ج6 - ف115
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السادس/ القسم الأول
115- (الحياة في سبيل تثقيف الآخرين استشهاد هي عند الطّموح للذّهاب إلى السماء)
27 / 04 / 1946
مِن قمّة آخر الارتفاعات، التي لا يمكننا تسميتها روابي بقدر ما هو ضعيف مظهرها، يَظهَر شاطئ البحر الأبيض المتوسّط في شعاع واسع، محدود في الشمال برأس عالٍ للكرمل. ومُحَرَّر في الجنوب حتّى أقصى المسافات التي يبلغها النَّظَر البشريّ. شاطئ هادئ، يكاد يكون مستقيماً، حيث البلد الخلفيّ عبارة عن سهل خصب تكاد تكون فيه تموّجات خفيفة للغاية. المدن الساحليّة تُرى ببيوتها البيضاء المتواجدة بين الخُضرة في الداخل، ولازورد بحر ساكن، صاف، لازورد ساطع يعكس لازورد السماء النقيّ.
قيصريّة تقع إلى الشمال قليلاً مِن الموضع الذي يتواجد فيه الرُّسُل مع يسوع وبعض التلاميذ الذين التقوا بهم في القرى التي مرّوا بها مساءً، أو في الفجر، ذلك أنّ السَحَر قد تمّ تجاوزه، وكذلك الفجر، رغم أنّ الوقت ما يزال في ساعات اليوم الأولى. في تلك الساعات الرائعة مِن صباحات الصيف حيث السماء، بعد السَحَر زهريّ اللون، تصبح زرقاء، حيث الهواء النقيّ مفعم انتعاشاً، حيث الأرياف منعشة، حيث لا يبدو شراع في البحر، ساعات النهار البِكر حيث تتفتّح الزهور الجديدة، حيث يبدأ الندى بالتبخّر مع أشعّة الشمس الأولى ناشراً معه روائح العشب، مُستَودِعةً الانتعاش والعطر لتنفّس النسيم الصباحيّ الخفيف، الذي بالكاد يحرّك الأوراق على السوق وبالكاد يجعّد سطح البحر المستوي.
تبدو المدينة ممتدّة على الشاطئ، جميلة كما كلّ مكان تظهر فيه المدنيّة الرومانيّة رفيعة الذوق. حمّامات عموميّة وقصور مِن المرمر تبسط بياضها ككتل مِن ثلج متجلّدة في الأحياء الأقرب إلى البحر، يحميها برج أبيض هو كذلك، مربّع الشكل، مُقام بالقرب مِن المرفأ. قد يكون معسكراً أو مَرصَداً. مِن ثمّ البيوت الأكثر تواضعاً للمحيط، على النمط العبريّ، وفي كلّ مكان خُضرة العريش، الحدائق المعلّقة بأكثر أو أقلّ بذخاً على الشرفات فوق المنازل، والأشجار المرتفعة في كلّ مكان.
الرُّسُل معجبون، وهم يمكثون في ظلّ النباتات المزروعة على قمم الروابي.
«التنفّس أفضل عند النَّظَر إلى هذا المدى!» يهتف فليبّس.
«وقد أَصبَحَ يبدو لي أنّني أحسّ بكلّ انتعاش هذه المياه الزرقاء الجميلة» يقول بطرس.
«حقّاً! بعد الكثير مِن الغبار، والحصى، الأشواك... انظر إلى هذا الصفاء! إلى هذا الانتعاش! إلى هذا السلام! البحر يمنح السلام على الدوام...» يعلّق يعقوب بن حلفى.
«هوم! ما عدا عندما... يَصفعكم ويجعلكم تدورون أنتم والـمَركَب كالبلابل في أيدي الأولاد...» يُجيبه متّى الذي يتذكّر على الأغلب دوار البحر الذي أصابه.
«يا معلّم... أفكّر... أفكّر في كلّ الكلام الذي كَتَبَه مؤلّفو المزامير، في سفر أيّوب، في كلام أسفار الحكمة، حيث تَمجَّدَت قُدرة الله. ولستُ أدري لماذا هذه الفكرة التي تأتيني مِن النَّظَر إلى أشياء تُولِّد فيَّ هذه الفكرة الأخرى أنّنا هكذا سوف نرتقي إلى بهاء كامل، إلى نقاء لازورديّ ومنير، إذا ما كنّا أبراراً إلى النهاية، في التجمّع الكبير، في انتصاركَ الأبديّ، في ما وَصَفتَه لنا، والذي سيكون نهاية الشرّير... ويبدو لي أنّني أرى هذه الرحابة السماويّة التي تقطنها أجساد نورانيّة للذين قاموا، وأنتَ، متلألئ أكثر مِن ألف شمس، وسط المغبوطين، حيث لن يكون ألم، ولا دمع، ولا إهانات، ولا تحقير كما في الأمس مساء... والسلام، السلام، السلام... ولكن متى تنتهي أذيّة الشرّير؟ أربّما تَضعف سهامه ضدّ تضحيتكَ؟ هل سيقتنع أنّه مُنهَزِم؟» يقول يوحنا المبتسم في البدء والمنقبض فيما بعد.
«أبداً. سوف يظنّ على الدوام أنّه ينتصر رغم تكذيب الأبرار له. وتضحيتي لا تُضعِف سهامه. ولكنّ الساعة الأخيرة تأتي حيث يُهزَم الشرّير، وفي بهاء لا نهائيّ أكثر مِن الذي كان روحكَ يستشفّه، سوف يكون المختارون الشعب الوحيد، الأبديّ، القدّيس، الشعب الحقيقيّ للإله الحقيقيّ.»
«وسوف نكون فيه جميعنا؟» يَسأَل الرُّسُل.
«الجميع.»
«ونحن؟» يَسأَل مجموع التلاميذ الذين أصبحوا كثيرين.
«وأنتم أيضاً ستكونون فيه جميعكم.»
«جميع الحاضرين أم جميع التلاميذ؟ لقد أصبحنا كثيرين رغم الذين افترقوا.»
«وسوف تصبحون أكثر. إنّما لن يكون الجميع أمينين إلى النهاية، ومع ذلك سيكون كثيرون معي في الفردوس. البعض سينالون المكافأة بعد الكفّارة، والبعض بعد الموت مباشرة، ولكنّ المكافأة ستكون بحيث وكما تنسون الأرض وآلامها، تَنسون المطهر بتوقه التكفيريّ للحبّ.»
«يا معلّم، لقد قلتَ لنا بأنّنا نتحمّل اضطهادات واستشهادات. هل يمكن أن يُلقى القبض علينا ونُقتل دون أن يُتاح لنا الوقت للتوبة، أو أن يجعلنا ضعفنا نتهرّب مِن الخضوع للموت الدامي... وإذن؟» يَسأَل نيقولاوس الذي مِن أنطاكية المتواجد فيما بين التلاميذ.
«لا تظنّ ذلك. بسبب ضعفكم البشريّ، لا يمكنكم تحمّل الاستسلام للاستشهاد. إنّما بالنسبة للأرواح العظيمة التي عليها أن تشهد للربّ، فيبثّ الربّ فيها عوناً فائق الطبيعة...»
«أيّ عون هو؟ أيمكن أن يكون فقدان الحسّ؟»
«لا يا نيقولاوس. هو الحبّ الكامل. سوف يَصِلون إلى حبّ كامل إلى حدّ أنّ تبريح العذاب، وذلك الذي للاتّهامات، للفراق عن الأهل، عن الحياة، عن كلّ شيء، لا تعود أموراً مثبّطة للعزيمة، بل على العكس، كلّ ذلك يتبدّل إلى وسيلة للارتقاء إلى السماء، لتقبّل ذلك، لرؤيته وبالتالي مدّ الأيدي والقلب للعذابات، بغية الذهاب إلى حيث هو قلبهم: السماء.»
«مَن يموت هكذا، سوف يُغفَر له كثيراً» يقول تلميذ مسنّ لستُ اعرف اسمه.
«ليس كثيراً، يا باباس، إنّما يُغفَر له الكلّ، ذلك أنّ الحبّ غفران، التضحية غفران، الاعتراف البطوليّ بالإيمان غفران هو. تَرى بالتالي أنّ الشهداء ينالون تطهيراً مثلّثاً.»
«آه! إذاً... أنا قد أخطأتُ كثيراً، يا معلّم، وقد تبعتُهم لأحصل على الغفران، وفي الأمس قد مَنَحتَني إيّاه، لهذا السبب، قد أُهِنتَ مِن أناس لا يُسامحون وهم مذنبون. أعتقد أنّ غفرانكَ ذا مفعول أكيد، ولكن، بسبب سنوات أخطائي الكثيرة، هبني الشهادة التي تَغفر.»
«أنتَ تطلب منّي الكثير، أيّها الرجل!»
«أبداً ليس بالقدر الذي عليَّ إعطاؤه للحصول على الغبطة التي وَصَفَها يوحنّا بن زَبْدي وقد أكَّدتَها أنتَ. أتوسّل إليكَ، يا ربّ، اجعلني أموت مِن أجلكَ، ومِن أجل مذهبكَ...»
«أنتَ تطلب منّي الكثير، يا رجل! فحياة الإنسان بين يديّ أبي هي...»
«ولكنّ كلّ صلاة منكَ مستجابة، كما هو مستجاب كلّ حُكم منكَ. اسأل الأزليّ هذا الغفران لي...»
يجثو الرجل على ركبتيه عند قدميّ يسوع، الذي ينظر إلى عينيه ويقول له بعد ذلك: «ألا يبدو لكَ هذا استشهاداً العَيش بينما العالم فقد كلّ انجذاب بينما القلب يهفو إلى السماء، والعيش لتعليم الآخرين الحبّ، ومعرفة خيبات أمل المعلّم والثبات دون كلل لمنح المعلّم النُّفوس؟ افعل مشيئة الله، على الدوام، حتّى ولو بَدَت لكَ إرادتكَ أكثر بطوليّة، وستكون قدّيساً... ولكن ها هم الرفاق قد أَقبَلوا مع المؤونة. هيّا بنا نسير لنبلغ المدينة قبل ساعات الحرّ الشديد.»
ويتوجّه في المقدّمة عبر المنحدر اللطيف، الذي يبلغ بسرعة السهل المقطوع بشريط الطريق الأبيض الذي يقود إلى قيصريّة الساحليّة.