ج8 - ف45
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثامن
45- (يوم السبت السابق لدخول أورشليم، I- معجزة على الطفل المُعاق متوشاليم.)
26 / 03 / 1947
الطقس أصبح صحواً بعد أمطار الأيّام الماضية، في سماء غاية بالنقاء تسطع الشمس. الأرض، وقد نظّفتها الأمطار، نقيّة كالجوّ. فتبدو كما لو أنّها قد خُلِقت منذ بضع ساعات مِن فرط ما هي نقيّة ونَضِرة. كلّ شيء يتألّق وكلّ شيء يُنشِد في صفاء الصباح.
يسوع يتنزّه بتؤدة على طول المسالك الأبعد عن الحديقة. فقط أحد البستانيّين يراقب هذا التنزّه المنعزل في ساعات الصباح الأولى، إنّما لا أحد يزعج المعلّم، على العكس ينسحبون بصمت كي يَدَعوه بسلام.
إنّه السبت على كلّ حال، يوم راحة، والبستانيّون لا يعملون. لكن، بحكم الاعتياد طويل الأمد بمقدار حياتهم، فإنّهم خارجاً، كي يراقبوا النباتات، قِفار النحل، الزهور الّتي لا سبت لها وتنشر عطورها، تحفّ وتطنّ تحت الشمس وفي نسيم نيسان [أبريل]. ثم تدبّ الحياة في الحديقة على مهل. أوّلاً خدّام المنزل وخادماته، ثمّ الرُّسُل والتلميذات، أخيراً لعازر. يسوع ينضمّ إليهم مُحيّياً إيّاهم بتحيّته.
«منذ متى وأنتَ هنا يا معلّم؟» يَسأَل لعازر نافضاً قطرات ندى عن خصلات شعر يسوع.
«منذ الفجر. طيوركَ نادتني كي أُسبّح الله وخرجتُ إلى هنا. إنّ تأمُّل الله في جمالات الخليقة هو تكريم له وصلاة مع تأثّر الروح. جميلة هي الأرض. وفي ساعات النهار الأولى هذه، في نهار مثل هذا، فإنّها تبدو لنا نَضِرةً كما كانت عليه في ساعات حياتها الأولى.»
«إنّه بحقّ طقس فصح. لقد تحسّن. وسيدوم تحسّنه لأنّه حصل في الطور الأوّل للقمر مع ريح مناسبة.» يصرّح بطرس.
«هذا يسرّني. فالفصح مع الماء، كئيب هو.»
«وأكثر بعد، إنّه مضرّ بالحصاد. فالحبوب تتطّلب الشمس، الآن وهي على وشك حصادها.» يقول برتلماوس.
«إنّني سعيد بأن أكون هنا في سلام. اليوم هو السبت ولن يأتي أحد. ما مِن غريب بيننا.» يقول أندراوس.
«إنّكَ تخطئ. فهناك ضيف، ضيف صغير. إنّه لا يزال نائماً يا معلّم. إنّ السرير الناعم والمعدة الممتلئة يمنحانه نوماً طويلاً. لقد مررتُ كي أراه. إنّ نُعْمي تعتني به.» يقول لعازر.
«إنّما مَن يكون؟ متى أتى؟ مَن أحضره؟ لماذا تتحدّث كما لو كان طفلاً؟» يَسأَل رجال ونسوة.
«إنّه طفل. طفل مسكين. ألمه جاء به إلى هنا. لقد كان هناك، عند قضبان البوّابة ينظر صوب المنزل. والمعلّم قد استقبله.»
«لم نكن نعلم شيئاً… لماذا؟»
«لأنّ الولد كان بحاجة إلى سلام.» يجيب يسوع، ووجهه يستغرق في تفكير عميق فيما يُنهي: «وفي منزل لعازر يُحسِنون الصمت.»
أحد الخدّام يأتي ليقول شيئاً لمرثا، ومِن ثمّ ينسحب ليعود مع آخرين يحملون أطباقاً مليئة بقوارير حليب وكؤوس، وخبز مع زبدة وعسل. الجميع يخدمون أنفسهم، جالسين هنا وهناك على المقاعد المتناثرة. إنّما بعدها يريدون التجمّع مجدّداً حول المعلّم، ويطلبون منه مَثَلاً: «مثلاً جميلاً» يقولون، «مَثلاً رائقاً مثل يوم نيسان [أبريل] هذا.»
«لا واحد. بل سوف أعطيكم اثنين. اسمعوا:
أراد رجل يوماً أن يضيء مصباحين لتكريم الربّ في أحد أعياده. وعليه فقد تناول إناءَين متساويي العرض، ووضع فيهما ذات المقدار والنوعيّة مِن الزيت، والفتيل ذاته، وأشعلهما في الوقت ذاته ليصلّيا لأجله فيما يعمل هو كما كان مسموحاً له. وعاد بعد بعض الوقت ليرى أنّ مصباحاً يتوهّج بقوّة، فيما للآخر شعلة خافتةٌ وساكنة، حيث بالكاد كانت ترسم نقطة مضيئة في الزاوية حيث كان المصباحان يضيئان. وظَنَّ الرجل أنّ الفتيل كان سيّئاً، فراقبه. لا، كان جيّداً. لكنّه لم يكن يريد أن يتوهّج بابتهاج كما المصباح الآخر، الّذي كانت تهتزّ شعلته كأنّها لسان مِن نار، وكان يبدو بحقّ يتمتم بكلام مِن فرط ما كان مَرِحاً، وفي اختلاجه المتأجّج، فقد كان له حتّى همس خفيف.
"هذا المصباح يُنشِد بحقّ تسابيح الربّ العليّ!" قال لنفسه. بينما هذا! انظري إليه يا نفسي! يبدو أنّ تكريم الربّ يُثقِل عليه طالما هو يقوم به بحماس قليل!"، وعاد إلى أعماله.
وعاد بعد بعض الوقت. شعلة كانت قد ارتفعت أكثر بعد، والأخرى كانت قد انخفضت أكثر بعد، وتشتعل خافتةً وهادئةً أكثر فأكثر حيث الأخرى تختلج بأكثر سطوع. وعاد مرّة ثانية. الأمر ذاته. مرّة ثالثة، الأمر ذاته. إنّما، وقد أتى مرّة رابعة، فقد رأى الغرفة وقد ملأها دخان كريه وقاتم، مِن خلاله كانت شعلة واحدة تلتمع. فمضى إلى الرفّ حيث كان المصباحان، ورأى أنّ ذاك الّذي كان قبلاً متوهّجاً بشدّة قد استُهلِك تماماً واستحال أسوداً، وحتّى إنّ لسان لهيبه قد لطّخ أيضاً الجدار الأبيض. المصباح الآخر، على العكس، كان يواصل بنوره الثابت تكريم الربّ.
وكان يهمّ بإصلاح ما حدث عندما سمع صوتاً بالقرب منه: "لا تغيّر حال الأمور، بل تأمّل فيها حيث أنّها رمز. أنا الربّ".
ارتمى الرجل عابداً ووجهه إلى الأرض، وبرهبة عظيمة تجرّأ على القول: "إنّني أبله. اشرحي لي أيا أيّتها الحكمة، رمز المصباحين، حيث ذاك الّذي كان يبدو أكثر فاعليةً في تكريمه لكِ قد أحدث خراباً بينما الآخر قد واصل بثّ نوره".
"نعم، سأفعل ذلك. إنّ حال قلوب البشر هو كحال هذين المصباحين. فهناك الّتي تتأجّج وتسطع في البداية، وتكون محطّ إعجاب البشر مِن فرط ما تبدو كاملة وثابتة شعلتها. وهناك تلك الّتي لها بريق متواضع لا يجذب الانتباه وقد يبدو فتوراً في تكريم الربّ. إنّما، إذ انتهى الاتّقاد الأوّل، أو الثاني، أو الثالث، وبين الثالث والرابع فإنّها تُحدِث ضرراً، ومِن ثمّ تنطفئ، مُسبّبة خراباً، لأنّ نورها [قلوب البشر] لم يكن نوراً ثابتاً. لقد أرادت أن تسطع للبشر بدلاً منها للربّ، والكبرياء قد استهلكها في ساعات قصيرة، وسط دخان أسود وكثيف قد عَتَّم الجوّ كذلك. والأخرى، قد امتلكت إرادة وحيدة وثابتة: تكريم الله وحده، دون أن تكترث بمديح الإنسان لها، واستهلكت نفسها بشعلة مستديمة ونقيّة، دونما دخان ورائحة كريهة. أَحسِن الاقتداء بالنور الـمُواظِب، لأنّه وحده مَرضيّ للرب".
الرجل عاود رفع رأسه… وكان الهواء قد تنقّى مِن الدخان، ووحدها نجمة المصباح الوفيّ تسطع وحدها الآن، نقيّة، ثابتة، تكريماً لله، جاعلةً معدن المصباح يلمع كما لو أنّه كان مِن الذهب الخالص. ونظر إليها وهي تسطع، سطوعاً متساوياً دوماً، لساعات وساعات، إلى أن على مهل، دونما دخان أو نتانة، دون أن تُلطّخ ثوبه، خَبَت الشعلة في لمعان أخير، باديةً كما لو أنّها ترتفع إلى السماء كي تستقرّ بين النجوم، بعد أن كَرَّمَت الربّ كما يليق حتّى آخر قطرة وآخر لحظة مِن حياتها.
الحقّ، الحقّ أقول لكم أنّ كُثُراً هم الّذين يُنشِئون شعلة عظيمة في البداية ويَجذبون إعجاب العالم، الّذي لا يرى سوى ظاهر الأعمال البشريّة، إنّما يهلكون بعد ذلك متفحّمين وناشرين أبخرتهم اللاذعة. والحقّ أقول لكم إنّ تأجّجهم لا يلفت إليه انتباه الله، لأنّه يرى أنّ اتّقاده بكبرياء هو لغاية بشريّة.
طوبى لأولئك الّذين يُحسِنون الاقتداء بالمصباح الثاني ولا يتفحّمون، بل يصعدون إلى السماء مع آخر نبضة لمحبّتهم الراسخة.»
«يا له مِن مَثَل غريب! إنّما صحيح! جميل! يعجبني! أودُّ أن أعرف إن كنّا نحن الأنوار الّتي تصعد صوب السماء.» الرُّسُل يتبادلون انطباعاتهم.
يهوذا يجد سبيلاً كي يلدغ. ويتطاول على مريم المجدليّة ويوحنّا بن زَبْدي: «حاذرا أنتِ يا مريم وأنتَ يا يوحنّا. فأنتما المصباحان المتّقدان وسطنا… احذرا مِن أن يصيبكما مصاب!»
مريم المجدليّة تهمّ بالردّ، لكنّها تعضّ على شفتيها كي لا تقول كلاماً قد صعد مِن قلبها. تنظر إلى يهوذا. تكتفي بالنظر إليه. إنّما تلك النظرة هي حارقة إلى درجة أنّ يهوذا يكفّ عن الضحك والتحديق بها.
يوحنّا، وديع القلب رغم تأجّجه بالمحبّة، يجيب بلطف: «يمكن لذلك أن يحدث نظراً لانعدام كفاءتي. لكنّني أثق بعون الربّ، وأرجو أن أتمكّن مِن أن أستنفذ نفسي حتّى آخر قطرة وآخر لحظة لتكريم الربّ إلهنا.»
«والـمَثَل الآخر؟ لقد وعدتَ باثنين.» يقول يعقوب بن حلفى.
«ها هو مَثَلي الثاني. إنّه على وشك المجيء…» ويشير إلى باب المنزل، المغلق بستارة تهزّها الريح على مهل، والّتي تنزاح بعدئذ، إذ حرّكتها يد خادم كي يفسح مجالاً لمرور العجوز نُعْمي، الّتي تندفع إلى قدميّ يسوع قائلةً: «إنّما الصبيّ سليم! لم يعد مشوّهاً! لقد شفيتَه خلال الليل. كان قد استيقظ، وأنا كنتُ أعدّ الحَمّام كي أغسله قبل أن أُلبِسه الجلباب والثوب الّذي قمتُ بخياطته أثناء الليل مستخدمةً ثوباً وضعه لعازر جانباً. إنّما حين قلتُ له: "تعال أيّها الصبيّ" وأزحتُ الأغطية، رأيتُ أنّ جسده الصغير، الّذي كان مشوّهاً جدّاً بالأمس، لم يعد كذلك. وقد صحتُ. وهرعت سارة ومارسيل، اللتان لم تكونا تعلمان حتّى أنّ طفلاً كان ينام في سريري، وقد تركتُهما هناك كي أهرع لأخبركَ…»
يستولي الفضول على الجميع. أسئلة، رغبة بأن يروا. يسوع يهدّئ الضجيج بإشارة. يأمر نُعْمي: «عودي إلى الطفل. اغسليه، ألبسيه وقوديه إليَّ إلى هنا.»
ومِن ثمّ يلتفت إلى تلاميذه: «هذا هو الـمَثَل الثاني، ويمكن أن يكون تحت مُسمّى: "العدالة الحقّة لا تنتقم ولا تُفَرّق".
إنّ لإنسان، أو بالأحرى للإنسان، لابن الإنسان أعداء وأصدقاء. أصدقاء قلائل، أعداء كُثُر. وأعداء لا يجهل كراهيّتهم، ولا أفكارهم، ويعرف إرادتهم، الّتي لن تنثني أمام أيّ فِعل، مهما كان مهولاً. وبذلك هم أقوى مِن أصدقائه، الّذين يجعل منهم الخوف أو الإحباط أو الثقة المفرطة كباشاً تتبدّد قواها عبثاً. ابن الإنسان هذا، الّذي له أعداء كُثُر، والّذي يلومونه على أمور كثيرة غير صحيحة، قد صادف يوم أمس طفلاً مسكيناً، الأكثر بؤساً بين الأطفال، ابن شخص هو عدوّه. والطفل كان مشوّهاً ومُعاقاً، وكان يطلب نعمةً غريبةً، نعمة أن يموت. إنّ الجميع يطلبون أمجاداً وأفراحاً مِن ابن الإنسان، يطلبون العافية، يطلبون الحياة. وهذا الطفل المسكين كان يطلب أن يموت كي لا يعود يعاني بعد. إنّه بالفعل قد اختبر كلّ آلام الجسد والقلب، لأنّ مَن أنجبه، والّذي يكرهني بلا سبب، يكره أيضاً البريء التَّعِس الّذي أنجبه. وأنا قد شفيتُه كي لا يعود يعاني، كي يتمكّن، عدا عن الصحّة الجسديّة، مِن بلوغ الصحّة الروحيّة. فكذلك نَفْسه الصغيرة هي أيضاً مريضة. فكراهية الأب واحتقار البشر قد جرحاه وجرّداه مِن المحبّة. لقد بقي له فقط الإيمان بالسماء وبابن الإنسان، الّذي يطلب منه، بالأحرى الّذي يطلب منهما، أن يموت. ها هو. سوف تسمعونه يتكلّم.
الطفل، مُسَرّح الشعر ومغتسلاً في ثوبه الصوفي الأبيض الصغير، الّذي خاطته له نُعْمي على عَجَل خلال الليل، يتقدّم ممسكاً بيد المربّية العجوز. إنّه صغير، على الرغم مِن أنّه ما عاد منحنياً ولا مُقوّس الساقين ويبدو أكبر ممّا كان عليه البارحة. له وجه صغير غير سويّ وذاوٍ قليلاً لصبيّ جعله العذاب راشداً بشكل مبكّر. لكنّه لم يعد مشوّهاً. قدماه الصغيرتان العاريتان تدوسان الأرض بثقة، بخطو لم يعد يعرج كذوي الساقين المقوّستين، والكتفان النحيلان هما مستقيمان جيّداً في نحولهما. الرقبة النحيلة تبرز منهما وتبدو أطول بالمقارنة مع الأمس، حين كانت غارقةً بين الترقوتين غير المتناظرتين.
«إنّما… إنّما هذا ابن ابن ناحوم! يا لها مِن معجزة فاشلة! أتعتقد أنّكَ بهذا ستجعل أباه وناحوم صديقين لكَ؟ سوف تجعلهما أكثر كراهيةً! فهما كانا فقط يتمنّيان موت هذا الطفل، ثمرة زواج تعيس.» يصيح يهوذا الاسخريوطيّ.
«أنا لا أجترح معجزات كي أكسب أصدقاء، بل بدافع الرحمة تجاه المخلوقات وكي أُكرّم أبي. أنا لا أُفرّق ولا أحسب، أبداً، حينما أنحني بإشفاق على بؤس بشريّ. أنا لا أنتقم ممّن يضطهدني…»
«إنّ ناحوم سيعتبر فعلكَ هذا انتقاماً.»
«أنا لم أكن أعلم شيئاً عن هذا الطفل. وما أزال أجهل اسمه.»
«ينادونه ماتوسالا أو ماتوشاليم، بدافع السخرية.»
«أُمّي كانت تناديني شاليم. أُمّي كانت تحبّني. هي لم تكن شرّيرة مثلكَ ومثل أولئك الّذين يكرهونني.» يقول الطفل بلمعان في عينيه، لمعان الغضب العاجز الّذي للبشر والحيوانات الّذين عُذّبوا لفترة طويلة.
«تعال إلى هنا يا شاليم. هنا معي. هل أنتَ مسرور بأنّكَ سليم؟»
«نعم… لكنّني كنتُ أفضّل الموت. لن أكون محبوباً على حدّ سواء. لو كانت أُمّي ما تزال موجودة لكان ذلك جميلاً. إنّما هكذا!... سأكون دوماً تعيساً.»
«معه حقّ. لقد صادفنا هذا الطفل بالأمس. لقد سألنا إذا ما كنتَ في بيت عنيا، عند لعازر. لقد أردنا إعطاءه صدقة لأنّنا ظننّاه متسوّلاً، لكنّه لم يردها. كان عند طرف أحد الحقول.» يقول الغيور.
«ولا حتّى أنتَ كنتَ تعرفه؟ هذا غريب!» يقول يهوذا الاسخريوطيّ.
«الأكثر غرابةً هو أنّكَ تعلم الكثير عن هذه الأمور. أتنسى أنّني كنتُ مُضطهَداً وبعدها بين البرص، إلى أن أتيتُ مع المعلّم؟»
«وأنتَ هل تنسى أنّني صديق ناحوم، رجل ثقة حنّان؟ إنّني أبداً لم أخفِ عنكم ذلك.»
«حسناً! حسناً! لا أهمّيّة لذلك. المهمّ هو معرفة ما نفعل الآن بهذا الطفل. إنّ أباه لا يحبّه، هذا صحيح. إنّما يظلّ له حقوق عليه. لا يمكننا أن ننتزع ابنه، هكذا، دون أن نقول له. يجب أن نكون حذرين وألّا نغيظهما، إنّهما بالفعل يبدوان أفضل حالاً تجاهنا.» يقول نثنائيل.
يهوذا يضحك بقوّة، متهكّماً، ولا يقدّم تفسيراً لسبب ضحكه.
يسوع، الّذي وضع الطفل بين ركبتيه، يقول على مهل: «سأواجه ناحوم... لن أكون مكروهاً أكثر لذلك. لا يمكن لكراهيّته أن تنمو. لا يمكنها. لقد طفحت بالفعل.»
أناليا، الّتي لم تتكلّم أبداً، المستغرقة بكلّيتها في إحدى أفكارها الّتي تجعلها مغبوطة، تقول: «لو كنتُ بقيتُ، لكنتُ وددتُ أن آخذه معي. إنّني شابّة، إنّما لي قلب أُمّ…»
«تمضين؟ متى؟» تَسأَل النسوة.
«قريباً.»
«بشكل نهائيّ؟ وإلى أين تذهبين؟ خارج اليهوديّة؟»
«نعم. بعيداً. بعيداً جدّاً. إلى الأبد. وإنّني بغاية السعادة.»
«ما لا تستطيعين فِعله، سوف يستطعنه أخريات، إذا تخلّى الأب عنه.»
«سوف أتكلّم في ذلك مع ناحوم، إن كنتم مهتمّين. فهو المهمّ، أكثر مِن الأب الحقيقيّ. سوف أكلّمه بذلك غداً.» يعد يهوذا الاسخريوطيّ.
«لو لم يكن السبت… لكنتُ ذهبت إلى ذاك المدعو يوشيا، الّذي كان بعهدته.» يقول أندراوس.
«كي ترى إن كانوا مُكَدَّرين لفقدانه؟» يَسأَل متّى.
«أظنّهم يكونون أكثر قلقاً إذا ما فُقِدت إحدى نحلاتهم…» يتمتم مكسيمين الّذي اقترب منذ بعض الوقت.
الطفل لا يتكلّم. يلبث ملاصقاً ليسوع، متفحّصاً الوجوه الّتي تحيط به بحدّة النظر تلك الّتي غالباً ما تكون لدى الأطفال المرضى والّذين عاشوا في العذاب. يبدو متفحّصاً النفوس أكثر منه الوجوه، وعندما يسأله بطرس: «ما رأيكَ فينا؟» فإنّ الطفل يجيب، واضعاً يده بيد بطرس، قائلاً: «أنتَ طيّب.» ثمّ يصحّح: «كلّكم طيّبون. لكن… أودُّ لو لم أكن قد عُرِفت. أنا خائف…» وينظر إلى يهوذا الاسخريوطيّ.
«منّي، أليس كذلك؟ مِن أن أكلّم أباكَ؟ إنّما يتحتّم عليَّ بالتأكيد فِعل ذلك، إذا ما كان عليَّ أن أسأله إن كان سيترككَ لنا. إنّما هو لن ينتزعكَ!»
«أعلم ذلك. إنّما هناك أمر آخر… أودُّ أن أكون بعيداً، بعيداً، حيث تذهب هذه المرأة… في بلد أُمّي. هناك بحر أزرق وسط جبال خضراء تماماً. يمكن رؤيته تحت في الأسفل، مع أشرعة بيضاء كثيرة تطير فوقه ومدن جميلة حوله. وعلى الجبال مغاور كثيرة حيث النحلات البرّية تصنع العسل الحلو، الحلو للغاية. أنا ما عدتُ أكلتُ عسلاً مذ ماتت أُمّي وعُهِد بي إلى يوشيا. إنّ فيلبّس، يوسف، إليز والأطفال الآخرين، هم كانوا يتناولونه، أمّا أنا فلا. لو أنّهم أبقوا إناء العسل في الأسفل لكنتُ سرقتُه، مِن فرط ما كنتُ أشتهيه. لكنّهم كانوا يُبقونه على رفوف عالية، ولم أكن أستطيع الصعود فوق الطاولات كما كان يفعل فيلبّس. بي شهيّة شديدة للعسل!»
«آه! أيّها الابن المسكين! سأذهب وأجلب لكَ منه بقدر ما ترغب!» تقول مرثا متأثّرةً، وتمضي مسرعةً.
«إنّما مِن أين كانت أُمّه؟» يَسأَل بطرس.
«كان لديها منازل وملكيّات قرب صفد. ابنة وحيدة يتيمة ووارثة، وقد أصبحت عجوزاً، بشعة وعرجاء بعض الشيء. إنّما غنيّة جدّاً. وبوساطة العجوز صادوق، فإنّ ابن محبوب حنّان قد حصل عليها زوجة… عقد كان صفقة معيبة، قائم كلّه على حسابات، دونما محبّة. وبعدما باع أملاك المرأة قائلاً أنّها بعيدة جدّاً عن هنا -باستثناء منزل صغير كان قبلاً للوكيل، والّذي كان قد حصل عليه على سبيل الهبة مِن السيد السابق لحياته كلّها وحياة ورثته حتّى الجيل الرابع- فقد بدّدَ كلّ شيء في مضاربات بائسة. إنّما… أنا لا أصدّق ذلك. فأنا أعلم أنّه يملك أراضٍ جميلةٍ عند الضفّة… لم يكن يملكها قبلاً… ثمّ، بعد بضعة أعوام مِن الزواج، فيما كانت المرأة هي بالفعل عند عتبة شيخوختها، وُلِد هذا الابن… وكان ذريعة لطرد المرأة واتّخاذ أخرى مِن سهل شارون، فتيّة، جميلة وغنية… والمطلّقة لجأت إلى عند الوكيل العجوز وماتت هناك. لا أعلم لماذا لم يحتفظوا بهذا الطفل. كان الأب يعتبره ميتاً.» يشرح الاسخريوطيّ.
«لأنّ يوحنّا كان قد مات وماتت مريم، والأبناء مضوا ليكونوا خدّاماً في مكان آخر. ومَن كان عليه أن يحتفظ بي إن لم أكن ابناً ولم أكن قادراً على العمل؟ ومع ذلك فإنّ ميخائيل وإسحاق كانا طيّبيَن، وطيّبتَين كانتا إستير ويهوديت. وهم طيّبون. عندما يأتون للأعياد يجلبون لي أشياء، لكنّ يوشيا ينتزعها منّي لأبنائه.»
«ومع ذلك لا يريدونكَ.» يردّ عليه يهوذا.
«الآن حيث أنا سَويّ وقويّ فسوف يريدونني. إنّهم خدّام! كما قلتُ. إنّهم لم يكونوا يستطيعون أن يقولوا للسيّد: "خُذ هذا الكسيح المريض". أمّا الآن فيستطيعون.»
«إنّما بما أنّكَ هربتَ مِن عند يوشيّا، فكيف سيستطيعون إيجادكَ؟» يقول له برتلماوس كي يجعله يفكّر.
الطفل يُصدَم مِن الملاحظة الصائبة، ويفكّر، لأنّ الإعاقة قد جعلته فَطِناً بشكل مبكّر مثلما جعلت وجهه راشداً بشكل مبكّر، ويقول مُحبَطاً: «هذا صحيح! إنّني لم أفكّر بذلك.»
«عُد إلى هناك. هم سوف يأتون في هذه الأيّام…»
«إلى هناك؟ لا. لا أعود إلى هناك. لا أريد العودة إلى هناك. أُفضّل أن أقتل نفسي!» ويجمح في غضبه الّذي يهيّجه، إنّما بعد ذلك يخرّ باكياً على ركبتيّ يسوع، قائلاً: «لماذا لم تجعلني أموت؟»
مرثا، الّتي تعود مع إناء مِن العسل، تلبث مندهشةً مِن هذه الكآبة، وبرتلماوس مُكدّر لتسبّبه بها، ويعتذر: «كنتُ أظنُّ بأنّني أُسدي نصيحة جيّدة. جيّدة للجميع. للطفل. لكَ يا معلّم، للعازر… فلا أحد منكم، ولا منّا، بحاجة لكراهية جديدة…»
«هذا صحيح! همّ حقيقيّ!» يهتف بطرس، وإذ يتأمّل بالحالة، يستخلص منها استنتاجات داخلية يختمها بصفيره المميّز، الّذي هو بالنسبة له التعبير المحسوس لحالته النفسيّة عند مواجهته لمشكلات عويصة، صعبة الحلّ.
الواحد يقترح أمراً، وآخر يقترح أمراً آخر. الذهاب إلى ناحوم. الذهاب إلى يوشيا والقول له بأن يرسل ميخائيل وإسحاق إلى عند لعازر، أو إلى مكان آخر، حيث سيكون الطفل، لأنّ مِن الحكمة عدم جعل لعازر مكروهاً أكثر ممّا هو عليه بسبب صداقته مع يسوع. عدم قول أيّ شيء لأيّ أحد وجعل الطفل يختفي، بإعطائه لتلميذ موثوق.
يهوذا الاسخريوطيّ لا يتكلّم. وحتّى يبدو غريباً عن النقاش. إنّه يلهو بشرّابات ثوبه مُـمَشِّطاً ومُشَعّثاً إياها بأصابعه.
كذلك يسوع لا يتكلّم. إنّه يلاطف ويهدّئ الطفل ويرفع له وجهه، واضعاً له بين يديه إناء العسل.
إنّ شاليم طفل، طفل مسكين يبلغ عشرة أعوام مِن العمر وقد عانى على الدوام، ولكنّه طفل على الدوام، حتّى لو أنّ الألم قد أنضجه، وأمام هكذا كنز مِن العسل، فإنّ الدموع الأخيرة تستحيل ذهول نشوة. يَسأَل، رافعاً عينيه، جماله الوحيد، عينيه الكستنائيّتين، الكبيرتين، الذكيّتين، ومُحدّقاً بيسوع ومرثا بالتناوب، يَسأَل: «كم يمكنني أن آخذ منه؟ أملعقة واحدةً مِن هذه أم اثنتين؟» ويشير إلى الملعقة الفضّية المستديرة الّتي يغرزها على مهل في العسل الأشقر.
«بقدر ما تريد أيّها الطفل. بقدر ما تحبّ. الباقي ستتناوله غداً، أو فيما بعد. إنّه كلّه لكَ!» تقول مرثا وهي تُلاطفه.
«كلّه لي!!! آه! أنا لم أحصل أبداً على كلّ هذا المقدار مِن العسل!! كلّه لي! آه!» ويشدّ الإناء باحترام إلى صدره كما لو أنّه كان كنزاً.
لكنّه مِن ثمّ يشعر أنّ المحبّة الّتي تمنحه الإناء هي أثمن منه، فيضع الإناء الصغير على ركبتيّ يسوع، ويرفع بعدها ذراعيه راغباً بتطويق عنق مرثا المنحنية فوقه وتقبيلها. هذا كلّ ما يستطيعه امتنانه، كلّ ما يستطيع منحه، هو، الصبيّ المنبوذ الّذي ليس لديه شيء ليعطيه.
يُوقِف الآخرون وضع الخطط كي يراقبوا المشهد. وبطرس يقول: «إنّ هذا أشقى بعد مِن مارغزيام، الّذي كان يحظى على الأقلّ بمحبّة الجدّ والفلّاحين الآخرين! إنّه صحيح بحقّ أنّ هناك دوماً آلاماً أعظم مِن تلك الّتي اعتبرناها عظيمة جدّاً!»
«إنّ هوّة الألم البشريّ لم تكشف عن قعرها بعد. مَن يدري كم مِن الأسرار لا تزال تخفي… وستخفي للعصور المستقبليّة؟» يقول برتلماوس مفكّراً.
«ألا تؤمن إذن بالبشرى السارّة؟ ألا تؤمن بأنّها ستغيّر العالم؟ لقد قيل ذلك في الأنبياء، والمعلّم يكرّره. أنتَ شكّاك يا برتلماوس.» يقول الاسخريوطيّ بسخرية طفيفة.
يجيبه الغيور: «لا أرى تشكيكاً لدى برتلماوس. إنّ عقيدة المعلّم ستمنح تعزيةً لكلّ المصائب، وسوف تُلَطّف أيضاً قساوة العادات والتقاليد، لكنّها لن تلغي الألم. هي ستجعله قابلاً للتحمّل بوعودها الإلهيّة بأفراح آتية. لإبطال الألم، أو على الأقل جزء كبير مِن الألم، لأنّ الأمراض والموت والكوارث الطبيعيّة ستبقى دوماً، يجب أن يمتلك الجميع القلب الّذي يمتلكه المسيح، إنّما…»
يقاطعه الاسخريوطيّ: «هذا بالفعل ما ينبغي أن يحصل. وإلاّ فما الفائدة مِن مجيء المسيا على الأرض؟»
«لنقل أنّ هذا ما ينبغي أن يحصل. إنّما قل لي يا يهوذا: أحصل هذا فيما بيننا يا ترى؟ إنّنا اثنا عشر ونعيش معه منذ ثلاثة أعوام، نتشرّب عقيدته كما الهواء الّذي نتنفّسه. فإذن؟ هل جميعنا قدّيسون، نحن الاثنا عشر؟ ماذا نفعل مِن أمر مختلف عمّا يفعله لعازر، عمّا يفعله استفانوس، نيقولاوس، إسحاق، مَنَاين، ويوسف ونيقوديموس، والنسوة، والأطفال؟ أتحدّث عن أبرار وطننا العزيز هذا. إنّ كلّ هؤلاء، سواء حكماء وأغنياء، أو فقراء وجَهَلة، يفعلون ما نفعله: حسناً قليلاً، سيّئاً قليلاً، لكن دونما تجدّد كامل. بل أقول لكَ أنّ كُثُراً، كُثُراً يتفوّقون علينا. نعم. كُثُر مِن الّذين يتبعونه يتفوّقون علينا، نحن الرُّسُل… وهل تريد أن يمتلك العالم كلّه القلب الّذي يمتلكه المسيح، إن كنّا نحن، نحن الرُّسُل، لم نكتسبه؟ لقد أصبحنا أفضل نوعاً ما… أقلّه نرجو أن يكون الأمر كذلك، لأنّه يصعب على الإنسان أن يعرف نفسه ويعرف الأخ الّذي يعيش إلى جانبه. فحجاب الجسد أَكمَد وسميك للغاية، ومتأهّب للغاية فِكر الإنسان كي لا يكون عُرضة للاختراق، بحيث يفهم الإنسان الإنسان. إنّنا دوماً، ونحن نراقب أنفسنا أو نراقب الآخرين، نظلّ دوماً عند السطح. سواء عندما يتعلّق الأمر بذواتنا، لأنّنا لا نريد أن نعرفها لئلّا نتعذّب في كبريائنا أو بضرورة التغيير. وعندما يتعلّق الأمر بالآخرين، لأنّ كبرياءنا باعتبارنا فاحصين، يجعل منّا قضاة ظالمين، وكبرياء مَن نتفحّصه ينقبض، كما تفعل محارة بمصراعيها على ما تحتويه داخلها.» يقول الغيور.
«لقد أحسنتَ القول! يا سمعان، لقد قلتَ بحقّ كلام حكمة!» يؤيّد يوضاس تدّاوس. والآخرون يقتدون به جماعة.
«وإذن لماذا أتى، إذا لم يكن عليه أن يغيّر شيئاً؟» يردّ الاسخريوطيّ.
يسوع يأخذ زمام الكلام: «أمور كثيرة سوف تتغيّر. ليس كلّ شيء. ففي المستقبل سيكون ضدّ عقيدتي ما يجري الآن: كراهية أولئك الّذين لا يحبّون النور. لأنّ ضدّ قوّة أتباعي ستكون تلك الّتي لأتباع الشيطان. كم! تحت كم مظهر! كم مِن عقائد هرطوقيّة، متجدّدة دوماً، سوف تعارض عقيدتي الراسخة، لأنّها كاملة! وكم مِن ألم سينتج عنها! إنّكم لا تعلمون المستقبل. بالنسبة لكم يبدو مُبرّحاً الألم الّذي هو الآن موجود في العالم… لكنّ الّذي يعلم، يرى أهوالاً لن تُدرَك حتّى وإن كنت شرحتُها لكم… الويل لو أنّني لم آتِ! آتي كي أُعطي المستقبليّين قواعد تكبح الغرائز عند مَن هم الأفضل، ووعداً بسلام مُقبِل! الويل لو أنّ الإنسان لم يكن ليملك، بسبب مجيئي، عناصر روحيّة قادرة على أن تحفظه "حيّاً" في حياة الروح، أن تبقيه واثقاً بمكافأة!... لو أنّني لم آتِ، لكانت الأرض بمضيّ العصور تستحيل جحيماً أرضيّاً شاسعاً، ولكان الجنس البشريّ يتمزّق، وكان ليهلك لاعناً الخالق…»
«إنّ العليّ قد وعد بألّا يرسل بعد عقابات شاملة مثل الطوفان. ووعد الله لا يُنقَض.» يقول يهوذا.
«نعم يا يهوذا بن سمعان. هذا صحيح. والعليّ لن يرسل بعد ضَرَبات شاملة كما الطوفان. لكنّ البشر سوف يخلقون بأنفسهم ضَرَبات أكثر فأكثر هولاً، والّتي مقارنةً بها فإنّ الطوفان وأمطار النار الّتي دمّرت صادوم وعامورة تبدو عقابات أكثر رحمة. آه!...»
يسوع ينهض بإيماءة شفقة قَلِقة على البشر المستقبليّين.
«حسناً! أنتَ تعلم… إنّما الآن ما الّذي سنفعله بالنسبة له؟» يَسأَل الاسخريوطيّ مشيراً إلى الصغير الّذي يتذوّق عسله بجرعات صغيرة وهو بغاية الغبطة.
«لكلّ يوم متاعبه. الغد سيُخبِر بذلك. إنّ القلق بشأن الغد لا طائل منه، بينما لا نعرف إن كنّا سنبقى أحياء للغد.»
«أنا لا أفكّر مثلكَ. وأقول أنّه ينبغي أن نعلم أين سنذهب لنقيم، أين سنتناول العشاء. أمور كثيرة. إن انتظرنا، وانتظرنا، فالمدينة تمتلئ. وأين سنذهب نحن؟ إلى جَثْسَيْماني، لا. عند يوسف سيفوريس، لا. عند يُوَنّا، لا. عند نيقي، لا. عند لعازر، لا. فأين إذن؟»
«إلى حيث سيُعدّ الآب ملاذاً لكلمته.»
«أتظنّ بأنّني أريد أن أعرف كي أُبلّغ؟»
«أنتَ تقول ذلك. أنا لم أقل شيئاً. تعال يا شاليم. إنّ أُمّي تعلم بوجودكَ هنا، لكنّها لم ترك بعد. تعال كي أقودكَ إليها.»
«إنّما هل هي مريضة أُمّكَ؟» يَسأَل توما.
«لا. إنّها تصلّي. أنّها تحتاج كثيراً إلى الصلاة.»
«نعم. إنّها تعاني كثيراً. إنّها تبكي كثيراً. وليس لمريم سوى الصلاة كي تعزّيها. لطالما رأيتُها تصلّي كثيراً. بإمكاني القول أنّها في لحظات الألم الفائق تحيا بالصلاة…» تشرح مريم الّتي لحلفى، فيما يبتعد يسوع ممسكاً الطفل بيده، وإلى الجهة الأخرى أناليا، الّتي دعاها إلى الذهاب معه لرؤية مريم.