ج1 - ف26
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الأول
26- (كلمة أخرى حول شرح الخطيئة الأصلية)
08 / 03 / 1944
يقول يسوع:
«يجب أن تُبَدِّد كلمة أُمّي كلّ تردّد حتّى في فِكر أكثر الناس تشبُّثاً بالشكليّات.
ويوجد منهم الكثير! يريدون أن يُمنطِقوا الأمور الإلهيّة بما هو مادّيّ، بمقاييسهم البشريّة، ويَزعمون أنّه مِن المفروض أن يُمنطِقها الله كذلك. إنّما على العكس، إنّه جميل جدّاً التفكير بأنّ الله يفكّر بطريقة فائقة البشر لدرجة عظيمة ولا نهائيّة. كذلك هو رائع ومناسب التفكير، ليس حسب الرؤية البشريّة، ولكن حسب الروح، واتّباع الله. وعدم الإرساء حيث يتعلّق فكركم الإنسانيّ الذي هو أيضاً مِن قَبيل الكبرياء، لأنّه افتراض الكمال في الروح البشريّ. وبالعكس، بخصوص الكمال، ليس هناك سوى الفِكر الإلهيّ، يستطيع لو أراد وارتأى أنّ مِن المفيد أن يفعل، أن يَنزِل ويُصبِح كلمة في فِكر وعلى شفاه إحدى مخلوقاته المنبوذة مِن العالم، لأنّها في نَظَر العالم جاهلة وبلا قيمة ومحدودة وصبيانيّة وسخيفة.
تُحِبّ الحكمة أن تفقد كبرياء الروح اتّجاهها، وأن تنتَشِر على المنبوذين مِن العالم الذين لا أفكار شخصيّة لهم ولا مذاهب مُكتَسَبَة بالثقافة، ولكنّهم يفيضون حبّاً وطهارة، وهم عظماء برغبتهم في خدمة الله بعد العمل على معرفته وحبّه، وبعد استحقاقهم معرفته بحبّهم إيّاه بكلّ قوّتهم. لاحِظوا أيّها الناس في فاتيما (Fatima) في لورد (Lourde) في غوادي لوبي (Guadeloupe) في كارافاجيو (Caravagio) في ساليتي (Salette)، ففي كلّ مكان حَدَثَت ظهورات حقيقيّة ومقدّسة، الذين رأوا، الذين كانوا مدعوّين للرؤية، هم مخلوقات مسكينة، وهم مِن ناحية السنّ والثقافة والشروط بين أكثر الناس تواضعاً. ولهؤلاء المغمورين، لهؤلاء اللاشيء تَظهَر النعمة لتجعل منهم رُسُلها.
ماذا ينبغي للبشر إذن أن يَفعَلوا؟ أن ينحنوا مثل العشّار ويقولوا: "ربّي، لقد كنتُ خاطئاً جدّاً وغير أهل لأستحقّ أن أعرفكَ. مبارك أنتَ لصلاحكَ الذي يعزّيني بواسطة هذه المخلوقات ويمنحني سنداً سماويّاً ودليلاً وعِبرة وأملاً بالسلام". وألّا يقولوا: "ولكن لا! إنّهم محكوم عليهم، هراطقة! غير ممكن!" كيف يكون هذا غير ممكن؟ كائن موهوب قليلاً يصبح عالِـماً في علوم الله؟ لماذا لا يمكن؟ ألم أُقِم الموتى وأُشفِ المجانين وأُعالِـج الصرعى؟ ألم أُنطِق الخُرس وأفتح أعين العميان وأجعل الصمّ يَسمَعون وأمنح الذكاء للمعوقين؟ ألم أَطرُد الشياطين كذلك وآمُر الأسماك بأن تقفز إلى الشِّباك والخبز أن يَكثُر والماء أن يصبح خمراً والعاصفة أن تهدأ والماء أن يتصلّب ويصبح كسطح مَرصوف؟ فما هو غير الممكن لدى الله؟
حتّى قبل أن يصبح الله: المسيح ابن الله، فيما بينكم، ألم يَجتَرِح الله المعجزات بواسطة خُدّامه الذين يتصرّفون باسمه؟ ألم تُخصَب أحشاء ساراي العاقر التي لإبراهيم لتصبح سارة وتَلِد في شيخوختها إسحاق الذي أُعِدّ ليكون الذي أُبرِم الميثاق معه؟ ألم تتحوّل مياه النيل إلى دماء وتمتلئ بالحيوانات النَّجِسة بأمر موسى؟ وبكلمته كذلك، ألم تَنفق الحيوانات بالطاعون، أما تقرّحت أجساد الرجال وحُصِدَت السنابل وتكسرت ببَرَد مكتَسِح، وجُرِّدت الأشجار بالجّراد وأُطفِئَت الأنوار فأظلمت ثلاثة أيّام وطاح الموت بالمواليد الجدد، وشُقّ البحر ليمرّ إسرائيل، وتحلّت المياه الـمُرّة؟ ونَزَل المنّ والسلوى بغزارة؟ ألم تتدفّق كذلك المياه بغزارة مِن الصخرة الصمّاء؟ وكذلك يشوع، ألم يُوقِف الشمس في كبد السماء؟ وداود الفتيّ ألم يُجندِل العملاق؟ وإيليا ألم يُكثِر الطحين والزيت ويُقِم ابن أرملة صرفة (Sorepta) ؟ ألم يَنزِل المطر بناء على طلبه على الأرض القاحلة؟ ألم تَنزِل نار السماء على الـمِحرَقَة؟ والعهد الجديد أليس غابة صغيرة مُزهِرة، حيث كلّ زهرة فيه معجزة؟ فَمَن لديه القُدرة إذن على اجتراح المعجزات؟ ثمّ ما هو غير الممكن لدى الله؟ مَن مثل الله؟
احنُوا رؤوسكم واعبُدوا. زمن الحصاد الكبير قد اقترب، وكلّ شيء يجب أن يكون مكشوفاً قبل أن ينقضي وجود البشر، كلّ شيء: النبوءات اللاحقة للمسيح وتلك التي قبله، والرمزيّة منها والتوراتيّة التي ابتدأت منذ الكلمات الأولى لسفر التكوين. وإذا كنتُ أنا أُعلِمكم بنقطة ما تزال غير مشروحة حتّى الآن، فتقبَّلوا هذه الموهبة واقطفوا ثمّارها، وليس الإدانة. لا تفعلوا مثل يهود زمن حياتي الآيلة للموت الذين أرادوا إغلاق قلوبهم في وجه تعاليمي، ولعدم قدرتهم على مساواتي في فَهم الأسرار والحقائق فائقة الطبيعة، اعتبَروني مُدّعياً وكافراً.
لقد قلتُ: "شجرة استعاريّة"، أمّا الآن فأقول: "شجرة رمزيّة". قد تُدرِكون أفضل. فالرمز فيها واضح: بحسب الطريقة التي تعامَلَ فيها ابنا الله (آدم وحواء) معها يمكن إدراك ميولهم إذا ما كانت صوب الخير أم صوب الشرّ. مثل الماء الـمَلَكيّ في اختبار الذهب، وميزان الصائغ الذي يُعطي الزِّنة بالقيراط، كذلك هذا النبات، كونه أصبَحَ "رسالة" لأمر الله بالنسبة لهما، فقد أعطى مقدار طهارة آدم وحواء.
أَسمَع الآن اعتراضاتكم: ألم تكن الإدانة متطرفة؟ والسبيل المتّبع لحصولها سخيفاً؟
لا. فإذا اقترفتُم هذه المعصية في الوقت الراهن، أنتم يا مَن أخذتم عنهما هذا الإرث، فسيكون ذلك أخفّ وطأة مما كان بالنسبة لهما. فإنّكم قد افتُديتم بي، إلّا أنّ سمّ الشيطان يبقى دائماً متأهّباً للتدفّق مِن جديد. إنّه مثل أمراض كثيرة لم يزل مفعولها تماماً مِن الدم. فهما، أي الأبوان الأوّلان، كانا تحت مَلَكة النعمة قبل أن يَفقدا نضارتهما بفقدان الحظوة. كانا إذن أقوى، كانا مدعومَين أكثر بالنعمة، وفي داخلهما نبع براءة وحبّ. كانت مواهب الله التي وَهَبَهما إيّاها لا نهائيّة، فكان سقوطهما بالتالي أعظم على الرغم مِن هذه المواهب.
والثمّرة المقدَّمة والمأكولة هي أيضاً رمزيّة. كانت ثمّرة تجربة أرادا خوضها بتحريض شيطانيّ ضدّ أمر الله. لم أكن قد مَنَعتُ الناس عن الحبّ، بل أردتُه فقط أن يكون دون مكر. وكما كنتُ أحبّهما حبّاً مقدّساً مِن حيث الجوهر، فقد كان مِن الواجب عليهما أن يحبّا بعضهما بمودّة مقدّسة بحيث لا تَدَع مجالاً للشهوة تُدنِّسها.
يجب ألّا ننسى أنّ النعمة نور، ومَن يمتلكها يعرف أن يميّز ما هو مفيد وجيّد للمعرفة. ولقد عَرفَت الممتلئة نعمة كلّ شيء لأنّها نَمَت بالحكمة، الحكمة التي هي نِعمة، وعَرفَت أن تَسلك بقداسة. حوّاء إذن كانت تعرف ما هو جيّد لها أن تعرفه، لا أكثر، لأنّه عَبَث أن تَعرف ما هو غير جيّد. لم تؤمن بكلام الله ولم تكن وفيّة لوعدها له بالطاعة. آمَنَت بالشيطان، أخلَفَت بوعدها، ورَغِبَت في معرفة ما هو غير جيّد، وأحبّته دون تبكيت ضمير؛ الحبّ الذي منحتُها إيّاه على درجة مِن القداسة، وهي جَعَلَته أمراً فاسداً، أمراً منحطّاً، إنّها ملاك ساقط، تمرَّغَت في الوحل والقمامة، بينما كان باستطاعتها أن تجري سعيدة بين أزهار الفردوس الأرضيّ، وأن تَرى سلالتها تُزهِر حولها كنبات مكسوّ بالأزهار دون جرّ أوراقها في الحمأة.
لا تكونوا مثل أولئك الأطفال الحمقى الذين أتحدّث عنهم في الإنجيل: سَمِعوا الغناء فَسَدّوا آذانهم. سَمِعوا الطبل فلم يرقصوا. سَمِعوا البكاء فأرادوا أن يضحكوا. لا تكونوا ضيّقي الأفق، ولا ناكري الجميل. تقبّلوا، تقبّلوا النور دون خبث، وبإذعان دون تهكّم ولا تشكيك.
تكلّمتُ كثيراً في هذا الموضوع، لِأُفهِمكم إلى أيّة درجة يجب أن تكونوا عارفي الجميل للذي مات ليوصلكم إلى السماء، وللتغلب على الشهوة الشيطانيّة، أردتُ أن أكلّمكم في هذا الوقت مِن التهيئة للفصح عمّا كان الحلقة الأولى مِن السلسلة التي بها جُرّ كلمة الله إلى الموت، الحَمَل الإلهيّ إلى المذبح، أردتُ الكلام لأنّه في الوقت الحاضر تسعون في المائة منكم يشبهون حوّاء متسممين بنفحة وكلمة الشيطان. فإنّكم لا تعيشون لتحبّوا بعضكم بعضاً ولكن لتَشبَعوا. لا تَحيون للسماء بل للوحل. لم تعودوا مخلوقات تتميّزون بنَفْس وحسّ فكريّ، ولكنّكم كالكلاب دون نَفْس ودون فِكر. لقد قتلتم النَّفْس وأفسدتم الفِكر. أؤكد لكم بحقّ أنّ الوحوش يفوقونكم شرفاً وحبّاً.»