الدفاتر: 09 / 07 / 1943
دفاتر 1943
ماريا فالتورتا
I QUADERNI - THE NOTEBOOKS - LES CAHIERS
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
(09 / 07 / 1943)
يقول يسوع:
«الرّب، متحدّثاً إلى موسى، يقول: ’لا تُفسِدوا نفوسكم بأيّ نوع مِن الزواحف التي تزحف على الأرض. أنا الربّ الّذي أخرجكم مِن مصر لأكون إلهكم؛ وستكونون قدّيسين، لأنّني أنا قدّوس‘.
هذه الكلمات أثّرت فيكِ. هل تريدين أن نتأمّلها معاً؟ معلّمكِ يتكلّم. لم يكن باستطاعة الربّ أن يعطي الشعب العبري لذلك الزمن كمال الشريعة كما أعطيتُها فيما بعد لعالم أكثر تقدّماً ويمضي نحو مزيد مِن التحضّر. إنّ التحضّر لا يعني الكمال. إنّه يعني فقط التعقيد. لقد أصبحتم أكثر تعقيداً على الدوام في عاداتكم، أعرافكم وتحريماتكم.
آنذاك، كانت الجموع تعيش وفق السليقة أكثر مِن أيّ أمر آخر، وإذا ما كانوا قد ارتكبوا أفعالاً تبدو مُستَهجَنَة وفقاً لمنطقكم الحالي، فهم لم يكونوا مسؤولين كما أنتم عن كثير غيرها. كانوا يرتكبونها دونما خبث، تدفعهم الحاجة ومنطقهم الخاصّ. أنتم ترتكبونها بخبث، والخطيئة تكمن في ذلك. إنّما لاحظي أنّه رغم الكثير مِن الظروف المخفّفة لأسلوبهم في التصرّف بالنظر إلى درجة تحضّرهم المحدودة، فقد عُوقِبوا عندما تجاوزوا الحدّ في الشرّ المرتكب وفقاً لمنطقهم الطفوليّ.
الربّ أعطاهم شرائع مُفَصَّلة، وفي الوقت ذاته خارجيّة أكثر منها داخليّة. أنا، تحدّثتُ إلى نفوسكم. الآب قد تحدّث إلى موسى أيضاً بما يخصّ غلاف نفوسكم، الغلاف الذي كان على درجة مِن الخشونة تكاد تجعل المرء متوحّشاً في الغرائز والأعراف. ولذلك كان على الخالق أن يواصل عملية خلقكم، كما أشخاص أخلاقيين، مهذّباً، مشذّباً، ومطهّراً غلافكم. وهذا يفسّر التفاصيل المادّيّة المفرطة في شريعة ذلك الحين. إنّما ينبغي على النَّفْس التائهة في المسيح-النور عدم النظر مطلقاً إلى الأمور المادّيّة. عليها النظر إلى ما يحتجب وراء الطبيعة، أي الروح، وما يقال للروح.
’لا تُفسِدوا نفوسكم بأيّ نوع من الزواحف الزاحفة على الأرض‘. اقرأي: بأيّ نوع مِن الزواحف الروحيّة الّتي تنصب الأفخاخ لنفوسكم.
الأهواء هي الزواحف الشيطانيّة الّتي تصعد مِن الأعماق الموحلة لتلتفّ حول قلبكم وتُفسِده. لقد قلتُ: ’ليس ما يدخل الفم ويخرج مِن الطرق الطبيعيّة يُفسِد الإنسان، بل ما يُفسِده هو ما يخرج مِن قلبه‘، عندما تخرج مِن القلب الأهواء السيّئة الّتي دخلت لتعشّش فيه كالأفاعي في حفرة صخرة. لقد جعلتُ الشريعة كاملة وأظهرتُ لكم ما هي الزواحف الّتي تُفسِد الإنسان، المواطن المستقبليّ في أورشليم الأبدية.
انهضوا أيّها الخلائق الّذين منحتُهم حياة الحياة. لا تزحفوا. لا تكن لكم علاقة مع ما يزحف. لقد أعطيتُ دفعاً لروحكم لكي يصعد. نعمتي هي جناح.
’أنا إلهكم الّذي أخرجكم مِن مصر‘.
كانت على الشعب الموسويّ فرائض عظيمة تجاه الربّ الّذي أخرجه مِن العبوديّة. إنّما، أيا ماريا، تأمّلي بمقدار وماهيّة الامتنان الذي تُدينون به لي، أنا الفادي. العبوديّة في مصر كانت ترهق العبرانيّين بما يخصّ أيامهم الفانية على الأرض. والخطيئة الأصليّة وكلّ الخطايا الأخرى كانت تُثقِل على الناس بما يخصّ أيّامهم الأبديّة. وأنا حرّرتُكم منها.
أنا محرّر الجنس البشريّ، والحقّ أقول لكِ، إنّ بين قادة الجيوش والمحرِّرين في الأرض كلّها، مِن أيّامها الأولى حتّى آخرها، لم ولن يكون مَن يشبهني منهم. كم هي عظيمة إذاً فريضة أن تحبّوني! نعم، أن تحبّوني. أنا، مقابل ما منحتُكم إيّاه، لستُ أطلب سوى الحبّ.
لقد انتشلتُكم مِن الخطيئة لأكون إلهكم. ولكن ليس الإله الّذي يتجلّى في الصواعق والأعاصير، الّذي يضرب ويحوّل كلّ شيء إلى رماد. أنا يسوع، إله الصلاح، الّذي يظهر كوردة بيضاء في دغل أبيض ليخلّصكم، والذي يعبر وسطكم شافياً ومُبارِكاً، والّذي يموت مانحاً البركة والغفران والحياة.
إنّما أريد أن تحاولوا الاقتداء بي. كما هو المسيح كذلك هو المسيحيّ، أيا أيّها الأولاد الّذين غَمستهم بدمي، الحوض الأبديّ لغسل الذبيحة حيث تشفى عاهات الروح. يقول الربّ: ’كونوا قدّيسين، لأنّي أنا قدّوس‘. وأنا أقول لكم: ’كونوا كاملين كما أنّ أبي كامل هو‘.
آه! لا أفرض شروطاً للقداسة. أمنحكم الدليل الّذي يقودكم إليها: التنكّر لكلّ ما هو شرّ. أمنحكم السلاح مِن أجل الغلبة: صليبي. أمنحكم العلاج المقوّي والمداوي: دمي. أمنحكم مقياس الكمال الواجب بلوغه: كمال الله. ابلغوه وستُبهِجون قلبي.
هاكِ، يا تلميذة قلبي الصغيرة، ها قد رأينا كلمة الآب عبر حدقة الابن، وها قد فُسّرت وفُهمت بنور الروح. ذلك أنّ في كلّ كلمة مِن كلماتنا هناك الله الواحد والثالوث، وينبغي أن تكون كلّ كلمة مفهومة بمعونة الله الواحد والثالوث.»