ويُشعِل بطرس وسمعان ناراً أُخرى على الدرب شديد الانحدار، حيث تَوارَى الرجل الذي سَبَّبَ لبرتلماوس بعض الشكوك.
تَمُرّ الساعات، والذين لا يَشخرون يتهوَّمون. يسوع يُصلّي. الصمت مُطبِق. ويبدو أنّ النبع كذلك يَصمت، وهو الذي كان يتلألأ تحت أشعّة القمر المتربّع في كبد السماء، ويُنير المخيّم، بينما تَقبَع المنحدرات في الظلّ، تحت الأوراق الكثيفة.
كلب راعٍ ضخم يهرّ. يَرفَع أحد الرُّعاة رأسه. يَنتَصِب الكلب، ويَنتفش وَبَر ظهره. يظلّ متوقّفاً ويُنصِت، حتّى إنّه يَرتَجِف عندما يُصبِح الهرير أقوى، وهو يجتاح انفعاله. يَرفَع سمعان كذلك رأسه ويَهزّ بطرس الذي يغفو. صوت يكاد لا يُسمَع يأتي مِن الغابة.
«هيّا بنا نبحث عن المعلّم، ولنأتِ به معنا.» يقول الاثنان. وفي الوقت ذاته يُوقِظ الراعي رفاقه. يُنصِت الجميع دون إحداث أيّ صوت. يَنهَض يسوع كذلك، حتّى قبل أن يناديه أحد، ويتوجّه صوب الرَّسولين. يَجتَمِعون قُرب رفاقهم، وبالتالي قُرب الرُّعاة الذين يُعطي كلبهم إشارات تُعبِّر أكثر فأكثر عن الاضطراب.
«نادوا أولئك الذين يَنامون جميعاً. قولوا لهم أن يأتوا هنا دونما صوت، خاصّة النساء والخُدّام، مع الصناديق. قولوا لكلّ الرجال عن احتمال وجود قُطّاع طرق، ولكن ليس للنساء.» ويَتفرَّق الرُّسُل طاعة للمعلّم الذي يقول للرُّعاة: «غذّوا النار كثيراً لِتُعطي شعلة قويّة.» يُطيع الرُّعاة، وبما أنّهم يَبدون مضطربين، يقول لهم يسوع: «لا تخافوا. لَن يَسلبوكم ولا نُدفة صوف.»
يَصِل التجّار فجأة ويُهمهِمون: «آه! أرزاقنا!» ويُضيفون لائحة مِن الاتّهامات للحاكِمِين الرومان واليهود الذين لا يُخلِّصون العالم مِن اللصوص.
«لا تخافوا. لن تَفقدوا قطعة نقد واحدة.» يقول يسوع لِيُشدِّد مِن عزيمتهم.
تَصِل النساء باكيات، خائِفات، ذلك أنّ الحارس الشجاع، المرتَجِف والمذعور، أرعبهنَّ بقوله: «إنّه الموت! الموت على يد قطّاع الطرق!»
«لا تخفن. فلن يمسّكنّ أحد ولا حتّى بنظرة.» يقول يسوع لِيُشدِّد مِن عزيمتهنَّ، ويأخذهنَّ إلى وسط الرجال والحيوانات الـمُرتَعِدة.
الحمير تَنهَق، الكلب يعوي، والنّعاج تثغو، والنساء يبكين والرجال يُطلِقون اللعنات وتَخور قواهم أكثر مِن النساء. إنّه نشاز حاصِل بسبب الذُّعر. ويسوع ساكن وكأنّ شيئاً لم يكن. وسط هذا الضجيج، لَم يَعُد يُسمَع الهدير الذي في الغابة، وإن يكن في الغابة قطّاع طرق يَقتَرِبون، وهذا ما تُشير إليه الأغصان التي تتكسّر، أو الحجارة التي يُدحرِجونها.
«صمتاً!» يقول يسوع ذلك، بشكل يَفرض فيه الصمت الذي يَسود. يُغادِر يسوع مكانه ويمضي باتّجاه الغابة عند حدود المخيّم. يُدير ظهره إلى الغابة ويبدأ الحديث.
«إنّ الجوع الملعون إلى الذهب يَجرّ الناس إلى مشاعر حقيرة. فإنّ الذهب يَكشف الإنسان أكثر مِن أيّ شيء آخر. انظروا كَم يَزرَع هذا المعدن مِن الشرور ببريقه الأخّاذ والتافه. أظنُّ أن جوّ الجحيم له اللون ذاته، لامتلاكه الطبيعة الجهنّمية، مُذ أصبَحَ الإنسان خاطئاً. وكان الخالِق قد تَرَكَ داخل هذا اللازورد الهائل، الذي هو الأرض، المخلوقة بإرادته، لِتَخدم الإنسان بنكهاتها، وتَخدم في تزيين العابد. ولكنّ الشيطان، بتقبيله عين حواء وعَضِّه "أنا" الرجل، أضفى على المعدن البريء طَعمَاً لاذِعاً مُضِرّاً. ومنذئذ يُخطِئ المرء ويَقتَرِف الخطايا مِن أجل الذهب. بسببه تُصبح المرأة دَلُّوعة وتَنحَرِف إلى خطيئة الجسد. بسببه يُصبِح الرجل سارقاً ومُغتَصِباً وقاتلاً، قاسياً مع قريبه ومع نفسه التي يُجرِّدها مِن إرثها الحقيقيّ لِتَتَّخِذ لنفسها شيئاً عابراً، مع نفسه التي يَنتَـزِع منها كنـزها الأزليّ لِيَمنَحها شظايا متلألئة ينبغي لها تركها عند الموت.
أنتم، يا مَن بسبب الذهب، تَقتَرِفون الخطايا، خفيفة كانت أم ثقيلة. وكلّما اقترفتم الخطايا فإنّكم تَسخَرون مِمّا عَلَّمَكم إيّاه أُمّهاتكم ومُعلِّموكم، عن وجود ثواب أو عقاب عما يُفعَل أثناء فترة الوجود. إذن، ألا تُفكِّرون أنّكم، بسبب الخطيئة، سَتَفقدون حماية الله، والحياة الأبديّة، والفرح، وسيكون لكم تبكيت الضمير واللعنات ملء القلوب، والخوف على القرينة، والخوف مِن عقوبات البَشَر التي لا تُساوي شيئاً مُقارَنَة بالخوف الذي سيكون حتماً لديكم، وهو ليس لديكم بَعد، مِن الخوف الـمُقدَّس مِن عقوبات الله؟ ألا تُفكِّرون بأنّ نهايتكم ستكون فظيعة بسبب إساءاتكم، إذا ما اقتَرَنَت بجريمة، والنهاية مُريعة أكثر لأنّها أبديّة، وإذا كانت الأخطاء التي ارتَكَبتُموها هنا بالذهب، لَم تسبّب إراقة الدماء، ولكنّها سَخِرت مِن قانون الحبّ والاحترام المفروض تجاه القريب، وذلك، بسبب البُخل، برفض تقديم إعانات للجِّياع، وبسرقة المركز والمال وبالغشّ بالميزان بسبب الجَّشَع؟ لا. لستم تُفكِّرون في ذلك. إنّكم تقولون: "إنّها أفكار مجنونة! ولقد سَحَقتُها تحت ثِقل ذَهبي، ولن تعيش بعد". هي ليست أفكاراً مجنونة. إنّها الحقيقة.
لا تقولوا: "يوم أموت ينتهي كلّ شيء". لا. بل يبدأ كلّ شيء. فالحياة الأخرى ليست هُوَّة دون فِكر ولا ذِكرى لما يُعاش، وكذلك ليست عديمة الانجذاب نحو الله، كما تتخيَّلون، سوف تكون محطّة انتظار التحرّر عن طريق الفادي. فالحياة الأخرى هي انتظار مغبوط بالنسبة للأبرار، وانتظار صابر بالنسبة إلى الذين لديهم ما يُكفِّرون عنه، وهي انتظار مُريع للمُدانين. فبالنسبة إلى الأوائل في اليمبس، والتاليين في الـمَطهَر، أمّا الآخرين ففي الجحيم. وحينئذ، فإنّ انتظار الأوائل ينتهي مع دخول الفادي إلى السماء، ودخولهم في إثره، أمّا بالنسبة إلى التاليين، فبعد تلك الساعة، سيكون للانتظار عزاء، بالرجاء، أمّا الأخيرين فَسَيُظلِم يقينهم الرهيب بلعنتهم الأبديّة، فَكِّروا بذلك، أنتم يا مَن تُخطِئون. ولن يكون الوقت قد تأخَّرَ مُطلقاً مِن أجل التوبة. فَغَيِّروا، بتوبة حقيقيّة، الحُكم الذي يُكتَب الآن بحقّكم في السماوات. فلا تكن فترة الانتظار لكم جحيماً، بل إنّما انتظار توبة، هذا على الأقل، بفضل إرادتكم. ليست الظُّلمة بل إنّما الغَسَق، ليس تَمَزُّقاً بل هو حنين. ليس يأساً بل رجاء.
هيّا. لا تُحاوِلوا إضرام نار الحرب مع الله. فهو القويّ والصالح. لا تَحتَقِروا اسم أهلكم. اسمَعوا أنين هذا النَّبع، فإنّه شبيه بالأنين الذي يُحطِّم قلب أُمّهاتكم لمعرفتهنّ أنّكم قَتَلَة. أَنصِتوا إلى شكوى الريح في ذاك الفجّ. إنّها تبدو وكأنّها تَلعَن وتُهدِّد، كما يَلعَنكم أبوكم مِن أجل الحياة التي تَعيشونها. أَنصِتوا إلى تبكيت الضمير كيف يَصيح في قلوبكم. لماذا تَودُّون التألّم، بينما يمكنكم التنعّم بالسكينة برضاكم بالقليل الكافي على الأرض والكلّ الذي ستحصلون عليه في السماء؟ امنحوا السلام لروحكم! امنحوا السلام للناس الخائفين، الذين فُرِض عليهم الخوف مِن كلّ شيء فيكم كما مِن وَحش كاسِر! امنَحوا السلام لذواتكم، أيّها البؤساء المساكين! ارفَعوا نظركم إلى السماء، حَرِّروا أفواهكم مِن الأطعمة السامّة، طَهِّروا أيديكم التي يَسيل منها دم إخوتكم، طَهِّروا قلبكم.
إنّني أثق بكم. ولذلك أُحدِّثكم. لأنّه إذا كان العالم بأكمله يكرهكم ويخاف منكم، فأنا لا أكرهكم ولا أخاف منكم. بل إنّما أمدّ لكم اليدين، فقط لأقول لكم: "انهَضوا. تعالوا. عُودوا وُدَعاء وسط الناس، بَشَراً وسط البشر". خوفي منكم قليل جدّاً، حتّى إنّني أقول لكلّ هؤلاء: "عُودوا وارتاحوا، دونما حقد على الإخوة المساكين. صَلّوا مِن أجلهم. وسأظلّ أنا أَنظُر إليهم نظرة حبّ، وأُقسِم لكم أنّه لن يحصل شيء بعد، لأنّ الحبّ يُجرِّد أصحاب العُنف مِن سلاحهم، ويُشبِع الجَّشِعين. فليتبارك الحبّ، قوّة العالم الحقيقيّة. القوّة المجهولة والقادرة. القوّة التي هي الله.
ويَلتَفِت صوب الـمُخيِّمِين جميعاً: "امضوا، امضوا ولا تخافوا! لَم يَعُد هناك مَن يُسيء، بل هُم رجال خائفون ورجال يَبكون. والذي يَبكي لا يُؤذي. الله يريد أن يَظلّوا على ما هُم عليه الآن، فيكون خلاصهم.»